احمد الصراف

عسل غصن

أرسل قارئ مثقف المعلومات القيمة التالية عن البلح والعسل، ووجدت من المفيد مشاركة القراء فيها:
يقول القارئ «غصن» ان هناك نوعين فقط من البلح يصلحان للمصابين بالسكر، الخلاص والمكتومي، اما البرحي فلا ينصح به لمرضى السكر. وفي سؤال لموقع مايو كلينك على الانترنت عن فوائد تناول مرضى السكر او غيرهم للعسل بدلا من السكر، على اعتبار انه اقل ضررا، جاء الجواب بالنفي، فلا فرق بين الاثنين، وكلاهما يؤثر على الدم بالدرجة نفسها. وبما ان العسل اكثر حلاوة، فيمكن أخذ كميات اقل منه، مقارنة بحبيبات السكر العادي، ولكن في المقابل، فان العسل يحتوي على كاربوهايدرات اكثر، مما يعني سعرات حرارية اعلى.
أنواع العسل أو ألوانه متعددة، وتتحدد وفق المنطقة، فالعسل الداكن اللون يعني انه من منطقة ذات اشجار طبيعية غامقة اللون وزهور برية، وهذه نجدها في المناطق الجبلية العالية، كالباروك في لبنان مثلا. واذا كان لون العسل ذهبيا، فيكون غالبا من مصدر قريب من الساحل، حيث توجد اشجار الحمضيات والفواكه الموسمية الأخرى. كما يوجد عسل ابيض، كالفرنسي، المتوافر في الأسواق المركزية الفاخرة. وهذا النوع ينتجه نحل يتغذى من حقول زهور بيضاء تمتاز بلونها الابيض البراق. وعلى الرغم من ان العسل يبقى صالحا لفترة طويلة جدا الا ان البعض منه، وخاصة الذي يحتوي على كميات كبيرة من السكر، لا يبقى صالحا الا فترة قصيرة، وهو النوع الذي ينتج في مناحل توجد حولها او أن فيها مياها محلاة بالسكر، والتي لا يتردد النحل من التغذي عليها ليخرج عسلها وبه نسبة سكر عالية. وهذا النوع من العسل لا يبقى صالحا لاكثر من اشهر معدودة، وتظهر حبيبات السكر على السطح بعد اسابيع من فتح المرطبان او قارورة العسل (أعجبتني قارورة!).
ويقول القارئ «غصن» انه في 2007 و2008 بدأ انتاج النحل من العسل بالتناقص حتى وصل اخيرا إلى مستويات خطيرة نتيجة موت مليارات من النحل في الولايات المتحدة وكندا، وبدرجة اقل في اوروبا والشرق الادنى، بما في ذلك لبنان، في ظروف غامضة، حيث اصيب النحل بمرض جعله يفقد القدرة على معرفة الاتجاهات، وبالتالي تسبب غيابه في انهيار خلايا النحل بالجملة، كما نتج عن تناقص اعداد النحل خلق مشكلة اكبر، وهي المتعلقة بالنباتات والزهور التي لا تستطيع التلاقح بمفردها، وتحتاج للنحل ليقوم بتلك المهمة نيابة عنها، وتبلغ نسبة هذه النباتات المغذية في اميركا فقط نحو 30%!
وقد قمت بالبحث في بطن الحاج «غوغل» فوجدت ان «العلماء» الحقيقيين في الغرب توصلوا الى ما يعتقد انه السبب في موت مليارات النحل، فقد ورد في أحد المواقع الالكترونية المختصة بالنحل، ونقلا عن النشرة العلمية. journal Science reports بتاريخ 8 سبتمبر ان النحل اصيب بفيروس the Israeli acute paralysis virus والذي يعتقد انه تسبب في فقد النحل لقدرته على معرفة الاتجاهات، وموت الخلية التي ينتمي إليها تدريجيا، وهذا ما توصل إليه العلماء في مدرسة ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، والتي ذكر متحدث باسمها انهم بصدد التأكد عما اذا كان هذا الفيروس هو السبب بمفرده، ام ان هناك عوامل اخرى كالميكروبات، او المبيدات الحشرية، ساهمت كذلك في دفع النحل للتصرف بتلك الطريقة!
البحث طويل ويتضمن تفاصيل كثيرة، ويمكن للمهتمين بمصير النحل ومستقبله المظلم من عشاق ومربين وغيورين على الجانب الجنسي للنباتات، الاستعانة بـ «غوغل» العظيم.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي


 احذروا تفاحة آدم

قَسماً عسماً – على رأي سائق تاكسي في مصر يريد أن يقنع الناس أنه صايع وأنه هو الذي قطّع السمكة وذيلها، بينما هو أغبى من وحيد القرن وأغلب من عمال المناجم الأفارقة – أن خللاً هائلاً قد تسلل إلى أدمغتنا وعبث بمحتوياتها، وقلبَ عاليها واطيها، وسرق كنوزها، ثم خرج وترك بابها مفتوحاً تعزف عليه الرياح ألحان صفيرها. وإلا فما معنى أن يصاب إنسان بارتفاع درجة الحرارة، فيذهب إلى المستشفى، فيطلب الطبيب منه التوجه إلى غرفة العزل لحين ظهور نتائج فحصه، فتهرب من أمامه الممرضات، وكأنهن «حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة»! فيَرى المراجعون المشهد فيلوذون بالفرار ويتفرقون كأنهم شظايا زجاجة سقطت من على الرف العالي، ويبدأون قصفه بنظرات حارقة مغلفة بالقرف، فيشعر المريض، الذي لم يُعرف مرضه بعد، بحرج وخجل لم يشعر بهما لص قبضوا عليه متلبساً بالسرقة في عز الزحمة.

