محمد الوشيحي

ابتعدوا عن الحريق


نصاب ابن كذاب مَن يسمّي ما يجري الآن بين الحكومة والبرلمان والصحافة «سياسة». أفّاق ملعون مَن يوهم الناس ويخدعهم بقوله إن ما يحدث الآن هو لعب عيال. التسمية الصحيحة والحقيقية لما يحدث هي «احتراق بلد»، نقطة على السطر. وقد شوهدت الحكومة في موقع الحادث وفي يدها اليمنى كبريت وفي اليسرى علبة بنزين، لكن أحداً لم يشاهد نيّتها، والأعمال بالنيات. وقد قيّدت القضية ضد الديمقراطية، وضد المعارضة، نواباً وكتّاباً، وضد الهيئات العالمية التي فضحت سترنا ومزّقت ثيابنا وكشفت جسمنا العليل.

وسابقاً – أقصد في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، لا تعودوا إلى السبعينيات – كان للبرلمان هيبة ولا هيبة ملك، برلمان بشنب درزي، وقامة عثمانيّ ضخم، وصوت فهد بلّان الجهوري، واليوم أصابت الشنب ثعلبة، وسقط العثماني مريضاً يتعاطى الأدوية وفيتامينات فتح الشهية، وبحّ صوت البلّان وتقطعت حباله. وكانت الحكومة تمتلك مجموعة من النواب، والآن مجموعة من النواب تمتلك الحكومة. تبديل عملة. وكان يقود «نواب الحكومة» مخضرم بحجم طلال العيار، بكل أدبه وذوقه وحيائه، والآن يقودهم مرمرم بحجم حسين القلاف، بكل تصريحاته وتحريضاته وتناقضاته، على يمينه يقف علي الراشد وعلى يساره سلوى الجسّار. وكنا نخاصم وننتقد «حدس» بكل عنفوانها وتخطيطها ونوابها ناصر الصانع ومبارك الدويلة ومحمد البصيري وغيرهم، فابتلانا الله بنوّاب لا نعرف وجه أحدهم من قفاه. وكان المرشح الجاهل الأخرق الأهوج يرشح نفسه للانتخابات ويعلن عن جوائز للناخبين عبارة عن أراضٍ في لبنان، وتذاكر إلى دبي وبيروت، فنضحك غضباً، واليوم وبدعم حكومي من الخلف يريد أن يمتطي ناقة معركة الجهراء ويتسلل من بين أسوار الكويت، علماً بأن أحداً من ربعه لم يُذكر اسمه في قائمة شهداء «معركة القصر الأحمر»، لكنه سيصل إلى البرلمان، فإن لم يحصل هذا الجاهل على العضوية في مثل هذا الزمن، فلن يحصل عليها مطلقاً.

* * *

معالي وزير الداخلية هدد قبل فترة أنه سيرفع عليّ دعوى قضائية على خلفية اتهامي له بتضليل الشعب ونوابه، فرقصتُ طرباً، واقترحت عليه أن يرفع القضية من جهة ويراهنني على مئة وخمسين ألف دينار من الجهة الأخرى، فإن كان هناك قضية ولها ملف ورقم فسأخسر أنا الرهان، والعكس صحيح. وكنت أمنّي نفسي بربح هذا المبلغ كي أدفعه مع «طلب الإسكان» وأحصل على أرض أبني عليها منزلاً، فتنتهي حياة التنقل بين بيوت الإيجار، ويبدأ عهد الاستقرار.

وجلسنا أنا وعائلتي نتناقش في تفاصيل البيت، ووفقنا الله وتخانقنا على تصميم الصالة والمطبخ التحضيري، وتراضينا. ودارت الأيام ويدي على خدي وعين على الروزنامة والأخرى على مخطط البيت في انتظار اتصال محامي «الجريدة» الزميل حسين العبدالله، وجاء الفرج أخيراً وأبلغني الزميل حسين أن عليّ التوجه إلى المحكمة للتحقيق في القضية المرفوعة ضدي… من النائب سعدون حمّاد.

معالي الوزير، إذا كنت ترى المبلغ كبيراً فراهنِّي على فلوس الزكاة، مئة وخمسة وعشرين ألف دينار فقط، وسأتدبر أنا باقي المبلغ. بس استعجل الله يطول عمرك قبل لا تروح.

