محمد الوشيحي


 احذروا تفاحة آدم

قَسماً عسماً – على رأي سائق تاكسي في مصر يريد أن يقنع الناس أنه صايع وأنه هو الذي قطّع السمكة وذيلها، بينما هو أغبى من وحيد القرن وأغلب من عمال المناجم الأفارقة – أن خللاً هائلاً قد تسلل إلى أدمغتنا وعبث بمحتوياتها، وقلبَ عاليها واطيها، وسرق كنوزها، ثم خرج وترك بابها مفتوحاً تعزف عليه الرياح ألحان صفيرها. وإلا فما معنى أن يصاب إنسان بارتفاع درجة الحرارة، فيذهب إلى المستشفى، فيطلب الطبيب منه التوجه إلى غرفة العزل لحين ظهور نتائج فحصه، فتهرب من أمامه الممرضات، وكأنهن «حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة»! فيَرى المراجعون المشهد فيلوذون بالفرار ويتفرقون كأنهم شظايا زجاجة سقطت من على الرف العالي، ويبدأون قصفه بنظرات حارقة مغلفة بالقرف، فيشعر المريض، الذي لم يُعرف مرضه بعد، بحرج وخجل لم يشعر بهما لص قبضوا عليه متلبساً بالسرقة في عز الزحمة.

هذه النظرات الحارقة، رغم سخافتها، قد تكون السبب في عزوف الناس عن التوجه إلى المستشفيات إذا شعروا بارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي سيؤدي هذا إلى كارثة صحية في البلد. ولا تتهموني بالمبالغة، وتذكروا أن سبب خروج أبيكم آدم من الجنة كان تفاحة، رغم أنه كان في الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرَ على قلب بشر، لكنه غوى فهبط وهبطنا بعده إلى الأرض لنجد أمامنا النائب الكويتي عبدالسلام النابلسي والممثل محمد العجيمي والثعابين والعقارب وبقية مخلوقات الله الضارة، كل هذا بسبب تفاحة، وكيلو التفاح اليوم بأربعمئة فلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأجزم أن الأوروبيين في أوروبّاهم، لو دخل عليهم خنزير – بجلالة قدره ونتانة رائحته – المستشفى وهو يضع على أنفه منديلاً ويسعل ويعطس، لما غيّروا أماكن جلوسهم، ولتوجّه هو مباشرة إلى ماكينة الأرقام وسحب رقمه وجلس على كرسيه يقرأ كتاباً، مثلهم، في انتظار دورِه.

صحيح أن من حق الأوروبيين أن يضعوا رجلاً على رجل بحضور الخنزير، لكفاءة أطبائهم، وتوافر أجود أنواع الأدوية والمعدات وكل التجهيزات اللازمة، وصحيح أنهم لن يرضوا بمعالجة كلابهم في مستشفياتنا، لكننا بهذه الطريقة في تعامل بعضنا مع بعض سنزيد السوء سوءاً، وسننشر الوباء بيننا بسرعة أكبر ليفتك بنا قبل أن تُنهي مصانع الأدوية إنتاج حصتنا من اللقاح المضاد… فارحمونا، أو ارحموا أنفسكم، يرحمكم الله.

وطبعاً، أنتم تابعتم الخبر الذي يقول إن «الاتحاد الأوروبي يبحث عن مساحات فاضية في أوروبا لتحويلها إلى مقابر جماعية، إذ من المتوقع أن يكشر وباء الخنازير عن أنيابه في الشتاء المقبل»، كل هذا يتم عندهم بهدوء تام، ومن دون ولولة ولا عويل.

***

باشر المحامي الرائع الأستاذ حسين العبدالله أمس توجيه رسائل إنذار إلى شركة الاتصال المسؤولة عن إزعاج الناس، وما لم تتوقف هذه الشركات عن غيّها فسيكون «البيع أغلى من سعر السوق»، كما نقول في أمثالنا، خصوصاً أن العديد من الرسائل وصلتني تعلن رغبتَها في توكيل الزميل لرفع دعاوى مماثلة. وقد أعذر من أنذر.