هذه النظرات الحارقة، رغم سخافتها، قد تكون السبب في عزوف الناس عن التوجه إلى المستشفيات إذا شعروا بارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي سيؤدي هذا إلى كارثة صحية في البلد. ولا تتهموني بالمبالغة، وتذكروا أن سبب خروج أبيكم آدم من الجنة كان تفاحة، رغم أنه كان في الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرَ على قلب بشر، لكنه غوى فهبط وهبطنا بعده إلى الأرض لنجد أمامنا النائب الكويتي عبدالسلام النابلسي والممثل محمد العجيمي والثعابين والعقارب وبقية مخلوقات الله الضارة، كل هذا بسبب تفاحة، وكيلو التفاح اليوم بأربعمئة فلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأجزم أن الأوروبيين في أوروبّاهم، لو دخل عليهم خنزير – بجلالة قدره ونتانة رائحته – المستشفى وهو يضع على أنفه منديلاً ويسعل ويعطس، لما غيّروا أماكن جلوسهم، ولتوجّه هو مباشرة إلى ماكينة الأرقام وسحب رقمه وجلس على كرسيه يقرأ كتاباً، مثلهم، في انتظار دورِه.

صحيح أن من حق الأوروبيين أن يضعوا رجلاً على رجل بحضور الخنزير، لكفاءة أطبائهم، وتوافر أجود أنواع الأدوية والمعدات وكل التجهيزات اللازمة، وصحيح أنهم لن يرضوا بمعالجة كلابهم في مستشفياتنا، لكننا بهذه الطريقة في تعامل بعضنا مع بعض سنزيد السوء سوءاً، وسننشر الوباء بيننا بسرعة أكبر ليفتك بنا قبل أن تُنهي مصانع الأدوية إنتاج حصتنا من اللقاح المضاد… فارحمونا، أو ارحموا أنفسكم، يرحمكم الله.

وطبعاً، أنتم تابعتم الخبر الذي يقول إن «الاتحاد الأوروبي يبحث عن مساحات فاضية في أوروبا لتحويلها إلى مقابر جماعية، إذ من المتوقع أن يكشر وباء الخنازير عن أنيابه في الشتاء المقبل»، كل هذا يتم عندهم بهدوء تام، ومن دون ولولة ولا عويل.

***

باشر المحامي الرائع الأستاذ حسين العبدالله أمس توجيه رسائل إنذار إلى شركة الاتصال المسؤولة عن إزعاج الناس، وما لم تتوقف هذه الشركات عن غيّها فسيكون «البيع أغلى من سعر السوق»، كما نقول في أمثالنا، خصوصاً أن العديد من الرسائل وصلتني تعلن رغبتَها في توكيل الزميل لرفع دعاوى مماثلة. وقد أعذر من أنذر.

احمد الصراف

قصة صابونتين

كنت كثيراً ما أداوم صيفاً في محل العائلة الواقع في سوق الطحين القديم، والذي كان مخصصاً لبيع المواد الغذائية والاستهلاكية، وهي التجارة التي تحولت إليها العائلة بعد هجر مهنة الصرافة، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن. وكنت أساعد والدي وجدي في عملهما، وأحل محلهما أحياناً عند سفر الجميع صيفاً للخارج. وفي أحد المواسم اكتشف مستوردو المواد الغذائية من إيطاليا في سوق الطحين من أمثال عبدالكريم المنيس، وجاسم الوزان، وناصر الصقعبي، وأحمد كمال، وملا يعقوب بن يوسف، وحسين الجاسم، وجاسم وعبدالله الصراف، أنهم تضرروا نتيجة استيراد كميات كبيرة من معجون الطماطم من إيطاليا، حيث دفع الموسم الزراعي السيئ هناك المنتجين لغش المعجون بخلطه بكميات كبيرة من الماء وإرسال ما يشبه عصير الطماطم، وهذا يعني أن الأمر أصبح يتطلب عشر علب للحصول على مفعول علبة واحدة من النوع القديم.
لا أدري ما الذي دفعني لأن أشمر عن ساعدي وأطلب من بعض صبية الحي مساعدتي في بيع ذلك المعجون السائل بعشر ثمنه من خلال «بسطات» على أحد مداخل سوق الخضرة القديم. ولكن على الرغم من السعر المغري فإن البيع لم يكن مشجعاً! وهنا فكرت في طريقة لترويج البيع وذهبت للأنبار، الاسم القديم للمخزن التابع للمحل، وكان يقع في نهاية شارع سعود بن عبدالعزيز، وأخذت معي مقصاً لأطواق الحديد ومفتاحاً للصناديق الخشبية، وقمت بفتح صناديق صابون تواليت كنت أعلم باحتوائها على أكياس بداخل كل منها عشر بالونات هواء ملونة. لم تكن العملية سهلة في مخزن غير مكيف وصيف قائظ وعلى ارتفاع مترين وبعيدا بسنتيمترات عن سقف «شينكو» وتحت حرارة تقارب الخمسين! بعد ساعتين من العمل المجهد تمكنت من فتح عشرة صناديق، وبسبب ما فقدته من سوائل وما أصابني من إجهاد عدت للبيت لأنام اليوم كله.
وفي اليوم التالي توجهت مع فريق البيع نفسه إلى السوق، وقمنا بنفخ البالونات المائة وعرضها للبيع مع المعجون السائل. ونجحت الفكرة وتخلصنا من كمية لا بأس بها من ذلك المعجون اللعين بفضل فكرة تسويق كانت وقتها رائدة، حيث اشترطنا بيع المعجون مع البالون (لا معجون.. لا بالون)، وحيث إن عملية شراء المواد الغذائية في تلك الأيام كانت تتم من قبل ربات البيوت، وحيث إنهن كن يصطحبن معهن أبناءهن، لعدم وجود خدم منازل في بيوت الغالبية، فكان الأطفال يصرون على الحصول على أحد بالوناتنا الملونة، وكان الإصرار مصحوبا دائما ببكاء أو صراخ الطفل، وكنا نصر، بصراخ مماثل، على أن لا «بالون من غير معجون!»، وهكذا نجحنا في تحقيق ثروة صغيرة تقاسمناها جميعا، وساعدت الفكرة المحل في التخلص من بضع كراتين من تلك المادة شبه المغشوشة، والتي كان يصعب بيعها بالطرق التقليدية، ولكن بعد فترة اضطر الناس لقبول الأمر بعد أن انقطع المعجون القديم تماما من السوق!
أما قصة الصابونة الثانية فتختلف قليلا: كان الدكتور (ص.ح) دائم الشكوى من حساسية جلده لأنواع الصابون العادية، الأمر الذي دفع زوجته لأن تفكر في صناعة صابون يخلو من المواد الكيماوية المؤذية. بعد تجارب فاشلة توصلت لإنتاج نوعية لا تسبب الكثير من الحساسية لجلد زوجها، واكتشفت أن الذين قاموا بتجربة ذلك الصابون أبدوا استحسانهم له، وهذا شجعها لأن تقوم بإنتاج كميات كبيرة منه، وأصبح يباع للاستخدام العادي أو يقدم كهدية في علب أنيقة. وقد قمت شخصياً باستخدامه ووجدته يلائم بشرتي الرقيقة «غير الناعمة» أصلاً!
يمكن للمهتمين بالموضوع الاتصال بنا للحصول على مزيد من المعلومات عن هذا الإنتاج الوطني «المنزلي».
***
● عنوان المقال مستوحى من رواية «قصة مدينتين» للروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

