بينما كنت أجمع أطفالي وأقاربهم بعد أن انتهينا من زيارة حديقة للحيوان بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وقبل ركوب السيارة، أوقفتهم في (طابور) مع ابنتي الكبرى، وأخرجت قنينة مياه معدنية ليغسل كل واحد منهم يديه، وتقوم ابنتي بعد ذلك بوضع قطرات من المعقم على أيديهم…
في تلك الأثناء، مر بالقرب منا رجل من أهل المنطقة الشرقية في شاحنته الصغيرة التي حولها الى «كشك» لبيع ألعاب الأطفال وهو ينادي: «بالونات… سيارات ريموت… ليزر…»، ثم توقف لحظة أمامنا وهو ينظر باستغراب ثم واصل مسيره وهو ينادي: «بالونات… العاب… انفلونزا الخنازير… سالمين من كل شر… تعقيم… تعقيم» بأسلوب جعل من سمعه يضحك بصوت عالٍ، أو يبتسم وهو يشاهد عملية التعقيم الملفتة للأنظار.
هذا الوباء، سبب هلعا للجميع.. في كل بلدان العالم، وبما أن الكثير منا شعروا بالحزن والأسى لفقد من قيل إنهم توفوا بسبب الإصابة بالوباء، إلا أن هذا الحزن والأسى ضاعف من حالة الهلع والخوف، وتضاعفت الحالة أكثر نتيجة ما يتناقله الناس من معلومات تتعلق بخطورة التطعيم الخاص بالوباء في المجالس والوظائف وعبر البريد الإلكتروني، وزاد الطين بله، برنامج «بلا حدود» الذي بثته قناة «الجزيرة» مساء يوم الأربعاء الماضي، واستضاف أحد الأطباء ليتحدث عن التطعيم الخاص بالوباء، متهما منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع شركات الأدوية، وتبعا لذلك، أصدرت وزارة الصحة يوم الخميس بيانا أكدت فيه دعمها لقرارات الصحة العالمية، داعية المواطنين الى عدم تصديق ما قيل وعليهم أن يلتزموا بإرشاداتها.
ولعلني أظن أن من الصعب الآن اقناع الكثير من المواطنين والمقيمين بأخذ التطعيم، وسيرفضه الكثيرون، مع العلم أن المسئولين بوزارة الصحة والعديد من الأطباء طمأنوا الناس بسلامة الدواء لكن كلما تداول الناس فرضية «المؤامرة»، كلما أصبح أمر اقناعهم بالتطعيم صعبا، حتى مع تضخم حالة الهلع من الوباء.
ولست في الحقيقة أمتلك (الحقيقة) وراء كل ما يجري، وربما وجدني البعض أجري مع الناس وهم يجرون هربا وهلعا بسبب عطسة أطلقها أحدهم في مجمع تجاري أو في مركز صحي، أو حتى في طابور الخباز! غير أنني، ومع استشعار خطورة تسجيل المزيد من الحالات المصابة والوفيات، وتشديد الإجراءات الوقائية خصوصا في المدارس، واستلام سيل من التحذيرات والتنبيهات تارة، والتطمينات والتهاون وتكذيب ما يجري عبر بريدي الإلكتروني، أقول إنني وجدت أن وباء انفلونزا الخنازير ليس شرا مطلقا! أتعلمون لماذا؟.
أقول لكم… لو استرجعنا حملات التوعية الصحية والتشجيع على النظافة الشخصية والوقاية من الأمراض منذ كنا صغارا في المرحلة الإبتدائية، حتى اليوم، فلن نجد (طفرة) توعوية فريدة من نوعها بين الناس بمختلف فئاتهم، كما هو الحال اليوم… فنسبة الوعي والالتزام بالاشتراطات الصحية، والنظافة الشخصية، والحذر من انتقال الجراثيم والميكروبات في الأماكن العامة، و(التسبوح) كل يوم مرات ومرات، ووضع سوائل التعقيم في السيارات وفي حقائب النساء وفي دورات المياه العمومية والمقاهي والأسواق لم نشهد له مثيل… فهذه (حسنة) من حسنات وباء انفلونزا الخنازير وقانا الله سبحانه وتعالى واياكم منه.
وليس هذا فحسب، فقد أصبح (المؤمن والملحد) على حد سواء، يتسلحون بالأدعية والآيات القرآنية والأذكار المأثورة التي تقي الإنسان من السوء، وما أن تفتح بريدك الإلكتروني أو تتجول في المواقع الإلكترونية، أو تتسلم رسالة على هاتفك الجوال، حتى تتلقى سيلا من النصائح بحفظ آيات قرآنية كريمة وأدعية تحفظك من الإصابة بالمرض، حتى أن بعضهم، لأنه لم يكن متعودا، يتلعثم «ويتخربط» وهو يحاول تكرار آية قرآنية أو دعاء مأثور محاولا نفعك بحفظه وهو أصلا لم يتمكن من حفظه.
على أية حال، فإن ارتفاع حالة الوعي والحذر أمر مطلوب دون شك، لكن أن تتحول حياة الكثيرين الى هلع وخوف ووجل، فهذه قد تصيب البني آدم بأمراض أشد خطورة من انفلونزا الخنازير.
دمتم سالمين في رعاية الله جل وعلا