احمد الصراف

قصة صابونتين

كنت كثيراً ما أداوم صيفاً في محل العائلة الواقع في سوق الطحين القديم، والذي كان مخصصاً لبيع المواد الغذائية والاستهلاكية، وهي التجارة التي تحولت إليها العائلة بعد هجر مهنة الصرافة، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن. وكنت أساعد والدي وجدي في عملهما، وأحل محلهما أحياناً عند سفر الجميع صيفاً للخارج. وفي أحد المواسم اكتشف مستوردو المواد الغذائية من إيطاليا في سوق الطحين من أمثال عبدالكريم المنيس، وجاسم الوزان، وناصر الصقعبي، وأحمد كمال، وملا يعقوب بن يوسف، وحسين الجاسم، وجاسم وعبدالله الصراف، أنهم تضرروا نتيجة استيراد كميات كبيرة من معجون الطماطم من إيطاليا، حيث دفع الموسم الزراعي السيئ هناك المنتجين لغش المعجون بخلطه بكميات كبيرة من الماء وإرسال ما يشبه عصير الطماطم، وهذا يعني أن الأمر أصبح يتطلب عشر علب للحصول على مفعول علبة واحدة من النوع القديم.
لا أدري ما الذي دفعني لأن أشمر عن ساعدي وأطلب من بعض صبية الحي مساعدتي في بيع ذلك المعجون السائل بعشر ثمنه من خلال «بسطات» على أحد مداخل سوق الخضرة القديم. ولكن على الرغم من السعر المغري فإن البيع لم يكن مشجعاً! وهنا فكرت في طريقة لترويج البيع وذهبت للأنبار، الاسم القديم للمخزن التابع للمحل، وكان يقع في نهاية شارع سعود بن عبدالعزيز، وأخذت معي مقصاً لأطواق الحديد ومفتاحاً للصناديق الخشبية، وقمت بفتح صناديق صابون تواليت كنت أعلم باحتوائها على أكياس بداخل كل منها عشر بالونات هواء ملونة. لم تكن العملية سهلة في مخزن غير مكيف وصيف قائظ وعلى ارتفاع مترين وبعيدا بسنتيمترات عن سقف «شينكو» وتحت حرارة تقارب الخمسين! بعد ساعتين من العمل المجهد تمكنت من فتح عشرة صناديق، وبسبب ما فقدته من سوائل وما أصابني من إجهاد عدت للبيت لأنام اليوم كله.
وفي اليوم التالي توجهت مع فريق البيع نفسه إلى السوق، وقمنا بنفخ البالونات المائة وعرضها للبيع مع المعجون السائل. ونجحت الفكرة وتخلصنا من كمية لا بأس بها من ذلك المعجون اللعين بفضل فكرة تسويق كانت وقتها رائدة، حيث اشترطنا بيع المعجون مع البالون (لا معجون.. لا بالون)، وحيث إن عملية شراء المواد الغذائية في تلك الأيام كانت تتم من قبل ربات البيوت، وحيث إنهن كن يصطحبن معهن أبناءهن، لعدم وجود خدم منازل في بيوت الغالبية، فكان الأطفال يصرون على الحصول على أحد بالوناتنا الملونة، وكان الإصرار مصحوبا دائما ببكاء أو صراخ الطفل، وكنا نصر، بصراخ مماثل، على أن لا «بالون من غير معجون!»، وهكذا نجحنا في تحقيق ثروة صغيرة تقاسمناها جميعا، وساعدت الفكرة المحل في التخلص من بضع كراتين من تلك المادة شبه المغشوشة، والتي كان يصعب بيعها بالطرق التقليدية، ولكن بعد فترة اضطر الناس لقبول الأمر بعد أن انقطع المعجون القديم تماما من السوق!
أما قصة الصابونة الثانية فتختلف قليلا: كان الدكتور (ص.ح) دائم الشكوى من حساسية جلده لأنواع الصابون العادية، الأمر الذي دفع زوجته لأن تفكر في صناعة صابون يخلو من المواد الكيماوية المؤذية. بعد تجارب فاشلة توصلت لإنتاج نوعية لا تسبب الكثير من الحساسية لجلد زوجها، واكتشفت أن الذين قاموا بتجربة ذلك الصابون أبدوا استحسانهم له، وهذا شجعها لأن تقوم بإنتاج كميات كبيرة منه، وأصبح يباع للاستخدام العادي أو يقدم كهدية في علب أنيقة. وقد قمت شخصياً باستخدامه ووجدته يلائم بشرتي الرقيقة «غير الناعمة» أصلاً!
يمكن للمهتمين بالموضوع الاتصال بنا للحصول على مزيد من المعلومات عن هذا الإنتاج الوطني «المنزلي».
***
● عنوان المقال مستوحى من رواية «قصة مدينتين» للروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

مجتمع «العصابات» والأمن المفقود

 

إذا كان هناك من يسعى لتصوير المجتمع البحريني على أنه مجتمع «عصابات» مليء بالإجرام والقلق الى درجة فقدان الأمن والسكينة، ويضاعف مؤشر التخويف والقلق ليرفع مستوى القلق من مخاطر الوباء وتدهور الوضع الصحي، فعليه أن يعيد النظر في خطابه ذاك لأنه يعتبر في هذه الحالة مصدرا لتدمير المجتمع بالتضخيم لا المعالجة، وبالتشويش لا الإفادة، ويضرب بالنعم.. وأهمها النعمتان المجهولتان: الصحة والأمان.

