محمد الوشيحي

نحن: لا نأكل الغبقة


قال الخواجة اللبناني معلقاً على كلامي وقد ارتفع حاجباه حتى كادا يطيران من مكانيهما ويتركان جبهته جرداء لا زرع فيها ولا ماء: «معقولة! كويتي وليس لديه ما يكفيه إلى آخر الشهر؟». قلت وأنا أفرج عن دخان سيجارتي دفعة واحدة: «ليس ذلك فحسب يا مولانا غابرييل، هل تعلم أن عدداً كبيراً من الكويتيين ممنوعون من السفر لعدم قدرتهم على سداد مبالغ أقل من ثلاثة آلاف دولار؟ وأن عدداً أكبر يتزاحم أمام اللجان الخيرية بسبب العلاج في المستشفيات الخاصة، هرباً من الموت الزؤام، ووو»، وقبل أن يرتد إليه فكّه الأسفل عاجلته بضربة أخرى: «لا ألومك، خصوصاً أن قدمك لم تطأ أرض الكويت، فهذه هي الفكرة السائدة عند العالمين، طيب ما رأيك أن شيخ الساخرين محمود السعدني – شفاه الله – عاش في الكويت سنين عدداً، ثم نجده يقول في أحد كتبه إنه تذوّق المنسف في الأردن والمسقوف في العراق و(الغبقة) في الكويت! علماً أن الغبقة ليست وجبة محددة، بل هي (موعد الوجبة)، وهي لا تكون إلا في رمضان، وترجمتها بالعربي الفصيح – أو بالعربي المَحْط، على رأي الساخر الراحل محمد مستجاب – هي (العشاء الرمضاني). لكن السعدني الذي اعتاد الغوص في قيعان المجتمعات، لم يغص في قاع المجتمع الكويتي، فالتبسَ الأمر عليه، وهو مثلك ومثل كل العرب يظنّ أن كل كويتي سيموت كما مات هارون الرشيد، في الخامسة والأربعين من عمره بسبب التخمة والزحار».

«يا عمي عندكون حقول بترول أكبر من المحيطين الهادي والأطلسي، وين عم تصرفوا فلوسكون؟»، قال غابرييل وقد ساوره الشك في صدق معلوماتي. قلت وأنا أعبث بشنبي: «تنتشر أموال نفطنا في الاتجاهات الخمسة، باستثناء اتجاه مصالح الناس والبنية التحتية، جزء من ثرواتنا يتجه إلى قرغيزستان وطاجيكستان وكل ذي ستان، وجزء منها تبخر في المناقصات والمزايدات الأحياء منها والأموات، وجزء هرولَ إلى قنوات فضائية وصحف وكتّاب كلهم ارتدوا ثياب الراقصات المشخلعة العارية، ووضعوا أيديهم على خصورهم وهات يا ردح ضد خصوم الحكومة، والمصيبة أن الملامة بعد كل هذا تقع على الناس البسطاء».

وأكملتُ: «هل تتذكر يا صاحبي حاكم أوغندا الأسبق عيدي أمين، الذي لا يمر يوم دون أن تكتب الصحافة العالمية عن آخر (إبداعاته)، والذي أعلن اسلامه، وعندما بلغه أن الإسلام يحرّم الزواج من أكثر من أربع نساء ويأمر بالختان، تراجع وارتد، ثم أخذها من قصيرها وأعلن ألوهيته، فاستراح وأراح. نحن لدينا حكومة الخالق الناطق عيدي أمين، إلا أنها مسلمة ولا تأكل لحوم خصومها بالمعنى الحرفي للأكل، وكان أن أبرق عيدي أمين إلى ملكة بريطانيا (جلالة الملكة استعدي، سأزور بريطانيا، وخاطبي حكومتكم لتوفّر لي كشفاً بأسماء محلات الأحذية، فتجار بلدي، عليهم لعنات السماء ولعناتي، لا يبيعون الأحذية)، متناسياً أن أوغندا في عهده تخلو من الأسواق، وحكومتنا الكويتية تسافر إلى شرق آسيا فتبهرها البنية التحتية هناك، فتعتب علينا نحن الشعب، وتحمّلنا الملامة».

وحكومتنا، يا غابرييل، مثلك ومثل السعدني ومثل بقية العرب، تعتقد أننا نأكل الغبقة، ولا تعرف أن الغبقة ليست وجبة تؤكل… صدقني يا صاحبي، لو كان في الأرض عدل لتمّ الحجر على حكومتنا، ولأودعت أموالنا في هيئة شؤون القصر إلى أن نبلغ سن الرشد. 