سامي النصف

من يود لا يجامل

لو رأيت صاحبا لك توده يسير بسيارته على طريق ينتهي بهاوية فثناؤك على مساره او حتى سكوتك عنه سيضره، ولن ينفعه الا ان تخلص له النصح وتبين له كيف سينتهي به ذلك الدرب، وهذا حقيقة ما ينقصنا بشدة في الكويت حتى نتوقف عن التعثر المتكرر والسقوط في الحفر والافخاخ التي تنصب والشوك الذي ينثر. لا اوافق على تقصّد سمو رئيس مجلس الوزراء بالنقد غير الهادف ولا اوافق في الوقت ذاته من نصح سمو الرئيس برفع دعوى قضائية على الكاتب الشاب ناصر الشليمي، للاسباب التالية:
 
1 ـ المقال المعني نشر في 3/8، اي عز فترة الصيف لكاتب غير معروف ـ مع الاحترام لشخصه ـ لا يملك في رصيده الصحافي والاعلامي الا 5 مقالات فقط، وعليه فإن رفع الدعوى بعد عودة المصطافين والمسافرين هو الذي تسبب في اعلاء صيت ذلك المقال وتعريف الناس بمحتواه، لذا فإن كان هناك ضرر حقيقي من قراءته فالمتسبب فيه هو من نصح برفع الدعوى بنسبة 80% والكاتب 20%، وهي نسبة زيادة قراء المقال بعد الاعلان عن القضية في «جميع» الصحف ووكالات الانباء مقارنة بما كان قبله من نشره في صحيفة واحدة. 2 ـ المقال ينتقد اداء مملكة سوازيلاند الافريقية حاله حال من ينتقد اداء شركة اراد والده التعامل معها، هذا النقد لا يمس الوالد ومن ثم فمن له حق الشكوى والدعوى هم القائمون على تلك الشركة او المملكة بأكثر ممن قام بزيارتها،. 3 ـ سمو رئيس مجلس الوزراء شخصية تصدت للعمل العام ومن ثم فجزء من هذا القبول يعني تقبل نقد القرارات التي يصدرها والاتفاقيات التي يعقدها. 4 ـ لا ارى على الاطلاق كيف سيكسب ويربح صاحب الدعوى، فعامل الردع والزجر المفترض سيتحول الى عامل اغراء وتحفيز، حيث سيحلم كل كاتب مبتدئ ـ وحتى مخضرم ـ بأن يرفع سموه قضية عليه حتى يشتهر وتتم قراءة مقالاته في الداخل والخارج، وقديما قيل ان الصحافي او الاعلامي يعشق ان يرى اسمه مكتوبا ومنتشرا بين الناس حتى لو كان على.. شاهد قبره! 5 ـ لو تمت خسارة القضية، وهو امر متوقع، فسيصبح شكلها غير جيد بحق سموه كونها لا تظهر ايمانه المعروف بالحريات الاعلامية ولا تعكس ما اشتهر عن برغماتيته السياسية، اما اذا تم كسبها فلن تردع احدا خاصة من يقال انه المقصود الحقيقي من رفع تلك الدعوى، الدين النصيحة والود النصيحة، والنصيحة المثلى التي نقدمها لسموه هي بالاعلان السريع عن سحب تلك الدعوى. وفي هذا السياق، لا اتفق تماما مع الزميل الشاب ناصر الشليمي (المدعى عليه) في الجداول التي ينشرها لتقييم اداء النواب، حيث وضع درجة واحدة ثابتة لجميع الانشطة (10 درجات)، وهذا خطأ جسيم، فالمفروض ان يكون للحضور والتواجد 30 درجة على سبيل المثال، اما الاسئلة التي يكتبها عادة اما السكرتارية او حتى اي شخص لديه قضية او حقد على المسؤولين فتعطى 5 درجات، كما يجب تقييم تقديم المقترحات المفيدة للدولة والمواطنين بـ 25 درجة، اما المناكفة الدائمة للسلطة التنفيذية والتي تمنعها من العمل فلها 30 درجة بـ «السالب»، كما يجب ان تمنح النزاهة ونظافة اليد والبعد عن استخدام الكرسي الاخضر للاثراء غير المشروع 100 درجة كاملة لا تنقص درجة.

آخر محطة:
 
1 ـ ابتدأ شهر اكتوبر وانتظمت الدراسة في العالم اجمع، ولو استمعنا لمن هدد وتوعد من النواب والكتّاب لكنا الدولة «الوحيدة» في العالم التي ينام ابناؤها هذه الايام للظهر ثم يتمون يومهم بالتسكع في الشوارع والمقاهي والاسواق ودور السينما، هل من اعتذار نسمعه ممن هدد وتوعد؟! لا.

