سامي النصف

استغلال المآسي للتثبت على الكراسي

المتهم الأول والرئيسي في فاجعة الجهراء الأخيرة ليست الزوجة التي لو لم تحرق الخيمة المخالفة لأنظمة السلامة لاحترقت ـ ربما ـ بسبب تماس كهربائي او شرارة من البوفيه، المتهم الحقيقي هو من يشجع الناس طوال الوقت على مخالفة القوانين المرعية ويهدد المسؤولين بوضعهم على المنصة فيما لو طبقوا القانون على المتجاوزين.

إن عقد جلسة طارئة لمحاسبة المسؤولين عن المأساة يجب ان يسبقه عرض لتصريحات بعض النواب تجاه إزالة التجاوزات على أراضي الدولة ومنها بالطبع خيام الأفراح والدواوين وغيرها، فإن ثبت ان النائب المعني كانت له مواقف حازمة ضد التجاوزات جاز له الكلام وإلقاء المسؤولية على من يريد، اما اذا ثبت العكس فحينها يجب ان يتم إسكاته ومنعه من استغلال المآسي للتثبت على الكراسي الخضراء.

ومما تعلمناه ضمن علوم السلامة في جامعة جنوب كاليفورنيا انك لو شاهدت سلكا كهربائيا مكشوفا يهدد بحرق المكان فالحل لذلك الإشكال لا يكمن في الاكتفاء بتغطيته، حيث ان ذلك الحل «الفردي» سيقضي على الخطر القادم من ذلك السلك إلا انه سيفتح الباب مستقبلا لظهور أسلاك مكشوفة ثانية قد تحرق المكان، الحل «المؤسسي» كما تعلمنا هو خلق أو إحضار لجنة سلامة تزور المكان بشكل دوري ومن ثم تتم تغطية ذلك السلك وأي أسلاك مكشوفة اخرى مستقبلا.

وقد تحدثت قبل الأمس مع اللواء جاسم المنصوري مدير الادارة العامة للإطفاء القادم حديثا من دورة تعامل مع الطوارئ عقدت في جامعة هارفرد الشهيرة، واوضح انه شديد التأهل فيما يخص التعامل مع الكوارث ومما طرحه الدعوة للاقتداء بموسم الحج بالسعودية حيث يسمح فقط بنصب الخيام المقاومة للحريق او التي يتم رشها بمواد تمنع الاحتراق السريع مع فرض وجود عدة مخارج لها، كما طالب اللواء المنصوري بمنع وضع الحديد على نوافذ خيام وصالات الأعراس حتى يمكن استخدامها كمخارج للطوارئ عند الضرورة.

ومما طالب به كذلك منع استخدام السراديب لأفراح النساء، حيث يصعب على كبيرات السن صعود الدرج سريعا للنجاة، وان يكون هناك اشخاص محددون مسؤولون عن قضايا السلامة في صالات الأفراح، مبديا استعداد ادارة الإطفاء لتدريبهم، كما طالب بمنع وضع مدرجات النساء مقابل مخارج الطوارئ في الافراح وان يفرض استئجار خدمات الشركات المرخصة بالإطفاء كأحد مستلزمات قيام الفرح حتى لا يتحول لمأتم، مع ضرورة وجود نساء مؤهلات على اعمال الطوارئ ضمن افراح الحريم.

ومما طرحه اللواء المنصوري فكرة إنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات والكوارث وضرورة ضم الإسعاف والإطفاء تحت إدارة واحدة وان نحتاط بشكل مسبق لعملية سقوط طائرة في الكويت أو غرق سفينة نفط في مياهنا الإقليمية، ما قد يهدد محطات تقطير المياه وتوليد الكهرباء بالتوقف اذا لم نكن مستعدين بشكل مسبق لمثل تلك الطوارئ، وأشار الى الحاجة لعمليات تدريب متكررة على الطوارئ في الوزارات والإدارات والمؤسسات والشركات العامة والخاصة.

آخر محطة:

بعد ان دفعنا الثمن غاليا، نرجو ألا تسود على تشكيل المركز الوطني لإدارة الكوارث والأزمات منهاجية المحاباة والمجاملة والمحاصصة المعتادة، فأمر كهذا سيقتل ذلك المركز قبل ان يبدأ أعماله.