سامي النصف

الكارثة القادمة الشهر المقبل

مع قدوم شهر أكتوبر كل عام تنخفض الحرارة وتنشط الڤيروسات وتبدأ الإنفلونزا في الانتشار السريع ومن ثم لا يخلو بيت في الكويت من المصابين بها، وقد جرت العادة ان يلزم المصاب الفراش ويستعين بالأدوية المتوافرة بالصيدلية العامة او المنزلية اضافة الى شرب السوائل والاكثار من عصير الليمون والبرتقال وأدوية الكحة.. الخ، لتخفيف اعراض المرض.

هذا العام الوضع مختلف، فمع بداية الاصابة التي ستحدث الشهر المقبل ـ سواء فتحت المدارس أو أغلقت ـ سيضطر مئات آلاف المصابين للتوجه للمستوصفات والمستشفيات لمعرفة نوع الانفلونزا، وما اذا كانت الانفلونزا المعتادة او انفلونزا الخنازير، وهنا سيبدأ الاشكال الكبير حيث لا نملك المراكز الصحية الكافية لاستقبال جميع تلك الحالات.

فلماذا لا تحضر منذ الآن شبرات كيربي مؤقتة توضع بالقرب من المراكز الصحية وفي الأماكن العامة المختلفة تختص فقط بفحص المصابين بالانفلونزا ومعرفة نوع الاصابة واعطائهم العلاج اللازم دون عرقلة العمل اليومي المعتاد للمراكز الصحية الدائمة، هذه المراكز المؤقتة ان أقيمت فستمنع الازدحام والفوضى والخوف والهلع الذي سيصاحب انتشار الانفلونزا المتوقع الشهر المقبل، فهل نفعل؟!

ومن الأمور الموجودة في البواخر السياحية التي يضر بها انتشار الأمراض فيها وجود مطهرات يد يفرض على كل راكب ان يغسل يده بها فور دخوله الباخرة وقبل دخوله لمطاعمها وأماكن الترفيه فيها، ويمكن عمل الشيء ذاته في بلدنا عبر وضع مطهرات مجانية قبل دخول المساجد والمدارس والجمعيات والمطاعم ودور السينما.. الخ، ويمكن كذلك تشجيع الأهالي على عمل الشيء نفسه عند مداخل الڤلل والشقق اي وجود مطهرات يد لا يدخل احد المنازل دون استخدامها ولن تزيد كلفتها خلال موسم العدوى عن دنانير قليلة لا تقارن بثمن الأرواح التي يمكن ان تدفع بسبب الإهمال في حماية انفسنا.

ومن الأمور الهامة ان نأخذ بتلك الاجراءات التطهيرية والوقائية لمدة طويلة حتى لا يصل الشهر المقبل اي شهر الاصابة وقد مل الناس من تلك الاجراءات بحجة ان شيئا سيئا لم يحدث (!) فتصاب الجموع بمقتل، الأمر الآخر ضرورة ان نكثر من استخدام حبوب ڤيتامين «س» وشرب المياه وعصائر الليمون والبرتقال وأكل البصل والثوم واستخدام مطهرات اللوز «قبل» الاصابة لا «بعدها» اي كوسيلة للوقاية لا العلاج مع دخول شهر أكتوبر.

ونرجو ان يرتفع البعض الجاهل والمأجور والمدغدغ لمستوى الكارثة المتوقعة القادمة فيتوقفوا عن نقد المسؤولين المختصين ويتركوهم وكوادرهم ليكافحوا «سرايات» الموت المقبلة، فمواقفهم المشينة وتأثيرهم على القرارات الرسمية أصبحت أشبه بالغزو الثاني حيث قد تتسبب في وقوع عدد ضحايا يقارب ضحايا الغزو الأول التي لم تكن تزيد عن المئات في بدايته، والله يستر واكرمونا بسكوتكم او تحملوا مسؤولية اقوالكم ومواقفكم ان بقي من ضمائركم المستأجرة شيء!

آخر محطة:

وصلتنا رسالة من المهندس الفاضل محمد البغيلي يخبرنا عبرها بإشهار و«تأسيس الجمعية الكويتية للسلامة والوقاية من الحريق»، نرجو ان يكتمل تأسيس تلك الجمعية الهامة ويتم دعمها وان تقوم بدور فاعل في تثقيف المجتمع بأخطار الحرائق والحد منها.. وبالتوفيق.

سعيد محمد سعيد

اهملوا مجتمعكم… وتفرغوا للفتنة!

 

ردود فعل كثيرة، وإتصالات عديدة وردت من الأخوة والأخوات القراء تعقيبا على عمود يوم الخميس الماضي المعنون بـ»مجتمع العصابات والأمن المفقود»، الذي تناولت فيه التحذير من النتائج السلبية المترتبة على تصوير المجتمع البحريني الذي ينعم وسيبقى كذلك متنعما بالأمن والمنعة، بأنه مجتمع محاط بالقلق والخوف وانعدام الأمن…

مع الاعتراف بأن هناك نمطا من الممارسات العدائية التي بدأت تنتشر في المجتمع البحريني، إلا أن ذلك لا يعني أن يعلق الناس كل الخطأ على الدولة وأجهزتها، إذا ما أدرك كل مواطن دوره في الحفاظ على أمن واستقرار وسلامة هذا المجتمع الذي نعيش فيه مهما كانت الظروف، ومع الإعتبار أيضا لوجهات النظر السليمة التي تشدد على أن التهاون وعدم تطبيق القانون على الجميع، هو من دواعي الأمن من العقوبة، وبالتالي إساءة الأدب.

