محمد الوشيحي

النسر لا ينتظر 
حبوب الارملة


الشيخ عايض القرني في فن الكلام والخطابة نسرٌ يبزّ نسور الشمال ويحرق قلوبها، يسكن الأفلاك ويتفقد حقائب الشموس والكواكب قبل ذهابها إلى مدارسها، لكنه في نظم القصيد ديك بصراوي يعيش على الحبوب التي تنثرها له الأرملة صاحبة العشة.

شيخنا الزاهد الورع بعدما تعالت الأصوات الناقدة لقصيدته التي غناها محمد عبده بعنوان «لا إله إلا الله»، راح يترنح ويهز عصا الغضب، فهاجم نقّادها، وألبسهم ثياب الجهل، على اعتبار أنه عالم. لكنه للأمانة لم يخرجهم من الملة، كان رؤوفاً معهم. ودارت الأيام وازداد عدد ناقدي القصيدة، و»عاديّتها»، فازداد ترنحه وازداد اهتزاز عصا غضبه، فأعلن فضيلته عن جائزة قدرها مليون ريال لمن ينظم قصيدة مجاراة لقصيدته الديكية، ليغيظ الحُساد ويكيد العذال.

ولو كنت أنا مكانه لجعلت الجائزة عشرة ملايين ريال للفائز الأول، وخمسة ملايين للفائز الثاني، وثلاثة ملايين للثالث، فالشعراء البطّالية المحتاجون كثر، والملايين التي جمعتها من «الدعوة» أكثر، وسأجمع أكثر، فرأس المال بشت وغترة بلا عقال، وتأليف وخيال، فلا إيجار شركات ولا رواتب عُمال، وستتراكم الأموال فوق الأموال، لن يحول دونها أزمة اقتصادية ولا خبال، ورجال الدين اليوم هم رجال الأعمال.

وقد شاهدت في لبنان مجمعات سكنية هائلة، بنتها «الكنيسة المارونية» لبسطاء الناس والمعوزين من أتباع الطائفة المارونية، تُباع لهم بالتقسيط المريح الطويل، وبقيمة التكلفة، فدخلتها وتفرجت عليها ووجدت بناءها لا يختلف عن بناء البيوت العادية في شيء، إلا أن قيمة بيوت الكنيسة أقل بنحو أربع مرات عن البيوت العادية. وهنا أتساءل: أين مشايخنا الأثرياء، سنة وشيعة من هواة جمع التبرعات والظهور على القنوات، من مثل هذه الأفكار؟ أم أن مهامهم انحصرت في مهاجمة نانسي عجرم وصويحباتها؟ ويا سبحان الله، هذه النانسي عجرم المسيحية المارونية التي طالما هاجموها وشتموها كانت من أكثر المتبرعين للمسلمين الشيعة الذين فقدوا بيوتهم بسبب حرب حسن نصرالله الأخيرة مع إسرائيل. وهي كانت ولاتزال ترفض الظهور في الفضائيات والحديث عن هذا الأمر.

* * *

قدرات ربك تتجلى في كل أمر، فها هما النائبان سيد عدنان عبدالصمد وعبد السلام النابلسي يتصالحان ويتحالفان تحت عنوان «وحدة البيت الشيعي»، منهيين بذلك حرب البسوس الطويلة بينهما. آخ ومليون آخ، من كان يصدق أن يضع سيد عدنان يده بيد النابلسي لولا حادثة التأبين التي لا تريد فاتورتها أن تنتهي قبل أن تمسح كل نقطة جميلة في سيرة عدنان.

ومن بين الغبار الكئيب هذا نتساءل: وأين النائب صالح عاشور من الصلح يا سادة القوم؟

* * *

لكل من اعترض، وما أكثرهم، على إعراب الجملة التي وردت في مقالتي السابقة «الحشر ليس عيداً»، والتي جاءت هكذا «نحن الكويتيين لا نعلم كيف نشكر الله على جزيل نعمه»، ظانِّين أن الصحيح هو «نحن الكويتيون»، وأن «الكويتيين» خبر يجب أن يُرفع بالواو، أقول باختصار: «الكويتيين» ليست خبراً، فأنا لا أهدف إلى إخبار الناس أننا كويتيون، بل هي مفعول به منصوب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره أخص أو أعني وعلامة نصبه الياء، وجملة «لا نعلم كيف نشكر الله على جزيل نعمه» هي الخبر. ولا إعراب آخر لها في الأسواق، فالمعذرة. 

