سامي النصف

مشروع الدولة ومشروع الكعكة

عندما كان الآخرون في الإقليم يعاملون بلدانهم كما تعامل الكعكة ونحن نعامل بلدنا كما تعامل الدول سبقناهم بخمسين عاما، وعندما بدأنا بالتعامل مع بلدنا بمنهاجية الكعكة التي يتم التسابق على قسمتها وأكلها وتحولوا هم للتعامل مع مشروع بناء الدولة أصبحوا يسبقوننا بخمسين عاما وهذه هي الإجابة المختصرة على السؤال المتكرر الذي يطرح يوميا «لماذا تقدموا وتخلفنا»؟!

ففي مشروع الدولة تبنى المشاريع لخدمة جميع الناس وفي مشروع الكعكة تسرق المشاريع لتنفيع القلة من ذوي الحظوة والبأس، في مشروع الدولة تتصاعد روائح العطور والبخور من المشاريع التنموية الناجحة وفي مشروع الكعكة تفوح روائح المجاري والمخلفات البشرية من المشاريع التدميرية للفرخة المذبوحة أو الكعكة المقسومة.

في مشروع الدولة يخطط لبقاء الوطن ألف عام، وفي مشروع الكعكة يختفي الوطن في أقل من الف دقيقة او حتى ثانية، في مشروع الدولة يستخدم السلاح للدفاع عن الأوطان ضد الغاصب المحتل حماية للأجيال القادمة، في مشروع الكعكة يأتي الغاصب والمحتل من الداخل فيستخدم السلاح وعمولاته لإسعاد أجياله المقبلة دون غيرهم.

في مشروع الدولة أول من يدعم هو المسؤول النزيه والنظيف وفي مشروع الكعكة أول من يؤجج ضده ويضحى به هو المسؤول العفيف والشريف، في مشروع الدولة يقرب المنظرون وحملة الأفكار وفي مشروع الكعكة يقرب الموظفون وحملة الأسرار، في مشروع الدولة يضحى بألف مسؤول فاسد لأجل الوطن، في مشروع الكعكة يضحى بالوطن ألف مرة لإنقاذ مسؤول فاسد واحد فيحمل على الأكتاف كي يغرق ويغرقهم معه.

في مشروع الدولة الاعتداء على المال العام خط أحمر يطرد ويعزل من يقوم به، وفي مشروع الكعكة الاعتداء على المال العام خط أخضر يطرد ويعزل من لا يقوم به، في مشروع الدولة يمتلئ المجتمع بالأصحاء نفسيا وجسديا فتشعر بالسعادة والرضا على وجوه الجميع، وفي مشروع الكعكة تتفشى الأمراض الجسدية والنفسية على الجميع ويطغى الحقد والحسد فينعكس الحزن والبؤس على النفوس.

في مشروع الدولة يتسابق الشعب ونوابه ومسؤولوه على العطاء والتضحية والبذل وفي مشروع الكعكة يتسابق الشعب ونوابه ومسؤولوه على الأنانية والجشع والبخل، في مشروع الدولة يتسابق المسؤولون على الدفاع عن مشاريعهم «النظيفة» في وسائل الإعلام، في مشروع الكعكة يختفي هؤلاء المسؤولون تحت جنح الظلام كونهم يعلمون إنه لا يوجد هناك ما يستحق الدفاع عنه.

في مشروع الدولة الجميع تحت القانون والمحاسبة وفي مشروع الكعكة الجميع دون استثناء فوق القانون والمحاسبة، في مشروع الدولة يضحى بالأرواح لأجل الوطن، في مشروع الكعكة يضحى بالوطن لأجل حفنة قليلة من أرواح المتجاوزين والسارقين، في مشروع الدولة يتسابق الناس للحروب دفاعا عن الوطن، في مشروع الكعكة يتسابق الناس للهروب مخرجين ألسنتهم لذلك الوطن.. المنهوب.

آخر محطة:
 
(1) في مشروع الدولة يزهو ويفرح الرجال فخرا بما حققوه وفي مشروع الكعكة يبكي الرجال كالنساء حزنا على وطن أضاعوه.

(2) الشكر الجزيل للزميل النائب علي الدقباسي لتقديمه مقترح قانون تجريم دعاوى الكراهية، راجين سرعة الإقرار وتشديد العقوبات قبل لا يضيع علينا الوطن.. الكيكة..!