مجتمع «العصابات» والأمن المفقود

 

إذا كان هناك من يسعى لتصوير المجتمع البحريني على أنه مجتمع «عصابات» مليء بالإجرام والقلق الى درجة فقدان الأمن والسكينة، ويضاعف مؤشر التخويف والقلق ليرفع مستوى القلق من مخاطر الوباء وتدهور الوضع الصحي، فعليه أن يعيد النظر في خطابه ذاك لأنه يعتبر في هذه الحالة مصدرا لتدمير المجتمع بالتضخيم لا المعالجة، وبالتشويش لا الإفادة، ويضرب بالنعم.. وأهمها النعمتان المجهولتان: الصحة والأمان.

لكن، لا يجب أن ننكر بأن هناك بالفعل مخاوف متزايدة من بروز ممارسات عدائية عنيفة على أكثر من هيئة، وكذلك، والحال مشهود واضح بالنسبة للقلق المتزايد من انتشار وباء انفلونزا الخنازير، وهذا يلزم أن تكون استراتيجية عمل الدولة واضحة وصارمة في التعامل مع مختلف الأوضاع، والحفاظ على نعمة الأمن التي ينعم بها مجتمعنا، وكذلك العمل على استقرار الوضع الصحي بعيدا عن المزايدات والتخويف، بالإضافة الى ذلك، لا يجب اطلاقا اغفال دور المواطن والمقيم في الحفاظ على الأمن والتكافل في سائر القضايا، الصحية والإجتماعية والإنسانية، وإلا، فلن يكون مقبولا أن تكون مسئولية الحفاظ على الأمن هي مسئولية وزارة الداخلية فقط، والحفاظ على استقرار الوضع الصحي هي مسئولية وزارة الصحة فقط، مع الإعتبار لدور تلكما الوزارتين الرئيسي في استقرار المجتمع.

ولا يبدو أن لمؤسسات المجتمع المدني حضورا كبيرا في نشر ثقافة المواطنة في ظل هذه الظروف، ويتحول دور بعض خطباء الفتنة الى تأجيج الوضع ليس إلا، وتنشط مجموعات متعددة الأعراق والإنتماءات المذهبية في المنتديات الإلكترونية خلف الأسماء المستعارة، لنقل صور الخوف والقلق بمبالغات مضرة باستقرار المجتمع، ويتم تناقل حوادث التخريب والحرق والعنف التي انحسرت الى درجة كبيرة بل وانعدمت في معظم القرى ولله الحمد، ويتم تضخيمها وايهام الناس بأنها مستمرة من خلال نقل كتابات صحفية غير موفقة توقيتا ومضمونا هدفها فقط تأجيج نيران الفتنة وزرع العداوة بين الناس، وتنشط مجموعات أخرى لنقل أخبار الإعتداءات والعصابات الدخيلة، ويزداد الوضع ضراوة بنقل الأخبار الكاذبة عن هجوم هنا، وترصد هناك، ويظهر العباقرة الذين يكتشفون مؤامرات سرية ضد الدولة بالتآمر مع الخارج، ثم يستمر الوضع من أجل الوصول الى نتيجة واحدة وهي أن المجتمع البحريني لم يعد مجتمعا آمنا صالحا للعيش وفي هذا مبالغة كبيرة لا طائل من ورائها إلا تأزيم البلاد والعباد.

