سامي النصف

الإشكالات الحقيقية للحكومة الكويتية

اشكالات الحكومة الكويتية لا علاقة لها بالضرورة بالأشخاص كون البعض منها اشكالات مؤسسية تحتاج الى حلول مؤسسية بالتبعية ومن ذلك فإن فترة اسبوعين لاختيار الوزراء وضرورة عرض برنامج عمل الحكومة مع أول دور انعقاد لمجلس الأمة هي اشكالات دستورية تحتاج بشكل قاطع لتعديل الدستور لإتاحة المزيد من الوقت لانجاز الأمرين بأفضل واحسن صورة.

هناك عدديا 49 نائبا يقابلهم 16 وزيرا وضمن الواقع السياسي الكويتي يقوم النواب الأفاضل بالهجوم المتواصل على الحكومة وتخطئة كل قرار تتخذه وتسويد صورتها أمام المواطنين الكويتيين وما ان تطلب صحيفة أو أحد معدي البرامج الحوارية نائبا للحديث والهجوم على الحكومة حتى يجد العشرات بدلا من الواحد بما في ذلك من دعمتهم الحكومة واشترت الأصوات بأغلى الأثمان لإنجاحهم!

ويفترض حسابيا على الأقل ان يقابل اللقاءات الإعلامية العدائية للنواب 3 لقاءات لوزراء الحكومة (نسبة النواب للوزراء 1:3) وذلك لتعديل الكفة وتوضيح الحقائق ومحاولة كسب الناخبين للصف الحكومي كما يحدث في «جميع» الديموقراطيات الأخرى ولا يحتاج المرء الا الى مشاهدة محطات تلفزة الدول المتقدمة او حتى مصر ولبنان والعراق وغيرها حتى يرى ان هناك دائما وأبدا وزراء ومسؤولين حكوميين يقارعون الحجة بالحجة والقول بالقول والرأي بالرأي.

في الكويت يتم توارث نهج فريد في الديموقراطية هو نهج «الحكومة الصامتة» أبدا فمع تكرار سماع الناس للرأي المعارض دون ايضاح من الحكومة اصبحت هناك قناعات متجذرة لدى المواطنين بأن كل ما تفعله الحكومة خطأ في خطأ وتجاوز في تجاوز، واذا كان المثل العامي يصف السكوت بأنه من ذهب فإن السكوت في علوم السياسة وضمن اصول اللعبة الديموقراطية الصحيحة هو من الغفلة ولا يدل على الحكمة أبدا.

ويعتقد البعض ان صمت الوزراء من رجال الأسرة الحاكمة يحرج الوزراء الآخرين فلا يتحدثون احتراما لهم والمنطق الصحيح يوجب العكس من ذلك تماما فصمت وزراء الأسرة هو امر مطلوب ومحمود كون كثير منهم مشاريع حكم مستقبلية ولا يفضل لهم ان يدخلوا في التنازع والجدل الكلامي الا ان هذا الأمر يستدعي ان يضاعف الوزراء والمستشارون الآخرون أحاديثهم ضمن مفهوم تضامنية الحكومة وواضح ان عدم الحديث يدل اما على عدم القدرة او الرغبة بحماية الذات وعدم التعرض للمشاكل مع النواب.

ومما زاد الطين بلة قيام بعض الأطراف الحكومية بالرد على المعارضة اما عبر الاقلام القذرة الشتامة التي لا يؤمن احد بما تقوله او عبر برامج استهزائية طفولية سخيفة تزيد من تعاطف الناس مع من يتم التهجم عليه مستحضرين أساليب ومناهج اعلامية عفى عليها الزمن وأثبتت ضررها الشديد على من يقف خلفها كحال اعلام غوبلز والصحاف واحمد سعيد وموسى صبري.. الخ، وكان الله في عون الحكومة وعوننا اذا لم تستطع ان ترد على ناقديها بالحكمة والحجة والمنطق.

آخر محطة:

نقترح على من يحاول الاساءة لعلاقاتنا المتميزة بالولايات المتحدة الصديقة عبر الهجوم المغرض على سفيرتها الباسمة المحبة للكويت الفاضلة ديبورا جونز ان يخبرنا في البدء أين كان ابان الغزو الصدامي الغاشم للكويت عندما كانت أميركا تضحي بزهرة شبابها لتحرير بلدنا ومرة أخرى لإسقاط عدونا صدام؟

