بلغ الناتج العالمي عام 2008 ما مقداره 71 الف مليار دولار، حصة اميركا منها 15 الف مليار، والكويت 120 مليارا ولبنان 50 مليارا، اما اكثر الدول تواضعا في الناتج القومي، فهي كليبريا والكموروس، فان ناتجهما لم يزد على المليار ونصف المليار، ولو قارنا الناتج الاميركي باللبناني لوجدنا انه يبلغ 300 ضعف ولو طبقنا النسبة والتناسب على ما تسبب فيه المواطن اللبناني صلاح عز الدين من خسارة فادحة لمن استثمروا اموالهم معه، مقارنة بالخسارة التاريخية التي تسبب فيها الاميركي مادوف لمستثمريه، التي جاوزت الخمسين مليار دولار، لوجدنا ان خسارة مادوف لا تعني شيئا مقارنة بخسارة الحاج صلاح!! علما بأن مادوف كان رئيسا لفترة طويلة لاكبر بورصة في العالم، اما صلاح فقد عمل «ندافا» ثم ترك مهنة اسرته، بعد ان عرف ان الربح يكمن في استغلال البشر من خلال المتاجرة بالسياحة الدينية وطباعة الكتب المذهبية والبث التلفزيوني الديني، وكلها لا ترتبط بأي حقوق للآخرين، ومنها انطلق الحاج لعالم المال والاعمال، بعد ان كسب ثقة الناس بـ«آدميته» وتدينه واعماله الخيرة!
من الصعب جدا عدم ربط صلاح عز الدين بآلة أو كوادر «حزب الله»، فقد تناقلت الاوساط اللبنانية اسماء اكثر من قيادي بارز خسر اموالا طائلة معه، ويذكر ان حسين الحاج حسن النائب في البرلمان عن «حزب الله»، كان أول من تقدم بشكوى شيك من غير رصيد ضد الحاج صلاح وكرّت السبحة من بعده.
قصة الحاج صلاح ليست غريبة وليست جديدة، فقد تكررت آلاف المرات في كل دول العالم تقريبا، ولبنان ليس استثناء، فهؤلاء وغيرهم من كبار المحتالين، على دراية بكيفية استغلال عامل الطمع في النفس البشرية، ويبدو ان قلة فقط على استعداد للتساؤل عن الكيفية التي يمكن فيها لمستثمر مالي معروف، دع عنك متواضعي الكفاءة من اصحاب الوجوه السمحة، الاستمرار في تحقيق عوائد عالية سنة بعد اخرى.
المهم في الموضوع ان الحاج قدم لبيروت من بلدة معروب الواقعة في الجنوب اللبناني، وهي مدينة صغيرة سبق ان مررت بها اكثر من مرة وتشتهر بتعدد مآذنها ودور عبادتها وافتقارها للخدمات التعليمية والصحية، ولسوء حظ اهالي معروب، فإن اكثر ضحايا الحاج كانوا من «ضيعته» ومن «طورا» القريبة منها، التي تعتبر الاكثر فقرا بين قرى الجنوب.
كما خسر الكثير من اهالي العباسية مع الحاج ومعهم مستثمرون من قطر، وجامعي خمس من دول اخرى، فقد كان الحاج وهو لقبه المحبب، يحقق لهم احيانا عوائد تزيد على 60% سنويا، واحيانا شهريا، ومن استثماراته في المحروقات والحديد والالماس ربما المغطى بالدم!!
إن قصة صلاح عز الدين ليست الاخيرة وستتكرر مرات ومرات، فالغالبية لا تتعلم من اخطاء غيرها، لانها بكل بساطة لا تقرأ، أو لا تكترث لما اصاب الآخرين، ولو علمنا ان مادوف حصل على حكم بــ 150 عاما في السجن، فما الحكم الذي سيحصل عليه من كانت خسارته 300 ضعف؟!
أحمد الصراف