لكن، لا يجب أن ننكر بأن هناك بالفعل مخاوف متزايدة من بروز ممارسات عدائية عنيفة على أكثر من هيئة، وكذلك، والحال مشهود واضح بالنسبة للقلق المتزايد من انتشار وباء انفلونزا الخنازير، وهذا يلزم أن تكون استراتيجية عمل الدولة واضحة وصارمة في التعامل مع مختلف الأوضاع، والحفاظ على نعمة الأمن التي ينعم بها مجتمعنا، وكذلك العمل على استقرار الوضع الصحي بعيدا عن المزايدات والتخويف، بالإضافة الى ذلك، لا يجب اطلاقا اغفال دور المواطن والمقيم في الحفاظ على الأمن والتكافل في سائر القضايا، الصحية والإجتماعية والإنسانية، وإلا، فلن يكون مقبولا أن تكون مسئولية الحفاظ على الأمن هي مسئولية وزارة الداخلية فقط، والحفاظ على استقرار الوضع الصحي هي مسئولية وزارة الصحة فقط، مع الإعتبار لدور تلكما الوزارتين الرئيسي في استقرار المجتمع.

ولا يبدو أن لمؤسسات المجتمع المدني حضورا كبيرا في نشر ثقافة المواطنة في ظل هذه الظروف، ويتحول دور بعض خطباء الفتنة الى تأجيج الوضع ليس إلا، وتنشط مجموعات متعددة الأعراق والإنتماءات المذهبية في المنتديات الإلكترونية خلف الأسماء المستعارة، لنقل صور الخوف والقلق بمبالغات مضرة باستقرار المجتمع، ويتم تناقل حوادث التخريب والحرق والعنف التي انحسرت الى درجة كبيرة بل وانعدمت في معظم القرى ولله الحمد، ويتم تضخيمها وايهام الناس بأنها مستمرة من خلال نقل كتابات صحفية غير موفقة توقيتا ومضمونا هدفها فقط تأجيج نيران الفتنة وزرع العداوة بين الناس، وتنشط مجموعات أخرى لنقل أخبار الإعتداءات والعصابات الدخيلة، ويزداد الوضع ضراوة بنقل الأخبار الكاذبة عن هجوم هنا، وترصد هناك، ويظهر العباقرة الذين يكتشفون مؤامرات سرية ضد الدولة بالتآمر مع الخارج، ثم يستمر الوضع من أجل الوصول الى نتيجة واحدة وهي أن المجتمع البحريني لم يعد مجتمعا آمنا صالحا للعيش وفي هذا مبالغة كبيرة لا طائل من ورائها إلا تأزيم البلاد والعباد.

لا بد من القول أننا نفتقد لسياسة إعلامية وطنية تتعامل مع الأزمات بصورة مدروسة، على مستوى الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، ولابد من القول أن هناك تهاونا في تطبيق القانون في الكثير من الجهات، بل ولا ضير من الإشارة الى أن المواطن البحريني، والمقيم كذلك، في حاجة الى جهة تقدم المعلومات الصحيحة والواضحة دون تزييف في شئون مختلفة، ويؤكد هذا الكلام الإفتقار للإجراءات الحاسمة ضد الصحف التي تنشر مقالات ومعلومات مثيرة للفتنة ومربكة للإستقرار، ومراقبة المنتديات الإلكترونية النشطة التي تثير المشاكل وتنشر الأكاذيب فهي تستحق الإغلاق دون هوادة تماما كما هو الحال بغلق المواقع الإباحية المحرمة.. فكلاهما حرام.

لا يتحمل المجتمع البحريني كل ذلك السيل من القلق والتخويف والترهيب، حتى بات الكثير من المواطنين والمقيمين في حيرة مما يصل اليهم من معلومات مرعبة، واستفزازات كريهة وتحريض على الكراهية، ولعلني هنا أقدم اقتراحا بإنشاء لجنة وطنية تكون مهمتها الرئيسية التصدي للهجوم المستمر والسيء في الخفاء على المجتمع البحريني، وعلى أمنه واستقراره وثوابته ووحدة شعبه..

صحيح أن مجتمعنا اليوم يعاني من خطر داهم بسبب خلل ديموغرافي في تركيبته السكانية، ونشوء مزيج مختلط من الثقافات والأعراق والثقافات التي اعتاد بعضها على العنف والإجرام وغالبها لا يمت الى المجتمع البحريني بصلة، لكن هذا لا يعني الإستسلام للأمر، والسماح لمن يريد العبث بنعمة أمن البحرين، وكرم البحرين وطيبة شعب البحرين.. فالمجتمع البحريني سيبقى نموذجا للمجتمعات المتحضرة الكريمة المطمئنة، ولا مكان لمن يريد تحويله الى مجتمع جريمة كرها في هذه البلاد الغالية.