محمد الوشيحي

على أم عن؟

لا نزال تحت تأثير مخدّر العيد، ولا تزال العواصف السياسية كامنة لمّا تستيقظ بعد. ولأننا في أيام عيد فقد استخدمت «لمّا» عيدية تبث السرور في صدر رئيس قسم التصحيح في هذه الجريدة، أستاذنا السوري الرائع خالد جميل الصدقة، الذي، بسبب حرف جر واحد سقط من يدك سهواً أو خطأً، سيتصل بك وسيسوق إليك أربعة وثمانين دليلاً من القرآن الكريم والحديث الشريف والمعلقات والقصائد القديمة، ليصل في النهاية إلى مراده من أنه لا يصح القول «أجاب على السؤال»، بل «أجاب عن السؤال».

والحديث عن الزميل خالد الصدقة «أبي يامن» يدفعني إلى أن أزعم أن أحداً ممن أعرف لم يقرأ في الأدب واللغة العربية كما قرأ أبو يامن. وقريباً سيخرج معجمه من مخدعه إلى المكتبات، وهو معجم لو تعلمون مهيب، أجزم أنه الأفضل من نوعه في المكتبة العربية، وقد استغرق تأليفه نحو عشر سنوات أو أكثر، وسينتهي من مراجعته قريباً، خلال شهر أو أقل، وهو كتاب يتحدث عن الأمثال المقارنة، فيسوق مثلاً إنكليزياً، ويحدد تاريخ المثل وقائله ومناسبته، ثم يأتي بما يقابله من نثر العرب وشعرهم، محدداً المناسبة والقائل إن كان معروفاً، ومبيناً بدقة تاريخ ميلاده ووفاته، ومعتمداً في إثبات كل معلومة على أمهات المراجع في اللغتين. يغلف هذا الجهدَ كلَّه حرصٌ شديد على المصداقية ودقةٌ تحرص على تجنب الخطأ ولو كان يسيراً. وبسبب الدقة والحرص قرأ أستاذنا مئات المراجع العربية وعشرات المعاجم والكتب الإنكليزية وغاص في بحور «غوغل»، لا يستريح يوماً ولا يأخذ إجازة، فكانت عشر سنوات لم تهدأ فيها أنفاسه عن اللهث ولم يتوقف عرق جبينه عن النز والنزف، وهذا – ورب البيت – أمر تشيب لهوله الغربان في مهادها، ولاسيما إذا عرفنا أنه لم يستعن بأحد، بل كان جهده فردياً خالصاً.

أبو يامن يعلم ويدرك أكثر من غيره، أن الوقت هذا ليس وقت تأليف «أمهات الكتب»، وأن عدد قراء كتابه لن يبلغوا، في أحسن الأحوال، خُمْس قراء لقاء صحافي لهيفاء وهبي، لكنه يدرك أيضا أن اللغة العربية يتيمة الأبوين، تنام على حصير وتحيا على الشعير، وأن من رعاها وداراها فأجره على الله. ثم إنه مفتون باللغة، عاشق لها، ولو أنها كانت امرأة لتزوجها، ولدلّلها، ولتغزّل فيها شعراً، وما أجمل أشعار أبي يامن وما ألذّها، الجاد منها والساخر.

وتعالوا نقتطع هذا الجزء إلى حين عرض الجوهرة:

The face is the index of the heart أي «الوجه مرآة القلب»…

• ابن الرومي (221 – 283 هـ / 836 – 896 م):

له مُحيّاً جميلٌ تَستدلُّ به

على جميلٍ وللبُطْنانِ ظُهرانُ

وقلَّ من أضمرتْ خَيْراً طَوِيَّتُهُ

إلا وفي وجههِ للخيرِ عنوانُ

• ابن نباتة السعدي (327 – 405 هـ / 938 – 1014 م):

ألا إنّ عينَ المرءِ عُنوانُ قَلبهِ

تُخبِّرُ عنْ أسْرارِهِ شاءَ أمْ أبى

• مصطفى صادق الرافعي (1298 – 1356 هـ / 1881 – 1937 م):

ينبيكَ ما في وجههِ عن قلبهِ

إن الكتابَ لسانهُ عنوانهُ

هذا مثلٌ سقته مثالاً، وقد اختصرته حتى كاد يتقطّع في يدي، فشكراً للزميل على جهده الخالد، ونحن بشوقٍ ننتظر. 

