علي محمود خاجه

الجويهل صح

أما الأمر الغريب الآخر فهو أن يكون هنالك أناس بتلك السذاجة والسطحية ممن يؤمنون فعلا بطرح الجويهل، بأن من يخرّب البلد هم ممن لم يعيشوا داخل السور منذ نشأة الكويت إلى حين اكتشاف النفط.

وقبل أن أسترسل في الرد على هذا المعتقد الغريب، لا بد لي أن أشير إلى أن ما حدث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من تجنيس عشوائي لتغيير موازين القوى في البلد كان له الأثر الكبير على تركيبة المجتمع الكويتي والإخلال بانسيابية سيره، والحكومات المتعاقبة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذا الذنب الذي لا يغتفر أبدا.

لكن، كما نعلم جميعا بأن أعظم دول العالم وهي الولايات المتحدة (وبالمناسبة فإن عمر الولايات المتحدة منذ نشأتها هو من عمر الكويت تقريبا) ما هي إلا خليط من المهاجرين واللاجئين والمشردين والعصابات، اجتمعوا في أرض واحدة على فترات متفاوته ليجعلوا من الولايات المتحدة، وخلال فترة وجيزة، الدولة الأعظم من حيث النظام والقانون في العالم، ومازالت أميركا تجنّس بشروط ليست صعبة ومازالت تتطور.

إذن فإن التجنيس بحد ذاته أو الكويتيون الجدد ليسوا هم المعضلة، فدخول الأجانب على الكويت بأفكار ومعتقدات غير دارجة في المجتمع قد تشكل صراعا طفيفا بالمعتقدات والرؤى للأمور، ولكن سرعان ما يذوب هذا الصراع تحت إطار القانون والمؤسسة، إلا أن العلّة كل العلّة هي ألا يوجد قانون ومؤسسة تحمينا من صراعاتنا، وهو ما يتحمله ثلّة من أبناء السور كما يسميهم الجويهل وغيره ممن سلموا الأمور إلى سلطة لم تكن تفقه ما تفعل، وكانت تعتقد أن الدولة ستسير بطريقة جيدة إن أقدموا على جريمة التجنيس دون قانون، فقد قتلوا سلطة التشريع منذ منتصف الستينيات حتى بداية الثمانينيات، وهي الفترة نفسها التي قاموا بها بالتجنيس العشوائي، فدخلت المعتقدات الجديدة على الكويت، وحدث الصراع دون أن يكون هناك سلطة قانونية تحد من هذا الصراع وتذيبه.

إن أعظم فترة عاشتها الكويت ما بعد التجنيس العشوائي هي فترة الغزو الغاشم الذي شهد التلاحم والتعاضد بين الأغلبية العظمى من أبناء الكويت سواء كانوا داخل السور أو خارجه، فقد سن الشعب قانونه المتآلف المتضامن بعيدا عن تكتيكات السلطة لدق الإسفين والتفرقة.

طرح الجويهل ليس هو الحل بالتأكيد، وتبنيه لن يزيدنا سوى مأساة فوق مآسينا الكثيرة.

للعلم فقط: إن من خان الكويت من جماعات الإخوان ولصوص المال العام في فترة الغزو هم من داخل السور، وها هم يعيشون بين ظهرانينا معززين مكرمين، ولن يمانعوا من تكرار أفعالهم إن تم ترحيل كل من هم خارج السور.

خارج نطاق التغطية:

 http://the-3-monkeys.blogspot.com، هذه المدونة الجميلة نشرت موضوعا يستحق القراءة والتفكير.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي

