محمد الوشيحي

الحشر ليس عيداً

نحن الكتّاب الكويتيين، وأعوذ بالله من كلمة نحن، وزملاءنا اللبنانيين والمصريين، وأعوذ بالله من كلمة اللبنانيين والمصريين، لا نعلم كيف نشكر الله على جزيل نعمه وواسع فضله لما حبانا به من هذا الكم الهائل من المشاكل في بلداننا، التي تتيح لنا كتابة معلقات هجائية يومية. لكن المخ له مفتاح، والمزاج له كلمة سر، وقد يضيع المفتاح منك وقد تنسى كلمة السر، فتتعومس، وتكتب وتشطب وتمزق، وتعيد الكرّة، فتكتب وتشطب وتمزق، وكأن هذه هي مهمتك. والمواضيع أكثر من الهرنات في شوارع مصر، وأثقل من ماكياج بعض المنقبات في المجمعات، لكن خلقي اليوم أضيق من عباءاتهن.

ما العمل؟ ما الحل؟ مدد يا رب الأرباب، يا عاطي يا وهاب، فالفكرة التي في ذهني تستحق ليَّ الرقاب وتشمير الثياب وإظهار الأنياب، لكن المزاج هذه اللحظة مثل بعض الأصحاب، نذل يا أولي الألباب، هرب وقت الحاجة، كما تهرب من القط الدجاجة.

ولكثر ما كتبت ومزّقت، وجدَت الكآبة لها ثغرة في صدري فتسللت من حيث لا أدري، واختبأت خلف الحنايا، فنحّيت الورقة والقلم جانباً، وناديت ولدَيّ، تحويشة عمري، أو نصف التحويشة، «بو عنتر» و»بو عزّوز»، سلمان ذا السنوات السبع العجاف، وسعود ذا العشرين شهراً، الذي قزّرها حليب وحفاظات، ورحت أبث في عروقهما سمومي، وما أكثرها:

أتدريان من هو الرخمة؟ الرخمة هو من يسمع كلام أبيه وينفذه دون أن يكون له رأيه الخاص. الرخمة هو الذي يمشي على العجين ما يلخبطوش، الذي يتبع الخطوط الأرضية المرسومة له، يقول الناس ولا الضالين فيقول آمين، خروف بين قطيع تسوقه عصا بعض التقاليد الغبية، بقرة تنتظر مع صويحباتها يد الحلّاب، يمين يمين، يسار يسار. والعرب رخوم، وأمثالهم تدل على رخامتهم، وانظروا لمن زرع فينا: «من شابه أباه فما ظلم». أبو لحيته، أقول اقطع واخس.

وها أنذا أقولها لكما بالخط العريض كما قلتها للناس قبلكما، تمردا، على كل ما لا يرضيكما تمردا، عليّ أنا قبل كل أحد تمردا، على المجتمع، وعلى نفسيكما، فالتاريخ لا يسجل إلا أسماء المتمردين، صدقاني التاريخ لا يسجل أسماء الأغنام والأبقار، فكمية الحبر محدودة. تمردا فلا حياة بلا تمرد، تمردا وستعشقكما الحياة والنساء، تمردا فالشجعان وحدهم من يخرجون عن الطابور الخاطئ، والمجتمعات لا يغيّرها إلا المتمردون. والتمرد ليس إتيان المخازي وارتكاب الدناءات، أبداً، بل رفض ما لا يُقنع من الواقع والموروث، مهما كان الثمن، والثمن باهظ، أعرف ذلك، جرّبته بنفسي، وأجزم أن تكلفته قد تفوق القدرة على الاحتمال، لكن هذا لا يهم، الذي يهم هو طرق الحديد ومحاولة ليّه.

أعرف رجلاً لديه أربعة وعشرون ولداً وعددٌ من البنات، كلهم جاؤوا إلى الدنيا بمجهوده، بيّض الله وجهه، يفاخر بأن أحداً منهم لم يخرج عن شوره. ولو كنت أنا مكانه لبطحتهم في اتجاه القبلة وباسم الله والله أكبر.

تمردا وحلّقا في الفضاء الذي يناسبكما، وخذاها مني، كل من يردد المثل: «حشرٍ مع الناس عيد» هو رخمة متنكر في ثياب حكيم. صح؟… إياكما أن تقولا صح. 

سامي النصف

وهل غزانا الـ 25 مليون عراقي؟!

