إذا كان هناك من يسعى لتصوير المجتمع البحريني على أنه مجتمع «عصابات» مليء بالإجرام والقلق الى درجة فقدان الأمن والسكينة، ويضاعف مؤشر التخويف والقلق ليرفع مستوى القلق من مخاطر الوباء وتدهور الوضع الصحي، فعليه أن يعيد النظر في خطابه ذاك لأنه يعتبر في هذه الحالة مصدرا لتدمير المجتمع بالتضخيم لا المعالجة، وبالتشويش لا الإفادة، ويضرب بالنعم.. وأهمها النعمتان المجهولتان: الصحة والأمان.
لكن، لا يجب أن ننكر بأن هناك بالفعل مخاوف متزايدة من بروز ممارسات عدائية عنيفة على أكثر من هيئة، وكذلك، والحال مشهود واضح بالنسبة للقلق المتزايد من انتشار وباء انفلونزا الخنازير، وهذا يلزم أن تكون استراتيجية عمل الدولة واضحة وصارمة في التعامل مع مختلف الأوضاع، والحفاظ على نعمة الأمن التي ينعم بها مجتمعنا، وكذلك العمل على استقرار الوضع الصحي بعيدا عن المزايدات والتخويف، بالإضافة الى ذلك، لا يجب اطلاقا اغفال دور المواطن والمقيم في الحفاظ على الأمن والتكافل في سائر القضايا، الصحية والإجتماعية والإنسانية، وإلا، فلن يكون مقبولا أن تكون مسئولية الحفاظ على الأمن هي مسئولية وزارة الداخلية فقط، والحفاظ على استقرار الوضع الصحي هي مسئولية وزارة الصحة فقط، مع الإعتبار لدور تلكما الوزارتين الرئيسي في استقرار المجتمع.
ولا يبدو أن لمؤسسات المجتمع المدني حضورا كبيرا في نشر ثقافة المواطنة في ظل هذه الظروف، ويتحول دور بعض خطباء الفتنة الى تأجيج الوضع ليس إلا، وتنشط مجموعات متعددة الأعراق والإنتماءات المذهبية في المنتديات الإلكترونية خلف الأسماء المستعارة، لنقل صور الخوف والقلق بمبالغات مضرة باستقرار المجتمع، ويتم تناقل حوادث التخريب والحرق والعنف التي انحسرت الى درجة كبيرة بل وانعدمت في معظم القرى ولله الحمد، ويتم تضخيمها وايهام الناس بأنها مستمرة من خلال نقل كتابات صحفية غير موفقة توقيتا ومضمونا هدفها فقط تأجيج نيران الفتنة وزرع العداوة بين الناس، وتنشط مجموعات أخرى لنقل أخبار الإعتداءات والعصابات الدخيلة، ويزداد الوضع ضراوة بنقل الأخبار الكاذبة عن هجوم هنا، وترصد هناك، ويظهر العباقرة الذين يكتشفون مؤامرات سرية ضد الدولة بالتآمر مع الخارج، ثم يستمر الوضع من أجل الوصول الى نتيجة واحدة وهي أن المجتمع البحريني لم يعد مجتمعا آمنا صالحا للعيش وفي هذا مبالغة كبيرة لا طائل من ورائها إلا تأزيم البلاد والعباد.
لا بد من القول أننا نفتقد لسياسة إعلامية وطنية تتعامل مع الأزمات بصورة مدروسة، على مستوى الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، ولابد من القول أن هناك تهاونا في تطبيق القانون في الكثير من الجهات، بل ولا ضير من الإشارة الى أن المواطن البحريني، والمقيم كذلك، في حاجة الى جهة تقدم المعلومات الصحيحة والواضحة دون تزييف في شئون مختلفة، ويؤكد هذا الكلام الإفتقار للإجراءات الحاسمة ضد الصحف التي تنشر مقالات ومعلومات مثيرة للفتنة ومربكة للإستقرار، ومراقبة المنتديات الإلكترونية النشطة التي تثير المشاكل وتنشر الأكاذيب فهي تستحق الإغلاق دون هوادة تماما كما هو الحال بغلق المواقع الإباحية المحرمة.. فكلاهما حرام.
لا يتحمل المجتمع البحريني كل ذلك السيل من القلق والتخويف والترهيب، حتى بات الكثير من المواطنين والمقيمين في حيرة مما يصل اليهم من معلومات مرعبة، واستفزازات كريهة وتحريض على الكراهية، ولعلني هنا أقدم اقتراحا بإنشاء لجنة وطنية تكون مهمتها الرئيسية التصدي للهجوم المستمر والسيء في الخفاء على المجتمع البحريني، وعلى أمنه واستقراره وثوابته ووحدة شعبه..
صحيح أن مجتمعنا اليوم يعاني من خطر داهم بسبب خلل ديموغرافي في تركيبته السكانية، ونشوء مزيج مختلط من الثقافات والأعراق والثقافات التي اعتاد بعضها على العنف والإجرام وغالبها لا يمت الى المجتمع البحريني بصلة، لكن هذا لا يعني الإستسلام للأمر، والسماح لمن يريد العبث بنعمة أمن البحرين، وكرم البحرين وطيبة شعب البحرين.. فالمجتمع البحريني سيبقى نموذجا للمجتمعات المتحضرة الكريمة المطمئنة، ولا مكان لمن يريد تحويله الى مجتمع جريمة كرها في هذه البلاد الغالية.