احمد الصراف

نصف قرن من التوتر

تعاني الكويت، ومنذ أربعينات القرن الماضي، من مشكلة حدود ووجود مع العراق، الجار الاكبر والاكثر شراسة في التعامل.
وعلى الرغم من ان مطالبات العراق السياسية المتكررة بأن الكويت جزء منه تعود لاكثر من 70 عاما، فانه لم يجن الا الويلات منها، مع عدم مشروعية المطالبة اصلا.
وعلى الرغم من ان هذه المطالبات لم تأخذ شكلا جديا الا في بداية ستينات القرن الماضي، عندما كان عبدالكريم قاسم، زعيما اوحد للعراق، وقبل ان يأتي مجنونها الآخر في اغسطس 1990 ويترجم المطالبات الواهية والمتكررة إلى غزو واحتلال دموي كانت فيه نهاية المطالبة، ونهاية نظامه واسرته ورفاهية العراق لعقود طويلة قادمة! نقول على الرغم من ان تلك المطالبات لم تأخذ شكلا جديا، فان مجرد شعور المواطن الكويتي بأن هناك من يهدد وجوده، ولو كلاما، كاف لتوتير العلاقة بين البلدين إلى درجة التسمم. نقول ذلك مع اقتناعنا ان بوصلة مستقبل الكويت تشير الى الشمال وليس الى الجنوب، ولكن هذا لا يمكن ان يتم و100% من الشعب الكويتي، المعني الاول بالامر، ولعديد من الاسباب، غير معني لا من قريب ولا بعيد بوحدة سياسية مع الجار لا معنى لها!
لنترك التاريخ جانبا، فجروح الابدان والنفوس تحتاج الى بعض الوقت لكي تلتئم، وليس هنا مكان نكئها وتأجيج النفوس!
يطرح كاتب عراقي في رسالة له إلى صديق كويتي السؤال التالي:
ما الذي يمكن ان نقوم به للحفاظ على علاقات طيبة ومستمرة بين الكويت والعراق، من دون الانغماس في الاثارة والتأليب والاتهامات المتبادلة؟
من خطاب الصديق، الذي يود ان يظهر فيه حبه للكويت، نقرأ أن السلام بين الطرفين لا يمكن ان يتحقق من دون عدل ومساواة في التعامل. وان ترسيم الحدود الحالي بين البلدين حدث في ظروف استثنائية وغير متكافئة! وهذا يعني، من وجهة نظره، ان من المفترض اعادة النظر في الترسيم، رغم اقراره بأنه تم تحت اشراف لجان دولية!
ولكن متى كان وضع الكويت مع العراق متكافئا اصلا؟ وكيف تضمن الكويت ان فتح ملف الحدود لن يجرها إلى ويلات هي في غنى عنها.
إن من الافضل للبلدين والسلام الاقليمي والعالمي طي صفحة الحدود للأبد، فليس من مصلحة احد فتح هذا الملف الشائك. وكما ان للعراق قوة، فإن الكويت لن تعدم من يقف معها.
ويقول الصديق العراقي في رسالته بأن من الواضح، وبعد مرور 6 سنوات على خلاص العراق من صدام، ونظامه، ان الجهات الحكومية في الكويت والعراق فشلتا في ايجاد حلول للمشاكل العالقة بينهما، وهي ليست بسيطة. وان علاقات جوار طيبة وتعاون متبادل قد تعطي نتائج اكثر من مفيدة للطرفين.
ما نريد قوله هنا ان البلدين يجب ان يعترفا بان اي امر، بخلاف استقلال كل طرف وحدوده وكرامته، قابل للنقاش والتفاوض والاخذ والعطاء.
فديون الكويت على العراق مثلا، على الرغم من قانونيتها، يجب ان تكون موضوع تفاوض، ولكن ليس قبل تسوية الامور العالقة الاخرى كافة، كاستقلال الكويت الناجز والنهائي بحيث يصبح امرا محرما الحديث عنه في العراق، كما هو الامر في كثير من الدول الاوروبية التي تجعل من موضوع انكار «الهولوكوست» جريمة يعاقب عليها القانون.
ان السلام بين العراق والكويت امر بالغ الحيوية ويجب الا يترك لأهواء العامة وعواطف المتاجرين من نواب وسياسيين وكتاب صحف يقتاتون من اثارة النفوس وتأجيج العداوة بين الطرفين.
نعم، ليس بإمكاننا ان ننكر اننا مجروحون من العراق وسبق ان لدغتنا الحية مرات عدة، وتوخي الحذر امر مفروغ منه، ولكن لا يمكن ان نعيش الى الابد تحت هاجس لدغة اخرى، وربما من الافضل ابقاء عين مفتوحة واخرى مرحبة بالعراق وشعب العراق، فواهم من يعتقد ان بالامكان استمرار العداوة بين الشعبين الى الابد! فما لقيه الكوريون مثلا من اهوال نتيجة اعتداء اليابانيين المتكرر عليهم، طوال قرون، وما فعله الالمان بغيرهم من شعوب اوروبا امور لا يمكن ان تنسى، ولم تنس، ولكن كان على الجميع طي صفحة الماضي والبدء من جديد. ويمكن هنا الاقتداء بمشروع الجنرال الاميركي ماك آرثر الذي تولى حكم اليابان عسكريا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية واستسلامها للأميركيين، عندما قام بتغيير الفكر الياباني من خلال إلغاء ألوهية الامبراطور وجعله ملكا صوريا، وتحريم الحديث عن الروح العسكرية اليابانية التي اشتهرت بها على مدى قرون، والتخلي عن كثير من التقاليد العسكرية والاستعداد للموت من اجلها ومن اجل الامبراطور، وجميع هذه الامور وغيرها الكثير جعلت من الشعب الياباني شيئا غير الذي كان عليه قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ونعتقد ان العراق بحاجة لما يماثل مشروع ماك آرثر، او ربما اكون من الحالمين!

أحمد الصراف