محمد الوشيحي


فاتيما بنت
 بروفيت محمد

مشكلة إيران بعد الثورة بسيطة جداً، يمكن علاجها في أقرب مستوصف، ومن دون الدخول على الطبيب، يكفيها ممرض ومرهم وشاش وحيّ على الفلاح. المشكلة هي أن إيران استبدلت أشياء بأشياء، فهي كانت تصدّر الزعفران وأصبحت الآن تصدّر الثورة، أي أن المسؤولية انتقلت من «سوق الجملة» إلى «سوق المخابرات». وهي كانت تحت قيادة الساسة فأصبحت تحت قيادة الدراويش، أي أن السياسة فيها انتقلت من قاعة البرلمان إلى قاعة الحوزة الدينية.

والرئيس الرائع أحمدي نجاد، عتبَ على خصومه الذين انتقدوا تشكيلته الوزارية، وقال لهم مستغرباً: «انظروا إلى شدّة تدين أعضاء حكومتي». أي أنه شكّل حكومته من أئمة المساجد المتعصبين. وهؤلاء سيقودون البلد من ياقة قميصه إلى هاوية الدروشة والمشاكل الطائفية مع الجيران.

وبما أن فخامة الرئيس نجاد يبحث عن المتدينين المتطرفين والخزعبليين، فليته يقوم بتوزير السيد محمد باقر الفالي، الخطيب الإيراني الكوميدي، الذي أتى إلى الكويت قبل فترة، وأشعل النار في أسفل ثوبها، ثم غادرها على وقع تقبيل يديه من أتباعه، بينما سيارات المطافئ تحاصر قصر السيف (مقر مجلس الوزراء). وفي دولة «البرتغال» ظهرت قصة خيالية قبل عقود من الزمن، تحكي عن ثلاثة أطفال كانوا يلعبون في إحدى ساحات مدينتهم، والمدينة اسمها «فاتيما سيتي»، وسمّيت بهذا الاسم نسبة إلى إحدى أميرات العرب الأسيرات بعد الحروب الصليبية، والتي تزوّجها أمير برتغالي، وسمّى المدينة باسمها.

المهم أن الأطفال عادوا إلى أهليهم وأبلغوهم أنهم شاهدوا نوراً أطلت خلفه مريم العذراء، وأنها أمرت الأطفال أن يبلغوا أهل القرية بتخفيف الفسق الذي تجاوز الحد، والتقليل من شرب الخمر، وغير ذلك من النصائح. وتم بناء كنيسة في مكان ظهور العذراء المزعوم.

لكن الفالي في خطبته الجميلة ذكر أن الأطفال شاهدوا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأنها لم تنههم عن الخمر بل طلبت التخفيف من شربه، ولم تنههم عن الفسوق بل طلبت التخفيف منه، وأنهم سألوها: مَن أنتِ؟ فأجابتهم: أنا فاتيما بنت «بروفيت» محمد (ولمن لا يتحدث الإنكليزية، كلمة «بروفيت» تعني نبيّ). أي أن فاطمة رضي الله عنها تتحدث مع أطفال البرتغال بلغة إنكليزية مخلوطة بالعربية. ورغم طفولتهم ولغتهم اللاتينية فإنهم فهموها دايركت. وهذه نصيحة للرئيس الرائع أحمدي نجاد، لا أريد من ورائها جزاء ولا شكوراً: باقر الفالي بإمكاناته الهائلة، التي تدفع مستمعيه ومريديه إلى إطلاق صيحات الإعجاب، يستحق منصب وزير المالية، أو محافظ البنك المركزي. وبالتوفيق.

***

شكرا معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الشيخ جابر المبارك… فبعد نشر مقالتي السابقة عن الطفل الكويتي الذي يرقد في أحد مستشفيات لندن، والذي يحتاج إلى جهاز تنفس، تلقيت اتصالين، بتكليف من معالي النائب الأول، الاتصال الأول جاء من مدير العلاج في الخارج في وزارة الدفاع الشيخ صباح العبد الله، والثاني من الخلوق سالم العنزي، من الإدارة ذاتها. وقد أوضحا لي أن الموضوع تحت متابعة معاليه الشخصية، وأنه أمر بشراء الجهاز قبل نشر المقالة بيومين، ولكن بسبب الإجراءات الإدارية اللازمة، وصلت الموافقة إلى لندن في اليوم ذاته الذي نُشرت فيه المقالة.