احمد الصراف

ابن الشيخ ومكارثي

«… أيها الاخوان، ان الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهم الذي اذلنا الا حب الدنيا وكراهية الموت، فاعدوا انفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، رزقنا الله واياكم كرامة الاستشهاد في سبيله..»!
(حسن البنا)
***
في بداية خمسينات القرن الماضي شنّ السيناتور الاميركي جوزيف ماك آرثر حملة شرسة ضد شيوعيي أميركا، وقضى على مستقبل الكثير من الفنانين والسياسيين ورجال الاعمال لمجرد الاشتباه بوجود ميول يسارية لديهم تخالف المصالح الوطنية الاميركية! وقد كان لقرارات لجنته البرلمانية آثار سلبية حادة في المجتمع الاميركي دفع الكثير من الابرياء ثمنها غاليا، كما تسبب لفترة طويلة في القضاء على اي دعوة يشتم منها رائحة تقارب مع الاتحاد السوفيتي او اي دولة شيوعية، والشك في نواياهم مما نتج عنه اطالة امد الحرب الباردة بين الطرفين التي تضرر منها العالم اجمع.
ما نشاهده الآن في دولنا، كما لاحظ الزميل والاعلامي البارز سليمان الهتلان في مقال له في «شفاف الشرق الاوسط» اننا اصبحنا نمر بالحقبة المكارثية نفسها في اميركا، مع الفارق، حيث يعتقد، وهو محق في ذلك، ان الارهاب لم يعد اشكالية فكرية (بين السلطة والجماعات الدينية) او مسألة قابلة للاخذ والرد، بل الامر يتعلق بضرورة قيام حكومات الدول الاسلامية، والنفطية بالذات، بالاصلاحات التعليمية والاقتصادية والسياسية والتربوية وعلى كل الاصعدة الاخرى لدفع المجتمع للانفتاح الخلاق على العالم، (واعطاء المرأة حقوقها الكاملة، اسريا واجتماعيا وسياسيا)، ولكن ما نشاهده على ارض الواقع ان الحكومات كلما اقدمت على اي حركة اصلاحية سرعان ما تواجه بتحذيرات بان هذه الحركات ما هي الا تلبية لدعوات غربية، ومخالفة للدين، وسينتج عنها فساد عظيم!
نعم، لقد آن الاوان للتخلص من المكارثية الدينية الخليجية والانفتاح التام على العالم بصورة متدرجة مع السير بسرعة قصوى في خطط التنمية واصلاح المجتمع واعطاء التربية والتعليم الاولوية على كل ما عداهما، بعد تطوير المناهج وازالة كل ما له علاقة برفض الآخر وكراهيته والسعي، جهادا، او غير ذلك، للقضاء عليه!
وقد ذكرتني دعوة التحذير من التغريب والتحضر برسالة سبق ان ارسلها الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ المفتي، وحفيد محمد بن عبدالوهاب، والتي ورد نصها في كتاب للتويجري، ووصلتني من صديق، ارسلها للملك عبدالعزيز بن سعود قبل حوالي 75 عاما، ينصحه فيها عدم جلب «الاجانب» للتنقيب عن النفط في المملكة، ومنعهم من التجول لان منظرهم محزن للمؤمنين! وغني عن القول ان الملك لم يستمع لتلك النصيحة، ولو التفت لها ابن سعود لتغير وجه المملكة والمنطقة بشكل كامل! وهذا مثال حي على ان العيش في خوف من الآخر وتحريم الاتصال به وتفسير كل دعوة للتحضر والتآلف والاتصال مع الآخر بانها الشر بعينه والخطر الاكبر على العقيدة، لا يمكن الا ان تجر الى التخلف، وان على الدول الاسلامية، والكويت والسعودية بالذات، عدم الالتفات لدعوات التخويف والتخلف والمضي قدما الى الامام، فالحضارة امامنا ولم تكن يوما خلفنا!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

إنه العيد يا أحبتي

 

تعانقا طويلا صبيحة يوم العيد… كان العناق يكفي لإزالة ما علق في القلوب من أدران وآلام وجفاء… قال الأول: «هل تذكر كيف كنا نفرح بالعيد ونحن صغارا… نجوب البيوت والأحياء في سعادة غامرة… كبرنا وكبرت معنا ذكرياتنا… أخذتنا الحياة ذات اليمين وذات الشمال… تفرقنا… لسنين طويلة، لم يبادر أي منا ليلقي على الآخر تهنئة العيد… ها أنذا أبدأ بالمبادرة، ولنطوي صفحة الماضي… لننسى سنين القطيعة يا صديقي العزيز».

أجابه الثاني: «ما كان لنهار هذا العيد أن ينتصف إلا وأنا أضع يدي في يدك وأعانقك مهنئا ومعتذرا على ما بدر منك وما بدر مني… نعم، أتذكر طفولتنا وشبابنا، وأتذكر أيضا كيف لعب في رأسنا الشيطان حتى أنسانا (عيشا وملحا) بيننا… أنت لست صديق طفولتي، أنت أخي الذي افتقدته لسنوات… عيدك مبارك يا عزيزي».

***

هنيئا لمن يزرع البسمة في نفوس أطفال يتامى… ويراقبهم وهم ينطلقون مع أترابهم يتراقصون بفرحة العيد وبهجته وجديد ثيابه… كانت تلك الفتاة الشابة، كعادتها في ليالي العيد، تجوب بيوت القرية لتزور الأيتام، وتهديهم من جميل الهدايا ما يجعلهم ينتظرونها ليلة كل عيد… البارحة، وربما الليلة، وربما غدا… ستكون معهم… تزور بيوتهم كما كانت عادتها… توزع عليهم العيدية والهدايا وأكياس من الثياب والأحذية… وتدمع عيناها وهي تشاهد تراسيم الفرح على وجوههم…

ليت كل واحد منا، أو ممن حولهم يتيما أو يتيمة… من الأهل أو من الجيران… يحتضن أولئك اليتامى ولو للحظات، ويشعرهم بأن الدنيا بخير… وأن اليتم المؤلم ليس وجعا أبديا، بين أناس تمتلئ قلوبهم بالعطف والرحمة والإيمان.

***

أبدا، لا تكفي تلك البرامج والهدايا والأهازيج الجميلة التي تقام في دور العجزة لإشاعة الفرحة في نفس أب أو أمٍّ بقيا لسنين طويلة في تلك الدار، لا يرون فلذات أكبادهم إلا فيما ندر… بادرة طيبة وكريمة تلك التي يقوم بها المسئولون في دور العجزة لمؤانسة الآباء والأجداد الذين يقضون ما بقي من أيام حياتهم هناك… قد نشاهد أحدهم يصفق مبتسما وهو يشارك من حوله في أهزوجة من أهازيج العيد… أو يتبادلون التهاني والعناق بأجسادهم الضعيفة الهزيلة… لكن لا يعادل فرحتهم برؤية عيالهم وعيال عيالهم فرحة أخرى… الدور قريبة، والأعزاء هناك… لا أكثر من ساعة زمن نقبل رؤوسهم ونهنئهم بالعيد السعيد، وإن كان في المنزل متسع، فعودوا بهم ليقضوا الباقي من أيام العمر… وسط دفء العائلة، وليكون عيد الأضحى المقبل، من أجمل الأعياد في حياة تلك الشموع.