احمد الصراف

أرض بربعية زيت ورغيفين

كان الموسم السياحي في لبنان هذا العام، ولايزال، الأفضل منذ خمسة وثلاثين عاما بالتمام. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينات، وأوضاع لبنان تتدهور من سيئ إلى أسوأ على الرغم مما بدا، ويبدو، على السطح من سلام واستقرار بين الفترة والأخرى. فنجاح لبنان طبيا وسياحيا وتعليميا، شئنا أم أبينا، يعود بدرجة كبيرة إلى وجهه المسيحي، والمسيحيون خسروا الإدارة تدريجيا مع بدء الحرب الأهلية، وحتى اتفاق الطائف وما تم تكريسه في الدوحة. وعلى الرغم من تعدد الجهات التي يمكن توجيه اللوم إليها في الكارثة المستمرة التي أحاقت بلبنان خلال العقود الثلاثة والنصف الأخيرة، إلا أن اللوم والمسؤولية يقعان أساسا على عاتق الساسة اللبنانيين والشعب اللبناني بالتالي! فالفردية التي كانت وراء إبداع وتفوق اللبناني وتميزه في كثير من الميادين، كانت نفسها الثغرة التي تمكن أعداء لبنان من التسلل من خلالها لضرب استقراره ووحدته، وهذه الحال أو الوضعية مستدامة ليس لها علاج سريع أو معروف في أي صيدلية محلية أو حتى دولية، فكل طبيب دولي دخل لبنان ليقوم بمعالجته، خرج مثخنا بالجراح، وغالبا خالي الوفاض والجيب، بعد أن تم تشليحه من هذا الفريق أو من غيره أو من الجميع، مع استثناء واحد معروف.
يقول كمال ديب في كتابه المميز «هذا الجسر العتيق، سقوط لبنان المسيحي 1920ـ 2020» والذي سنتطرق مستقبلا بالتعليق على بعض فصوله، إن نسبة مسيحيي لبنان كانت بحدود 80% في عام 1920، عندما ولد لبنان الكبير، وأن نسبتهم ستصل، أو وصلت، إلى 30%. وأن لبنان المسيحي سقط بأشكاله العسكرية والسياسية في عام 1976، وتلك قصة طويلة أخرى.
أرسل لي صديق نص عقد بيع قطعة أرض في لبنان، حيث ذكر في أعلاه «بسم الله الرحمن الرحيم»، وهذه تسمية إسلامية، إلا أن برغماتية اللبناني لم تمنعه من استخدامها قبل 435 عاما، عندما كان بنو عثمان في سدة الحكم: بتاريخه أدناه قد بعنا شقفة الأرض تخصنا محلها الزعرورة إلى راهبات طاميش طولها مائتين ماسورة بماسورة أبو طنوس. يحدها شرقا التنور اللي كانت تخبز عليه أم شلهوب وغربا وكر الحية السودا اللي عقصت بوشاهين عام الأول وشمالا الطيونة المعششة فيها الدعيوقة وجنوبا مطرح اللي كان يقبل عنزاتو بو الياس. تمت الجهات الأربع وقبضنا الثمن ربعية زيت ورغيفين كار، والبيع تم برضانا ورضى الرب والخاين يخونو الله والشقفة صارت تخصه بتصرف فيها بحريته صرماية بيقلعها وبيلبسها على خاطره سنة الف وستمائة وأربعة وسبعين 1674.
الشاهد بو طنوس
كاتبه المير موسى
ولو قارنا بعض وثائق بيع الأراضي في الكويت قبل مائة عام مثلا، والمسماة بالعدسانيات، لما وجدنا فرقا كبيرا بينها وبين وثيقة المير موسى، سواء من ناحية الثمن أو مصطلحات تحديد الأرض محل العقد.

* * *

ملاحظة: وردتني رسالة قصيرة من خالد المذكور، هاتف 97600074 نصها: زكاتك بس 5.2% رابحة عند الله 700%! ولا أدري كيف تم حساب النسبة. بالاتصال به تبين ان الرقم خاص بلجنة التعريف بالإسلام. بالسؤال عن علاقة خالد المذكور باللجنة كان الجواب صمتاً مطبقاً وإغلاق الخط. فما الذي يحدث يا حكومة في هذه اللجان والجمعيات الخيرية؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي


ستصبحون جِمالاً… فانتبهوا

في زيارة سريعة خاطفة إلى مصر، التقيته مصادفة. كان زميل دراسة في الكلية الفنية العسكرية في القاهرة، وكانت بداية معرفتنا في زنزانة الكلية، أنا دخلتها بعد القبض عليّ متلبساً بالتدخين كالعادة، وهو بتهمة الإهمال وعدم حلاقة ذقنه.