فشكراً لهما أيضا، وشكراً لمسؤول المكتب الصحي التابع لوزارة الدفاع في لندن، الرائد أسامة اللهو، الذي قيل لي إنه كان كثير الإلحاح في طلب شراء الجهاز… بيّض الله وجيهكم. 

احمد الصراف

اجعل من قلبك مصنع قلوب

ما ان انتهى المحاضر من موضوع محاضرته عن «الاخلاقيات في مكان العمل» حتى وقف أحد الحضور ووجه التساؤل التالي للمحاضر: أعمل مديرا رئيسيا في إدارة مشتريات المواد في شركة كبيرة. وقد التحقت بعملي قبل 25 عاما كمهندس متدرب، وتدرجت في عملي واكتسبت خلال هذه الفترة خبرات جيدة داخل المؤسسة. في سنوات عملي الأولى، كانت الوظيفة تشكل تحديا كبيرا لي، وكنت أستمتع بعملي بشكل كبير، ولكن مع مرور الوقت تبخر ذلك الاستمتاع وأصبحت أشعر بالملل والضيق من عملي، فلا شيء جديد بعد أن أصبحت أعرف كل صغيرة وكبيرة في وظيفتي! ولكن مع هذا، انا اعيش في البيت نفسه منذ أكثر من 40 عاما، وأنا ما أزال ابن الأب نفسه لأربعين عاما، كما أنني، ومنذ خمس عشرة سنة، أب للأبناء أنفسهم، وزوج للسيدة نفسها لفترة مقاربة لذلك، ومع هذا فإنني في هذه الأدوار الشخصية لم أشعر قط بالملل، فيرجى أن تخبرني عن سبب شعوري بالملل من روتين حياتي في العمل، وليس من الروتين نفسه في البيت؟
جواب المحاضر كان مثيرا للانتباه ومقنعا في الوقت نفسه حيث قال: يرجى أن تخبرني لمن تطبخ أمك؟ فكان جواب المدير بأنها لا شك تطبخ للآخرين. فقال المحاضر، من الطبيعي أن تطبخ الأم للآخرين، فالأم «تخدم» الآخرين، وبسبب هذا الميل للخدمة فإنها لا تشعر بالملل والسأم مما تقوم به. ولكن في المكتب فإننا نحاول تقديم «عمل»، وليس «خدمة»، فالخدمة تجعل من يؤديها يشعر بالسعادة لما يعود عليه من رضا الآخرين عن أدائه أو خدمته، فكل خدمة نقدمها للآخرين لا يمكن أن تجعلنا نشعر بالسأم والملل، وهذا هو الفرق بين العمل والخدمة.
وهنا طلب المحاضر من الجميع اعتبار عمله خدمة وليس فقط واجبا مطلوب منهم أداؤه. وهذا تحليل سليم ومسلٍ إلى حد كبير، فعندما نضع عملنا ضمن اطار ومعنى أوسع ونعتبره خدمة فإننا سنشعر حتما بالرغبة في تقديم شيء من الداخل، هنا يصبح الموقف الذي نتخذه مهما، فإن كنا نعتقد بأننا نعمل لجهة ما فإننا سرعان ما سنشعر بالانزعاج، ولكن إن قمنا بأداء ما علينا القيام به كخدمة للآخرين، وأننا نحصل على عائد ما مقابل أداء تلك الخدمة، فهذا سوف يبعد الملل عنا حتما. وعلى اي حال فإن الحرية هي أن نقوم بأداء ما نحب، ولكن السعادة تكمن في أن نحب ما نقوم بأدائه. وتقول «ارونا لادفا»: اجعل من عقلك مصنع ثلج، واجعل من شفتيك مصنع حلويات، واصنع من قلبك مصنع قلوب، وبعدها ستشعر بالكثير من الرضا.
***
ملاحظة: مترجم بتصرف من رسالة صديقة هندية على الإنترنت.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الدول… الطائفية

 

استطاع مؤسس ومدير معهد بوسطن الإسلامي الإمام طلال عيد الإستحواذ على اهتمام حضور ندوته التي عقدت مساء أمس الأول الثلثاء بقاعة المحاضرات في مركز عيسى الثقافي تحت عنوان: «التسامح واعتدال الخطاب الديني» بحضور سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك بفضل عمق خطابه وبساطته وصراحته ودعوته الصادقة خصوصا فيما يتعلق بتشخيص حالة الصداع بين الشيعة والسنة في المجتمعات الإسلامية، بيد أنني واحد من الذين تمنوا أن يخصص الإمام عيد جزءا من ندوته للتحذير من (الدول الطائفية) بعد أن أجزم على أن الحل الأنجح لمعالجة الخلافات السنية الشيعية هو ترشيد الخطاب الديني.