يروى في قصص التراث التي يقصد ان نتعلم منها مبادئ التعقل والحكمة، حكاية الذئب والحمل حيث كان الذئب يتبلى ويتحرش بالحمل كي يجد الذريعة للتعدي عليه والتهامه، في واقعنا الكويتي الذي خرجت منه الحكمة ولم تعد منذ أمد بعيد نلحظ العكس مما جرى في تلك القصة التراثية، حيث يركن الذئب للهدوء والانشغال بمشاكله، ويقوم الحمل بالتحرش المتكرر بالذئب والذي سينتهي على الأرجح بـ… اللي يحب النبي يجري..!

ففي زمن صدام سمحنا للذئب ممثلا بديبلوماسييه ورجال مخابراته بأن يستولوا على البلد ويحولوا مبنى سفارتهم الى معتقل، وكان عدد منضوي تلك السفارة (الحكومة) يتعدى الآلاف، لذا لم يكن مستغربا وقد أعلن الحمل استسلامه المسبق أن يتجرأ الذئب على التعدي عليه واستباحة مراعيه.

ومنذ ربيع 2003 ونحن ندعو لخلق علاقة صحيحة وصحية مع العراق تقوم على مبدأ «الربح – الربح» للطرفين وان ننفتح على جميع شرائح المجتمع العراقي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بصورة إيجابية، وكان جميلا في هذا السياق ما قام به مؤخرا رجل الأعمال جواد بوخمسين من استئجار طائرة خاصة للتعزية بصديق الكويت الراحل عبدالعزيز الحكيم.

وكان ضمن ما دعونا له واستجيب له ثم تم النكوص عنه تسمية احتلال عام 90 بالغزو «الصدامي» لا «العراقي» حيث لم يكن قرارا شعبيا أو أمرا تم الاستفتاء عليه بل كان الطاغية صدام هو المسؤول الأول والأخير عن تلك الجريمة الشنعاء ولم يكن أحد يملك في العراق معارضة ذلك القرار وإلا تم قتله وتصفية أهله، ولنا مصلحة تاريخية بلوم صدام كفرد لا العراق كشعب على ذلك الغزو المدمر حتى لا يتم تكراره مستقبلا بحجة انه مطلب شعبي وقومي عراقي.

وقد رفض البعض تلك التسمية بحجة وجود عراقيين ضمن الجيش الرسمي والشعبي الذي قام باحتلالنا وان صدام لم يغزنا وحده، وإذا لم نأخذ بحجة ان أغلبهم كان مأمورا كما نعلم، كما ان كثيرا منهم كانوا يبدون اعتذارهم وأسفهم آنذاك للكويتيين كلما التقوهم، فعلينا ان نلقي باللائمة على المائة ألف جندي عراقي أو حتى الذين تواجدوا في بلدنا (نسبة تقل عن 0.001% من الشعب العراقي) وألا نلوم 25 مليون عراقي آخر على تلك الجريمة ثم نعلن بعد ذلك اننا لن ننسى أو نغفر وإلا أصبح حالنا كحال الحمل الذي يتحرش بالذئب بغفلة ودون مبرر.

إن بقاءنا كدولة صغيرة بين كتل ضخمة وضمن إقليم جغرافي ملتهب وخاصة في ظل التصعيد الدولي القائم ضد إيران يتطلب منا الكثير من الحكمة والتعقل ومعه الكثير من المغفرة والنسيان، ويمتد ذلك الأمر للعلاقة مع إيران وحزب الله وخطف «الجابرية» والراحل عماد مغنية، ودون ذلك سنبقى ضمن حلقة مفرغة من التوتر واحتمال تكرار التعدي علينا من هذا الطرف أو ذاك فرغم كل الكلام الكبير مازلنا دولة متناهية الصغر.

آخر محطة:

بالمختصر.. السيناريوهات القادمة للمنطقة جميعها سيئة جدا لنا في الكويت فهل نبدأ في الاستماع لحكمائنا بدلا من سفهائنا؟!.. لا أعتقد!