كان متسلطاً في الزنزانة، والطلبة يهابونه لضخامة بنيانه الذي يرشحه بجدارة للتمثيل في السينما كأحد رجال القيصر الذين يسيرون بجانب العربة، وهو فوق ضخامته متهوّر أرعن مجنون لا يعي عواقب الأمور، وهذا ما قاده في النهاية إلى الطرد من الكلية، لكنه للأمانة كان ذا نكهة لذيذة، وذا منطق خاص، وزاوية خاصة ينظر من خلالها إلى الأشياء. وكان مؤمناً بنظرية التطور والارتقاء «بتاعة الحاج داروين»، كما كان يسميه، وأن الإنسان أصله قرد، وأن العميد الركن سعيد «لسّه في مرحلة الشمبانزي، فاضل له شهرين ويبقى بني آدم زينا».

وستكون ليلة الزنزانة وسكانها الأفاضل أشد سواداً من ريش الغراب عندما يحصل صاحبنا على «صاروخ»، وهو اسم الدلع لسيجارة الحشيش الضخمة. لن ينام أحد تلك الليلة المباركة، فالنقاش الفلسفي سيرتفع مع ارتفاع الدخان الأزرق، والنظريات ستملأ الأرجاء، وعلى الجميع الإنصات والاستفادة من رجل القيصر قبل أن يموت وتخسره البشرية، وكان يسمي «هلوساته» محاضرات. وهو إنسان مهووس ملحوس منحوس، ذهب الحشيش بكل مخه وتركه في العراء يلقي محاضراته.

وذات نومة إرهاق وشخير في الزنزانة، شعرت في ما يشبه الحلم أن فيلاً إفريقياً يضربني بخرطومه، وتكررت الضربات، وتكرر معها النداء الهامس: «واد يا أخا العرب، أخا العرب، أخا العرب…»، فاستيقظت مفزوعاً فإذا الفيل الذي خيّل إليّ ليس إلا صاحبنا «شريف»، رجل القيصر، يلكزني في كليتي، وكان يسمّيني «أخا العرب»، إذ ليس لديه وقت لحفظ الأسماء، فهو مشغول بما ستؤول إليه الطبيعة والبشر بعد ألفي عام من اليوم. وكان يتوقع أن يتحول العرب إلى جِمال، والعرب بحسب رأيه هم شعوب الخليج العربي واليمن فقط، أما المصريون فسيتحولون إلى جواميس، وإخواننا الهنود ثعابين، واليابانيون نسانيس، و»البت فلانة» (نسيت اسمها، وكان مفتوناً بها) ستتحول إلى فراشة، وسيتحول أبوها إلى حمار يحمل الحديد إلى أعالي الجبال، وهكذا…

استيقظت على لكزاته ونداءاته «أخا العرب أخا العرب» وصرخت في وجهه: ملعون أبو العرب على أبو كليب بن وائل، عاوز ايه؟ فأجاب: مش جاي لي نوم، قلت أصحّي أخا العرب يستفيد مني قبل ما أموت، أصل أنا ملاحظ إنك كلما بدأت أنا المحاضرة تروح تنام! ثم راح يحكي دون أن ينتظر إجابة: «مش انت بتقول إن كل شبر في الكرة الأرضية عام 3904 سيمتلئ بالبشر، وسيعيش الناس وقوفاً لعدم توافر المساحة للجلوس…»، فقاطعته: «مش أنا اللي بقول الكلام ده، هذا حفيد الحاج داروين بتاعك، يقول إن نسبة تزايد السكان ترتفع بشكل مخيف، وباستخدام الآلة الحاسبة توقع أن يعيش الناس وقوفاً على أقدامهم عامذاك، ينامون وقوفاً مستندين إلى بعضهم، يقضون الحاجة وقوفاً، يتزاوجون وقوفاً، وهكذا»، فصرخ بغضب: «مين الملعون اللي هيتزاوج يوميها واحنا واقفين في الطابور، دا أنا أفرمه بإيدي، هو احنا ناقصين زحمة؟».

كانت نقاشات لذيذة أحياناً، غبية أحياناً أكثر… وقبل أشهر التقيته مصادفة فعرفته وناديته، فأقبل نحوي بكرش يتدلدل على ركبتيه وقد أطلق ضحكته المجلجلة، فاتحاً ذراعين كجناحي طائرة: «يا أهلا يا أهلا، ايه الصدفة الجميلة دي يا أخا العرب، يخرب بيتك، انت كبرت اهوه زي البشر، سنتين وهتبقى جمل وترعى في الفلاء»، قال ذلك ثم أطبق عليّ بجناحيه الضخمين، فتذكرت موقف سيدنا يونس وهو في بطن الحوت، وقلت بصوت يشبه الفحيح: «ما شاء الله، الكرش على قدر المسؤولية، مبروك ومنها للأعلى»، فاستفسر عن معنى كلامي، فأوضحت له أنها دعوة لمزيد من الانتفاخ، فأشار إلى كرشه: «أكتر من كده إيه؟»، قلت: «الانفجار الكوني الضخم وتكوّن المجرات»، فتزلزلت الأرض بضحكاته.