لا بد من القول أننا نفتقد لسياسة إعلامية وطنية تتعامل مع الأزمات بصورة مدروسة، على مستوى الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، ولابد من القول أن هناك تهاونا في تطبيق القانون في الكثير من الجهات، بل ولا ضير من الإشارة الى أن المواطن البحريني، والمقيم كذلك، في حاجة الى جهة تقدم المعلومات الصحيحة والواضحة دون تزييف في شئون مختلفة، ويؤكد هذا الكلام الإفتقار للإجراءات الحاسمة ضد الصحف التي تنشر مقالات ومعلومات مثيرة للفتنة ومربكة للإستقرار، ومراقبة المنتديات الإلكترونية النشطة التي تثير المشاكل وتنشر الأكاذيب فهي تستحق الإغلاق دون هوادة تماما كما هو الحال بغلق المواقع الإباحية المحرمة.. فكلاهما حرام.

لا يتحمل المجتمع البحريني كل ذلك السيل من القلق والتخويف والترهيب، حتى بات الكثير من المواطنين والمقيمين في حيرة مما يصل اليهم من معلومات مرعبة، واستفزازات كريهة وتحريض على الكراهية، ولعلني هنا أقدم اقتراحا بإنشاء لجنة وطنية تكون مهمتها الرئيسية التصدي للهجوم المستمر والسيء في الخفاء على المجتمع البحريني، وعلى أمنه واستقراره وثوابته ووحدة شعبه..

صحيح أن مجتمعنا اليوم يعاني من خطر داهم بسبب خلل ديموغرافي في تركيبته السكانية، ونشوء مزيج مختلط من الثقافات والأعراق والثقافات التي اعتاد بعضها على العنف والإجرام وغالبها لا يمت الى المجتمع البحريني بصلة، لكن هذا لا يعني الإستسلام للأمر، والسماح لمن يريد العبث بنعمة أمن البحرين، وكرم البحرين وطيبة شعب البحرين.. فالمجتمع البحريني سيبقى نموذجا للمجتمعات المتحضرة الكريمة المطمئنة، ولا مكان لمن يريد تحويله الى مجتمع جريمة كرها في هذه البلاد الغالية.

سامي النصف

البرامكة الجدد وتدمير الأنظمة الآمنة

في الخمسينيات وإبان الصراع السياسي بين مصر الثورية وإيران الشاهنشاهية، روّج الإعلام الشوفيني القومي لأكذوبة أن نكبة البرامكة تمت بسبب أصولهم الفارسية، وهو افتراء غير منطقي حيث لا يصح الاعتقاد بأن الخليفة هارون الرشيد قد استيقظ ذات صباح ليفاجأ بتلك الأصول الفارسية التي تصاهر معها وسلّم أبناءها الوزارات وقيادة الجيوش، إن إشكالية البرامكة الحقيقية في كل مكان وزمان هي فيمن يحيطون بالمسؤول ويعزلونه حتى عن أقرب الناس له فلا يرى إلا ما يريدون له رؤيته ولا يسمع إلا ما يريدون له سماعه جاعلين من حربهم الخاصة حربه وسلمهم سلمه.

كان الملك الليبي إدريس السنوسي – رحمه الله – رجلا شريفا عفيفا زاهدا وقد اقترب منه أحد البرامكة الجدد المسمى إبراهيم الشلحي القادم من الجزائر فعيّنه ناظرا لخاصته الملكية، ويقول ولي عهده الأمير حسن الرضا انه لم يكن يؤمن بالسحر حتى رأى تأثير إبراهيم الشلحي على الملك فقد تسبب بالفرقة بينه وبين أبناء عمومته أحفاد السيد أحمد شريف السنوسي حتى جعله ينزع عنهم ألقابهم ويوقف عنهم مخصصاتهم.

وفي يوم الخميس 5 أكتوبر 54 اغتال الشريف الشاب محيي الدين السنوسي إبراهيم الشلحي انتقاما لظلمه لهم وتعديه عليهم فحزن الملك إدريس حزنا شديدا جعله يقرر ترك الحكم ومجاورة الحرمين في الحجاز ونجح بعض الخيرين في جعله يغير رأيه إلا أنه أصر على إعدام القاتل رغم شهادة ميلاده التي تثبت أنه قاصر وان تلقى جثته في نفس مكان مقتل ناظر خاصته إمعانا في إهانة أهله الذين هم أقارب من الدرجة الأولى للملك والذي اشتهر عنه طيبته الشديدة حتى ان عهده لم يشهد قط حالة إعدام إلا تلك، ويرى بعض المؤرخين ان في ذلك دلالة إما على قوة تأثير أو شدة سحر الشلحي على الملك.

وعين الملك إدريس البوصيري الشلحي مكان أبيه إبراهيم وبدأ البوصيري بتدمير سمعة الملك الزاهد عبر مشاريع الفساد التي تناولتها الصحف وتم الحديث عنها في البرلمان أمثال مشروع طريق فازان واتفاقيات النفط ومشروع عين الدبوسية والبذخ الشديد في حفل زفاف عمر الشلحي الذي استفز الشعب والجيش معا.

