سامي النصف

يموت لبنان ليحيا جبران

أمة العرب التي كانت خير أمة أخرجت للناس أصيبت بلعنة، فالأنظمة الديكتاتورية تدمرها والتحول للأنظمة الديموقراطية لا ينفعها ولا يعمرها في ظل ما نراه قائما في لبنان والكويت (أقدم ديموقراطيتين عربيتين) واليمن والسودان والعراق.. إلخ، ومن ذلك الأزمات السياسية الطاحنة التي يشهدها لبنان هذه الأيام بسبب عدم ممانعة الجنرال عون في ان يموت لبنان لأجل ان يحيا ويتوزر صهره (المعطل) جبران باسيل.

وما يقوم به الجنرال لا علاقة له بقوى 8 آذار بقدر ما هو متصل بشخصية عون غير المفهومة وغير المحبوبة، فعلاقته مع رئيس الجمهورية سيئة بسبب مطالبته بوزارة الداخلية، وعلاقته بالرئاسة الثانية سيئة ومازال الرئيس بري يدعم اختيار سعد الحريري لتشكيل الحكومة بعكس الجنرال، اما علاقته بالرئاسة الثالثة فتعاني من الانقطاع التام، وتمتد علاقة الجنرال السيئة بالآخرين للسياسيين والاعلاميين الذين يعيبون عليه عدم قيامه بأدنى واجبات الضيافة حين يزورون داره بالرابية.

ومع انتهاء الحرب العراقية ـ الايرانية لم يجد صدام احدا يدفع له ويدفع به لمناكفة سورية بالدم اللبناني بأفضل من الجنرال عون لذا لم تكن حربه آنذاك حرب استقلال وتحرير، بل حرب ارتزاق وتدمير قام خلالها بشن سلسلة حروب دمرت الشرقية وقتلت المئات بحجة توحيد البندقية المسيحية وألحقها بحرب اخرى على الغربية لمنع انتخاب رئيس الجمهورية، كما رفض اتفاق الطائف الذي اوقف الحرب الأهلية، واساء عون لمقام البطرياركية التي دعمت ذلك الاتفاق، كما تصادم مع «جميع» النواب وأعلن عدم شرعيتهم وفرض الرقابة واغلق الصحف ومحطات التلفزة في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها.

وفي نوفمبر 89 ذكرت صحيفة «لوكانار» الفرنسية أن هناك من اودع مبلغ 15 مليون دولار في حساب الجنرال عون في بنك باريس الوطني وان فوائد ذلك المبلغ تصل الى مائة الف دولار (أو دينار عراقي) شهريا ولم ينف الجنرال حقيقة تلك الفضيحة المجلجلة بل اتهم المجلة الفرنسية بخيانة السرية المصرفية وهدد بمقاضاتها.. عافاك يا جنرال خيانة الأوطان ما فيها شيء خيانة سرية المصارف شيء كبير!

وإشكالية رئاسة الحكومة وصلاحياتها أنها ومنذ عهد الاستقلال الأول غير محددة بمدة كحال الرئاسة الأولى (6 سنوات) والرئاسة الثانية (4 سنوات) كما أنها وبحق اسم على غير مسمى، فدستور ما قبل «الطائف» كان يعطي رئاسة الجمهورية حق تسمية رئيس الوزراء واختيار الوزراء ثم ترأس بشكل دائم اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ـ اي لا يرأس رئيس مجلس الوزراء اجتماعات الحكومة ـ وفي حال انعقاد مجلس الوزراء دون وجود الرئاسة الأولى يسمى الاجتماع «بالمجلس الوزاري» ولا تعتبر قراراته دستورية او ملزمة.

وبعد عام 90 اتفقت الرئاسات الثلاث (الهراوي، بري، الحريري) على الحكم وتشكيل الوزارات بطريقة «الترويكا» وظل ذلك الاتفاق غير المكتوب ساريا وتم تحت مظلته تعمير ما دمرته الحرب الأهلية حتى انتهى بتدمير موكب الرئيس رفيق الحريري والوصول للإشكال الحالي الذي هو بداية لأحداث جسام قادمة للبنان والمنطقة مع بدايات عام 2010.

آخر محطة:

يخبرنا أحد مستشاري النائب وليد جنبلاط المقربين أن السبب الحقيقي لتموضعه الجديد هو معلومات اكيدة وصلته بأن هناك حربا مذهبية قادمة الى لبنان على معطى قرارات المحكمة الدولية قد تكون اشد وطأة من الحرب الطائفية السابقة وقد رأى جنبلاط بحكمته المعهودة ان يبعد طائفته الصغيرة عنها عبر التموضع الوسطي بين قوى 14 و8 آذار، والله يحمي لبنان العزيز على القلوب والمنطقة من أخطار ما هو قادم.

