أجرت «الدار» في 8/9 لقاء مع ناصر العمار، مدير الجمعيات الخيرية في «الشؤون»، وردت فيه أمور كثيرة بعيدة عن الحقيقة، وردا على سؤال عما يشاع عن اتهام الجمعيات الخيرية بتمويل الإرهاب، قال إن لها «اليد الطولى»، على مدى 40 عاما، في توصيل الأموال التي جمعتها لمستحقيها في دول العالم! ولا أعلم كيف عرف العمار ذلك وهو الذي لم يشغل منصبه الحالي إلا منذ سنوات أربع تقريبا؟! كما يعرف جيدا أنه ووزارته وحكومته كانوا -ولا يزالون- أعجز عن معرفة حقيقة موارد هذه الجمعيات والكيفية التي تتصرف بأموالها، بعد فشل كل محاولات تدقيق سجلاتها ومراقبة حساباتها، واكتفت أخيراً فقط بمراقبة عملية التحصيل! وخير دليل على عدم وجود أي رقابة على هذه الجمعيات تلك السرقة التي استمرت على مدى ثلاث سنوات في جمعية «إعانة المرضى»، التي لم تنتبه لها أي جهة إلا بعد أن فر الجاني بـ 14 مليون دولار، فكيف يمكن أن يحدث ذلك والوزارة تدعي معرفة حسابات الجمعيات؟!
نحن لم نتهم مباشرة الجمعيات بدعم الإرهاب، ولكن ما يؤكد مخاوفنا أن هذه الجمعيات رفضت، بكل صلافة قيام أي جهة بتدقيق حساباتها ولم تترك بالتالي مجالا لغير الشك في نواياها وأهدافها «السياسية»، بل أيضا في ذمة المشرفين عليها! أما ادعاء السيد العمار أنه وقف وقفة جادة في وجه اتهاماتنا للجمعيات بسوء التصرف فقول غير صحيح أيضا. فقد جف حبر كمبيوترنا ونحن نكتب ونوجه الاتهام تلو الآخر، ومع هذا لم يكلف نفسه يوما الاتصال بنا وشرح الأمر، فنحن لسنا إلا كتّاب، وهو الذي يمتلك السلطة وأدوات البحث والرقابة، وكان حريا به أن يظهر ما يثبت نقاء صفحة الجمعيات وتقديم الدليل الدامغ بأن سجلاتها خالية من أي مخالفات، بدلا من «تحدينا» ومطالبتنا بإبراز الدليل على دعم تلك الجمعيات لأي أنشطة مشبوهة، فهل رأى أحد، وعلى مدى 40 عاما، ميزانية لجمعية خيرية منشورة في أي مطبوعة أو توزع في مقراتها، ليطلع عليها المعنيون بالأمر؟ الجواب: لا «كبيرة» طبعا. فالإصلاح، يا جماعة الإصلاح، والشفافية لا تعجب المتاجرين بالدين، علما بان في مجالس إدارات هذه الجمعيات نواباً لم يكلوا يوما عن مطالبة الحكومة بالبعد عن الفساد واتباع الشفافية في أعمالها، ولكنهم ينسون أنفسهم!
إن ما تم كشفه في رمضان الماضي، وما سبقه، من مخالفات بالجملة لعدة جهات تدعي الخير والتدين ولا تتردد في كسر القوانين وتحدي تعليمات الوزارة وكبار مسؤوليها، إلى الدليل رقم ألف هو دليل يؤكد كل شكوكنا. فما الذي يدفع مثل هذه الجهات لارتكاب كل هذا الكم من المخالفات من دون خوف؟ وكيف تتهمنا الوزارة بصورة غير مباشرة بالتجني عليها ثم تأتي الآن وتستغرب «..استهتارها بالقوانين وانحرافها عن مسيرة التعاون؟!»، «القبس» 22/9. وما الذي يدفع مسؤوليها، وصور الكثيرين منهم تسود صفحات مطبوعاتنا، لارتكاب كل هذه المخالفات الجسيمة؟ لا شك أن الأمر لا يتعلق فقط بشك هؤلاء في قدرة الوزارة على فعل شيء، بل بأمور أكثر خطورة تتعلق بالاستماتة على جمع التمويل اللازم «لعمليات ما» بعد أن جفت ضروع كثيرة! وكان جميلا إقرار الوزارة أن هذه الجمعيات قد انحرفت عن الطريق الصحيح، وكان سخيفا منها القول انها ستطالبها برد ما جمعته بطريقة غير قانونية، فهذه نكتة! كما كان جميلا أيضا إقرارها، أخيرا، أن هذه الجهات المخالفة تحاول إخفاء أمور لا ترغب في أن تعرف الوزارة شيئا عنها (المصدر نفسه)، وهذا ما كنا نكتب عنه ونقوله منذ سنوات عشر!
وهكذا نجد أن الكثير من الجهات التي وصفها العمار قبل أسبوعين أن لها اليد الطولى في عمل الخير ليسوا إلا مجموعة من المستهترين بالقوانين، حسب وصف الوزارة، والمتحايلين على النظم، الذين لم ولن يردعهم شيء عن جمع الأموال السهلة من السذج الطامعين في الجنة!
***
< ملاحظة: قال لي انه التقى في ديوانية بضاحية عبدالله السالم (وها هو اسمها الصحيح، وليس الضاحية)، أحد وكلاء التربية، ودار نقاش عن دوام المدارس وانفلونزا الخنازير وخطر ارسال الاطفال، من عدمه، للدراسة في اماكن مكتظة. وقال ان اكثر المدافعين عن تعطيل الدراسة كان اثنان، ولأجل الصدف التقاهما، وأبناءهما في الليلة التالية في المسجد الكبير يؤدون صلاة العيد ضمن 25 ألف مصل آخرين!
أحمد الصراف