احمد الصراف

40 عاما من اليد الطولى

أجرت «الدار» في 8/9 لقاء مع ناصر العمار، مدير الجمعيات الخيرية في «الشؤون»، وردت فيه أمور كثيرة بعيدة عن الحقيقة، وردا على سؤال عما يشاع عن اتهام الجمعيات الخيرية بتمويل الإرهاب، قال إن لها «اليد الطولى»، على مدى 40 عاما، في توصيل الأموال التي جمعتها لمستحقيها في دول العالم! ولا أعلم كيف عرف العمار ذلك وهو الذي لم يشغل منصبه الحالي إلا منذ سنوات أربع تقريبا؟! كما يعرف جيدا أنه ووزارته وحكومته كانوا -ولا يزالون- أعجز عن معرفة حقيقة موارد هذه الجمعيات والكيفية التي تتصرف بأموالها، بعد فشل كل محاولات تدقيق سجلاتها ومراقبة حساباتها، واكتفت أخيراً فقط بمراقبة عملية التحصيل! وخير دليل على عدم وجود أي رقابة على هذه الجمعيات تلك السرقة التي استمرت على مدى ثلاث سنوات في جمعية «إعانة المرضى»، التي لم تنتبه لها أي جهة إلا بعد أن فر الجاني بـ 14 مليون دولار، فكيف يمكن أن يحدث ذلك والوزارة تدعي معرفة حسابات الجمعيات؟!
نحن لم نتهم مباشرة الجمعيات بدعم الإرهاب، ولكن ما يؤكد مخاوفنا أن هذه الجمعيات رفضت، بكل صلافة قيام أي جهة بتدقيق حساباتها ولم تترك بالتالي مجالا لغير الشك في نواياها وأهدافها «السياسية»، بل أيضا في ذمة المشرفين عليها! أما ادعاء السيد العمار أنه وقف وقفة جادة في وجه اتهاماتنا للجمعيات بسوء التصرف فقول غير صحيح أيضا. فقد جف حبر كمبيوترنا ونحن نكتب ونوجه الاتهام تلو الآخر، ومع هذا لم يكلف نفسه يوما الاتصال بنا وشرح الأمر، فنحن لسنا إلا كتّاب، وهو الذي يمتلك السلطة وأدوات البحث والرقابة، وكان حريا به أن يظهر ما يثبت نقاء صفحة الجمعيات وتقديم الدليل الدامغ بأن سجلاتها خالية من أي مخالفات، بدلا من «تحدينا» ومطالبتنا بإبراز الدليل على دعم تلك الجمعيات لأي أنشطة مشبوهة، فهل رأى أحد، وعلى مدى 40 عاما، ميزانية لجمعية خيرية منشورة في أي مطبوعة أو توزع في مقراتها، ليطلع عليها المعنيون بالأمر؟ الجواب: لا «كبيرة» طبعا. فالإصلاح، يا جماعة الإصلاح، والشفافية لا تعجب المتاجرين بالدين، علما بان في مجالس إدارات هذه الجمعيات نواباً لم يكلوا يوما عن مطالبة الحكومة بالبعد عن الفساد واتباع الشفافية في أعمالها، ولكنهم ينسون أنفسهم!
إن ما تم كشفه في رمضان الماضي، وما سبقه، من مخالفات بالجملة لعدة جهات تدعي الخير والتدين ولا تتردد في كسر القوانين وتحدي تعليمات الوزارة وكبار مسؤوليها، إلى الدليل رقم ألف هو دليل يؤكد كل شكوكنا. فما الذي يدفع مثل هذه الجهات لارتكاب كل هذا الكم من المخالفات من دون خوف؟ وكيف تتهمنا الوزارة بصورة غير مباشرة بالتجني عليها ثم تأتي الآن وتستغرب «..استهتارها بالقوانين وانحرافها عن مسيرة التعاون؟!»، «القبس» 22/9. وما الذي يدفع مسؤوليها، وصور الكثيرين منهم تسود صفحات مطبوعاتنا، لارتكاب كل هذه المخالفات الجسيمة؟ لا شك أن الأمر لا يتعلق فقط بشك هؤلاء في قدرة الوزارة على فعل شيء، بل بأمور أكثر خطورة تتعلق بالاستماتة على جمع التمويل اللازم «لعمليات ما» بعد أن جفت ضروع كثيرة! وكان جميلا إقرار الوزارة أن هذه الجمعيات قد انحرفت عن الطريق الصحيح، وكان سخيفا منها القول انها ستطالبها برد ما جمعته بطريقة غير قانونية، فهذه نكتة! كما كان جميلا أيضا إقرارها، أخيرا، أن هذه الجهات المخالفة تحاول إخفاء أمور لا ترغب في أن تعرف الوزارة شيئا عنها (المصدر نفسه)، وهذا ما كنا نكتب عنه ونقوله منذ سنوات عشر!
وهكذا نجد أن الكثير من الجهات التي وصفها العمار قبل أسبوعين أن لها اليد الطولى في عمل الخير ليسوا إلا مجموعة من المستهترين بالقوانين، حسب وصف الوزارة، والمتحايلين على النظم، الذين لم ولن يردعهم شيء عن جمع الأموال السهلة من السذج الطامعين في الجنة!
***
< ملاحظة: قال لي انه التقى في ديوانية بضاحية عبدالله السالم (وها هو اسمها الصحيح، وليس الضاحية)، أحد وكلاء التربية، ودار نقاش عن دوام المدارس وانفلونزا الخنازير وخطر ارسال الاطفال، من عدمه، للدراسة في اماكن مكتظة. وقال ان اكثر المدافعين عن تعطيل الدراسة كان اثنان، ولأجل الصدف التقاهما، وأبناءهما في الليلة التالية في المسجد الكبير يؤدون صلاة العيد ضمن 25 ألف مصل آخرين!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«الخبرات المصرفية» في مواجهة التحديات 2