احمد الصراف

خطاب ما قبل الموت

قبل أن أموت أتمنى أن أحقق حلم السفر بسفينة فضاء، او طائرة ذات قدرات خاصة، تنقلني في جولة حول منطقتنا لأراقب الناس وأشاهد افعالهم، وأدرس اتجاهاتهم عن قرب، وأتمعن في تصرفاتهم وسعيهم في البحث عن لقمة عيش وفرصة عمل وسقف يقيهم تقلبات الطقس، وان أحاول «فهم» ردود افعالهم تجاه الكثير من المواقف. فالفضول الشخصي، الذي لم يكن قط جزءا من شخصيتي، يدفعني الآن، وانا في الثلث الاخير من عمري، لان اعرف الناس اكثر عن كثب، فلماذا يتجه الكثيرون يسارا، بينما العالم يتجه يمينا، او العكس؟ ولماذا امتنا- مثلا- تنظر لكتفها الأيمن تارة والأيسر تارة، عدة مرات في اليوم، بينما العالم اجمع ينظر امامه وهو يدير اضخم الآلات ويحركها يمنة ويسرة ليخرج منها اعظم المنتجات وادق المحركات واكثر المنتجات فائدة؟! فما اراه عن بعد يدعو حقا للاسف والحسرة والالم الشديد في غالب الاحيان، فالاغلبية الساحقة من امتنا «المغيبة» مشغولة بممارسة «طقوسها» اليومية بعيدا عن كل ما له علاقة بالتقدم والعلم والتآخي وحب الغير.
اقول كل ذلك بمناسبة صدور تقرير الامم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2009، حيث بيّن اننا المجموعة البشرية الوحيدة بين سكان الارض الذين تزداد ثرواتهم ونسبة المتعلمين بينهم، ويزداد في الوقت نفسه تخلفهم وجهلهم. كما اننا الكتلة البشرية الوحيدة التي يتحكم بمصيرها- منذ عقود- اكبر نسبة من الحكومات الدكتاتورية، ونُصرّ في الوقت نفسه على الدعاء بألا يغير الله علينا. ولو اعدنا قراءة تقارير الامم المتحدة السابقة لهذا التقرير لوجدنا، كما ساءت احوالنا وتناقصت حيلتنا في الخروج من مآزقنا، وان شيئا يجب يهزنا من الاعمال ليصحو الثلاثمائة مليون انسان من عميق سباتهم!
يقول التقرير ان اجهزة الدولة في 8 دول عربية من اصل 20 دولة تمارس مختلف الانتهاكات لحقوق البشر ولا تتردد في حجز المعارضين وتعذيبهم وحتى قتلهم، كما تحولت قوانين الطوارئ المؤقتة لدائمة، وهذا اتاح للحكومات فعل ما تشاء. وعلى الرغم من ان غالبية الدول العربية اعضاء في اتفاقيات حقوق الانسان، لكن غالبيتها- ان لم جميعها- لم تقم بتعديل تشريعاتها لتتلاءم مع تلك الاتفاقيات!
كما ان نصف لاجئي العالم البالغ 16 مليونا، هم من الدول العربية (وربما البقية من دول اسلامية!)، كما ان قضية الكثيرين منهم هي الأطول عهدا.
كما يفوق عدد النازحين داخل بلدانهم عدد اللاجئين، حيث يبلغ 10 ملايين تقريبا، في السودان والصومال والعراق ولبنان، واليمن.
وتطرق التقرير لوضع المرأة في الدول العربية وشدد على انتشار ظاهرة العنف ضدها، سواء الأُسري منه الذي يتمثل بالضرب والاغتصاب، والقتل في احيان كثيرة، او الاجتماعي المتمثل في تشويه الاعضاء التناسلية للمرأة واجبارها على الزواج والحمل المبكر والحرمان من التعليم.
وورد في التقرير ان عدد سكان الدول العربية سيبلغ 395 مليونا بعد 6 اعوام فقط، علما بأن نسبة البطالة في الدول العربية الآن تبلغ 5.14% مقارنة بــ 3.6% فقط كمعدل عالمي، وهذا يعني ان الدول العربية تحتاج بحلول عام 2020 الى توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة، وهذا امر يصعب تحقيقه، ولنا ان نتصور تبعات ذلك اجتماعيا واقتصاديا.
وشدد التقرير ع‍لى ان النمو المتقلب دليل على ضعف الاقتصاد، كما هي حال دول مجلس التعاون النفطية ومعها الجزائر وليبيا والعراق.
وختم التقرير بمجموعة توصيات تتعلق بضرورة تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة واعادة توجيه الاقتصاد والقضاء على الجوع واصلاح الاوضاع الامنية واستقلالية القضاء.. وهذه جميعها على الرغم من اهميتها القصوى، لكنها لا تحظى بأي اهتمام في الغالبية الساحقة من الدول العربية، وهذا سيكون مضمون خطابي قبل فنائي!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي


فاتيما بنت
 بروفيت محمد

مشكلة إيران بعد الثورة بسيطة جداً، يمكن علاجها في أقرب مستوصف، ومن دون الدخول على الطبيب، يكفيها ممرض ومرهم وشاش وحيّ على الفلاح. المشكلة هي أن إيران استبدلت أشياء بأشياء، فهي كانت تصدّر الزعفران وأصبحت الآن تصدّر الثورة، أي أن المسؤولية انتقلت من «سوق الجملة» إلى «سوق المخابرات». وهي كانت تحت قيادة الساسة فأصبحت تحت قيادة الدراويش، أي أن السياسة فيها انتقلت من قاعة البرلمان إلى قاعة الحوزة الدينية.

والرئيس الرائع أحمدي نجاد، عتبَ على خصومه الذين انتقدوا تشكيلته الوزارية، وقال لهم مستغرباً: «انظروا إلى شدّة تدين أعضاء حكومتي». أي أنه شكّل حكومته من أئمة المساجد المتعصبين. وهؤلاء سيقودون البلد من ياقة قميصه إلى هاوية الدروشة والمشاكل الطائفية مع الجيران.