ثم سألني فأجبته وليتني لم أفعل: «أشتغل في الصحافة يا شريف»، فحلّفني بكل عزيز أن أقول للعرب، الذين هم أهل الخليج واليمن، أنهم سيتحولون إلى جِمال ترغي خلال أقل من ألفي عام، فلينتبهوا. 

احمد الصراف

سائق الركشو وليلى الغانم

تقول أرونا لادفا: «كلما قلت حاجاتنا قل عدد الذين يتحكمون بنا»
عاد دينو من زيارة للهند، وأخبرني القصة التالية:
ركبت وزوجتي وابني عربة اجرة صغيرة تسمى «ركشو» تدار بمحرك دفع صغير، ولا يزال البعض منها يجر باليد. ما ان استوينا جالسين حتى وقعت عيناي على بضع مجلات موضوعة في كيس انيق خلف كرسي السائق. نظرت الى الامام فرأيت جهاز تلفزيون وبجانبه راديو صغير، فتبادلت وزوجتي نظرات الاستغراب لوجود مثل هذا الاشياء في ركشو متواضعة، وزادت دهشتنا عندما اكتشفنا وجود مطفأة حريق وصيدلية صغيرة تحتوي على قطن وشاش وزجاجة تطهير جروح وبعض الادوية.
وكانت هذه الاشياء كافية لكي نعرف أننا مع سائق ركشو غير عادي. فقد كانت هناك ساعة ومفكرة حائط وعدة صور سياحية ومقتطفات تمثل مختلف الديانات «السماوية» وبعض ديانات الهند الاخرى. ويقول دينو ان كل هذا دفعه للتحدث مع السائق، فعرف منه انه يقود عربته منذ 9 سنوات تقريبا، بعد ان فقد وظيفته في مصنع بلاستيك. وانه يعمل من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء، وان عليه التزامات عدة، منها رسوم مدارس طفليه، ويقول دينو: مع علمي بأن لا وقت لدى السائق لاداء اي عمل آخر الا انني سألته عما يفعله بعد انتهائه من قيادة الركشو، فقال انه يذهب مرة كل اسبوع، او كلما توفر لديه بعض المال الفائض، لملجأ مخصص للنساء العجائز، ليقوم بتوزيع فرش ومعاجين اسنان وقطع صابون ودهن شعر واشياء صغيرة اخرى عليهن… مجانا! ويقول دينو ان السائق لفت نظرهم للوحة صغيرة موضوعة تحت عداد الاجرة كتب عليها ان لذوي الاحتياجات الخاصة خصم 25%. ويعفى فاقدو البصر من الاجرة متى ما كانت ضمن مبلغ 50 روبية.
ويبدو ان بعض صحف وقنوات تلفزيون مومباي تعرف الشيء الكثير عن السائق، حيث سبق ان استضيف في برامجها وعلى صفحاتها اكثر من مرة، وقد نال الرجل اعجاب دينو وزوجته فهو بطل في عيون الكثيرين ويستحق الاحترام. وعند وصول دينو لوجهته قدّم الشكر للسائق سنديب باتشا، وشكره على نبل اخلاقه، وكيف انه وزوجته وابنه تعلموا منه كيف يمكن ان يكون الإنسان فقيرا وانسانيا في الوقت نفسه ومحبا للآخرين وناكرا للذات. وبعد ان نفحه «إكرامية» معقولة تمنى عليه الاستمرار في عمله الانساني العظيم!
ذكرتني قصة سنديب بقصة مماثلة انتشرت على الانترنت عن «قهوة الحائط»، وتتعلق بمقهى يقع في مدينة البندقية الايطالية، وعندما يطلب بعض رواده قهوة، يطلب عادة فنجانا آخر للحائط(!) وهنا يقوم النادل بتقديم فنجان له وتسجيل الفنجان الآخر عن طريق وضع علامة واضحة على احد حوائط المقهى الخارجية. وعندما يمر من يود تناول قهوة ولا يمتلك ثمن الفنجان فإنه ينظر الى الحائط فإن وجد العلامة جلس وطلب «فنجان قهوة على الحائط» لينهيه ويغادر من دون دفع شيء، ليقوم النادل بعدها بإزالة احدى العلامات عن الحائط، ويتم كل ذلك بهدوء ومن دون ان يعرف الكريم او الفقير بعضهما البعض وبطريقة تتسم بقدر كبير من الكرم والحضارة!
كم هو جميل ان نجد من يفكر في الآخر بطريقة ايجابية من دون التسبب في ايذاء مشاعره، وما احوجنا لمثل هذه الشخصيات بيننا، كما لا تزال «مبرة رقية القطامي لأمراض السرطان» وليلى الغانم بانتظار تبرعاتكم يا أهل الخير.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

