لست شخصا استثنائيا في امور كثيرة، ولم يكن الاعتذار عن الخطأ من شيمي.. أيام جاهليتي، ولكن مع الاصرار دربت نفسي، المرة تلو الاخرى، على ان اقول «آسف» عندما ارتكب خطأ ما في حق طرف آخر دون قصد، حتى لو كان الخطأ لا يتعدى تأخر بضع دقائق عن موعد ما.
تقول وفاء سلطان، المفكرة وعالمة النفس، انها تعلمت من تجاربها ان الرجل في منطقتنا ليس سهلا عليه الاقرار او الاعتراف بالخطأ، وإن أقر، فإنه غالبا ما لا يعتذر، لأن الاعتذار، برأيها، ينبع من الاحساس بالمسؤولية، و«رجالنا» لا يعترفون بمسؤولية تتجاوز حدود شهادتهم! وتقول وفاء سلطان ان الاعتذار ليس مجرد ضرورة اجتماعية بقدر ما هو احترام وتعاطف مع الشخص المساء اليه، ووسيلة للاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليات ذلك الخطأ، كما ان الاعتذار يجرد الشخص المسيء من الذنب والمساء اليه من الاحساس بالغضب وربما الرغبة في الانتقام، وهذه جميعها مشاعر مدمرة للانسان.
اكتب ذلك بمناسبة الخبر الغريب، والمرحب به في الوقت نفسه، الذي تناقلته وكالات الانباء، عن قيام رجل الدين السعودي، المعروف بتشدده، سلمان العودة، بطلب تفادي الدعاء من اجل اهلاك غير المسلمين، وهو الدعاء الذي يختتم به عادة الكثير من الائمة والوعاظ خطبهم وصلواتهم في الغالبية العظمى من الدول الاسلامية والعربية بالذات والسعودية بذات اشد، وقال العودة ان الدعاء بهلاك ودمار كل الكفرة غير مسموح به ويخالف شرع الله الذي ينادي بدعوتهم الى اتباع الطريق القويم، وزاد على ذلك بالقول ان الدعاء بزوال ذريتهم والمنحدرين من اصلابهم ليس مشروعا!
من المعروف ان الشيخ العودة كان واحدا، او ربما على رأس من كانوا يطالبون، ولسنوات طويلة، ومن على المنابر والتلفزيونات والاذاعات، بفناء الكفار، وان ييتم الله ابناءهم ويحرق زرعهم ويرمل نساءهم ويقطع خلفتهم ويبيدهم، ولا شك ان دعواته ودعوات غيره ساهمت في رعاية بذرة الارهاب الحديث في مناطق عدة في العالم، وساهمت من غير شك في تأليب الشباب المسلم، التائه والشارد، على غيره من شعوب الارض والغربيين بالذات، ولا شك ان دماء غالية سالت وارواحا بريئة كثيرة فقدت نتيجة التأثر بمثل هذه الدعوات الصارمة والحادة والتي لم تكن تترك مجالا للتفكير او المفاضلة والتفاوض.. بل القتل والحرق والافناء والابادة.
جميل ان يأتي الآن سلمان العودة ويقول ان الدعاء بهلاك الكفار غير مسموح به، ولو اننا نعتقد ان قلة فقط ستستجيب له، ولكن هذا يجب ان يتبعه شعور وقول واضح بأنه كان مخطئا وكان سببا في تعاسة الآخرين، وانه يعتذر عن ذلك، وهنا فقط تبدأ الخطوة الاولى في محاربة الغلو، وترسيخ مفهوم الاقرار بارتكاب الخطأ والاعتذار عنه، ومن ثم تحمل تبعات ذلك، فلا يكفي ان نأتي بعد كل هذا الاذى والخراب والقتل والتدمير ونقول ان هذه الادعية تخالف «شرعا» ونسكت!
نحن على ثقة ان ما نطالب به يخالف عاداتنا وتقاليدنا التي تقف صامتة خاشعة امام سرقات المال العام وتزوير الملفات والمتاجرة بالبشر، بعد ان اصبحت هذه اعمال «رجال»، وجزءا من ثقافة مجتمعاتنا، صحراوية كانت ام بحرية ام جبلية.
أحمد الصراف