وبما أن فخامة الرئيس نجاد يبحث عن المتدينين المتطرفين والخزعبليين، فليته يقوم بتوزير السيد محمد باقر الفالي، الخطيب الإيراني الكوميدي، الذي أتى إلى الكويت قبل فترة، وأشعل النار في أسفل ثوبها، ثم غادرها على وقع تقبيل يديه من أتباعه، بينما سيارات المطافئ تحاصر قصر السيف (مقر مجلس الوزراء). وفي دولة «البرتغال» ظهرت قصة خيالية قبل عقود من الزمن، تحكي عن ثلاثة أطفال كانوا يلعبون في إحدى ساحات مدينتهم، والمدينة اسمها «فاتيما سيتي»، وسمّيت بهذا الاسم نسبة إلى إحدى أميرات العرب الأسيرات بعد الحروب الصليبية، والتي تزوّجها أمير برتغالي، وسمّى المدينة باسمها.

المهم أن الأطفال عادوا إلى أهليهم وأبلغوهم أنهم شاهدوا نوراً أطلت خلفه مريم العذراء، وأنها أمرت الأطفال أن يبلغوا أهل القرية بتخفيف الفسق الذي تجاوز الحد، والتقليل من شرب الخمر، وغير ذلك من النصائح. وتم بناء كنيسة في مكان ظهور العذراء المزعوم.

لكن الفالي في خطبته الجميلة ذكر أن الأطفال شاهدوا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأنها لم تنههم عن الخمر بل طلبت التخفيف من شربه، ولم تنههم عن الفسوق بل طلبت التخفيف منه، وأنهم سألوها: مَن أنتِ؟ فأجابتهم: أنا فاتيما بنت «بروفيت» محمد (ولمن لا يتحدث الإنكليزية، كلمة «بروفيت» تعني نبيّ). أي أن فاطمة رضي الله عنها تتحدث مع أطفال البرتغال بلغة إنكليزية مخلوطة بالعربية. ورغم طفولتهم ولغتهم اللاتينية فإنهم فهموها دايركت. وهذه نصيحة للرئيس الرائع أحمدي نجاد، لا أريد من ورائها جزاء ولا شكوراً: باقر الفالي بإمكاناته الهائلة، التي تدفع مستمعيه ومريديه إلى إطلاق صيحات الإعجاب، يستحق منصب وزير المالية، أو محافظ البنك المركزي. وبالتوفيق.

***

شكرا معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الشيخ جابر المبارك… فبعد نشر مقالتي السابقة عن الطفل الكويتي الذي يرقد في أحد مستشفيات لندن، والذي يحتاج إلى جهاز تنفس، تلقيت اتصالين، بتكليف من معالي النائب الأول، الاتصال الأول جاء من مدير العلاج في الخارج في وزارة الدفاع الشيخ صباح العبد الله، والثاني من الخلوق سالم العنزي، من الإدارة ذاتها. وقد أوضحا لي أن الموضوع تحت متابعة معاليه الشخصية، وأنه أمر بشراء الجهاز قبل نشر المقالة بيومين، ولكن بسبب الإجراءات الإدارية اللازمة، وصلت الموافقة إلى لندن في اليوم ذاته الذي نُشرت فيه المقالة.

فشكراً لهما أيضا، وشكراً لمسؤول المكتب الصحي التابع لوزارة الدفاع في لندن، الرائد أسامة اللهو، الذي قيل لي إنه كان كثير الإلحاح في طلب شراء الجهاز… بيّض الله وجيهكم. 

احمد الصراف

اجعل من قلبك مصنع قلوب

ما ان انتهى المحاضر من موضوع محاضرته عن «الاخلاقيات في مكان العمل» حتى وقف أحد الحضور ووجه التساؤل التالي للمحاضر: أعمل مديرا رئيسيا في إدارة مشتريات المواد في شركة كبيرة. وقد التحقت بعملي قبل 25 عاما كمهندس متدرب، وتدرجت في عملي واكتسبت خلال هذه الفترة خبرات جيدة داخل المؤسسة. في سنوات عملي الأولى، كانت الوظيفة تشكل تحديا كبيرا لي، وكنت أستمتع بعملي بشكل كبير، ولكن مع مرور الوقت تبخر ذلك الاستمتاع وأصبحت أشعر بالملل والضيق من عملي، فلا شيء جديد بعد أن أصبحت أعرف كل صغيرة وكبيرة في وظيفتي! ولكن مع هذا، انا اعيش في البيت نفسه منذ أكثر من 40 عاما، وأنا ما أزال ابن الأب نفسه لأربعين عاما، كما أنني، ومنذ خمس عشرة سنة، أب للأبناء أنفسهم، وزوج للسيدة نفسها لفترة مقاربة لذلك، ومع هذا فإنني في هذه الأدوار الشخصية لم أشعر قط بالملل، فيرجى أن تخبرني عن سبب شعوري بالملل من روتين حياتي في العمل، وليس من الروتين نفسه في البيت؟
جواب المحاضر كان مثيرا للانتباه ومقنعا في الوقت نفسه حيث قال: يرجى أن تخبرني لمن تطبخ أمك؟ فكان جواب المدير بأنها لا شك تطبخ للآخرين. فقال المحاضر، من الطبيعي أن تطبخ الأم للآخرين، فالأم «تخدم» الآخرين، وبسبب هذا الميل للخدمة فإنها لا تشعر بالملل والسأم مما تقوم به. ولكن في المكتب فإننا نحاول تقديم «عمل»، وليس «خدمة»، فالخدمة تجعل من يؤديها يشعر بالسعادة لما يعود عليه من رضا الآخرين عن أدائه أو خدمته، فكل خدمة نقدمها للآخرين لا يمكن أن تجعلنا نشعر بالسأم والملل، وهذا هو الفرق بين العمل والخدمة.
وهنا طلب المحاضر من الجميع اعتبار عمله خدمة وليس فقط واجبا مطلوب منهم أداؤه. وهذا تحليل سليم ومسلٍ إلى حد كبير، فعندما نضع عملنا ضمن اطار ومعنى أوسع ونعتبره خدمة فإننا سنشعر حتما بالرغبة في تقديم شيء من الداخل، هنا يصبح الموقف الذي نتخذه مهما، فإن كنا نعتقد بأننا نعمل لجهة ما فإننا سرعان ما سنشعر بالانزعاج، ولكن إن قمنا بأداء ما علينا القيام به كخدمة للآخرين، وأننا نحصل على عائد ما مقابل أداء تلك الخدمة، فهذا سوف يبعد الملل عنا حتما. وعلى اي حال فإن الحرية هي أن نقوم بأداء ما نحب، ولكن السعادة تكمن في أن نحب ما نقوم بأدائه. وتقول «ارونا لادفا»: اجعل من عقلك مصنع ثلج، واجعل من شفتيك مصنع حلويات، واصنع من قلبك مصنع قلوب، وبعدها ستشعر بالكثير من الرضا.
***
ملاحظة: مترجم بتصرف من رسالة صديقة هندية على الإنترنت.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الدول… الطائفية