***

أبي:

كيوم العيد أنت وصوتك الحاني

جميل أعذب من كل ألحاني

يهز عميق وجداني ويسعدني

كترتيل على شفتيك روحاني

***

أمي:

امسحي راسي يا يمه

واهدي قلبي قبلتين..

قبلة ترويني بحنانك..

قبلة تبقى بعمري دين.

عيدكم مبارك، وعساكم من العايدين والسعيدين

سامي النصف

أوضاع الأسرة الحاكمة

إشكالية الأسرة الحاكمة (وليس أحفاد الشيخ مبارك فقط) حالها حال أغلب الأسر الكويتية الأخرى تتنازعها الخلافات والتخندقات غير المبررة، وإن كان الفرق هو أن الأسر الأخرى تؤثر خلافاتها على أفرادها فقط، بينما يؤثر خلاف افراد الأسرة الحاكمة على الكويت ككل، بل ويمتد لمنطقة الخليج التي ترقب ما لدينا عادة بعين القدوة الحسنة أو السيئة.

وأول ما يفترض عمله للقضاء على ذلك الخلاف داخل الأسرة الحاكمة أو حتى الأسر الكويتية الأخرى ـ هو أن يقوم كبارها وحكماؤها باستضافة دورية لجميع افرادها رجالا ونساء وأطفالا في إحدى المزارع ـ على سبيل المثال ـ للتعارف والقضاء على ما في النفوس من عتب يؤدي الى سوء الفهم، ولا ندعي بالطبع ان الاجتماع الأول سيحل كافة المشاكل إلا أن تكرار تلك اللقاءات المثمرة والضرورية سيتكفل بالقضاء على أغلبها وتوحيد الكلمة التي ستنفع الأسرة الكريمة وتنفع البلد بالتبعية.

ومما سيساهم في حل الجذور التي تنبع منها الخلافات لهذا الجيل وللأجيال المقبلة الفصل ـ المستقبلي وليس بالضرورة الآن ـ بين «تراتبية الحكم» و«تراتبية الحكومة»، فضمن تراتبية الحكم يمكن خلق نظام دائم يتم من خلاله وضع تسلسل قيادي وليكن من الواحد إلى العشرة (كحال الأسر المالكة الأوروبية) يعرف كل فرد ترتيبه في منظومة الحكم عبر آلية مدروسة للاختيار تفتح الباب للاعتراض إلا انها تمنع القفز على التراتبية المتفق عليها بشكل مسبق، منعا وإلى الأبد لتكرار ما حدث في تاريخنا القريب.

أما «تراتبية الحكومة» فيجب ان تختلف تماما عن «تراتبية الحكم» ولا شك أن ما فعله سمو ولي العهد المشهود له بحسن التصرف وبعد النظر من رفض حكيم لترؤس الحكومة، هو تعزيز للفصل الهام بين المسارين حيث يجب ان يترك لسمو الأمير حفظه الله مرونة تغيير شخوص رؤساء الوزارة حسب رؤية سموه فيمكن ـ حسب حاجة البلد في مرحلة ما ـ ان يتم اختيار شخصية اقتصادية من ابناء الأسرة لترؤس الحكومة دون ان يكون ضمن متقدمي تراتبية الحكم، وقد يتم تغييره ويأتي سموه بشخص آخر فيما لم يوفق أو تغيرت الحاجة وأصبح البلد يتعرض لمخاطر أمنية ومن ثم الحاجة لرجل مختص بالأمن وهكذا، كما يمكن ان يقع اختيار سموه استثناء لأحد أفراد الشعب لترؤس الوزارة والعودة بعد ذلك لأبناء الأسرة مما سيقضي على دعاوى شعبية الوزارة.

أمر كهذا يتماشى مع منطق الدولة الحديثة وتعقيداتها وحاجاتها المتغيرة كما يساير العصر ويعطي الأسرة الحاكمة الكويتية قصب السبق والابتكار والمرونة لحل تلك الاشكالات المزمنة التي أودت بكثير من الممالك عبر تاريخنا العربي، وأوضح ان الاختـــلاف سيتــــوقف بين افراد الأسرة الحاكمة حال تطبيق ذلك النظام المتـــقدم كونهم سيعلمون انهم اصبحوا جميعا مرشـــحين لرئاسة الحكومة وقد يقع عليهم الاختيار في اي لحظة وبذا سيتوقف البعض عن عرقلة البعض الآخر كي لا يرد له بالمثل عندما يأتي دوره.

ومن مزايا هذا النظام أنه سيصبح طريقا ووسيلة لتدريب وتأهيل عدد كبير من افراد الأسرة الحاكمة على مسؤوليات الحكم، كما سيسعد الشعب الكويتي توقف النزاع بين افراد تلك الأسرة الكريمة ويحصد شعبنا فوائد وجود المئات من الكفاءات المتوافرة لدى اكبر اسرة كويتية ممن تلقى ابناؤها العلم في ارقى المدارس والجامعات، وفي القادم من الايام اشكاليات الحكومة الكويتية المزمنة، وإشكاليات البرلمان الكويتي ثم اشكاليات الناخب الكويتي و.. عيدكم مبارك.

