علي محمود خاجه

بوصباح… إلّا هذي

هذا الميثاق اسمه دستور دولة الكويت، وهو نفس الدستور الذي أقسمت عليه أنت كرئيس السلطة التنفيذية بأن تحترمه وتصونه، وهو ما نجمع على احترامه نحن أيضاً كشعب حتى إن لم نقسم علناً، فهو عقد مقدس بين أهل الكويت جميعاً.

لقد طرأت على الكويت أخيراً موجة جديدة أو أسلوب جديد لموجة قديمة اسمها أسلمة القوانين، فبعد أن باءت محاولات السابقين بالفشل في تغيير الدستور جاء البعض ليسعى إلى تغيير القوانين لتكون بذلك متعارضة مع الدستور.

فأن يتوجه النائب إلى وزارة الأوقاف لاستصدار فتوى بمنع المرأة غير المحجبة من ممارسة حقوقها السياسية كاملة، لأن هذا سيمكنه في المستقبل من استصدار فتاوى أخرى من الأوقاف، فإذا سألنا لجنة الفتوى عن حكم السارق؟ فسيكون الرد قطع اليد، وهو غير مطبق طبعاً، وإذا سألنا نفس اللجنة عن حكم مصافحة النساء الأجنبيات؟ فستكون الإجابة بأن ذلك لا يجوز، وهو أمر سينطبق عليك أنت شخصياً، وآلاف الأحكام الأخرى التي ستغير شكل البلد تماماً.

إننا هنا بالطبع لسنا ضد الإسلام بقدر ما نحن نقر ما وثقه لنا آباؤنا وآباؤكم بضرورة أن تكون الدولة مدنية بها من التعددية ما يجعل الكويت قائمة على حرية الاعتقاد والبحث العلمي والحرية الشخصية، وكلها حريات جاءت في ميثاقنا المعتمد. بل لم يكتفِ الميثاق أو الدستور بذلك فحسب، لكنه رفض أيضاً أن تنقَّح مواد الحرية والمساواة إلا بما يضمن المزيد من الحريات.

ما يحدث اليوم لا يمكن اعتباره سوى ردّة على ميثاقنا الذي ارتضيناه سوياً، وتفرجكم على ما يحدث دون أن تحركوا ساكناً لا يمكن اعتباره إلا حنثا أو تجاهلا بيمين أقسمتموه ست مرات على التوالي في ثلاث سنوات.

نحن اليوم نقوم بدورنا المتواضع لحماية ميثاقنا والعقد بين الكويتيين جميعاً، ولكننا لن نستطيع صيانته كما تستطيعون أنتم، وهو واجبكم الدستوري، فلا حكم لنا سوى الدستور والمحكمة الدستورية التي لا تلوحون بها إلّا حينما يقرع ناقوس الاستجواب، إننا ننتظر منكم اليوم، كمؤتمنين على هذه الأرض وميثاقها، أن تقفوا وبحزم لأي محاولة لاقتناص النقاط على حساب ميثاق أهل الكويت مسلمين كانوا أم غير ذلك، فإن لم تستطيعوا ذلك فالاعتذار عن الاستمرار في المسؤولية قد يكون هو الحل.

خارج نطاق التغطية:

غريب أمر بعض المتشدقين بالديمقراطية فقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لمجرد زيارة 26 مواطناً إلى سمو الأمير، لقد عبر الـ26 عن رأيهم فحسب وقد نوافقهم أو نعارضهم، ولكن ليس لنا الحق أبداً في منعهم وتهميشهم، أولم يذهب أنصار القروض من ذي قبل إلى الأمير، ولم يتحرك نفس المتشدقون لرفض ممارساتهم؟ الأمير ليس حكراً على أحد، والرأي ليس فردياً فإن لم تقبلوه فلن نقبلكم.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

سامي النصف

غرام الباشوات

في عام 1910 تولى حكم بغداد احد اكثر الولاة اصلاحا وكفاءة في تاريخ العراق وهو الوالي ناظم باشا الذي ردم المستنقعات وانشأ السدود وفتح الشوارع العريضة المسفلتة وبنى المستشفيات والحدائق، وجعل السجون تدار بالطريقة الاوروبية الحديثة وانشأ الصيدليات التي تعمل 24 ساعة وجلب مكائن لرش الشوارع بالمياه، وحصل على فتاوى شرعية بتحريم عمليات الغزو التي كانت تمارسها العشائر والقبائل كما يروي المؤرخ خيري العمري.