 

استطاع مؤسس ومدير معهد بوسطن الإسلامي الإمام طلال عيد الإستحواذ على اهتمام حضور ندوته التي عقدت مساء أمس الأول الثلثاء بقاعة المحاضرات في مركز عيسى الثقافي تحت عنوان: «التسامح واعتدال الخطاب الديني» بحضور سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك بفضل عمق خطابه وبساطته وصراحته ودعوته الصادقة خصوصا فيما يتعلق بتشخيص حالة الصداع بين الشيعة والسنة في المجتمعات الإسلامية، بيد أنني واحد من الذين تمنوا أن يخصص الإمام عيد جزءا من ندوته للتحذير من (الدول الطائفية) بعد أن أجزم على أن الحل الأنجح لمعالجة الخلافات السنية الشيعية هو ترشيد الخطاب الديني.

لذلك، تساءلت في جلسة جانبية مع عدد من الأخوة والأخوات الحضور عن كيفية ترشيد تعامل بعض الدول العربية والإسلامية التي هي ذاتها كحكومات وكسلطة تتبنى الطرح الطائفي؟ فهل يا ترى، في الإمكان ترشيد الخطاب الديني بين الطائفتين الكريمتين وغيرهما من الطوائف والديانات في ظل دولة غارقة في الطائفية حتى النخاع؟ فهذه دولة عربية تتبنى حملة ضد مواطنيها الأقباط، وأخرى تشعل نار الفتيل بين السنة والشيعة، ودولة إسلامية ثالثة تبنت (طائفة جديدة) من وعاظ السلاطين لتنكل بالسنة والشيعة على حد سواء.

وكانت الآراء متفاوتة، اتفاقا واختلافا، لكن من دون شك، فإن تبني حكومات عربية وإسلامية للتفتيت الطائفي بات واضحا، ولهذا، فمن الضرورة بمكان أن يكثف العلماء المعتدلين انتقاد تلك الحكومات التي تدرك خطورة نهجها الطائفي لكنها مستمرة فيه، حتى باتت الكثير من المجتمعات الإسلامية تنام وتصحو على أزمات طائفية، ولهذا أيضا، كان الكاتب اليمني فيصل جلول مصيبا حينما ركز في اطروحاته حول الطائفية والمذهبية في الدول العربية علىرفض التسامح اطلاقا مع كل حديث طائفي او مذهبي، واعتبار المتحدث مجرما وتقديمه للقضاء بهذه الصفة طالما ان الدساتير والقوانين العربية لا تعرَّف المواطنين بالقياس الى مذاهبهم وطوائفهم وانما بالقياس الى انتمائهم الوطني او العربي.

الإمام طلال عيد وصف العقود الماضية بأنها مثلت تاريخا مليئا بالحزن بين الشيعة والسنة نظرا لحساسية الموضوع، وأن هذه الحساسية تتنامى في كل بلد يعيش فيه السنة والشيعة، وأن لا طريقة أفضل من ترشيد الخطاب الديني بحيث يكون متوافقا مع خطاب القرآن الكريم المليء بالأسس التي تساعدنا في أن ننجح في ذلك، لكنه ساق مقارنة مفيدة، مشيرا الى الولايات المتحدة الأميركية التي أسست مجالس للحوار بدأت بأتباع الديانتين المسيحية واليهودية رغم الخلافات العميقة بينهم، واستطاعوا القفز على خلافاتهم بالحوار الذي شجعته اميركا بل وتشجع المؤسسات التي تؤمن بالحوار من خلال دعمها بالمنح المالية.

وأيضا، كان المحاضر صريحا حينما اعترف بأنه في بداية مشواره في خطب الجمعة، كان يستخدم الخطاب العنيف وباستخدام مفردات الأمر والنهي، لكنه غير خطابه بعد أن عاد الى القرآن الكريم والى خطب نبي الأمة محمد (ص) ولم يجب فيها اطلاقا ما يشابه ما هو منتشر من خطب جمعة عنيفة شديدة، فكانت الثمار يانعة، حيث أصبحت خطبه أكثر فاعلية من سابقتها.