آخر محطة:
 
(1) تحدث الشيخ أحمد الفهد في وقت مبكر وعبر مقال نشره اوائل التسعينيات في جريدة «الأنباء» عن ضرورة الفصل بين الحكم والحكومة.

(2) احد اكبر اسباب النزاع بين افراد الاسرة الكريمة هو وجود الحاشية السيئة التي توهم كل فرد من افراد الاسرة بأن اقاربه هم ألد أعدائه وأنهم ـ ما شاء الله ـ أقرب مقربيه وأحب محبيه ويعلم الله كم بين ضلوعهم من داء دوي.

احمد الصراف

قيادة حركة الإخوان وفكرها

من الواضح ان جمعية الإصلاح، او الحركة الدستورية، وما أبعدها عن الدستور، الذراع المحلية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، قد اصيبت في مقتل نتيجة مجموعة من الأحداث والتطورات السياسية العميقة التأثير، وخاصة بعد وفاة عبدالله العلي المطوع احد كبار مؤسسيها، وآخر قياداتها التاريخية (!!). ومن الواضح كذلك ان شخصيات مثل الصانع والمقاطع والدلال لا يمكن ان يملأوا الفراغ الذي تركه عبدالله العلي بأي شكل، ولأسباب لا نود التطرق اليها هنا لكي يجد هذا المقال طريقه للنشر.
من المعروف ان هذه التنظيمات الدينية، التي تعارض التطور الحضاري والتقدم الإنساني بطبيعتها، وفي اي مجتمع كانت ولأي دين انتمت، لا ترتاح كثيرا لانفتاح المجتمعات وانتشار التعليم الحقيقي والمفيد بين افراده. فقد عارضت القوى الدينية، كما ذكرنا في مقال سابق، قبل 75 عاما، دخول الاجانب السعودية للتنقيب عن النفط فيها، فقط لأنهم نصارى.
كما عارضت قوى دينية اخرى في مصر ادخال المطبعة في القرن 18، بحجة ان الفساد والكفر سينتشران بوجودها! ومنذ ذلك التاريخ، وما قبل ذلك، عارضت هذه القوى كل تطور او تحديث، وتقبلته في نهاية الامر وزايدت الآخرين فيه. فقد عارضت تعليم المرأة وعارضت عملها بجانب الرجل وعارضت، ولا تزال، مساواتها معه في الأجر، وعارضت اعطاءها حقوقها السياسية، وعندما حصلت عليها بالرغم منها كان قادة الإخوان في الصفوف الأمامية لنيل رضاها والتزلف اليها، طمعا في صوتها الانتخابي.
يكمن مقتل الاخوان، وغيرهم من القوى الدينية، في عدم ايمانهم بانتماء الشخص لوطنه بل لدينه، ولكنهم يسعودن اكثر من غيرهم للصراع على مناصب الوطن واحتكارها لأنفسهم وحرمان غيرهم منها، وخاصة من غير المواطنين، والأمثلة في الكويت كثيرة. كما نجد ان اخوان مصر الذين قال زعيمهم محمد مهدي عاكف في احدى المقابلات: «طز في مصر وابو مصر واللي في مصر»!!، ولم يعتذر. لم يقبلوا، ومنذ مقتل مؤسس الجماعة حسن البنا، لم يقبلوا بتولي اي مسلم غير مصري منصب المرشد الاعلى، او قائد التنظيم العالمي، هذا بالرغم من انهم صرحوا، وفي اكثر من مناسبة، انهم يفضلون حاكما صوماليا مسلما لمصر على حاكم قبطي مصري! كما سبق ان اقسمت جماهير «حماس»، الفرع الغزاوي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، على السمع والطاعة والثقة التامة بقادتها، مما يعني ان الجهاد سيكون في سبيل قيادة الإخوان وليس الإسلام! وان السمع والطاعة لها وليس للقانون ولا للنظام ولا للدستور، وان الجماهير، او الغوغاء، الذين اقسموا، على استعداد لارتكاب اي امر، ولو خالف كل شرع وخلق، ما دام انه صادر عن القيادة!
ويقول الدكتور كامل النجار ان جماعة الاخوان المسلمين منظمة ملأت العالم بالعنف بهدف اخضاعه لسيطرتهم وتطبيق الشريعة الاسلامية، فالجماعة منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، لم تخف هدفها النهائي ــ وهو السيطرة على العالم كله بالاسلام، وللوصول الى هذا الهدف يطبق الاخوان سياسة ميكافيللي التي تقول ان «الغاية تبرر الوسيلة»، وهم لا يتورعون عن استعمال اي وسيلة حتى ان كانت التعاون مع الشيطان اذا كانت ستوصلهم الى هدفهم المنشود، فقد تعاونوا مع المخابرات الاميركية لمحاربة الشيوعية، وتعاونوا مع المخابرات البريطانية لمحاربة جمال عبدالناصر، وتعاونوا مع النازية للقضاء على اليهود، وتعاون مؤسسهم حسن البنا مع الملك فاروق ضد حزب الوفد في مؤتمر الاخوان الرابع سنة 1936 لمبايعة الملك فاروق، وكتب اليه يقول «وان لنا في جلالة الملك المسلم املا»، وعندما قال زعيم الوفد مصطفى النحاس «الشعب مع الوفد»، قال البنا «الله مع الملك»، نقلا عن مقال «قميص غزة» للامام عبدالعزيز شريف (الشرق الاوسط 23/4/2009). وقد صرح جون لوفتس John Loftus المدعي العام الاميركي السابق ان جهاز المخابرات الاميركية CIA قد دمر في عام 2004 جميع اشرطة التسجيل التي تخص تعاونهم مع الاخوان المسلمين.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