وفي احدى ليالي صيف بغداد وضمن حفلة خيرية اقامها على ظهر باخرة نهرية لصالح انشاء احد المستشفيات التقى مصادفة وهو الشيخ الكبير سنا ومقاما بفتاة ارمنية في الـ 18 من عمرها تدعى سارة اسكندريان فهام بها حبا وعشقا وجنونا من النظرة الأولى وتقدم للزواج منها فرفضت (تظهر الصور انه كان اقرب شبها بالممثل المصري عدلي كاسب وسارة بسعاد حسني) وزاد ذلك الرفض من عشقه وجنونه وبدأت مأساتها ومأساته التي انتهت بعزله وقتله عام 1913.

فقد بدأ بالتضييق عليها ومطاردتها مما اضطرها للجوء للقنصل البريطاني الذي تعاون مع الراهبات الفرنسيات والقنصل الالماني لتهريبها في مركب متجه للهند، الا ان الباشا علم بالامر فطلب من عسكر البصرة القبض عليها مما اضطرها للقفز من مركبها الذي اعده لها القنصل الروسي الذي اقلها الى بوشهر الايرانية حيث ساعدها السير برس كوكس في ارسال برقيات الشكوى الى الاستانة تطالب فيها بوقف الوالي عن مطاردتها مما ادى الى صدور امر بعزله بعد ان اصبحت قصة عشقه مضربا للامثال وحديث الصحف والمنتديات، وقد واصلت سارة سفرها لمومبي وكان اول قرار لناظم باشا بعد عزله هو السفر لمومبي لعله يحظى برضاها فلما صدته ارتحل الى اسطنبول حيث قتل بعد وصوله في ظروف غامضة قيل انها متصلة بقصة حبه الفاضحة وخلافه مع الاتحاديين.

تقلد توفيق نسيم باشا رئاسة الوزارة في مصر 3 مرات والوزارة 7 مرات وكان رئيسا للديوان الملكي في عهد الملك فؤاد، وقد سافر للتصييف في النمسا وكان في الـ 67 من العمر فالتقى بالنمساوية ماري هوبنز ذات الـ 17 ربيعا فهام بها حبا وتزوجها على الفور، وعاد بها الى مصر حيث بدأت مأساته فقد ادعت عليه ابنتاه بالتبني أنه مختل العقل ولم يعد مؤتمنا على ثروته الضخمة، كما شنت عليه الصحافة الحزبية هجوما كاسحا لاسباب سياسية مستغلة تلك الدعوى وقالوا انه لم يعد مؤهلا لقيادة البلاد او التصرف بثرواتها.

واعلن الباشا اصراره على التمسك بحبه حتى لو ادى ذلك الامر الى ان يطلق العمل السياسي، وانحدرت الامور الى الاسوأ عندما اعترفت العروس بأنها تزوجته لتضمن مستقبلها المالي، وقام الاطباء بفحص مهين لحالته الصحية والعقلية بناء على احكام المحاكم التي صدرت لصالح ابنتيه بالتبني واتت تقاريرهم مثبتة كفاءته الصحية والعقلية (لا القلبية) وسافر الباشا الى اوروبا هربا من الفضائح حيث توفي هناك بعد وقت قصير بعد ان حرم زوجته وابنتيه من ثروته وتبرع بها كاملة للاعمال الخيرية وقد شيعت جنازته في موكب عسكري مهيب حاملا جثمان ضحية اخرى قتلها الحب.

آخر محطة:
 
1) مع قدوم الثوريات المباركة للمنطقة العربية في حقبة الخمسينيات وما بعدها توقفت قصص الحب الخالدة واستبدلت بقصص القمع والكراهية الشديدة وتعذيب المعتقلات الرهيبة.

2) اما في مجتمعنا الكويتي والخليجي فقد تسبب ارتفاع الاوزان في اختفاء القلوب بين كتل الشحم واللحم ومن ثم اختفاء الحب الصادق من الجوانح حيث ارى انه لا حب بعد التسعين وزنا لا سنا!

