في غمرة الصراع الذي دار قبل فترة بين معارضي ومؤيدي السماح لطائفة البهرة ببناء مسجد لهم في احدى المناطق السكنية، كان صوت احد اعضاء المجلس البلدي وقتها الاكثر ارتفاعا وقسوة وتهجما على ابناء الطائفة، حيث وصفهم بالكفرة وطعن في صحيح عقيدتهم! واعتقد الكثيرون ان موقف هذا العضو ينسجم مع تدينه وغيرته على صحيح العقيدة، وشك آخرون في وجود ثأر أو عداوة سابقة بينه وبين البهرة، بحيث وقف ذلك الموقف غير المتسامح من المشروع، وتبين لاحقا ان ليس في الامر هذا ولا ذلك، حيث لم تمر فترة طويلة حتى «اشتهت جهة ما» كشف احد الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء جرائم المتاجرة بالبشر، والتي كثيرا ما شوهت سمعة الكويت لدى كل الدول والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، واذ بنا نكتشف ان السيد العضو السابق وأحد اشقائه، متورطان في المتاجرة بقوت آلاف العمال الفقراء وجلبهم بصورة غير مشروعة للكويت وتحقيق ملايين الدنانير من وراء فعلتهما، معرضين الأمن والسلام الداخليين للبلاد للخطر، وسمعتها في المحافل الدولية للتشويه!
ما نريد التركيز عليه هنا ليس فضح هذا العضو السابق الذي حقق الملايين وشقيقه نتيجة فساد الجهاز الاداري الحكومي، حيث يستحيل على فرد جلب آلاف العمال من دون تواطؤ من داخل احد اجهزة الدولة، بل نود التركيز على ان ثقافة المجتمع الكويتي لا تزال قاصرة عن اعتبار عمل هذا العضو نوعا من الجريمة الامنية البشعة التي تستحق اقصى درجات العقوبة، علما بأننا لم نسمع منذ نصف قرن ان متنفذا عوقب على مثل هذه الجريمة! فبإمكان هذا العضو السابق السير مرفوع الرأس، حتى بعد ادانته، هذا ان أدين أصلا، بين أهله، والعيش بكل فخر ومن دون خجل بينهم وفي مجتمعه الأوسع، فهو أيضا -بعرف مجتمعاتنا وفي ظل أصالة وعراقة عاداتنا وتقاليدنا- لم يرتكب ما تعارف على اعتباره امرا او فعلا مخلا بالشرف والامانة، فهو لم يسرق من بيت فقير ولم ينهب مال يتيم ولم يعتد. على سائل ولا محروم، بل اخذ مالا ممن ارادوا القدوم للكويت والعمل فيها بملء ارادتهم من دون ابتزاز ولا ضغط، اما سمعة الدولة وكرامتها وأمنها الداخلي، فهي امور خلافية وهلامية وغير واضحة المعالم لدى كل من لم يؤمن اصلا ان للوطن حقا عليه، مثل ما له من حقوق عليها، ان لم تكن حقوق الوطن اكثر، فثقافة الماء والكلأ هي السائدة شئنا أم أبينا، وهي نتيجة لفشل سياسة التربية والتعليم في ترسيخ مفهوم الوطن، فلا نزال نكتفي بالضحك والسخرية، او ربما بهز رؤوسنا أسفا، عند رؤية انشغال بعض أعضاء مجلس الامة بهواتفهم النقالة، اثناء وقوف الجميع احتراما للسلام الوطني!
***
ملاحظة: نشكر رئيس الهلال الأحمر، الاخ برجس الحمود، على تعقيبه على ما سبق، وان كتبنا عن تقاعس بعض الجمعيات، ومنها الهلال الاحمر، عن شكر المتبرعين لها، ولكننا وبعد نشر المقال، وردتنا مكالمتا هاتف، على حسابنا، حيث انني خارج الكويت، اضافة لرسالة إنترنت من متبرعين معروفين يؤيدون ما ذكر في المقال عن تقصير الجمعية، ويبدو يا أبا خالد ان الهلال الاحمر مقصر في هذه الناحية، ولست في حل من ذكر اسماء الشاكين، بناء على طلبهم، علما بأنهم أكدوا أن تبرعاتهم للجمعية ستستمر، لثقتهم الكبيرة في شخصكم وبقية الاخوة والاخوات العاملين فيها، أما عن عدم تسلم البعض ايصالات تبرع، فهذا ما لم نتطرق له في المقال.
أحمد الصراف