يا حصان

في لندن، غضبت شابة إنكليزية من أصل إيراني على عشيقها الكويتي، ورفضت استقبال مكالماته، فاستنجد بصديقه ليعيد العلاقات ويرمم ما تهدّم، فاشترط عليه صديقه أن يشتمه على مسامعها ويوبّخه «بس عشان يلين رأسها» قبل أن يبدأ التوسط والشفاعة، فوافق العاشق، وفعلاً اتصل صديقه بالشابة الإيرانية، وشرع يشتم زميله كي يكسب ودّها، وكانت أول جملة: «يو آر بيقر ذان هيم»، ويقصد أنكِ الأكبر عقلاً فتجاوزي عن أخطائه واصفحي، فصححت معلومته: «لا، هو أكبر مني»، فامتدح تواضعها وواصل حديثه وكرر جملته، فصححت معلومته مرة أخرى ولكن بغضب: «هو مولود في فبراير 69 وأنا في نوفمبر 72، فكيف أكون أنا الأكبر؟»، فتجاهل سؤالها وقفز إلى جملة اخرى: «هي هاز نو ستوري»، أي «ما عنده سالفة»، ومعناها بالفصيح «هو مخطئ»، فلم تفهم الفتاة واستفسرت: «وات؟»، فأعاد على مسامعها الجملة، فأعادت الاستفسار بنبرة غاضبة، فسألها: «ألا تفهمين الإنكليزية؟»، فصرخت في وجهه: «اذهب إلى الجحيم أيّها الغبي»، فانفعل صاحبنا ورد على الشتيمة بأحسن منها: «أنتِ كلبة»، فاستفسرت منه: «هل تقصد أنني أمتلك كلبة؟»، فأوضح لها: «لا، أقصد أنك أنت الكلبة ذاتها»، فاستغربت هذا التشبيه ولم تفهم، واستفسرت وهي تطلق زفرات الغضب على اعتبار أن لغته ركيكة: «هل تتحدث الآن معي عن الكلاب، ما بها؟ ما الذي يمكن أن أفعله من أجلها؟»… كل هذا يتم وعشيقها – الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة – يستمع من خلال السبيكر إلى الحوار ويتلوى على الأرض من شدة الضحك.

حتى في ما بيننا نحن أهل الخليج، تختلف مفرداتنا ومعانيها اختلافاً طفيفاً، لا يستدعي تدخل الأطباء. ففي أبوظبي، وأثناء دورة تدريبية جمعت ضباطاً خليجيين، دار حديث بيني وبين ضابط إماراتي عن «الملابس الداخلية للرجال». ويجب التوضيح – لغير الخليجيين – أن أهل الكويت والسعودية والبحرين وقطر يرتدون «السروال» تحت الثوب، وهو في طول البنطلون، في حين يرتدي أهل الإمارات وعمان «الوزار» تحت ثيابهم، وهو مفتوح على الحديقة العامة ويطل على الشاطئ مباشرة. وانتقد صاحبنا الإماراتي سراويلنا، موضحاً أن النساء وحدهن اللاتي يرتدين السراويل، فانتقدت بدوري الوزار، وكيف أن الرجل إذا سقط على ظهره فستحل الكارثة، ودار النقاش على وقع ضحكات الزملاء، وعندما هَمّ الإماراتي بالمغادرة، قال لي بودّ: «في خاطرك شيء؟»، ومعناها باللهجة الكويتية: «هل تحمل ضغينة عليّ؟»، في حين أن معناها بالإماراتية: «هل تأمرني بشيء؟»، ويقولها المرء عادة قبل مغادرة المجلس. فأجبته: «لسنا أطفالاً كي نحمل في خواطرنا شيئاً على بعضنا بسبب نقاش ضاحك»، فلم يفهم، وكرر السؤال، فقلت له بغضب: «يا أخي ليس في خاطري شيء، لماذا تهوّل الأمور؟» فغضب بدوره: «وما الذي يغضبك الآن؟!» وكبرت القصة والسبب سوء الترجمة.

وفي الكويت ذاتها، تختلف اللهجات والثقافات، فالبدوي إذا أراد أن يمتدحك وصفك بأنك ذئب أو حصان، في حين أن هذين الوصفين عند الحضري يتطلبان تدخل (112) خدمة الطوارئ الهاتفية.

الثقافات تختلف، وهذا ما دعا النائب محمد هايف إلى مطالبة الحكومة بطرد السفيرة الأميركية بعد أن تحدثت عن الكلاب والقطط في برلماننا، ولو كان الأمر في يد نائبنا الفاضل لأمر بجلدها وحلق شعرها، وهي لن تحرص على شعرها بقدر حرصها على معرفة الجريمة التي ارتكبتها. يالله معلش «هي هاز نو ستوري». 

احمد الصراف

العضو أبوشامة!