2 ـ لابد ان وكيـــلة وزارة التربيـــة تقوم بعمل رائع لـــخدمة ابنائنا واجـــيالنا المســـتقبلية بدلالة هجوم بعض النواب الذين لم نعرف عنهم قط الا تقصّد الاكفاء والامناء من العاملين بالدولة.

3 ـ ثروة الكويت الحقيقية هي في أبنائها الطلبة، لذا نرجو اختيار «الاكفأ» و«الافضل» و«الاذكى» لمنصب وكيل وزارة التعليم، فقد شبعنا حتى الثمالة من تعيينات المحاصصة والترضية والعلاقات الشخصية التي تدمر ولا تعمر، ولو عددناها لاحتجنا الى كتاب لا مقالة، من يحب الكويت يختر لها الافضل.

احمد الصراف

زغلول و«الايفانجلستس» (1/2)

لم تخل فترة من التاريخ من وجود من يسعى للاستفادة من حاجة الآخرين لتفسير الظواهر الطبيعية، خاصة ما تعلق منها بما وراء الطبيعة. ومن هنا كرس الكثير من اصحاب المواهب والقدرات غير العادية والمفوهين من الخطباء وقتهم لشرح هذه الامور، سواء كمصلحين او متكسبين، او من الساعين لكسب احترام الغير. وكانت حياة رجل الدين، او الوسيط والمفسر، تتسم عادة بكم كبير من الزهد، كما هم رجال الدين الهندوس، والبوذيون ورهبان الأديرة وحتى من بعض المسلمين الذين عرفوا بتفرغهم للدعوة الصادقة ابتغاء الاجر وخدمة الغير. ولكن مع انتهاء الحروب الكبرى واستقرار الدول وظهور التلفزيون وانتشاره كأداة ترفيه وتثقيف وترويج لمختلف البضائع، فقد استخدم البعض من رجال دين وغيرهم وسائل الاعلام الجديدة والواسعة الانتشار لترويج معتقداتهم ودياناتهم، وكان الايفانجلستس Evangelists، او المبشرون بالبروتستانتية، وهو المذهب السائد في اميركا واجزاء من اوروبا الغربية من اوائل هؤلاء. وقد تمكن هؤلاء المبشرون، عن طريق برامج التلفزيون ووسائل الدعاية الاخرى، من تحقيق ثروات خيالية، لانفسهم وكنائسهم، مما وفر دعما لمعتقداتهم من جهة ووفر مستوى معيشيا غير عادي لهم بكل المقاييس.
وقد فضحت وسائل الاعلام نفسها الكثيرين منهم، بعد افتضاح طرقهم وتلاعبهم بمئات ملايين الدولارات، وقد ادى ذلك الى تأثر الموارد المالية للكثير من الايفانجلستس. ولكن عجلة التبرع للكنائس والجمعيات الدينية الخيرية عادت الى سابق عهدها مع زيادة التطرف الديني في العالم الاسلامي والعربي بالذات، لتبلغ ذروتها مع احداث «غزوة» الحادي عشر من سبتمبر الكبيرة، والتي كان لها الاثر الايجابي العميق في زيادة عدد مرتادي دور العبادة وزيادة تبرعاتهم لكنائسهم.
وكما اخذنا عن الغرب فكرة المسلسلات التلفزيونية والمسابقات والخدع السينمائية وطرق ترويج البضائع وخلق الحاجة لها عن طريق الاعلان الذكي، فقد اخذ البعض، عنهم، فكرة التكسب من الدين، وهو ما لم يكن معروفا بمثل تلك الفجاجة والقوة قبل انفجار ارصدة حسابات الافراد والدول الخليجية العربية! فأين دعاة اليوم من نجوم التلفزيون الذين لو قارنا طريقة معيشتهم بمعيشة الزهد والتقشف التي كان عليها، ولايزال، رجال دين حقيقيون، لشعر الكثيرون بالخجل مما يجري من متاجرة بالدين وكذب وخداع وتدليس، والأخطر من ذلك أن أحداً لا يكترث بالسؤال عن صحة ما يقوله هؤلاء الدعاة الجدد أو ما يروجون له ولا في معرفة حقيقة قصصهم ورواياتهم.
وقد كتب محمد عطيف في موقع «إيلاف» الإلكتروني ان الداعية سلمان العودة وقع عقداً «خيالياً» لسنة واحدة مع قناة فضائية شهيرة مقابل مبلغ 12 مليون ريال! وقال إن من المفترض ان الدعوة يجب أن تتم لوجه الله ومن دون مقابل، وأن هناك حرباً إعلامية مستعرة بين القنوات على الفوز بالدعاة، وحرباً أخرى بين الدعاة أنفسهم للفوز بأكبر العقود وأسمنها. وقد زادت شعبية هؤلاء، وزاد الطلب عليهم مع وقوع كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وقبلها بسنتين، وما سبق ذلك ورافقه وتبعه من تهجم ونقد جارح لمعتقدات الآخرين وطقوسهم.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