كما تدخل البوصيري الشلحي في أعمال وتشكيل الوزارات كما يذكر رئيسا وزراء ليبيا السابقان مصطفى بن حليم وعثمان الصيد في كتابي مذكراتهما فلم يستقر للحكم قرار خاصة في العام الأخير للحكم ونعني 1969 فقد أقيل رئيس الحكومة عبدالقادر بدرية كونه رفض أن يمنح عائلة الشلحي جوازات سفر ديبلوماسية ثم حدث الشيء ذاته مع الرئيسين عبدالحميد بكوش وحسين مأزق ونجحت لطفية إبراهيم الشلحي في تعيين ونيس القذافي الضعيف رئيسا للحكومة وهو الذي نجح العقيد معمر القذافي في الانقلاب عليه في 1/9/1969 أي انقلاب القذافي على القذافي إبان سفر الملك للخارج للعلاج.

ويذكر رئيس الوزراء عثمان الصيد أنه قال للسيدة لطفية الشلحي عندما زارته تبكي في سويسرا بعد الانقلاب «الآن لا ينفع البكاء بعد أن تسببتم أنت وإخوانك في خراب البلد وضيعتم الملك» وضمن أدبيات المعارضة الليبية ومؤرخيها ما يثبت أن انقلاب العقيد معمر القذافي قد قطع الطريق على انقلاب أعده العقيد (البرمكي) عبدالعزيز الشلحي مع صهره اللواء شمس الدين كي يستوليا على الحكم ويمنعا عودة الملك من رحلة علاجه في الخارج وهذا ما كان ينوي فعله الأنذال مع ولي نعمتهم وقديما قيل.. «ما حك ظهرك مثل ظفرك».

آخر محطة:
 
(1) في مقالات لاحقة سنظهر دور «البرامكة الجدد» في إسقاط الأنظمة الليبرالية المستقرة في المملكتين المصرية والعراقية.

(2) نرجو من الأنظمة الخليجية التي هي أعمدة الخيمة في استقرار دولنا أن يحذروا كل الحذر من الخطر الشديد المتمثل في «البرامكة الجدد» الذين يفرقون عامدين متعمدين بين الأخ وأخيه والأب وابنه وأبناء العم والعمومة وبين الحاكم والمحكوم فديدن هؤلاء دائما وأبدا مصلحتهم لا مصلحتكم والموضوع ذو شجون.

علي محمود خاجه

رسالة من شيعي

فساجد العبدلي حينما ينتقد شخصية عامة شيعية يصبح طائفيا والأمر نفسه مع الوشيحي وغيرهما لمجرد معرفة القارئ بمذهب هذا الكاتب وذاك، وللأسف فقد طالني هذا الاتهام غير المنصف أبدا من البعض، وعليه فإني أكتب هذا المقال كمرجع لكل من يريد في المستقبل أن ينعتني بهذا الوصف.

– لا يمثلني ولا يعجبني السيد المهري أبدا وكيل المراجع، تلك الوكالة لمن لا يعرف فهي دور عقائدي لا علاقة له بتصريحاته السياسية الخاطئة برأيي والمؤججة للمشاكل بين أبناء المجتمع في كثير من الأحيان، والعتب يطول أيضا من يفرد الصفحات لنشر فاكساته، أما بالنسبة لقوله عن أن ما حدث من أعمال تخريبية في الثمانينيات عمل وطني فهو كلام تعيس مخجل أن يصدر من شخص كويتي، بل يستحق المحاسبة.

– على الرغم من وجود تسعة نوّاب من الطائفة الشيعية داخل المجلس كما يحلو للبعض تقسيمهم فإنني لا أتفق إلا مع النائبتين رولا دشتي ومعصومة المبارك، وذلك لأنهما ليستا ممن يقحم الدين في السياسة، أما بالنسبة لمواقفهما فهي قابلة للاختلاف والاتفاق مع آرائي.

– الوزيران الشمالي وصفر شأنهما شأن معظم الوزراء الآخرين لم يقدما أي شيء في وزاراتهما، ولم نشهد في عهدهما سوى المشاكل، فالشمالي واستقراره الاقتصادي الذي لم يتحقق بعد، وعلى ما يبدو أنه لن يتحقق في ظل قرارات لم نشهد معها تحسنا ملموسا، أما الوزير صفر فها هي كارثة مشرف تحط على رأسه عطفا على استاد جابر المجهول المصير، والعديد من المشاريع الورقية المتوقفة كجسر الصبية ومدينة الحرير وغيرهما.

– لست مع المطالبة بل لا أقبل باعتبار العاشر من محرم عطلة رسمية، حتى إن كانت النوايا طيبة وفيها سعي لتخليد ثورة الحسين عليه السلام، وما فيها من دروس وعبر مهمة، إلا أن فتح المجال على مصراعيه لكل مناسبة دينية سيؤدي إلى أكثر من 30 يوما من العطل وتوقف العمل المتعرقل أصلا، فأي مناسبة مهمة لأفراد المجتمع بالتأكيد لن تثنيهم عن استقطاع يوم من رصيد إجازاتهم من أجلها.

– إيران لا تمثل لي سوى مثال سيئ آخر للدولة التي تسيس الدين، ولا يعنيني أو يؤثر بي إن كان الحكم فيها أو الأكثرية هم من الطائفة الشيعية، فأنا لا أقبل أبدا بالحكم المطلق وقمع الآخر، بل لا يعنيني الشأن الإيراني بمجمله إن لم يمس الكويت.

ها أنذا خصصت مقالا كاملا لأثبت فيه ما لا يحتاج لإثبات، ولكن لإسكات بعض العقول المريضة التي لا هم لها سوى التفرقة والتحريض بين أفراد المجتمع.