احمد الصراف

كارما وأوم شانتي

يقول سائق تاكسي: وصلت للعنوان وانتظرت فلم يأت أحد فضغطت على المنبه مرة وثانية وكدت أغادر المكان، ولكن شيئاً ما دفعني لأن أذهب لأضغط على جرس الباب، وهنا سمعت صوت امرأة عجوز تطلب مني الانتظار. فتح الباب بعد لحظات فرأيت سيدة في تسعينات عمرها وهي تجر حقيبة سفر بصعوبة، فتقدمت لمساعدتها، وألقيت نظرة على البيت من الداخل فوجدت أن صاحبته لن تعود اليه، فكل شيء يشي بذلك، من قطع القماش الكبيرة التي تغطي الأثاث الى خلو الحوائط من أي لوحات أو ساعات، وفراغ الأرفف من أي آنية أو حاجيات، سوى صندوق يقبع في زاوية مليء بالصور والبراويز.
اتكأت المرأة على ذراعي ومشيت معها ببطء نحو السيارة ولسانها يلهج بالشكر لما أبديته من لطف نحوها، فقلت لها انني أحاول فقط أن أعامل زبائني بالطريقة نفسها التي أود من الآخرين معاملة أمي. فسمعتها تتمتم كلاماً طيباً، وما ان استوت في المقعد الخلفي حتى طلبت مني أن أذهب بها الى البلدة القديمة، قبل الانطلاق للعنوان الذي أعطتني إياه في ورقة صغيرة، فبينت لها ان في ذلك إطالة للطريق فقالت: لا يهم فلست في عجلة من أمري، فلم يتبق لي أحد في هذه الحياة، وحسب ما ذكره أطبائي فإنني غالباً لن أعيش طويلاً. وهنا امتدت يدي لعداد الأجرة وأوقفته عن العمل!
خلال مرورنا في البلدة القديمة طلبت مني التوقف عدة مرات أمام مبان تحمل في ذاكرتها وقلبها الكثير، ونظرت في المرآة فرأيت عينيها تبرقان وهي تشير إلى معرض للسيارات وتقول: كان في مكان هذا المحل مرقص كبير، وفيه التقيت بزوجي الراحل، وكنا نأتي اليه كثيراً بعد زواجنا. ثم أشارت الى مبنى آخر وقالت انها كانت تعيش في احدى شققه العديدة، وإلى عمارة صغيرة ثانية وقالت انها ولدت في بيت كان يقع مكان تلك العمارة، وهنا بدر منها ما يشبه الضيق أو التعب وطلبت ترك مرابع صباها والانطلاق بها الى بيت الضيافة الذي ستقضي به ما تبقى من عمرها، بعد ان عاشت في تلك البلدة وشوارعها صبية ويافعة وزوجة، وقالت وقطرات دمع صغيرة تتدحرج من عينيها باحثة عن طريقها بين الأخاديد التي تملأ خديها، انني أفتقد زوجي كثيراً! وسكتت فيما تبقى من الطريق، فالموقف كان يتطلب ذلك، وقد احترمت صمتها، وكانت أشعة شمس الصباح قد بدأت بالظهور بعيداً عن الأفق، وما ان وصلنا حتى وجدنا ممرضة بانتظارها على الباب الخارجي وكأنها كانت تتوقع وصولها. اخرجت الحقيبة من صندوق السيارة الخلفي، وعندما عدت وجدتها جالسة على كرسي متحرك وسألتني عن الاجرة فقلت: لا شيء. فقالت: ولكن وراءك التزامات وهذا عملك، فقلت هناك زبائن آخرون، وهنا وبدون تفكير، انحنيت وضممتها الى صدري بحنان فتمسكت بي بقوة وقالت: «لقد منحت سيدة كبيرة في السن لحظات سعادة غالية لا تنسى، شكرا لك».
ودعتها واتجهت نحو سيارتي، وانا اغالب عبراتي، وغادرت هي على كرسيها النقال وما ان سمعت صوت اغلاق باب المنزل من خلفي حتى انتابني شعور بانه صوت انتهاء حياة.
اخذت اتجول بسيارتي دون هدف وانا غارق في افكاري، ولم تكن لدي رغبة في العمل او التحدث مع احد فيما تبقى من ذلك اليوم، فما الذي كان سيحدث لتلك السيدة لو ان سائقا عصبيا هو الذي تلقى نداء توصيلها الى مقصدها؟ او لو كان السائق قليل صبر ورفض الانتظار، او انني لم انزل من سيارتي للطرق على الباب. وعندما افكر فيما جرى في ذلك الصباح الباكر اجده من اروع الاعمال التي قمت بها في حياتي، فنحن مكيفون لاننا نعتقد ان الحياة تدور حول لحظات عظيمة، ولكن هذه اللحظات تفاجئنا من حيث لا ندري بما يقوله او يقوم به الآخرون من افعال واقوال. والناس قد ينسون ما قلناه او فعلناه من اجلهم، ولكن من الصعب ان ينسوا ما جعلتهم يشعرون به في لحظة ما.

أحمد الصراف