في غمرة الصراع الذي دار قبل فترة بين معارضي ومؤيدي السماح لطائفة البهرة ببناء مسجد لهم في احدى المناطق السكنية، كان صوت احد اعضاء المجلس البلدي وقتها الاكثر ارتفاعا وقسوة وتهجما على ابناء الطائفة، حيث وصفهم بالكفرة وطعن في صحيح عقيدتهم! واعتقد الكثيرون ان موقف هذا العضو ينسجم مع تدينه وغيرته على صحيح العقيدة، وشك آخرون في وجود ثأر أو عداوة سابقة بينه وبين البهرة، بحيث وقف ذلك الموقف غير المتسامح من المشروع، وتبين لاحقا ان ليس في الامر هذا ولا ذلك، حيث لم تمر فترة طويلة حتى «اشتهت جهة ما» كشف احد الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء جرائم المتاجرة بالبشر، والتي كثيرا ما شوهت سمعة الكويت لدى كل الدول والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، واذ بنا نكتشف ان السيد العضو السابق وأحد اشقائه، متورطان في المتاجرة بقوت آلاف العمال الفقراء وجلبهم بصورة غير مشروعة للكويت وتحقيق ملايين الدنانير من وراء فعلتهما، معرضين الأمن والسلام الداخليين للبلاد للخطر، وسمعتها في المحافل الدولية للتشويه!
ما نريد التركيز عليه هنا ليس فضح هذا العضو السابق الذي حقق الملايين وشقيقه نتيجة فساد الجهاز الاداري الحكومي، حيث يستحيل على فرد جلب آلاف العمال من دون تواطؤ من داخل احد اجهزة الدولة، بل نود التركيز على ان ثقافة المجتمع الكويتي لا تزال قاصرة عن اعتبار عمل هذا العضو نوعا من الجريمة الامنية البشعة التي تستحق اقصى درجات العقوبة، علما بأننا لم نسمع منذ نصف قرن ان متنفذا عوقب على مثل هذه الجريمة! فبإمكان هذا العضو السابق السير مرفوع الرأس، حتى بعد ادانته، هذا ان أدين أصلا، بين أهله، والعيش بكل فخر ومن دون خجل بينهم وفي مجتمعه الأوسع، فهو أيضا -بعرف مجتمعاتنا وفي ظل أصالة وعراقة عاداتنا وتقاليدنا- لم يرتكب ما تعارف على اعتباره امرا او فعلا مخلا بالشرف والامانة، فهو لم يسرق من بيت فقير ولم ينهب مال يتيم ولم يعتد. على سائل ولا محروم، بل اخذ مالا ممن ارادوا القدوم للكويت والعمل فيها بملء ارادتهم من دون ابتزاز ولا ضغط، اما سمعة الدولة وكرامتها وأمنها الداخلي، فهي امور خلافية وهلامية وغير واضحة المعالم لدى كل من لم يؤمن اصلا ان للوطن حقا عليه، مثل ما له من حقوق عليها، ان لم تكن حقوق الوطن اكثر، فثقافة الماء والكلأ هي السائدة شئنا أم أبينا، وهي نتيجة لفشل سياسة التربية والتعليم في ترسيخ مفهوم الوطن، فلا نزال نكتفي بالضحك والسخرية، او ربما بهز رؤوسنا أسفا، عند رؤية انشغال بعض أعضاء مجلس الامة بهواتفهم النقالة، اثناء وقوف الجميع احتراما للسلام الوطني!

***
ملاحظة: نشكر رئيس الهلال الأحمر، الاخ برجس الحمود، على تعقيبه على ما سبق، وان كتبنا عن تقاعس بعض الجمعيات، ومنها الهلال الاحمر، عن شكر المتبرعين لها، ولكننا وبعد نشر المقال، وردتنا مكالمتا هاتف، على حسابنا، حيث انني خارج الكويت، اضافة لرسالة إنترنت من متبرعين معروفين يؤيدون ما ذكر في المقال عن تقصير الجمعية، ويبدو يا أبا خالد ان الهلال الاحمر مقصر في هذه الناحية، ولست في حل من ذكر اسماء الشاكين، بناء على طلبهم، علما بأنهم أكدوا أن تبرعاتهم للجمعية ستستمر، لثقتهم الكبيرة في شخصكم وبقية الاخوة والاخوات العاملين فيها، أما عن عدم تسلم البعض ايصالات تبرع، فهذا ما لم نتطرق له في المقال.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

يا بلادي العزيزة… القانون ولا شيء غيره!

 

مقلقة هي حادثة اعتداء «عقيد» عسكري على عضو بلدي… ربما لا تكفي كلمة «مقلقة» لكي تشعرنا بأن المجتمع البحريني الآمن والمسالم والمتنعم بنعمة الأمن، في أمس الحاجة اليوم للدفاع عن هذه النعمة، بدءا بالدولة التي يتوجب عليها تشديد القوانين وعدم التهاون في تنفيذها، كائن من يكون الطرف المخالف، إنتهاء عندي وعندك وعند كل مواطن ومقيم حيث يتوجب أن يكون الجميع حماة للمجتمع طالما يعيش الكل في كنفه.

بالنسبة لي شخصيا، أيقنت تمام اليقين بأن المجتمع البحريني مهدد بالفعل في أمنه بسبب ممارسات متعددة من قبل فئة تهوى الإضرار بالمجتمع من المواطنين أنفسهم تحت شعار المطالبة بالحقوق، وهذه كما قلت في مقالات سابقة، ظاهرة انحسرت ولله الحمد وفي طريقها الى الزوال مع وجود القناعات بضرورة المطالبة بالطرق السلمية المشروعة التي لا تخالف القانون… لكن، ماذا عسانا نفعل مع خليط مخيف من غير البحرينيين؟

دعونا نستعرض ثلاث قضايا فقط نظرتها المحاكم في أسبوع واحد، أولها تورط فيها بحريني وبحرينية، ونظرتها المحكمة الجنائية الكبرى التي قضت ببراءتهما من تهمة بيع المواد المخدرة وأمرت بحبسهم لمدة سنة وتغريمهم مبلغ 500 دينار عن تهمة التعاطي، فهذه عينة من البحرينيين الذين يتجاوزون قوانين وأنظمة البلد دون خوف ولا رادع.