خارج نطاق التغطية:

من المخجل أن تطالب بعض حملات الحج الكويتية بتعويضات من الحكومة لانتشار إنفلونزا الخنازير؟ فتلك الحملات يفترض أنها غير ربحية ولوجه الله، وإن لم تكن كذلك وكانت تجارة بالنسبة للبعض فالتجارة ربح وخسارة.

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

سامي النصف

كيف ينظر الأجانب للكويت ؟

أرسل لي صديق رسالة، كتبها اجانب على الارجح من الجالية الهندية الكريمة، تظهر كيف يرون بلدنا مع ملاحظة ان ما بين القوسين هو اضافة من عندنا ومن ذلك: – ما تشاهده في الاسواق التجارية الكويتية من رؤوس طويلة واشكال غريبة ليسوا غرباء من كوكب آخر بل شبان وشابات كويتيات يتفننون في وضع المكياج الثقيل «وقواطي الروب» على وجوههم ورؤوسهم. – اذا لم تحصل على المال وتكوّن ثروة في الكويت «بطريقة مشروعة او غير مشروعة» فلن تنجح في الحصول عليه من اي بلد آخر في العالم. – اضافة الى الاجازة السنوية الطويلة يحصل الكويتي على اجازة اضافية لمدة شهر مدفوعة الاجر دون عمل تسمى.. شهر رمضان! – جميع الكويتيين يحفظون ارقام هواتف مطاعم البيتزا ولا احد يحفظ ارقام هواتف الاسعاف والطوارئ. – الحصول على إجازة قيادة اصعب من الحصول على سيارة. – لا يمكن لك ان تحصل على اجازة قيادة كأجنبي اذا كان عمرك اقل من 21 ومع ذلك ترى الطفل الكويتي ذا الـ 12 عاما يقود السيارة دون اكتراث. – في الكويت جميع المصريين يقودون سيارات مرسيدس، الاغلبية منها بالطبع موديلات الستينيات والسبعينيات. – «الاصطدام بك وتحطيم سيارتك احد اشهر تذكارات الكويت السياحية». – رغم دعاوى المساواة الا ان النساء لا يقفن قط في الطوابير لذا لا تجد طوابير نساء في ذلك البلد. – حارس العمارة أقوى نفوذا من صاحب العمارة ومن يقدم الشاي والقهوة في الوزارات الحكومية واسطته اقوى من واسطة الموظف الذي تقف أمامه «السبب والله أعلم عملهم كمحصلي رشاوى للمدراء!». – بلد لا ضريبة فيه والوقود أرخص من الماء. – غير الأكفاء في الكويت يحصلون على رواتب أعلى من الأكفاء «الكفاءة لا قيمة لها في البلد». – المنظر أهم كثيرا من المخبر «بمعنـــــــــى ان الترقيات تتم على نوع اللباس بأكثر مما يحتويه الرأس من علم ومعرفة». – الشوارع الخلفية في ارقى مناطقهم كالسالمية لا تختلف كثيرا عن الشوارع الخلفية في مومباي. – عدد الخدم والسيارات يفوق عدد افراد الاسرة. – الحرارة في الصيف 50 في الخارج و5 في الداخل «ويتساءل الناس لماذا تصيبهم الانفلونزا اغلب العام». – تحصل على الماء الساخن من الحنفية الباردة والماء البارد من الحنفية الساخنة. – الوقت يمر اسرع من اي بلد آخر في العالم فمن الجمعة الى الجمعة يمر الوقت دون ان تشعر به. – «يدّعون جميعا حب وعشق بلدهم ولا أحد يدمر بلده مثلهم». – هناك حلاق رجال او نساء كل 5 أمتار «او أشبار». – «رغم ادعائهم ان بلدهم بلد حريات الا انهم يفرون منه مع كل اجازة وكأنه سجن كبير». – الاشارات المرورية في الكويت تعني: – الاخضر اشارة تحرك للاميركان والاوروبيين والهنود والفلبينيين. – الاصفر اشارة تحرك للمصريين والباكستانيين والسوريين. – الاحمر اشارة تحرك الكويتيين «ولربما اللبنانيين».

آخر محطة:
 
(1) العزاء الحار للكويت ولآل الصلال الكرام بوفاة الاديب والشاعر هزاع الصلال فللفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.

(2) العزاء الحار لـ آل السالم الكرام بوفاة الكابتن علي عبدالرزاق السالم للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.

(3) العزاء الحار للزميل الفاضل أحمد الدوغجي بوفاة المرحومة شقيقته، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.

احمد الصراف

ابن النداف.. ورئيس ناسداك السابق!