بلدٌ مسلم

وعلى ما يبدو أن الكويت أو أغلبية المجتمع الكويتي معجبة جدا بالمتنبي ليس في شعره بل في شخصه ففي «الطالعة والنازلة» يكرر أبناء هذا المجتمع أنهم أبناء مجتمع مسلم محافظ تربّى على العادات الإسلامية، فاللاعب حين يسأل عن أمر ما، والمطرب والرسام والطبيب والشاعر والنائب والوزير، لا بد لهم أن يذكروا عبارة نحن مجتمع مسلم محافظ.

كمسلم بالتأكيد يعجبني هذا القول إن كان واقعا وحقيقة، فأنا أتمنى أن يكون مجتمعي مسلما محافظا على حقيقة الإسلام التي أقولها وبكل تحد إننا لا نملك ولو عُشر الحقيقة الإسلامية، فعن أي إسلام نتحدث ونحن نقتل النفس التي حرّم الله ونظلم ونكذب وننافق؟

إليكم آخر وأسوأ الأمثلة التي تثبت صدق ما أقول، أصدرت وزارة الشؤون قرارا بإلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة القادمة لطلب الرزق في البلد المسلم المحافظ، وهو قرار، وإن جاء متأخرا جدا جدا، وبعد سنوات من العبودية الصارخة وعلى أيدي أبناء المجتمع المسلم المحافظ، إلا أنه قرارٌ طيب، ولكن أن يشترط هذا القرار أن يحصل المقيم على براءة ذمة من كفيله السابق، أي إعادة الأمور إلى المربع الأول وإلى براثن الكفيل مجددا.

هذا العامل، الذي لا يتقاضى سوى 20 دينارا فقط من أبشع البشر «تجّار الإقامات» بمعدل 666 فلسا يوميا، عليه أن يسد جوعه بها، ويدفع للمستشفى إن مرض ويوفر لأهله جزءا منها باستثناء ما يستقطعه منها ليدفعه لمن أقرضه أموال القدوم إلى الكويت من الأساس، تفرض عليه براءة الذمة من تاجر الإقامات وبالتأكيد فإنها ستكلفه ضعف ما كلفه القدوم للكويت، لكي يتمكن من التنفس بحرية جزئية!؟

نعم، هذه هي الحال في المجتمع الذي يدعي الإسلام والمحافظة، هذا المجتمع التي توزع فيه المنشورات لتكفير هذا وذاك، وهو نفس المجتمع الذي يصمت كل نوابه سواء من تيارات إسلام سياسي شيعي وسني ومن قبليين وليبراليين ومستقلين وغيرهم عن هذه المجزرة الإنسانية، لمجرد أن هذه العمالة لا تملك صوتا واحدا في الانتخابات، وهو ما يجعل الأمر سهلا لناصر المحمد ووزرائه ممن لا يضايقهم أي شيء حتى إن فرضوا ألف إتاوة على هؤلاء المساكين الفقراء.

تكريم الإنسان هو أساس الإسلام أيها المجتمع المحافظ المسلم، فأين أنتم من الإنسان وأين أنتم من الإسلام؟

خارج نطاق التغطية:

مبارك عليكم الشهر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

سامي النصف

«كاش» وحكاية عبدالله

البداية مشاهدتي للقاء شائق على القناة الثانية لتلفزيون الكويت مع السيدة مارغريت الساير زوجة وزير الصحة د.هلال الساير تحدثت خلاله وباستفاضة عن أحد أكثر المشاريع إنسانية ورحمة بالكويت وتعني مشروع «كاش» الذي أنشئ قبل عشرين عاما لرعاية الأطفال المصابين بأمراض خطيرة وجعلهم يستمتعون بأيامهم الأخيرة.

بعد تلك المشاهدة قرأنا للنائب الفاضل مبارك الوعلان اتهاما خطيرا لمتطوعي ذلك المشروع بأنهم يقومون بالتبشير وتحويل هؤلاء الأطفال إلى المسيحية (ما فائدة تحويل طفل ساذج في نهاية عمره لدين آخر؟ لا إجابة) لذا قررنا كمجموعة من كتاب الصحف المختلفة زيارة ذلك المركز الذي تتواجد فروع له في كل محافظات ومستشفيات الكويت كي نرى عن قرب مدى صحة ذلك الاتهام من عدمه.