مقاومة «الفئة الضالة»

 

مساء الخميس الماضي، سنحت الفرصة لحضور جلسة حوارية في أحد المجالس الأهلية بمدينة الدمام بشأن الدور المجتمعي للتصدي لأفكار الفئة الضالة من الإرهابيين، وأكثر ما ميز تلك الجلسة، هي الأفكار الشبابية المعتدلة و(المفاجئة) بالنسبة لي ولكثيرين غيري…

لقد كانت النسبة الأكبر من الحضور هي من الشباب، وكانت المداخلات تأتي من الشباب الذين يتصفون «بالوسطية» والاعتدال في التعامل مع قضايا الدين والدنيا، لكن أكثرهم كانوا مقتنعين تماما، بأن التصدي لمظاهر الضلال والإرهاب، يتطلب دورا أكبر للباحثين المعتدلين من الجنسين، بالإضافة الى دور علماء الدين ذوي الاتجاهات الدينية المعتدلة بعيدا عن المتطرفين الذين هم حتى اليوم، يغذون فئة الشباب بالأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تستهدف أمن بلادهم وأهلهم، وخصوصا أن هناك اجماعا على رفض هذه الممارسات من قبل أبناء الشعب السعودي.

ووجدت أنه من الأهمية بمكان عدم إغفال الجهود التي يبذلها الباحثون السعوديون، وكذلك عدم تجاهل ما يطرحه الكتاب والمثقفون في الصحف المحلية، وقد سقت مثالا مهما، وهو عبارة عن دراسة قيمة تحت عنوان: «دور المجتمع ومؤسساته في تحقيق الأمن الفكري» أجرتها الوكيل المساعد للشئون التعليمية بالمملكة الجوهرة بنت فهد آل سعود، وهي دراسة يتوجب نشرها على كل الأصعدة ليستفاد من محتواها.

الباحثة الجوهرة ركزت على تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، بل هي تعرفه بأنه: «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أمن الوطن للخطر».

وفي الحقيقة، كانت الباحثة جريئة عندما تطرقت في دراستها إلى الأضرار النفسية والاقتصادية والأمنية، مما يتطلب مقاومة الفئة الضالة، ويؤكد على الدور المهم للتربية بصفة عامة، والتربية الأمنية بصفة خاصة، لأن الباحثة تؤمن بأن التربية الأمنية تسهم في توضيح القيم الروحية والأخلاقية والدينية للمجتمع، وكذلك توضيح المفاهيم المغلوطة حول قضايا الغلو والتطرف التي شاعت بين بعض أفراد المجتمع.

وفي هذا السياق يأتي التأكيد على أهمية التربية الأمنية ودورها؛ فإذا كان على الجهات الأمنية ملاحقة الإرهابيين والضالعين في أحداث العنف والتطرف، فإن على التربويين مسئولية تعزيز الأمن الفكري والاجتماعي، لكونهم الأقرب إلى فئة الشباب والطلاب، والأعلم بخصائصهم العقلية والنفسية والانفعالية.

إن الميدان الأول لمكافحة التطرف والإرهاب هو ميدان الفكر، ولكون التربية ومؤسساتها المختلفة معنية بصناعة الفكر، وغرس القيم والاتجاهات، فإن ذلك يحتم الاهتمام بتطوير المؤسسات التربوية، لتتحول إلى مصانع للفكر المعتدل والناضج الذي يقود الوطن إلى شرفة التميز والإبداع، ويحتم التأكيد على أهمية قيم التماسك والتوحد في مواجهة تيارات العنف والتطرف.

هذه النظرة لا تحتاجها المملكة العربية السعودية الشقيقة التي نتمنى لها وللشعب السعودي الكريم التوفيق والسداد والأمن والتقدم في ظل قيادتها الرشيدة… بل تحتاجها كل دول الخليج والدول العربية التي تواجه خطر «الفئة الضالة» التي تعمل ضد الدين الإسلامي