بلغ الناتج العالمي عام 2008 ما مقداره 71 الف مليار دولار، حصة اميركا منها 15 الف مليار، والكويت 120 مليارا ولبنان 50 مليارا، اما اكثر الدول تواضعا في الناتج القومي، فهي كليبريا والكموروس، فان ناتجهما لم يزد على المليار ونصف المليار، ولو قارنا الناتج الاميركي باللبناني لوجدنا انه يبلغ 300 ضعف ولو طبقنا النسبة والتناسب على ما تسبب فيه المواطن اللبناني صلاح عز الدين من خسارة فادحة لمن استثمروا اموالهم معه، مقارنة بالخسارة التاريخية التي تسبب فيها الاميركي مادوف لمستثمريه، التي جاوزت الخمسين مليار دولار، لوجدنا ان خسارة مادوف لا تعني شيئا مقارنة بخسارة الحاج صلاح!! علما بأن مادوف كان رئيسا لفترة طويلة لاكبر بورصة في العالم، اما صلاح فقد عمل «ندافا» ثم ترك مهنة اسرته، بعد ان عرف ان الربح يكمن في استغلال البشر من خلال المتاجرة بالسياحة الدينية وطباعة الكتب المذهبية والبث التلفزيوني الديني، وكلها لا ترتبط بأي حقوق للآخرين، ومنها انطلق الحاج لعالم المال والاعمال، بعد ان كسب ثقة الناس بـ«آدميته» وتدينه واعماله الخيرة!
من الصعب جدا عدم ربط صلاح عز الدين بآلة أو كوادر «حزب الله»، فقد تناقلت الاوساط اللبنانية اسماء اكثر من قيادي بارز خسر اموالا طائلة معه، ويذكر ان حسين الحاج حسن النائب في البرلمان عن «حزب الله»، كان أول من تقدم بشكوى شيك من غير رصيد ضد الحاج صلاح وكرّت السبحة من بعده.
قصة الحاج صلاح ليست غريبة وليست جديدة، فقد تكررت آلاف المرات في كل دول العالم تقريبا، ولبنان ليس استثناء، فهؤلاء وغيرهم من كبار المحتالين، على دراية بكيفية استغلال عامل الطمع في النفس البشرية، ويبدو ان قلة فقط على استعداد للتساؤل عن الكيفية التي يمكن فيها لمستثمر مالي معروف، دع عنك متواضعي الكفاءة من اصحاب الوجوه السمحة، الاستمرار في تحقيق عوائد عالية سنة بعد اخرى.
المهم في الموضوع ان الحاج قدم لبيروت من بلدة معروب الواقعة في الجنوب اللبناني، وهي مدينة صغيرة سبق ان مررت بها اكثر من مرة وتشتهر بتعدد مآذنها ودور عبادتها وافتقارها للخدمات التعليمية والصحية، ولسوء حظ اهالي معروب، فإن اكثر ضحايا الحاج كانوا من «ضيعته» ومن «طورا» القريبة منها، التي تعتبر الاكثر فقرا بين قرى الجنوب.
كما خسر الكثير من اهالي العباسية مع الحاج ومعهم مستثمرون من قطر، وجامعي خمس من دول اخرى، فقد كان الحاج وهو لقبه المحبب، يحقق لهم احيانا عوائد تزيد على 60% سنويا، واحيانا شهريا، ومن استثماراته في المحروقات والحديد والالماس ربما المغطى‍ بالدم!!
إن قصة صلاح عز الدين ليست الاخيرة وستتكرر مرات ومرات، فالغالبية لا تتعلم من اخطاء غيرها، لانها بكل بساطة لا تقرأ، أو لا تكترث لما اصاب الآخرين، ولو علمنا ان مادوف حصل على حكم بــ 150 عاما في السجن، فما الحكم الذي سيحصل عليه من كانت خسارته 300 ضعف؟!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي


شيء من الغطرسة

صرختُ من أعماقي: «آخ»، وأنا أغمض عينيّ بقسوة وأشد على أسناني وأضرب فخذي، بعدما تلقيت رسالة هاتفية من صديق «ذوّيق»، ينتقد فيها الجملة الأخيرة التي أنهيت بها مقالتي السابقة، ويتساءل: «كيف تكتب جملة بهذه الصياغة؟»، فهرولت بحثاً عن الإنترنت، وراجعت المقالة، فوجدت الجملة المشبوهة، ووجدت – إمعاناً في التعذيب – تعليقاً لقارئ ذوّيق آخر اسمه «الألمعي» يحمل العتب نفسه. والجملة المشبوهة هي «فانظرا ما أنتما تفعلان»! آخ ومليون آخ. كانت الجملة في الأصل هي «فانظرا ما تفعلان»، ثم أحببت إضافة كلمة «أنتما»، لتصبح الجملة «فانظرا ما أنتما فاعلان»، لكنني أضفت «أنتما» ونسيت تبديل كلمة «تفعلان» إلى «فاعلان»، فخرجت الجملة مصابة بحروق من الدرجة الأولى! لذا أضم كفّيّ الاثنتين أمام وجهي وأحني رأسي كما يفعل اليابانيون اعتذاراً لعشاق اللغة. وآخ للمرة المليون على النشاز البشع.

وكانت المقالة المذكورة جدّية قاطبة الحاجبين، كما تفعل بعض بناتنا في مقاهي ومطاعم الدول السياحية عندما يعبسن ليثبتن أنهن الشريفات الوحيدات على ظهر هذا الكوكب. وقد تعمّدت أن أرسم التكشيرة على المقالة وأنا أتحدث عن «وباء إنفلونزا الخنازير» وعن حياة الأطفال، لكن كلمة «أنتما» دخلت على الجملة فقلبت عاليها واطيها، وجعلت أعزة حروفها أذلّة! وأظنها ليست «كلمة»، بل «كلبة». وكم تمنيت لو أنني لوّحت لها بعظمٍ لتتبعني فأنتحي بها مكاناً قصيّاً، ثم أعود جرياً إلى المقالة فأُغلق بابها في وجه الكلبة «أنتما»، أو لو أنني قفزت فوق سور مبنى هذه الجريدة ليلاً، وتسللت إلى أعدادها المطبوعة، وسرقت كلمة «أنتما» وأخفيتها خلف ظهري ودفنتها قبل أن يراها الناس.