استقبلتنا السيدة ام قتيبة الربعي وشرحت لنا اهداف المشروع التي ستذكر في الفقرات اللاحقة كما وردت في كتاب التعريف، ثم تركت لنا المجال لسؤال الأطفال وأولياء الأمور والمتطوعات والمربيات والمدربات ما نشاء من أسئلة، وكان أول ما لحظناه أن المسؤولة عن الأطفال هي من النساء المسلمات المحجبات فهل يصح الاتهام بأن تلك السيدة المسلمة هي من تقوم بالتبشير؟! كما أن من الظلم ومن غير الانصاف ان ترمى التهم جزافا و«دون دليل» وان يحاول البعض استغلال ذلك المشروع الإنساني الذي يدر الدمع من المآقي لدى زائريه في حروبه السياسية مع الآخرين، والظلم ظلمات يوم القيامة.

ومما أتى في مطبوعات المركز ان بيت عبدالله هو «تكية أطفال» ويهدف لإنشاء مركز للعمل «التطوعي» لتقديم الدعم للأطفال الذين يتوقع وفاة البعض منهم في سن الطفولة، كما يقدم الدعم المعنوي والنفسي أيضا لعائلاتهم ويرفقه بخدمات تشتمل على المساعدة على تخفيف الألم عن الأطفال في أيامهم الأخيرة وأن يصبح المركز أو «بيت عبدالله» بيتا بديلا للعائلات والأطفال الممتحنين بالأمراض المســـتعصــية الخطيرة.

ويعود السبب في فكرة تأسيس بيت عبدالله في الكويت إلى الهام طفل يافع اسمه عبدالله عاد للكويت بعد فترة علاج طويلة قضاها في مستشفيات لندن، ففي عام 1989 أرجعت والدة عبدالله الطفل للكويت بعد ان يئس الأطباء هناك من علاجه، ثم قررت ومن خلال نموذج فريد ورائع التعاون مع جمع من المتطوعين والمختصين للتخفيف من آلامه وأعراض مرضه حتى توفاه الله وهو بين ايديها قبل عيد ميلاده الخامس.

آخر محطة:
 
(1) نذكر بأن المركز مازال يستقبل التطوع بالعمل أو التبرع بالمال لإنشاء الأجنحة في المبنى الجديد فلا تجعلوا الفرصة تفوتكم يا أصحاب القلوب الرحيمة ونحن في بداية الشهر الفضيل.

(2) نرجو من النائب الفاضل مبارك الوعلان أن يزور المركز ويلتقي متطوعيه واطفاله وعائلاتهم فإن صحت دعواه بالتبشير وقفنا معه وان شعر بخطئه وجب عليه الاعتذار «العلني» ومن ثم دعم المشروع.

(3) شهدنا أثناء الزيارة طفلا صغيرا يخرج من جرعة علاج كيماوي استمرت ساعات ويرفض الذهاب للمنزل مع والده مفضلا الاستمتاع بوسائل ترفيه المركز حيث لم يعد المستشفى والعلاج «بعبعا» له.

(4) أخيرا زرت يوم الجمعة صالات 5 و6 و7 في أرض المعارض وكانت تغص بآلاف الزائرين ووجدت ان 90% من الأبواب مغلقة ولو شب حريق كما حدث هناك قبل أشهر لتعدى عدد الضحايا المئات أو الآلاف، إذا كانت الحجة هي الحرّ والرطوبة فالحل يكمن في وضع المراوح بالصالات لا إغلاق ابواب الخروج، وحادثة الجهراء لم تمر إلا أيام قليلة عليها.

محمد الوشيحي


النابلسي… 
عيدا كمان

هذا الذي تشاهدونه أمامكم الآن في الفضائيات، والذي يخرخر تصريحات، ويهدد بأن يشكونا إلى جدته، هذا ليس نائباً، هذا عبدالسلام النابلسي. يخلق من العَتَه أربعين.

الأخ النابلسي يعمل كل شيء في وقت واحد، يصرح ويشتم ويضحك ويبكي ويقسم ويفجر ويَعِظ ويتشقلب ويقف على رأسه خلال أقل من ستين ثانية. وهو رجل أصيب بداء الخرخرة، خمسة وثمانون تصريحاً تخرخر من خزّانه في اليوم الواحد. وكل جملة ينطقها تقول لشقيقاتها أنا الأسفه أنا الأعته.

أحدث نابلسياته هو التهديد باستجواب بعض الوزراء… مَن هم هؤلاء الوزراء سقى الله نابلس؟ يجيبنا: معروفون، الفاشل والحالم والباشق والجاحظ! شكراً على التوضيح.