لذلك، تساءلت في جلسة جانبية مع عدد من الأخوة والأخوات الحضور عن كيفية ترشيد تعامل بعض الدول العربية والإسلامية التي هي ذاتها كحكومات وكسلطة تتبنى الطرح الطائفي؟ فهل يا ترى، في الإمكان ترشيد الخطاب الديني بين الطائفتين الكريمتين وغيرهما من الطوائف والديانات في ظل دولة غارقة في الطائفية حتى النخاع؟ فهذه دولة عربية تتبنى حملة ضد مواطنيها الأقباط، وأخرى تشعل نار الفتيل بين السنة والشيعة، ودولة إسلامية ثالثة تبنت (طائفة جديدة) من وعاظ السلاطين لتنكل بالسنة والشيعة على حد سواء.

وكانت الآراء متفاوتة، اتفاقا واختلافا، لكن من دون شك، فإن تبني حكومات عربية وإسلامية للتفتيت الطائفي بات واضحا، ولهذا، فمن الضرورة بمكان أن يكثف العلماء المعتدلين انتقاد تلك الحكومات التي تدرك خطورة نهجها الطائفي لكنها مستمرة فيه، حتى باتت الكثير من المجتمعات الإسلامية تنام وتصحو على أزمات طائفية، ولهذا أيضا، كان الكاتب اليمني فيصل جلول مصيبا حينما ركز في اطروحاته حول الطائفية والمذهبية في الدول العربية علىرفض التسامح اطلاقا مع كل حديث طائفي او مذهبي، واعتبار المتحدث مجرما وتقديمه للقضاء بهذه الصفة طالما ان الدساتير والقوانين العربية لا تعرَّف المواطنين بالقياس الى مذاهبهم وطوائفهم وانما بالقياس الى انتمائهم الوطني او العربي.

الإمام طلال عيد وصف العقود الماضية بأنها مثلت تاريخا مليئا بالحزن بين الشيعة والسنة نظرا لحساسية الموضوع، وأن هذه الحساسية تتنامى في كل بلد يعيش فيه السنة والشيعة، وأن لا طريقة أفضل من ترشيد الخطاب الديني بحيث يكون متوافقا مع خطاب القرآن الكريم المليء بالأسس التي تساعدنا في أن ننجح في ذلك، لكنه ساق مقارنة مفيدة، مشيرا الى الولايات المتحدة الأميركية التي أسست مجالس للحوار بدأت بأتباع الديانتين المسيحية واليهودية رغم الخلافات العميقة بينهم، واستطاعوا القفز على خلافاتهم بالحوار الذي شجعته اميركا بل وتشجع المؤسسات التي تؤمن بالحوار من خلال دعمها بالمنح المالية.

وأيضا، كان المحاضر صريحا حينما اعترف بأنه في بداية مشواره في خطب الجمعة، كان يستخدم الخطاب العنيف وباستخدام مفردات الأمر والنهي، لكنه غير خطابه بعد أن عاد الى القرآن الكريم والى خطب نبي الأمة محمد (ص) ولم يجب فيها اطلاقا ما يشابه ما هو منتشر من خطب جمعة عنيفة شديدة، فكانت الثمار يانعة، حيث أصبحت خطبه أكثر فاعلية من سابقتها.

إن علماء الأمة المعتدلين اليوم مطالبين برفض كل اشكال التعاطف والتضامن مع المذهبيين والطائفيين تحت اية حجة من الحجج، فلا الظلم يبرر انبثاق الطائفية ولا الديموقراطية تجيز الطائفية ولا حقوق الانسان تفرض تشريع الانقسام المذهبي لأن كل الحجج والذرائع التي يستخدمها الطائفيون والمذهبيون حجج وذرائع باطلة والغاية منها تفتيت الأوطان… لكن تصبح المشكلة أكبر حين تتبنى دول وحكومات هذه الذرائع.