إن علماء الأمة المعتدلين اليوم مطالبين برفض كل اشكال التعاطف والتضامن مع المذهبيين والطائفيين تحت اية حجة من الحجج، فلا الظلم يبرر انبثاق الطائفية ولا الديموقراطية تجيز الطائفية ولا حقوق الانسان تفرض تشريع الانقسام المذهبي لأن كل الحجج والذرائع التي يستخدمها الطائفيون والمذهبيون حجج وذرائع باطلة والغاية منها تفتيت الأوطان… لكن تصبح المشكلة أكبر حين تتبنى دول وحكومات هذه الذرائع.

سامي النصف

الشعبويون يدمرون الكويت

لا تعتبر الكويت على الاطلاق من بلدان الثراء الحقيقي، حيث إن بلدنا لا صناعة ولا زراعة ولا حتى تجارة أو حتى قطاع خدمات فيها (بعكس جيراننا)، إنها تعتمد في دخلها على بيع مادة خام ناضبة لا يستطيع أحد التحكم في أسعارها التي تقفز إلى أعلى وإلى أسفل كالكرة المطاطية.

ولا تستثمر بلدنا في الثروة الحقيقية الدائمة أي الثروة البشرية، حيث تدخل كبار العلماء من النواب في المناهج المدرسية الحكومية وحتى الخاصة فتحول التعليم إلى مصنع لتخريج وتفريخ الأميين والموظفين بدلا من المنتجين والمبدعين القادرين على العمل وجلب الموارد المالية.

ولم يسمع خلال التاريخ بمطالبات «شعبوية» قريبة من مطالبات كبار العلماء من نوابنا الأفاضل فمنذ الدولة الرومانية والعباسية ومرورا بالإخشيدية ودولتي الخروف الأبيض والأسود في العراق، وحتى دول الثراء الشديد الحالية أمثال النرويج وسويسرا ولوكسمبرغ وسنغافورة وبروناي واليابان وألمانيا والولايات المتحدة، إلا أن أحدا منهم لم يطالب بإسقاط الضرائب والقروض والمكوس وإعطاء المنح المالية المجانية للناس كما طالب بذلك أحد كبار العلماء من النواب في لقاء تلفزيوني عرض مؤخرا.

ولم يكتف كبار العلماء من النواب بتدمير حاضرنا بالمطالب الشعبوية كما بين ذلك الأخ الفاضل أحمد باقر ضمن سلسلة مقالاته الشائعة التي تنشرها تباعا الزميلة «الرؤية» بل امتد تدميرهم للمستقبل، فقد تمخضت تلك المطالبات عن خلق عجوزات مالية ضخمة تقدر بعشرات المليارات في مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي يعتمد عليها جميع الكويتيين لتأمين معيشتهم في أواخر عمرهم مما يجعل مستقبل الشعب الكويتي وخاصة محدودي الدخل فيه.. كحلي غامق.. جدا!

آخر محطة:
 
1ـ وفي جميع أنحاء العالم دون استثناء يتدرج الراتب التقاعدي للنائب والوزير حسب عدد سنوات الخدمة (كحال الوظائف الأخرى)، أما في بلد الشعبوية المدمرة فما ان يتقلد أحد منصب الوزارة أو النيابة ولو لأسابيع أو أشهر قليلة حتى يمنح راتبا تقاعديا كاملا يدفع من أموال الشعب الكويتي الصابر المودعة لدى التأمينات الاجتماعية.

2 ـ نتقدم في هذا السياق بتعديل شعبوي هام كي يتبناه أحد كبار العلماء النواب من غلاة الشعبوية وذلك بأن يمتد هذا الكرم الحاتمي لجميع الوظائف الأخرى فمن يعمل شهرا أو شهرين من الموظفين يستحق ـ كحالهم ـ راتبا تقاعديا كاملا تطبيقا لنصوص وروح الدستور الذي يفرض المساواة بين الشعب و.. نواب الشعب.. ومرة أخرى لك الله يا كويت.