لطالما حذرنا وحذر غيرنا من تزاوج الدين والسياسة، فاتُّهِمنا بكل الموبقات، وها هو النابلسي مصداق لكلامنا. رجل يختبئ خلف لباسه المقدس، ولسان شتّام، وعقل ينافس عقل الديك الرومي. وكان أن سقط في أحد الانتخابات فغضب وراح يهدد بالويل والثبور والشكوى إلى جدته (إن صدَقَ ادعاء النسب)، وأنه سيأخذ حقه من الناس الذين لم يصوتوا له. متى يا نابلسي ستأخذ حقك؟ يوم القيامة! خير إن شاء الله.

وكان قد أقسم يميناً – بعد سقوطه في الانتخابات – أنه لن يخوض أي انتخابات في المستقبل، ثم عاد وخاض الانتخابات، وتلاشى القسم. وكان أيضاً في استجواب وزير المالية الأسبق محمود النوري قد طلب الحديث، فرفض رئيس البرلمان باعتباره غير مسجل في كشف طرح الثقة، فأقسم النابلسي (لاحظوا كيف يتعامل مع القسم وهو رجل الدين) أقسَمَ أنه سيسجل اسمه في «كل» كشف طرح ثقة قادم، هكذا من دون تحديد، كانتقام وردّة فعل على منعه من الحديث، وكأنه يريد أن ينتقم من اللائحة الداخلية، ثم تدور الأيام وإذا به هو الذي يدافع عن الوزراء المستجوبين. أين القسم يا نابلسي؟ يالله معلش.

وهو لطالما تحدث – وهو على شفا حفرة من البكاء – بوجوب منح الحكومة فرصة لتعمل وتنتج، وها هو الآن ينسى مطالباته ويهدد باستجواب الباشق والماشق، لكنه لا ينسى، في خضمّ ذلك، امتداح سمو رئيس الحكومة، وهي خطة سبق أن تحدثت عنها، تقوم على التالي: «أحرق روما إن أردت، لكن لا تنسَ أن تمتدح الرئيس بسطر من الحبر المغشوش»، ولا أدري مَن الذي اختار الباشق والجاحظ في التشكيلة الوزارية.

هو رجل تحيط به الفهلوة والجمبزة إحاطة العقد بعنق الغندورة، وهو على يقين من أنه وحده يَرجح ببقية النواب، لذا فهو يتعمد التأخير في تحديد مواقفه، ويعتقد أن الناس ستنتظره فاغرة أفواهها متمتمة: «اللهم سلّم سلّم، اللهم سلّم سلّم»، في حين يتمتم العقلاء: «ما عنده ما عند وضحة، ما عنده ما عند وضحة».

النابلسي، منذ نحو تسعة أشهر، لا يكاد يجري لقاء، وما أكثر لقاءاته، إلا وطالبَ جهاز أمن الدولة بالقبض عليّ، وآخرها قبل يومين، وأنا أردد مع فيروز أغنيتها الشائقة «عودك رنّان»: «عيدا كمان ضلّك عيد يا علي، عالعالي، عيدا كمان»، وأعرف أنه مثلي يعشق الطرب، خصوصاً عندما يرتفع دخان «أرجيلته» ويعتدل مزاجه، صحة يا مولانا جزاك الله خيراً. 

سامي النصف

حرب 2006.. من بدأ ومن انتصر؟!

تمرّ هذه الأيام الذكرى الثالثة لحرب لبنان 2006 وقد أمضيت الفترة الماضية في بحث متواصل اطلعت خلاله على العديد من الكتب والدراسات والأبحاث اللبنانية والإسرائيلية وحتى المواقع العسكرية الأميركية والأوروبية لنقل الحقيقة المجردة وغير المجاملة للقارئ ومن ثم فما اكتسبته ليس رأيا شخصيا بل هو خلاصة تلك القراءات والمتابعات الصادرة من قبل تلك الجهات الموثوقة والرصينة.

السؤال الأول: من بدأ تلك الحرب المدمرة؟! الحقيقة وباعتراف حتى بعض الأطراف الإسرائيلية الرئيسية بأنهم ـ ليس حزب الله ـ من بدأ تلك الحرب، فاختطاف جنديين يمكن أن يحل بالمفاوضات غير المباشرة والطرق الديبلوماسية كما حدث في نهاية الأمر دون الحاجة لغزو لبنان وتدمير بناه الأساسية.

والسؤال الثاني والأهم: من انتصر في تلك الحرب؟! الإجابة عن ذلك السؤال المهم تأتي من الجانب الإسرائيلي قبل غيره، ومعروف ان الحروب بنهايتها وبحصد جوائزها وليست بعدد ضحاياها وكمّ تدميرها وإلا اعتبرنا ألمانيا النازية قد انتصرت على الاتحاد السوفييتي كون خسائرها أقل في البشر والحجر من خسائره، وان أميركا بالمثل قد انتصرت على ڤيتنام.. الخ.