آخر الدواء… الميسم

«الحاجة تصنع المعجزات، والخوف يضاعف القدرات»، هكذا تقول الكتب، وهكذا قال مدرس العلوم. وكان أن أخبرني أحد الأصدقاء، أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة، عن جارهم العربي الذي يسكن الدور الثاني ويستمتع وزوجته بحقهما الشرعي وفتحة التكييف غير مغطّاة، ويمكن أن نطل ونتفرج بالبلاش المجاني، فاتفقنا وذهبنا لمشاهدة الفيلم الحي، وعشنا أياماً في تبات ونبات، نشاهد المنظر كل ليلة ونكتم ضحكاتنا، إلى أن تظهر كلمة «النهاية» فنعود أدراجنا ونرقع بضحكاتنا المكبوتة! لكن ولأن «السعادة لا تدوم لكائنٍ»، فقد شاهَدَتنا المرأة وصرخت بأعلى صوتها «يا لهوي» فالتفت إلينا زوجها، وحيد القرن، بعينين تنفثان الشرر وترسلان الخطر، وكشف عن أسنان صفراء من غير سوء، فقفزنا إلى الأرض بسرعة، فاصطدمت أسنان صاحبي بركبته، وراح يبكي ويعرج ويجري إلى مشارق الأرض، بسرعة تُخجل العدائين الأولمبيين، وأنا رحت أبكي وأجري إلى مغارب الأرض، ويبدو أن صاحبي أنهى دورته ولف الكرة الأرضية كاملة وعاد إلى الشارع نفسه، فاستأنف الرحلة من جديد لشدة هلعه. الغريب أنه كان سميناً بعض الشيء وكان يحجل كالغراب، فمن أين أتى بهذه السرعة وهذه الرشاقة؟ إنه الرعب الذي يضاعف القدرات.

حكايات كثيرة و»قصصات» على رأي ولدي الفصيح، كلها تؤكد أن الإنسان يمتلك طاقة لا يستخدمها إلا في الكوارث. ونحن اليوم في زمن كارثي، وفي حاجة وخوف، تقودنا حكومتنا إلى وادٍ غير ذي زرع، لا زمزم فيه ولا مطعم، وما إن نخرج من مصيبة ونغسل وجوهنا من غبارها ونسند ظهورنا إلى الجدار لنسترد أنفاسنا، حتى نسمع نحيباً رهيباً وعويلاً ثقيلاً، فندير رقابنا تجاه الحكومة علّها تمدنا بمناديل، فإذا الحكومة مثلنا تبحث عمّن يمدها بمناديل! وأظن أن الخوف والحاجة سيدفعاننا إلى استخدام آخر الدواء، الميسم والنار والكي، وهذا ما يجري الآن التحضير له من بعض النواب، كما بلغني، فالخيل تُسرَج اليوم وتُزعفَر، والسفن تم حرقها، والحرب المقبلة ستكون الأخيرة، فإما أن تسقط المدينة أو يموت المهاجمون.

***

معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وصلتني رسالة من والد طفل كويتي مريض، يرقد في العناية المركزة في أحد مستشفيات لندن. الطفل عمره ثلاث سنوات، وهو مُرسل على حساب وزارة الدفاع، وقد سمح له الأطباء – منذ الثالث من شهر يونيو الماضي – بالخروج شريطة توافر جهاز تنفس صناعي قيمته 16 ألف جنيه استرليني، لكن عباقرة المكتب الصحي الكويتي في لندن «طوّلوا السالفة وعرّضوها» كعادة الموظفين عندما تتلبسهم «النحاسة». والمضحك في الأمر، إن كان في المآسي ما يُضحك، هو أن تكلفة الليلة الواحدة في العناية المركزة تبلغ ثلاثة آلاف جنيه استرليني، أي أن الإخوة عباقرة المكتب الصحي صرفوا حتى الآن نحو 270 ألف جنيه استرليني، وسيرتفع المبلغ مع بقاء الطفل في العناية، في حين أنّ بإمكانهم جلب الجهاز المذكور، وتوفير الأموال العامة والدموع الحارة.

معالي النائب الأول، صورة الطفل التي وصلتني تذيب صخور الجبال، وتحيلها إلى صلصال. والقلم في يدك، والأمانة في رقبتك، وشكراً بالنيابة عن الطفل ووالده، مقدماً. 

