أنا أدخن. أعشق السيجارة وتعشقني. لا أقبل فيها نميمة عاذل، ولا أستبدلها بعطية باذل. كيف أخونها وهي تحترق لأجلي راضية؟… كثيراً ما خاطبتها في قصائد المراهقة: «قاتلتي إني من قومٍ، يخشون الضحكَ علانيةً، ويظنونَ الحزنَ وقاراً، والصمتَ سنامَ التبجيل! قاتلتي أقسم باللهِ، وبالتوراة وبالإنجيل، ومش عارف إيش، من سجّيل… الخ»، وكلمة (الخ) هذه كتبتها لأن ذاكرتي الهشة أنستني بقية القصيدة.
المهم أنني أدخن، لذا لا يمكن أن أعقد ندوة أنصح الناس فيها بترك التدخين، وإلا فأنا كذابٌ أشر، ودجالٌ يشار إليّ بالأصابع العشر. كذلك الحال بالنسبة للأخ النائب السابق الذي أغرقنا بدموعه في برنامجه التلفزيوني، لا يمكن أن يتحدث عن «القيم البرلمانية» أو أن يطالب بلجنة قيَم، أو يحاضر عن ضرورة الحرص عليها.
وآه يا دنيا يا جبانة، كم أمعنتِ في إذلالنا والتنكيل بنا، لكننا لم نكن نتوقع أن تنكلي بنا إلى درجة أن يحاضر فينا هذا الإنسان عن القيم! هل اقتربت الساعة؟ هل انشق القمر؟… بادئ الأمر لم أصدق، صرختُ في محدثي الذي أبلغني الخبر: «هل أنت متأكد أنه هو، أم تشابهت الأسماء عليك؟»، فأجابني بنبرة عزاء: «نعم، هو بشحمه ولحمه، النائب السابق والمذيع الذي أغرقنا بدموعه، وأرجوك وسّع صدرك»، فشكّكت في جدّيته واعتبرت كلامه مزاحاً، أو هكذا تمنيت، لكنه أقسم لي بأسماء الله الحسنى أنه جاد وأن الخبر صحيح.
يا ألطاف الله، معقول؟… لكن لماذا أستغرب، فعلاً هذا هو الزمن الذي يتحدث فيه «صاحبنا» عن القيم البرلمانية، وإذا لم يتحدث في الزمن هذا فمتى يتحدث… يااااه، إلى أين سننحدر؟ هل ارتطمنا بالقاع أم لانزال نهوي؟ أفيدوني فأنا لا أدري، وما يدريني بعدما تساقطت أوراق الجمال من شجرة الكويت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الكويت التي كان القمر يغار منها ويسعى إلى تشويه سمعتها، الكويت التي انتقت من حدائق بابل أجمل زهورها وتركت الأشواك للآخرين، الكويت التي كانت شابة فتية عفية، عاشقة ذكية، مبتسمة، راقصة، ضاحكة، لو عاش فيها، أيام عزها، جنكيز خان، لكان أفضل عازف بيانو، ولو ترعرع فيها هتلر لحصل على جائزة نوبل للسلام، ولو تمشى موسوليني في أسواقها لكان أشهر مصمم أزياء… هرمت هذه الكويت الشابة وخرفت حتى وصل بها الأمر إلى أن سمحت له بتقديم محاضرة عن القيم البرلمانية. آخ ليتها اعتزلت وهي في عز مجدها وفي أوج بهائها قبل أن تتحول إلى «أطلال».
هرمت الكويت، ولم نعد نستغرب ظهور العجائب على أرضها، وغداً سنقرأ عن بعير يطير، وعن سمكة تعمل مانيكير، وحمامة تصعد بالأصانصير، ما دام الذي شتم أحد الوزراء على فضائية خليجية بكلام يعف عنه لسان نجوى فؤاد وتخجل منه زيزي مصطفى وتضع فيفي عبده إصبعيها في أذنيها كي لا تستمع إلى مثله، يتحدث الآن عن القيم! أين أنت أيها «الخرطي» العزيز، كنا نسخر منك فجاءنا أخوك «الظر…» فبكينا عليك. ارجع أيها «الخرطي» ولك منا القبول والرضا بكل ما تمليه علينا. ارجع أرجوك فقد افترى علينا أخوك.