أما القضية الأخرى التي حجزتها محكمة الإستئناف العليا، فهي قضية متهم روماني بالاعتداء على عرض شقيقة زوجته بعد أن تم القبض على المتهم الذي كان فارا من يد العدالة وذلك بعد حضوره لجلسة الاستئناف، وقضت بحبس المتهم لمدة 5 سنوات وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ الحكم الصادر بحقه في قضية اغتصاب شقيقة زوجته.

أما القضية الثالثة التي أرجأتها محكمة الاستئناف العليا الجنائية لندب محام للمتهمة، فهي قضية قضية إثيوبية شرعت بقتل ابن مخدومها، بعد أن قضت بحبس المتهمة لمدة 3 سنوات وإبعادها عن البلاد نهائيا.

وتفاصيل القضية تشير الى أن الخادمة شرعت في قتل ابن مخدومها بأنْ باغتته من الخلف حال وجوده في المطبخ، وانهالت على رأسه ضربا بمطرقة حديد، قاصدة من ذلك قتله، غير أنّها لم تتمكن من ذلك، ولله الحمد والمنة.

السؤال المحير، سواء كان الجناة بحرينيون من أبناء هذا المجتمع الطيب المسالم المحافظ، أم من الوافدين القادمين من مجتمعات اعتادت على الإجرام أو مسالمة لا فرق… أليس هناك ما يقلق بشأن استخفاف أولئك المجرمون بقوانين البلد؟ ولماذا يستخفون بها ويتجاوزونها؟ ولماذا تتكرر جرائمهم وتتضاعف عاما بعد عام.

ليس لدي شخصيا إلا إجابة واحدة، ألا وهي عدم احترام قوانين وأنظمة البلد، والاستخفاف بها الى حد ارتكاب جرائم مروعة، ولكن، هل الدولة مسئولة؟ نعم مسئولة عن تشديد القوانين، وليست وحدها المسئولة، فكل مواطن وكل صاحب عمل وكل مستثمر يستقدم العمالة الوافدة، عليه مسئولية تحذير من يستقدم من عمالة من أن للبلد قوانين صارمة، يتوجب عليهم جميعا احترامها والالتزام بها، فليس صحيحا أيها السادة استقدام الوحوش وتركهم يسرحون ويمرحون في مجتمعنا دون رقابة.

سامي النصف

يموت لبنان ليحيا جبران

أمة العرب التي كانت خير أمة أخرجت للناس أصيبت بلعنة، فالأنظمة الديكتاتورية تدمرها والتحول للأنظمة الديموقراطية لا ينفعها ولا يعمرها في ظل ما نراه قائما في لبنان والكويت (أقدم ديموقراطيتين عربيتين) واليمن والسودان والعراق.. إلخ، ومن ذلك الأزمات السياسية الطاحنة التي يشهدها لبنان هذه الأيام بسبب عدم ممانعة الجنرال عون في ان يموت لبنان لأجل ان يحيا ويتوزر صهره (المعطل) جبران باسيل.

وما يقوم به الجنرال لا علاقة له بقوى 8 آذار بقدر ما هو متصل بشخصية عون غير المفهومة وغير المحبوبة، فعلاقته مع رئيس الجمهورية سيئة بسبب مطالبته بوزارة الداخلية، وعلاقته بالرئاسة الثانية سيئة ومازال الرئيس بري يدعم اختيار سعد الحريري لتشكيل الحكومة بعكس الجنرال، اما علاقته بالرئاسة الثالثة فتعاني من الانقطاع التام، وتمتد علاقة الجنرال السيئة بالآخرين للسياسيين والاعلاميين الذين يعيبون عليه عدم قيامه بأدنى واجبات الضيافة حين يزورون داره بالرابية.

ومع انتهاء الحرب العراقية ـ الايرانية لم يجد صدام احدا يدفع له ويدفع به لمناكفة سورية بالدم اللبناني بأفضل من الجنرال عون لذا لم تكن حربه آنذاك حرب استقلال وتحرير، بل حرب ارتزاق وتدمير قام خلالها بشن سلسلة حروب دمرت الشرقية وقتلت المئات بحجة توحيد البندقية المسيحية وألحقها بحرب اخرى على الغربية لمنع انتخاب رئيس الجمهورية، كما رفض اتفاق الطائف الذي اوقف الحرب الأهلية، واساء عون لمقام البطرياركية التي دعمت ذلك الاتفاق، كما تصادم مع «جميع» النواب وأعلن عدم شرعيتهم وفرض الرقابة واغلق الصحف ومحطات التلفزة في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها.

وفي نوفمبر 89 ذكرت صحيفة «لوكانار» الفرنسية أن هناك من اودع مبلغ 15 مليون دولار في حساب الجنرال عون في بنك باريس الوطني وان فوائد ذلك المبلغ تصل الى مائة الف دولار (أو دينار عراقي) شهريا ولم ينف الجنرال حقيقة تلك الفضيحة المجلجلة بل اتهم المجلة الفرنسية بخيانة السرية المصرفية وهدد بمقاضاتها.. عافاك يا جنرال خيانة الأوطان ما فيها شيء خيانة سرية المصارف شيء كبير!

وإشكالية رئاسة الحكومة وصلاحياتها أنها ومنذ عهد الاستقلال الأول غير محددة بمدة كحال الرئاسة الأولى (6 سنوات) والرئاسة الثانية (4 سنوات) كما أنها وبحق اسم على غير مسمى، فدستور ما قبل «الطائف» كان يعطي رئاسة الجمهورية حق تسمية رئيس الوزراء واختيار الوزراء ثم ترأس بشكل دائم اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ـ اي لا يرأس رئيس مجلس الوزراء اجتماعات الحكومة ـ وفي حال انعقاد مجلس الوزراء دون وجود الرئاسة الأولى يسمى الاجتماع «بالمجلس الوزاري» ولا تعتبر قراراته دستورية او ملزمة.

