محمد الوشيحي

واحد

نحن في عصر نتمنى أن يأتينا فيه المغرب. متى يرتفع أذان المغرب وينتهي هذا العصر الثقيل الطويل الممل المعل؟ عصر الإدارة الحكومية التي تكش الذبابة من وجهها فتبتسم الذبابة ساخرة وتضرب كفّاً بكف وتشتم الدنيا والزمن.

ولمَن يسأل عما حدث للزميل زايد الزيد أقول: «أصابته إنفلونزا الخنازير». هاجمه خنزير، والخنازير تجبن أمام الرجال، لذا كانت الحادثة مجرد «عطسة خنزير» أعقبها هروب سريع، لا أكثر. والخنزير المهاجم ليس كويتياً، كما يعتقد زايد من اللمحة السريعة، بل عربي. وهذا يدل على أن خنازير الكويت دخلت عصر الاحتراف في ظل هذه الإدارة الحكومية الرخوة. مع التركيز على أننا لا نتهم الحكومة في القضية هذه، ولا نتهم أحدا بعينه أو من دون عينه، نحن نتهم هشاشة الرخويات وساعات هذا العصر الحكومي الطويلة.

زايد يعرف جيداً أنه لن ترضى عنه اللصوص حتى يتبع ملتهم، وينزل إلى السرداب معهم، لكن قامته الطويلة لا تسمح له بالانحناء أمام باب السرداب. مشكلة. وإلى أن تجد الحكومة حلاً سريعاً لعلاج هذه الإنفلونزا، سنعتبر زايد هو الرقم «واحد»، وستكرّ السبحة بإذن الله، وسيملأ الكتّاب ورؤساء التحرير غرف المستشفيات، وسيتبادلون الزيارات والورود والعصائر، من باب حقوق الجيرة، وستتحول الكويت إلى واحدة من غابات الأمازون، وسيرتعب مقاتلو رواندا من بشاعة جرائمنا. فاليوم زايد وغداً صديق زايد وبعد غد ستنقلب الآية ليسقط خصم زايد، ولن يكون سقوط خصمه بـ»عطسة خنزير» بل بـ»عضة نمر» تنقله من عالم إلى آخر. ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.

وقد يتساءل البعض: «ربما هي قضية شخصية لا علاقة لها بآراء زايد ولا بخطّه السياسي»، فنجيب هؤلاء البعض: لو كانت القضية شخصية، لما أظهرها زايد أمام العلن، ولدفنها تحت تراب الصمت، لكن ما حدث هو العكس، زايد هو الذي يطالب بالقبض على الجناة وعرضهم أمام الشمس. وزايد ليس غبياً ولا جباناً، كما أعرفه من قرب.

على أن تساؤلاً أهم من هذا كان يشغلني ولايزال: لماذا لم تصدر وزارة الداخلية بياناً كما جرت العادة في مثل هذه الحوادث؟ (الساعة في يدي الآن تشير إلى الخامسة إلا ربعاً عصر الاثنين)، أم تراها تريد الإيحاء للناس أن الحادثة بسيطة، لا علاقة لها بالرأي ولا بجرائم الرأي، وأن زايد لا يستحق حبر البيان، فهو مجرد كاتب والسلام، ومَن يستحق فقط هم الشيوخ والوزراء والنواب والتجار؟! لا أدري. الذي أدريه أن وزارة الداخلية تتحدى القبور في صمتها، إلى هذه اللحظة، وهذه خطيئة نتمنى ألا تكون مقصودة.

نحن نتجه إلى «المرحلة الحمراء»، إن لم نكن قد دخلناها فعلاً، وهي مرحلة يُكثر فيها الناس ترديد: «إنّا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ». 

سامي النصف

الكويت على سطح صفيح ساخن

ليس هناك افضل من التعرض لإعلامي أو سياسي أو رجل دين لإثارة البلبلة والفوضى في أي بلد، فالحرب الاهلية اللبنانية الاولى تمت على معطى مقتل الصحافي نسيب المتني والثانية على تداعيات قتل السياسي معروف سعد، كما اشتعلت الحرب العراقية ـ الايرانية بعد محاولة اغتيال طارق عزيز في جامعة المستنصرية وأطلقت شرارة الحرب الاهلية القائمة في العراق بعد استشهاد السيد محمد باقر الحكيم.

والاعتداء هذه الايام على اعلامي أو سياسي أو رجل دين في بلدنا أمر متوقع، فللفساد الكويتي انياب و«عجرات» تحميه وتدافع عنه، لذا تمدد وتوسع وغطت روائحه البر والبحر، ومع قبولنا بالتحول من مشروع الدولة الحديثة الى ولاءات القبيلة والطائفة والعائلة، علينا ألا نستغرب على الاطلاق ان تقرر عصبية ما ان مسؤولها الحكومي فوق النقد والمحاسبة، وان من يمسه بقول أو مقال يتم مسه بالدم.

كما ان تشجيع الحكومات المتعاقبة على تغييب القانون والاستماع لأصحاب الواسطات وتتابع نشر احكام التبرئة أو الاحكام المخففة في الصحف، جعل كثيرين يؤمنون بأننا نعيش في دولة «كل من إيدو الو» الهزلية ومن ثم التمادي في استخدام تلك اليد لأخذ ما يعتقدون انها حقوقهم، لذا كثرت عمليات الاعتداء على الاطباء والموظفين والمدرسين والاعلاميين وحتى الضباط ورجال الشرطة.