هي كارثة على الكاتب قد لا يشعر بها أغلب الناس، لكنها مؤلمة. أشهد أنها آلمتني. وقد يفرح بها أنصار النائب عبد السلام النابلسي، الذين هددوني في رسائلهم الإلكترونية بأن غضب النابلسي عواقبه وخيمة، وأن السماء ستنتقم له مني، فرددت عليهم: «أبلغوه أن يرفع يديه عليّ بالدعاء سبعة أيام بلياليها، قابلة للتمديد، بشرط موافقة الطرفين»، وها هي أمنيتهم تتحقق فأرتكب غلطة في الصياغة. غفرانك اللهم.

وأرى أن كتابة المقال في أغلبها «صياغة وأسلوب»، ثم تأتي الفكرة في آخر الركب، وقد تستغني عن الفكرة، لكنك ستموت عطشاً إن لم تحرص على ملء قربتك بالأسلوب. لذلك يتحمّس أحدهم لكتابة المقالات، كي ينثر أفكاراً ثلاثاً أو أربعاً شغلن ذهنه، وما إن ينثرهن، حتى تفرغ جعبته كلها، فيجلس على قارعة الصفحات، يستجدي (2.5 في المئة) من أموالك التي دار عليها الحَوْل. أما من يمتلك الأسلوب، فلن يضيره لو تكلم عن «السماء وزرقتها»، فجعبته ملأى بالنجوم والكواكب التي تزّين السماء، وهو سيتلاعب بمقالاته كما يتلاعب فارس بني هوازن الأشم «عامر بن الطفيل» بسيفه بين الصفوف، قبل التقاء الجموع، بغطرسة وغرور، وبطريقة تبهر الأعداء وتبث الرعب فيهم، وتنفخ صدور قومه فخراً وثقة، فيكرّون كرّ الفهود.

أجزم أن الكتابة غطرسة تبحث عن «عامر» يتقنها، وقد يسقط السيف من يد عامر مرة أو مرات، لكنه سينحني ليلتقطه ويعاود استعراضه وغطرسته، لترتعد فرائص الأعداء وتنتفخ صدور قومه فخراً وثقة. 

سامي النصف

لا يستوي قلم يباع ويشترى

لا يسمح لأي شخص بممارسة مهنة ما مهما صغرت وتدنى مستواها وقلّ ضررها، دون ان يحضر صاحبها ورقة تثبت حسن سيره وسلوكه كمتطلب أساسي للعمل، هذا الشرط المبدئي غير قائم في شارع الصحافة الذي فتح الباب على مصراعيه لأرباب السوابق ومحترفي مهنة (…) المخجلة والقديمة قدم التاريخ للكتابة والتهجم على الشرفاء والأمناء والأكفاء دون وجل أو خجل ثم يقوم البعض منهم بالتباهي بعد ذلك بأنهم يدخلون للمسؤولين في دور نومهم ليأخذوا منهم المشورة والنصيحة، شاهت تلك الوجوه وعابت تلك الأقلام.

وشعبنا الكويتي ذكي لا ينجرف خلف تخرصات الأقلام المأجورة حيث لاحظ الجميع ان من تهاجمه «كلاب الصيد القلمية» يرفع فوق الاكتاف ويوصله الناخبون والمواطنون لأعلى المراكز، وقد بلغ السخف مداه عندما بدأ بعض المرشحين يدفعون لتلك الأقلام القذرة كي تهاجمهم حتى يحوزوا تقدير واحترام الناس ويحصدوا النجاح في الانتخابات البلدية والبرلمانية.

وقد وصل القراء لمستوى عال من الوعي والادراك لم يعد ينطلي معه ادعاء بعض الأقلام «الكلبية» البطولة عبر التهجم على هذا المسؤول أو ذاك كون تلك التهجمات والبطولات الفارغة مدفوعة الثمن بالكامل، كما ان تسليط الضوء من قبلهم على هذا المشروع أو ذاك وفضحه لا يقصد منه بتاتا الصالح العام بل يقع تحت مظلة الاصطفاف بين القوى المتنافرة.

وقد امتد الفساد للنقابات وللعمل النقابي فبعد ان كان النقابي النزيه يحارب في رزقه ويعاني شظف العيش بسبب دفاعه عن حقوق العاملين في نقابته، اصبح العمل النقابي وسيلة للإثراء غير المشروع وللحصول على أعلى المراكز الإدارية في عمله، كما أصبح بعض النقابيين يتخذون المواقف من اضراب وغيره طبقا لمن يدفع أكثر وكوسيلة لمحاربة المسؤولين الأكفاء والشرفاء.

آخر محطة:
 
(1) يستوي في مجال القبض من يدعي الموالاة اللزجة ومن يدعي المعارضة الشرسة سواء بسواء.

(2) كتب الزميل عبدالكريم الغربللي في 19/5/1997 مقالا نشرته الزميلة «القبس» اسماه «تشرنوبل في مشرف» حذر فيه من خطورة إنشاء «محطة مجاري» في تلك المنطقة السكنية و.. عمك إصمخ..!

(3) يقول الشاعر المبدع د.غازي القصيبي في أشهر قصائده على الاطلاق: بيني وبينك الف واش ينعب فعلام اسهب في الغناء واطنب هذي المعارك لست احسن خوضها من ذا يحارب والغريم الثعلب تأبى الرجولة ان تدنس سيفها (قلمها) قد يغلب المقدام ساعة يغلب لا يستوي قلم يباع ويشترى ويراعة بدم المحاجر تكتب وصدقت يا أبويارا.