احمد الصراف

يوم سقطت الحضارة العربية الإسلامية

نشر محمد عز الدين الصندوق، الاستاذ في جامعة سري SURRY البريطانية، دكتوراه في الفيزياء من جامعة مانشستر، ملخصا لدراسة بعنوان «السبق والتخلف الحضاري العربي». ولأهميتها وتعلقها بظروف العرب والمسلمين، فقد وجدت ان من المفيد تلخيصها، والتعليق عليها.
يقول الاستاذ الصندوق ان هناك تفسيرات كثيرة ومختلفة لظاهرة بروز الحضارات وتلاشيها، وان الامر يخضع لمنطق علمي وليس مجرد ظهور وزوال عشوائي. وان منطقتي الشرق الاوسط وشمال افريقيا شهدتا ظهور اقدم الحضارات وجميعها تركت بصماتها ورحلت، لتنتقل لشعوب اخرى. ويقول ان نمو الحضارات وتلاشيها يخضعان لقانون النمو والتلاشي الطبيعي نفسه، ويمكن بالتالي اجراء دراسة كمية لأي جانب حضاري واظهار تطوره وتلاشيه بعيدا عن المبالغات والتفسيرات الملتوية، وان تاريخ العرب، مثل غيرهم، عرف الكثير من الاحداث، فقد لعبوا دورا مهما في القرن السابع الميلادي، وكان الاسلام عاملا في ظهور حضارة المنطقة، التي يميل اغلب الباحثين لتسميتها بالحضارة العربية الاسلامية! ولأسباب خاصة به قرر القيام بدراسة علمية تعتمد على المنطق الرياضي لمعرفة سبب ظهور الحضارة العربية الاسلامية وتلاشيها بعيدا عن المبالغات الايديولوجية. ويقول انه بدأ بمتابعة النشاط العلمي لتلك الحضارة من القرن الثامن وحتى القرن التاسع عشر (700 ـــ 1800م) وقارنه بالنشاط العلمي الغربي، معتمدا على ظهور العلماء في الرياضيات والهندسة والطب والفلك والكيمياء والفيزياء خلال الفترة نفسها كمقياس للتطور العلمي في كل مرحلة. وقال ان تلك الفترة شهدت بداية الخلافة العباسية في بلاد ما بين النهرين والخلافة الاموية في الاندلس، والفاطمية في شمال افريقيا وحتى العصر العثماني في القرن الثامن. وذكر أنه على الرغم من ان هؤلاء العلماء كانوا من امم واديان مختلفة فانهم كانوا يعملون ويعيشون ضمن ثقافة موحدة. ومن واقع مؤشر رياضي تبين ان النمو الحضاري، العربي الاسلامي بدأ بصورة واضحة بحدود 700م واستمر حتى 1000م. فقد دخل العرب الاندلس عام 711، وتكونت الخلافة العباسية عام 750م، وبدأ وقتها الانفتاح الحضاري للعقيدة الاسلامية على الحضارات الاخرى وايمانها بحرية العقل وتقبل الآخر والبعد عن الصرامة والغلو، ولذا تمكن من لم يكن مسلما ولا عربيا من المشاركة في بناء الحضارة، كما هي الحال الآن في الغرب، حيث يشارك غير المسيحي وغير الغربي في بناء حضارتهم. وقال الباحث ان المجتمعات الاسلامية تقبلت في تلك الفترة الفلسفة اليونانية ذات الطابع الوثني. كما شهدت الفترة نفسها نشوء وتطور فكر المعتزلة وتأسيس دار الحكمة في بغداد سنة 830 م وجامعة قرطبة سنة 970 م وجامعة طليطلة ومن بعدها الزهراء في القاهرة، وكانت مرحلة مشابهة للنهضة الاوروبية التي تلتها بقرون، حيث كانت المجتمعات العربية الاسلامية اقرب للعلمانية المعروفة اليوم! ولكن مع القرن الحادي عشر بلغ النمو في عدد العلماء نهايته، وتبع ذلك الانحدار، الذي استمر لألف عام ولا يزال.
ويختتم الاستاذ الصندوق دراسته بالقول ان الابداع في جميع جوانب الحياة احد اهم مظاهر التطور الحضاري، ولكن لا ابداع من دون حرية، فهي الشرط الاساسي في قيام التطور الحضاري، وما انقراض الحضارة العربية الاسلامية (وكمثال تخلف كل الاوضاع الفكرية والفنية والادبية في الكويت بعد تخليها عن تسامحها) الا نتيجة لانعدام هذا الشرط. فأي غطاب ايديولوجي او اجتماعي مقيد للحرية الفكرية يكون بيئة جيدة لتخلف الدولة وتراجعها، حتى ولو افتخرت بتطور جانب ما في حياتها، فإن ذلك سيكون على حساب جوانب اخرى. وقال الصندوق ان النيزك الذي ادى لانقراض الحضارة العربية منذ اكثر من عشرة قرون ما زال فعالا ونشطا. وكما انقرضت الديناصورات الى الابد فيبدو ان هذه الحضارة لا امل في عودتها، واخطر النيازك هي التي تقيد التفكير الانساني الحر!!
نعود لافتتاحية «القبس» لنؤكد أنها لم تخرج عن مضمون هذه الدراسة القيمة.

أحمد الصراف
habibi. [email protected]