الأمثلة في ذلك كثيرة… فكما يقول أحد المواطنين مستغربا: «لا أدري كيف استطاع اللصوص سرقة منزلي وأنا مسافر مع عائلتي؟ جيراني الأعزاء موجودين، وهم يعلمون بسفري والغريب أن منزلي سرق كما أفاد أحد الشهود في وضح النهار عندما أوقف اللصوص شاحنتهم الصغيرة بكل ثقة، وراحوا ينقلون محتويات منزلي دون أن يتوقف أحد ولو لأخذ رقم الشاحنة والتعرف على الأشخاص، وهم أجانب، لتسهيل عملية البحث والتقصي»، فيما يقول مواطن آخر: «تعرضت زوجتي للسحب من السيارة والضرب بقسوة وقلة حياء وأدب من قبل أحد الشباب، فيما كان الإستغراب يملؤها وهي ترى (رجاجيل مشوربة) واقفة للتفرج فقط ولم تأخذهم الحمية للتدخل لإبعاد ذلك المعتدي عنها أو الإدلاء بشهادتهم لدى الشرطة على الأقل»، فيما تقول مواطنة: «اعترض سيارتي أحدهم وقام بحركات مخدشة للحياء أمام الناس، وراح يصرخ ويشتم فقط لأنني لم أتمكن من منحه فرصة العبور أمامي في وضع مزدحم… وخرج من باصه الصغير ليلقي المزيد من الكلمات القذرة هو ومن معه في الباص وكنت أدير النظر يمنة ويسرى لعلني أرى (رجلا واحدا) يدافع عني أو يلجم ذلك الوقح».

ربما نصدق تلك القصص، وربما نكذبها ونقول أنها من نسج الخيال، لكن أليس غيرها الكثير مما نقرأه في الصحف، ومما يراه الكثيرون منا أمامهم رأي العين ويكتفي الكثيرون منا بالفرجة؟ بل لا يقتصر الأمر على الشارع، حتى في أماكن العمل، أصبحت النزاعات والخلافات والشجار بين بعض الموظفين والموظفات وكأنها جزء من التقاليد الوظيفية، فهذه موظفة تعرضت كثيرا للتحرش من جانب مرؤوسها ولم يرتدع رغم تهديدها له مرة وأكثر، حتى تدخل الزوج الغاضب، وهذا حقه، ليطالب الجهة المعنية بمساءلة هذا المسئول قانونيا وهذا ما فعل، وأخذ القانون حقها.

في الوقت الذي يشهد فيه المجتمع ذلك الإنحراف المقلق، ينبري بعض (المواطنين الصالحين ذوي الولاء المنقطع النظير للوطن والقيادة) مدعومين ببعض الكتاب في الصحافة وفي المنتديات الإلكترونية الفتنوية، لإثارة المزيد من نيران الفتنة الطائفية، والتشكيك في ولاء الناس لبلادهم، ومطالبة الدولة بتوقيع أقسى العقوبات على فئة من الشعب البحريني، ومن ناحية أخرى يلمعون في الدفاع عن أوجه الفساد والتبرير لها، واعتبار كل الممارسات الخاطئة من قبل بعض المسئولين بأنها (واجب وطني)، ولم نسمع أو نقرأ لهم تصريحا أو بيانات أو نشاطا يحذر مما يحيط بالمجتمع من ظواهر تعرض الإستقرار والسلم الإجتماعي للخطر، ويتسترون على بعض الأفعال السيئة فقط بدوافع مذهبية…

الشراكة المجتمعية التي يرفضها البعض، ليست في حقيقتها (عيون مباحث ومخابرات وقمع لمن يطالب بحقه بطريقة سلمية مشروعة)، وليست فكرة منطلقة من ضرب المجتمع ببعضه البعض، الفكرة يا سادتي الكرام نحتاجها في مجتمع لابد أن يستمر في أمنه واستقراره، ليكون كل مواطن (شرطيا) لحفظ نفسه وأهله وأهل مجتمعه من اللصوص ومن المجرمين ومن مثيري العداوات في البلد… وهي مسئولية دينية شرعية ووطنية، قبل أن تكون (خطة حكومية) يفهمها البعض وفقا لهواه… واعيدوا النظر فيما يحدث في مجتمعنا يا سادة