احمد الصراف

خدعة إثراء جديدة

صرح عادل الفلاح، وكيل الاوقاف (القبس 26/7) والاب الروحي لمشروع مركز ولجنة زرع وغرس وبث وتوزيع الوسطية في الكويت والعالم، بانه رفع مذكرة الى مجلس الوزراء لإنشاء «مركز وطني لتأهيل العمالة المنزلية». وقال ان المشروع من اعداد قطاع «الثقافة» في الاوقاف، وان آثاره الايجابية ستشمل 500 الف خادم من خلال ما سيقدم لهم من دورات تدريبية وورش عمل، تسهيلا لتعايشهم مع الاسر، بعد ان تزايدت مشاكلهم كما ونوعا ونتج عنها قضايا تحتاج الى رصد وتحليل وعلاج، ولما لهم من دور في تنشئة الاطفال والسلوك العام في المجتمع، خاصة ان الصحف تطفح يوميا بالكثير من الاحداث التي يكون طرفها احد الخدم.
وقال الفلاح ان هدف المشروع تهيئة هؤلاء الخدم للتكيف مع كفلائهم اجتماعيا، تربويا ونفسيا، وتعريفهم بقيم وعادات المجتمع الكويتي وابراز وسطية الاسلام! كما يهدف هذا المشروع غير المسبوق على مستوى العالم، والبشرية جمعاء، الى توعية نصف مليون عامل بالواجبات المنوطة بهم داخل الاسرة وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وفق قانون العمالة المنزلية الجديد، وتوعيتهم بالاجراءات المترتبة على «التملص» او الهرب (يا سلام!) وتحفيزهم على «التحقق بالوعي المتكامل» (وهذه انا لا اعرف ما تعني فكيف بخادمة سيلانية بسيطة لا تعرف غير لغتها، وبلهجة محددة؟) وترتيب انشطة هادفة لهم وتقديم هدايا مشجعة واشعارهم بالامان.
واقترح الوكيل انشاء ادارة مركزية للمشروع و6 مراكز تأهيل على 6 محافظات، على ان يتم تزويد كل مركز بصالة للكفلاء ومقهى وتلفزيون ومنشورات ومطويات بلغات متعددة واجهزة تصوير ووسائل سمعية وبصرية وتعليمية، ويدير كل مركز مدير يساعده 10 مدرسين وعاملا نظافة ومراسل وحارس امن وحافلتان و3 سكرتارية ومشرف اعلامي ومستشار نفسي، الى جانب انشاء مكتب استشاري علاجي للعمالة المنزلية، ووحدة خاصة للترجمات باللغات المختلفة ووحدة قاعدة بيانات، ونظام كمبيوتر يربط المراكز عن طريق برنامج كمبيوتر، ما يخرش الميه، مع اخصائي صياغة برامج التدريب والتدريس للمساهمة في معالجة القضايا الاجتماعية والنفسية والسلوكية المرتبطة بنصف مليون عامل. كما يتطلب المشروع انشاء مركز للقيام بالدراسات الميدانية، ومركز آخر للقيام بتقييم دوري لعمل هذا المشروع الوطني العبقري. كما ستكون هناك ورش عمل لتدريب 500 الف خادمة على فنون الاسعافات الاولية واستخدام الاجهزة المنزلية فضلا عن تعليمهم بعض مبادئ الايتيكيت (يا سلام، مرة ثانية)!
لا حاجة لكي اقسم بانني لو قرأت مسودة هذا المشروع باللغة الفرنسية في كتيب صادر عن الحكومة السويسرية لما صدقت ان بامكانها تحقيق نصف ما تضمنه من وعود، فكيف الحال، وحكومة اوقاف دولة الكويت الاكثر بعدا عن الايتيكيت وتدريب خدم المنازل على استخدام غسالة الصحون، هي التي ستتولى العملية، وبست لغات مختلفة!
الجانب الاعجازي الآخر في المشروع، حسب تصريح الوكيل لـ«القبس»، ان تكلفته على المال العام لن تزيد على 165 الف دينار (بس؟).
وهنا ايضا انا على استعداد لقص يدي اليمنى ان كان هذا صحيحا. فيا مجلس الوزراء عليكم بالحذر من هذا الامر، فعدد الاسئلة وعلامات الاستفهام على هذا المشروع يتجاوز الخمسة ملايين سؤال وعلامة!
فمجموع رواتب 20 موظفا فقط في المشروع لسنة واحدة كاف لالتهام ميزانية السنة الاولى. وواضح هنا ان السيد الوكيل يود تكرار سيناريو «مركز الوسطية» الذي التهم من المال العام عشرة ملايين دينار ولم يحقق غير مجموعة من الاصفار.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

الجويهل صح

أما الأمر الغريب الآخر فهو أن يكون هنالك أناس بتلك السذاجة والسطحية ممن يؤمنون فعلا بطرح الجويهل، بأن من يخرّب البلد هم ممن لم يعيشوا داخل السور منذ نشأة الكويت إلى حين اكتشاف النفط.

وقبل أن أسترسل في الرد على هذا المعتقد الغريب، لا بد لي أن أشير إلى أن ما حدث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من تجنيس عشوائي لتغيير موازين القوى في البلد كان له الأثر الكبير على تركيبة المجتمع الكويتي والإخلال بانسيابية سيره، والحكومات المتعاقبة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذا الذنب الذي لا يغتفر أبدا.

لكن، كما نعلم جميعا بأن أعظم دول العالم وهي الولايات المتحدة (وبالمناسبة فإن عمر الولايات المتحدة منذ نشأتها هو من عمر الكويت تقريبا) ما هي إلا خليط من المهاجرين واللاجئين والمشردين والعصابات، اجتمعوا في أرض واحدة على فترات متفاوته ليجعلوا من الولايات المتحدة، وخلال فترة وجيزة، الدولة الأعظم من حيث النظام والقانون في العالم، ومازالت أميركا تجنّس بشروط ليست صعبة ومازالت تتطور.

إذن فإن التجنيس بحد ذاته أو الكويتيون الجدد ليسوا هم المعضلة، فدخول الأجانب على الكويت بأفكار ومعتقدات غير دارجة في المجتمع قد تشكل صراعا طفيفا بالمعتقدات والرؤى للأمور، ولكن سرعان ما يذوب هذا الصراع تحت إطار القانون والمؤسسة، إلا أن العلّة كل العلّة هي ألا يوجد قانون ومؤسسة تحمينا من صراعاتنا، وهو ما يتحمله ثلّة من أبناء السور كما يسميهم الجويهل وغيره ممن سلموا الأمور إلى سلطة لم تكن تفقه ما تفعل، وكانت تعتقد أن الدولة ستسير بطريقة جيدة إن أقدموا على جريمة التجنيس دون قانون، فقد قتلوا سلطة التشريع منذ منتصف الستينيات حتى بداية الثمانينيات، وهي الفترة نفسها التي قاموا بها بالتجنيس العشوائي، فدخلت المعتقدات الجديدة على الكويت، وحدث الصراع دون أن يكون هناك سلطة قانونية تحد من هذا الصراع وتذيبه.