احمد الصراف

سلمان العودة وفضيلة الاعتذار

لست شخصا استثنائيا في امور كثيرة، ولم يكن الاعتذار عن الخطأ من شيمي.. أيام جاهليتي، ولكن مع الاصرار دربت نفسي، المرة تلو الاخرى، على ان اقول «آسف» عندما ارتكب خطأ ما في حق طرف آخر دون قصد، حتى لو كان الخطأ لا يتعدى تأخر بضع دقائق عن موعد ما.
تقول وفاء سلطان، المفكرة وعالمة النفس، انها تعلمت من تجاربها ان الرجل في منطقتنا ليس سهلا عليه الاقرار او الاعتراف بالخطأ، وإن أقر، فإنه غالبا ما لا يعتذر، لأن الاعتذار، برأيها، ينبع من الاحساس بالمسؤولية، و«رجالنا» لا يعترفون بمسؤولية تتجاوز حدود شهادتهم! وتقول وفاء سلطان ان الاعتذار ليس مجرد ضرورة اجتماعية بقدر ما هو احترام وتعاطف مع الشخص المساء اليه، ووسيلة للاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليات ذلك الخطأ، كما ان الاعتذار يجرد الشخص المسيء من الذنب والمساء اليه من الاحساس بالغضب وربما الرغبة في الانتقام، وهذه جميعها مشاعر مدمرة للانسان.
اكتب ذلك بمناسبة الخبر الغريب، والمرحب به في الوقت نفسه، الذي تناقلته وكالات الانباء، عن قيام رجل الدين السعودي، المعروف بتشدده، سلمان العودة، بطلب تفادي الدعاء من اجل اهلاك غير المسلمين، وهو الدعاء الذي يختتم به عادة الكثير من الائمة والوعاظ خطبهم وصلواتهم في الغالبية العظمى من الدول الاسلامية والعربية بالذات والسعودية بذات اشد، وقال العودة ان الدعاء بهلاك ودمار كل الكفرة غير مسموح به ويخالف شرع الله الذي ينادي بدعوتهم الى اتباع الطريق القويم، وزاد على ذلك بالقول ان الدعاء بزوال ذريتهم والمنحدرين من اصلابهم ليس مشروعا!
من المعروف ان الشيخ العودة كان واحدا، او ربما على رأس من كانوا يطالبون، ولسنوات طويلة، ومن على المنابر والتلفزيونات والاذاعات، بفناء الكفار، وان ييتم الله ابناءهم ويحرق زرعهم ويرمل نساءهم ويقطع خلفتهم ويبيدهم، ولا شك ان دعواته ودعوات غيره ساهمت في رعاية بذرة الارهاب الحديث في مناطق عدة في العالم، وساهمت من غير شك في تأليب الشباب المسلم، التائه والشارد، على غيره من شعوب الارض والغربيين بالذات، ولا شك ان دماء غالية سالت وارواحا بريئة كثيرة فقدت نتيجة التأثر بمثل هذه الدعوات الصارمة والحادة والتي لم تكن تترك مجالا للتفكير او المفاضلة والتفاوض.. بل القتل والحرق والافناء والابادة.
جميل ان يأتي الآن سلمان العودة ويقول ان الدعاء بهلاك الكفار غير مسموح به، ولو اننا نعتقد ان قلة فقط ستستجيب له، ولكن هذا يجب ان يتبعه شعور وقول واضح بأنه كان مخطئا وكان سببا في تعاسة الآخرين، وانه يعتذر عن ذلك، وهنا فقط تبدأ الخطوة الاولى في محاربة الغلو، وترسيخ مفهوم الاقرار بارتكاب الخطأ والاعتذار عنه، ومن ثم تحمل تبعات ذلك، فلا يكفي ان نأتي بعد كل هذا الاذى والخراب والقتل والتدمير ونقول ان هذه الادعية تخالف «شرعا» ونسكت!
نحن على ثقة ان ما نطالب به يخالف عاداتنا وتقاليدنا التي تقف صامتة خاشعة امام سرقات المال العام وتزوير الملفات والمتاجرة بالبشر، بعد ان اصبحت هذه اعمال «رجال»، وجزءا من ثقافة مجتمعاتنا، صحراوية كانت ام بحرية ام جبلية.

أحمد الصراف