سعيد محمد سعيد

«الخبرات المصرفية» في مواجهة التحديات

 

يلوح سؤال كبير في ظل تأثر دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع بالأزمة المالية وهو: «هل الخبرات البحرينية وغير البحرينية العاملة في القطاع المصرفي البحريني قادرة على إبتكار وتنفيذ خطط استراتيجية تسهم في مواجهة هذا التحدي وما هو منتظر من تحديات قادمة متوقعة وغير متوقعة؟».

في الواقع، تمتلك البحرين كوادر وطنية وخبرات ينتظر منها الكثير من العمل لتقديم تصوراتها وأطروحاتها التي تسهم في تمتين الإقتصاد الوطني وانعاش الإستثمارات، وكما هو واضح، فإن القيادة الرشيدة تدعم القطاع الإقتصادي والمصرفي من خلال الكثير من التسهيلات، ولعل الدور الذي يلعبه سمو ولي العهد نائب القائد الأعلى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، يفتح مساحات واسعة للعاملين في القطاع المصرفي لكي يسهموا في تحصين الإقتصاد البحريني وتنميته.

ولنرجع إلى يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2008، عندما افتتح سموه نيابة عن جلالة العاهل مجمع «سيتي سنتر» وهي المناسبة التي جاءت في خضم تداعيات الأزمة المالية العالمية وفيها قال سموه أن تلك الأزمة أثرت على الجميع، لكنه أشار الى أن سياسة مملكة البحرين الاقتصادية تجعلها قادرة على مواجهة وتحمُّل الصعاب أكثر من الآخرين، مبديا اطمئنانه بإمكان أن تتجاوز المملكة هذه المعضلة وأن تستمر عجلة التنمية.

ويمكن القول أن هذا الإطمئنان نابع من السياسة المالية المدروسة من جهة، والإعتماد على الخبرات والكوادر البحرينية وغير البحرينية في ابتكار الحلول، وبالتالي، فإن مسألة «الدعم» مكفولة من الدولة، وفي هذا الشأن، هناك لقاء كبير ومهم سيعقد يوم الأحد المقبل 27 الجاري لجمعية المصرفيين البحرينية، سيضع على طاولة البحث نظرة واقعية أمام جميع العاملين في القطاع المصرفي البحريني للتباحث حول واقع ومستقبل هذا القطاع، وجانب التفاؤل بالنسبة لهذ اللقاء هو أنه يحظى بدعم منقطع النظير من قبل سمو ولي العهد.

إن مثل هذه الإجتماعات، تزيل الكثير من المخاوف كتلك التي طرحتها مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني والتي أشارت فيها الى أن (توقعات القطاع المصرفي في البحرين سلبية وظروف الائتمان ستظل صعبة لكن البنوك لن تحتاج على الأرجح لزيادة رؤوس أموالها)، وهذا ينبيء بأن التحديات أمام الإقتصاد البحريني كبيرة، لكن ليس من الصعب التغلب عليها خصوصا مع التوقعات بأن العام 2009 سيكون عام الإنهيار الكبير للإقتصاد في العالم.

هناك فرصة ذهبية مقدمة من سمو ولي العهد للعاملين في القطاع المصرفي يتوجب الإستفادة منها الى أقصى الحدود، وينتظر أن يؤسس لقاء الأحد المقبل لمنهج اقتصادي حديث لمواجهة التحديات الإقتصادية.