إن أعظم فترة عاشتها الكويت ما بعد التجنيس العشوائي هي فترة الغزو الغاشم الذي شهد التلاحم والتعاضد بين الأغلبية العظمى من أبناء الكويت سواء كانوا داخل السور أو خارجه، فقد سن الشعب قانونه المتآلف المتضامن بعيدا عن تكتيكات السلطة لدق الإسفين والتفرقة.

طرح الجويهل ليس هو الحل بالتأكيد، وتبنيه لن يزيدنا سوى مأساة فوق مآسينا الكثيرة.

للعلم فقط: إن من خان الكويت من جماعات الإخوان ولصوص المال العام في فترة الغزو هم من داخل السور، وها هم يعيشون بين ظهرانينا معززين مكرمين، ولن يمانعوا من تكرار أفعالهم إن تم ترحيل كل من هم خارج السور.

خارج نطاق التغطية:

 http://the-3-monkeys.blogspot.com، هذه المدونة الجميلة نشرت موضوعا يستحق القراءة والتفكير.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي

آخر الدواء… الميسم

«الحاجة تصنع المعجزات، والخوف يضاعف القدرات»، هكذا تقول الكتب، وهكذا قال مدرس العلوم. وكان أن أخبرني أحد الأصدقاء، أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة، عن جارهم العربي الذي يسكن الدور الثاني ويستمتع وزوجته بحقهما الشرعي وفتحة التكييف غير مغطّاة، ويمكن أن نطل ونتفرج بالبلاش المجاني، فاتفقنا وذهبنا لمشاهدة الفيلم الحي، وعشنا أياماً في تبات ونبات، نشاهد المنظر كل ليلة ونكتم ضحكاتنا، إلى أن تظهر كلمة «النهاية» فنعود أدراجنا ونرقع بضحكاتنا المكبوتة! لكن ولأن «السعادة لا تدوم لكائنٍ»، فقد شاهَدَتنا المرأة وصرخت بأعلى صوتها «يا لهوي» فالتفت إلينا زوجها، وحيد القرن، بعينين تنفثان الشرر وترسلان الخطر، وكشف عن أسنان صفراء من غير سوء، فقفزنا إلى الأرض بسرعة، فاصطدمت أسنان صاحبي بركبته، وراح يبكي ويعرج ويجري إلى مشارق الأرض، بسرعة تُخجل العدائين الأولمبيين، وأنا رحت أبكي وأجري إلى مغارب الأرض، ويبدو أن صاحبي أنهى دورته ولف الكرة الأرضية كاملة وعاد إلى الشارع نفسه، فاستأنف الرحلة من جديد لشدة هلعه. الغريب أنه كان سميناً بعض الشيء وكان يحجل كالغراب، فمن أين أتى بهذه السرعة وهذه الرشاقة؟ إنه الرعب الذي يضاعف القدرات.

حكايات كثيرة و»قصصات» على رأي ولدي الفصيح، كلها تؤكد أن الإنسان يمتلك طاقة لا يستخدمها إلا في الكوارث. ونحن اليوم في زمن كارثي، وفي حاجة وخوف، تقودنا حكومتنا إلى وادٍ غير ذي زرع، لا زمزم فيه ولا مطعم، وما إن نخرج من مصيبة ونغسل وجوهنا من غبارها ونسند ظهورنا إلى الجدار لنسترد أنفاسنا، حتى نسمع نحيباً رهيباً وعويلاً ثقيلاً، فندير رقابنا تجاه الحكومة علّها تمدنا بمناديل، فإذا الحكومة مثلنا تبحث عمّن يمدها بمناديل! وأظن أن الخوف والحاجة سيدفعاننا إلى استخدام آخر الدواء، الميسم والنار والكي، وهذا ما يجري الآن التحضير له من بعض النواب، كما بلغني، فالخيل تُسرَج اليوم وتُزعفَر، والسفن تم حرقها، والحرب المقبلة ستكون الأخيرة، فإما أن تسقط المدينة أو يموت المهاجمون.

***

معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وصلتني رسالة من والد طفل كويتي مريض، يرقد في العناية المركزة في أحد مستشفيات لندن. الطفل عمره ثلاث سنوات، وهو مُرسل على حساب وزارة الدفاع، وقد سمح له الأطباء – منذ الثالث من شهر يونيو الماضي – بالخروج شريطة توافر جهاز تنفس صناعي قيمته 16 ألف جنيه استرليني، لكن عباقرة المكتب الصحي الكويتي في لندن «طوّلوا السالفة وعرّضوها» كعادة الموظفين عندما تتلبسهم «النحاسة». والمضحك في الأمر، إن كان في المآسي ما يُضحك، هو أن تكلفة الليلة الواحدة في العناية المركزة تبلغ ثلاثة آلاف جنيه استرليني، أي أن الإخوة عباقرة المكتب الصحي صرفوا حتى الآن نحو 270 ألف جنيه استرليني، وسيرتفع المبلغ مع بقاء الطفل في العناية، في حين أنّ بإمكانهم جلب الجهاز المذكور، وتوفير الأموال العامة والدموع الحارة.

معالي النائب الأول، صورة الطفل التي وصلتني تذيب صخور الجبال، وتحيلها إلى صلصال. والقلم في يدك، والأمانة في رقبتك، وشكراً بالنيابة عن الطفل ووالده، مقدماً. 