 

أشرت في عمود (الخميس) الماضي، إلى اللقاء المزمع عقده مساء اليوم (الأحد) الذي سيضع على طاولة البحث نظرة واقعية أمام جميع العاملين في القطاع المصرفي البحريني للتباحث حول واقع ومستقبل هذا القطاع، وجانب التفاؤل بالنسبة لهذ اللقاء هو أنه يحظى بدعم منقطع النظير من قبل سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كما أن هناك واحد من الخبراء في مصرف (جي. بي. مورغان) الأميركي سيطرح رؤاه تجاه الأزمة المالية.

إن من غير المفيد، الإستمرار في الحديث فقط عن تداعيات وتأثيرات الأزمة، دون أن يكون للدولة وللخبرات المصرفية العاملة في البحرين، مرئياتها التي يمكن أن تصيغ مسارا جديدا يحمي الإقتصاد الوطني من أية أزمات اقتصادية عالمية متوقعة وغير متوقعة.

ويحمل الكثير من المصرفيين تفاؤلا منطلقا من الدعم الذي توليه القيادة، وخصوصا ما يوليه سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الإقتصادية الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، خصوصا وأن سموه، في متابعته للأزمة المالية منذ وقوعها، لم يمل نحو التطمين فقط، بل دفع في اتجاه التصدي للتحديات الإقتصادية، في الوقت الذي اتجهت فيه الكثير من الحكومة الى طمأنة شعوبها وأنها في منأى عن تلك الأزمة وأن اقتصادها أقوى من أن يتأثر بها، ولكن تهاوت بعد تلك التطمينات مصارف وشركات وعقارات وأسهم، وتضررت منها القطاعات الأكثر انفتاحا على الإقتصاد الأميركي.

نتمنى أن يكون لقاء اليوم منطلقا لطرح رؤى اقتصادية فاعلة، وأن تحظى المبادرات التي يطرحها المصرفيون البحرينيون وكذلك جهود الإقتصاديين البحرينيين الأكفاء بدعم الدولة، وإذا كان هذا التوجه مدعوما من قبل سمو ولي العهد، فهناك فرصة جيدة للتباحث في سياق معالم الأزمة المالية العالمية والتغيرات الهيكلية المتوقعة في الإقتصاد العالمي، والتأثيرات التي يمكن أن تؤثر على الإقتصاد البحريني على وجه التحديد.

شخصيا، ليس مهما بالنسبة لي أن أكون واحدا من العباقرة في عالم المال والأعمال، بل أتحدث كمواطن عادي ينظر الى مستقبلنا نحن المواطنين، فأي هزات اقتصادية مقبلة، لا شك وأنها ستحمل لنا الكثير من المفاجآت السلبية في بلد محدود الموارد المالية، لكن مع وجود العقول البحرينية المتخصصة في القطاع المالي والإقتصادي، يتوجب أن تكون هناك حلقات نقاشية متخصصة مدعومة من الدولة، كما هو الحال بالنسبة للقاء اليوم، لتخفيف تبعات الأزمة المالية من جهة، والإستعداد لطرح مرئيات بحرينية لتنشيط الإقتصاد البحريني، وكذلك لتفعيل مشروع التكامل الإقتصادي الخليجي ذلك أن البحرين، وسائر دول الخليج كما يقول المتخصصون، مطالبة بإعادة تقويم سياساتها المالية والنقدية والإقتصادية.

من أهم النقاط التي نتمنى أن يهتم بها المتخصصون، اجراء المزيد من الدراسات العلمية للمشاريع التي تنوي الدولة تنفيذها حاضرا ومستقبلا، وألا يتم الإعتماد على وجهات نظر «خبراء ومستشارين» أثبتت الأزمة أنهم لا يمتلكون الكفاءة العلمية والنظرة التحليلية التي تخدم اقتصاد البحرين، على الرغم من أن الدولة تصرف لهم رواتب وامتيازات هي لوحدها «أزمة»