وبعد عام 90 اتفقت الرئاسات الثلاث (الهراوي، بري، الحريري) على الحكم وتشكيل الوزارات بطريقة «الترويكا» وظل ذلك الاتفاق غير المكتوب ساريا وتم تحت مظلته تعمير ما دمرته الحرب الأهلية حتى انتهى بتدمير موكب الرئيس رفيق الحريري والوصول للإشكال الحالي الذي هو بداية لأحداث جسام قادمة للبنان والمنطقة مع بدايات عام 2010.

آخر محطة:

يخبرنا أحد مستشاري النائب وليد جنبلاط المقربين أن السبب الحقيقي لتموضعه الجديد هو معلومات اكيدة وصلته بأن هناك حربا مذهبية قادمة الى لبنان على معطى قرارات المحكمة الدولية قد تكون اشد وطأة من الحرب الطائفية السابقة وقد رأى جنبلاط بحكمته المعهودة ان يبعد طائفته الصغيرة عنها عبر التموضع الوسطي بين قوى 14 و8 آذار، والله يحمي لبنان العزيز على القلوب والمنطقة من أخطار ما هو قادم.

احمد الصراف

سلمان العودة وفضيلة الاعتذار

لست شخصا استثنائيا في امور كثيرة، ولم يكن الاعتذار عن الخطأ من شيمي.. أيام جاهليتي، ولكن مع الاصرار دربت نفسي، المرة تلو الاخرى، على ان اقول «آسف» عندما ارتكب خطأ ما في حق طرف آخر دون قصد، حتى لو كان الخطأ لا يتعدى تأخر بضع دقائق عن موعد ما.
تقول وفاء سلطان، المفكرة وعالمة النفس، انها تعلمت من تجاربها ان الرجل في منطقتنا ليس سهلا عليه الاقرار او الاعتراف بالخطأ، وإن أقر، فإنه غالبا ما لا يعتذر، لأن الاعتذار، برأيها، ينبع من الاحساس بالمسؤولية، و«رجالنا» لا يعترفون بمسؤولية تتجاوز حدود شهادتهم! وتقول وفاء سلطان ان الاعتذار ليس مجرد ضرورة اجتماعية بقدر ما هو احترام وتعاطف مع الشخص المساء اليه، ووسيلة للاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليات ذلك الخطأ، كما ان الاعتذار يجرد الشخص المسيء من الذنب والمساء اليه من الاحساس بالغضب وربما الرغبة في الانتقام، وهذه جميعها مشاعر مدمرة للانسان.
اكتب ذلك بمناسبة الخبر الغريب، والمرحب به في الوقت نفسه، الذي تناقلته وكالات الانباء، عن قيام رجل الدين السعودي، المعروف بتشدده، سلمان العودة، بطلب تفادي الدعاء من اجل اهلاك غير المسلمين، وهو الدعاء الذي يختتم به عادة الكثير من الائمة والوعاظ خطبهم وصلواتهم في الغالبية العظمى من الدول الاسلامية والعربية بالذات والسعودية بذات اشد، وقال العودة ان الدعاء بهلاك ودمار كل الكفرة غير مسموح به ويخالف شرع الله الذي ينادي بدعوتهم الى اتباع الطريق القويم، وزاد على ذلك بالقول ان الدعاء بزوال ذريتهم والمنحدرين من اصلابهم ليس مشروعا!
من المعروف ان الشيخ العودة كان واحدا، او ربما على رأس من كانوا يطالبون، ولسنوات طويلة، ومن على المنابر والتلفزيونات والاذاعات، بفناء الكفار، وان ييتم الله ابناءهم ويحرق زرعهم ويرمل نساءهم ويقطع خلفتهم ويبيدهم، ولا شك ان دعواته ودعوات غيره ساهمت في رعاية بذرة الارهاب الحديث في مناطق عدة في العالم، وساهمت من غير شك في تأليب الشباب المسلم، التائه والشارد، على غيره من شعوب الارض والغربيين بالذات، ولا شك ان دماء غالية سالت وارواحا بريئة كثيرة فقدت نتيجة التأثر بمثل هذه الدعوات الصارمة والحادة والتي لم تكن تترك مجالا للتفكير او المفاضلة والتفاوض.. بل القتل والحرق والافناء والابادة.
جميل ان يأتي الآن سلمان العودة ويقول ان الدعاء بهلاك الكفار غير مسموح به، ولو اننا نعتقد ان قلة فقط ستستجيب له، ولكن هذا يجب ان يتبعه شعور وقول واضح بأنه كان مخطئا وكان سببا في تعاسة الآخرين، وانه يعتذر عن ذلك، وهنا فقط تبدأ الخطوة الاولى في محاربة الغلو، وترسيخ مفهوم الاقرار بارتكاب الخطأ والاعتذار عنه، ومن ثم تحمل تبعات ذلك، فلا يكفي ان نأتي بعد كل هذا الاذى والخراب والقتل والتدمير ونقول ان هذه الادعية تخالف «شرعا» ونسكت!
نحن على ثقة ان ما نطالب به يخالف عاداتنا وتقاليدنا التي تقف صامتة خاشعة امام سرقات المال العام وتزوير الملفات والمتاجرة بالبشر، بعد ان اصبحت هذه اعمال «رجال»، وجزءا من ثقافة مجتمعاتنا، صحراوية كانت ام بحرية ام جبلية.

أحمد الصراف