احمد الصراف

يوم سقطت الحضارة العربية الإسلامية

نشر محمد عز الدين الصندوق، الاستاذ في جامعة سري SURRY البريطانية، دكتوراه في الفيزياء من جامعة مانشستر، ملخصا لدراسة بعنوان «السبق والتخلف الحضاري العربي». ولأهميتها وتعلقها بظروف العرب والمسلمين، فقد وجدت ان من المفيد تلخيصها، والتعليق عليها.
يقول الاستاذ الصندوق ان هناك تفسيرات كثيرة ومختلفة لظاهرة بروز الحضارات وتلاشيها، وان الامر يخضع لمنطق علمي وليس مجرد ظهور وزوال عشوائي. وان منطقتي الشرق الاوسط وشمال افريقيا شهدتا ظهور اقدم الحضارات وجميعها تركت بصماتها ورحلت، لتنتقل لشعوب اخرى. ويقول ان نمو الحضارات وتلاشيها يخضعان لقانون النمو والتلاشي الطبيعي نفسه، ويمكن بالتالي اجراء دراسة كمية لأي جانب حضاري واظهار تطوره وتلاشيه بعيدا عن المبالغات والتفسيرات الملتوية، وان تاريخ العرب، مثل غيرهم، عرف الكثير من الاحداث، فقد لعبوا دورا مهما في القرن السابع الميلادي، وكان الاسلام عاملا في ظهور حضارة المنطقة، التي يميل اغلب الباحثين لتسميتها بالحضارة العربية الاسلامية! ولأسباب خاصة به قرر القيام بدراسة علمية تعتمد على المنطق الرياضي لمعرفة سبب ظهور الحضارة العربية الاسلامية وتلاشيها بعيدا عن المبالغات الايديولوجية. ويقول انه بدأ بمتابعة النشاط العلمي لتلك الحضارة من القرن الثامن وحتى القرن التاسع عشر (700 ـــ 1800م) وقارنه بالنشاط العلمي الغربي، معتمدا على ظهور العلماء في الرياضيات والهندسة والطب والفلك والكيمياء والفيزياء خلال الفترة نفسها كمقياس للتطور العلمي في كل مرحلة. وقال ان تلك الفترة شهدت بداية الخلافة العباسية في بلاد ما بين النهرين والخلافة الاموية في الاندلس، والفاطمية في شمال افريقيا وحتى العصر العثماني في القرن الثامن. وذكر أنه على الرغم من ان هؤلاء العلماء كانوا من امم واديان مختلفة فانهم كانوا يعملون ويعيشون ضمن ثقافة موحدة. ومن واقع مؤشر رياضي تبين ان النمو الحضاري، العربي الاسلامي بدأ بصورة واضحة بحدود 700م واستمر حتى 1000م. فقد دخل العرب الاندلس عام 711، وتكونت الخلافة العباسية عام 750م، وبدأ وقتها الانفتاح الحضاري للعقيدة الاسلامية على الحضارات الاخرى وايمانها بحرية العقل وتقبل الآخر والبعد عن الصرامة والغلو، ولذا تمكن من لم يكن مسلما ولا عربيا من المشاركة في بناء الحضارة، كما هي الحال الآن في الغرب، حيث يشارك غير المسيحي وغير الغربي في بناء حضارتهم. وقال الباحث ان المجتمعات الاسلامية تقبلت في تلك الفترة الفلسفة اليونانية ذات الطابع الوثني. كما شهدت الفترة نفسها نشوء وتطور فكر المعتزلة وتأسيس دار الحكمة في بغداد سنة 830 م وجامعة قرطبة سنة 970 م وجامعة طليطلة ومن بعدها الزهراء في القاهرة، وكانت مرحلة مشابهة للنهضة الاوروبية التي تلتها بقرون، حيث كانت المجتمعات العربية الاسلامية اقرب للعلمانية المعروفة اليوم! ولكن مع القرن الحادي عشر بلغ النمو في عدد العلماء نهايته، وتبع ذلك الانحدار، الذي استمر لألف عام ولا يزال.
ويختتم الاستاذ الصندوق دراسته بالقول ان الابداع في جميع جوانب الحياة احد اهم مظاهر التطور الحضاري، ولكن لا ابداع من دون حرية، فهي الشرط الاساسي في قيام التطور الحضاري، وما انقراض الحضارة العربية الاسلامية (وكمثال تخلف كل الاوضاع الفكرية والفنية والادبية في الكويت بعد تخليها عن تسامحها) الا نتيجة لانعدام هذا الشرط. فأي غطاب ايديولوجي او اجتماعي مقيد للحرية الفكرية يكون بيئة جيدة لتخلف الدولة وتراجعها، حتى ولو افتخرت بتطور جانب ما في حياتها، فإن ذلك سيكون على حساب جوانب اخرى. وقال الصندوق ان النيزك الذي ادى لانقراض الحضارة العربية منذ اكثر من عشرة قرون ما زال فعالا ونشطا. وكما انقرضت الديناصورات الى الابد فيبدو ان هذه الحضارة لا امل في عودتها، واخطر النيازك هي التي تقيد التفكير الانساني الحر!!
نعود لافتتاحية «القبس» لنؤكد أنها لم تخرج عن مضمون هذه الدراسة القيمة.

أحمد الصراف
habibi. [email protected]