ويزيد الطين بلة تسابق السلطتين على التفريط في المال العام لإفساد ـ ولا نقول ارضاء ـ ابنائهم المواطنين بحيث يحصلون على الاموال دون عمل أو جهد، ولا نعلم أين ستتوقف تلك الافكار والمقترحات غير المسبوقة في تاريخ البشرية؟ وهل ستقوم الحكومة مستقبلا بإنشاء شركات للالكترونيات والمقاولات ووكالات السيارات ومكاتب الخدم.. إلخ، وتوزيع أسهمها على المواطنين مجانا كما حدث مع بنك وربة المتنازع عليه بين والدي الطفل الكويتي المدلل كما وصفتنا السفيرة العزيزة ديبورا جونز؟!

كل شيء قابل للحدوث في دولة الاحلام التي نعيشها هذه الايام.

وحسنا فعلت غرفة التجارة في كشفها وفضحها لأخطاء مشروع قانون العمل في القطاع الاهلي الذي سيضمن تساوي الموظف والعامل في ذلك القطاع المهم مع اخيه في القطاع العام، أي تشجيع عدم الانتاجية والتوسع في الاجازات المرضية حتى يتم تدمير القطاع الخاص بعد ان دمر المشرعون المدغدغون وغير المحترفين القطاع الحكومي، الكويت تعيش على سطح صفيح ساخن وما نراه هو مشروع انتحار امة لا إحيائها.

آخر محطة:

الحمد لله على سلامة الزميل زايد الزيد من الاعتداء الآثم، وما تشوف شر.

احمد الصراف

«براهما كوماريز».. والرسالة خالدة

كثيرا ما تغنينا بـ «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ومن أجلها لقي الكثير من مؤدلجي الأمة وسذجها وأبريائها حتفهم من دون أن يتمكن أحدهم من معرفة حقيقة مضمون تلك الرسالة الخالدة، وكأن اليابان أو شعوب الاتحاد الاوروبي مثلا لا رسالة خالدة لديها، ولكن هذا موضوع مقال آخر.
***
للمرة الثانية خلال أقل من ثمانية أشهر أعطيت نفسي فرصة للانسحاب من صخب الحياة، بكل ما فيها من مقابلات واتصالات هاتفية ورسائل إنترنت وشيكات وايجارات وخلق أموال وصرفها وتوقيع الرسائل والعقود، حيث تركتها خلفي والتحقت وعائلتي بمجموعة جميلة من الشباب والصبايا والكهول من الجنسين ببرنامج براهما كوماريز Brahma Kumaris او الجامعة العالمية للروحانيات، الذي اقيم قبل ايام في اكسفورد – انكلترا، و«براهما كوماريز» هي مؤسسة غير نفعية وغير حكومية يقع مقرها في منطقة آبو ماونتن في ولاية راجستنان – الهند. وقد تأسست قبل سنوات عدة ولها 8500 مركز في اكثر من 100 دولة وجزيرة، وكمؤسسة تعليمية فإن عدد الملتحقين بها بصفة مستمرة يبلغ حاليا 850 الفا من مختلف الاعمار والمشارب من الباحثين في بلوغ اعلى درجات معرفة النفس والتحكم بها، ورفع مستوى مساهماتهم في المجتمع من خلال التعليم الروحاني وممارساته العملية في الحياة، كما تهدف المجموعة الى مساعدة الافراد في ان يكونوا اكثر انسانية وروحانية وسلاما مع البيئة والعائلة ومكان العمل.
المهم في عمل هذه المجموعة، التي تهدف اساسا الى نشر السلام العالمي من خلال ترسيخه في نفوس الافراد بتدريبهم عمليا أو روحانيا، على قبول فضائل المحبة والتسامح ومعرفة النفس والسيطرة على الغضب والبعد عن حب التملك او الرغبة في التحكم بمن نحب او نعمل مع من، والتخلص نهائيا من الخوف او من فناء الجسد، المهم في عملها النبيل ايمان القائمين عليها بأن ما يقومون بتقديمه من دروس لا يمكن تقديره بثمن، وبالتالي فهم لا يتقاضون شيئا مقابل عملهم ولا حتى مقابل خدمات الضيافة والطعام وعشرات التسهيلات المهمة الاخرى التي تقدمها، وتكتفي بقبول التبرعات غير المشروطة من الافراد والمؤسسات، اضافة الى ان جميع العاملين في مراكزها الـ 8500 لا يتقاضون شيئا مقابل عملهم مهما علت او تدنت اهميته.
الفكرة اكثر من رائعة، والعالم بأسره احوج ما يكون اليها، ولكن يصعب ترويجها في دولنا من دون صعوبات جمة، فنظرية المؤامرة لا تزال تلقى رواجا عظيما بين افراد المجتمع بحيث يصعب تسويق فكرة بكل هذا الزخم النفسي والعاطفي، وربما السياسي، والقول بعدها ان من يقف وراءها لا يبتغي مالا ولا جاها ولا سلطة، بل نشر المحبة والسلام.
واخيرا، فإن «براهما كوماريز» تأسست قبل 75 عاما تقريبا، اي قبل النكبة والنكسة والفشلة وقيام اسرائيل وظهور النفط وحروبنا الاهلية ومحاولات الوحدة الفاشلة وحركة الانقلابات العسكرية المتتالية، وبالتالي لا يمكن اتهامها بأنها جزء من المؤامرة علينا.

أحمد الصراف