لقد دخلت اسرائيل الحرب ولديها أهداف واضحة ومعلنة منها (1) تحرير الجنديين المخطوفين، (2) ضرب وتدمير الآلة العسكرية لحزب الله، (3) خلق حالة تباعد وشقاق بين الشعب اللبناني والحزب، وتظهر الاستقالات ولجان التحقيق واللقاءات الإعلامية والكتابات الصحافية الإسرائيلية الفشل الذريع في تحقيق أي من تلك الأهداف الثلاثة ولا يجوز لأحد بعد ذلك أن يصبح إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين أنفسهم ممن اعترفوا للمرة الأولى في تاريخهم بالهزيمة المذلة وأصبحوا يفكرون ألف مرة قبل تكرار العدوان وقد قال الشاعر العربي: شمائل شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء

فقد رضخت القيادة الإسرائيلية في نهاية الأمر لمطالب حزب الله وتبادلت جثتي الجنديين الإسرائيليين بالأسرى اللبنانيين مما يعني أن اللجوء للحرب كان خطأ فادحا من البداية، كما أقرت بالفشل الذريع في ضرب البنية العسكرية لحزب الله حيث تضاعفت هذه الأيام قدراته العسكرية، كذلك لم تنجح على الإطلاق في خلق حالة تباعد بينه وبين الشعب اللبناني الذي بات يفخر في مجمله بذلك النصر الذي يحسب للبنان وللعرب والمسلمين كافة.

آخر محطة: 

(1) يعتقد المراقبون والمختصون أن التهديد الأخير الذي أطلقه أمين عام حزب الله بجعل ضرب بيروت أو أي قرية لبنانية يقابله ضرب تل أبيب أو أي قرية إسرائيلية هو أخطر تهديد جدي تتعرض له إسرائيل منذ نشأتها كونه ـ كما علموا ـ قولا يترجمه فعل.

(2) أذكر تلك الحقائق المجردة كونها شهادة تاريخية يأثم من يكتمها بعد معرفته بها.

احمد الصراف

التكلفة الحقيقية والكاذبة

أجرت «القبس» في الاول من مايو الماضي، مقابلة حزينة مع السيدتين ليلى الغانم ولبيبة تميم، كشفتا فيها كثيرا من الزيف والدجل الذي تعيشه مجتمعاتنا، على الرغم من كل ما يقال عكس ذلك، وكنا نود التعليق على الموضوع في حينه، ولكن بدء موسم الاجازات والرغبة في الاستفادة من كرم الناس في رمضان دعانا إلى تأجيل الكتابة حتى اليوم.
تقول نائبة رئيس لجنة حياة لمرضى السرطان، ومبرة رقية القطامي للاعمال الخيرية، السيدة ليلى الغانم، انها ومجموعة من محبات فعل الخير قمن بتأسيس هذه اللجنة- المبرة لتقديم العلاج والدعم لمرضى السرطان من غير الكويتيين الذين لا يتوافر علاج لهم في المستشفيات الحكومية، وعلى الرغم من ان اللجنة مشهرة، فانها تواجه كثيرا من العقبات ابرزها قلة الدعم المادي، فما يصلها من تبرعات ضئيلة لا يتناسب مع التكلفة العالية لعلاج مرض السرطان الذي يتطلب مبالغ باهظة، وتقول الغانم ان اللجنة قدمت العلاج لاكثر من 88 مريضا منذ اشهارها، ولهؤلاء جميعا ملفات في مستشفى حسين مكي.
وورد على لسان الدكتورة لبيبة تميم المدير التنفيذي للجنة المبرة ان بعض انواع السرطان يستغرق علاجها 5 سنوات، ويتكلف مريض سرطان الدم مثلا 1700 دينار للجرعة الكيماوية الواحدة، التي تقدم كل 28 يوما، وان تكلفة علاج مرض سرطان الثدي تتراوح بين 25 و30 الف دينار، وناشدت السيدتان اهل الخير للتبرع للجنة بسبب ظروفها المالية الحرجة ورسالتها الانسانية الكبيرة.
وعلى الرغم من ان «القبس» قامت بنشر ارقام حسابات اللجنة المشهرة لدى بنوك الكويت كافة، فانني على ثقة بأن أيا من الجمعيات المسيسة والمسماة ب‍ـ«الخيرية»، لم تلتفت إلى نداء اللجنة ورسالتها، ولاسباب اكثر من معروفة.
وقد لفت نظري قول الدكتورة تميم ان مريض السرطان لديهم يكلف بين 20 الى 30 الف دينار، وهذا اقرب للتصديق من الرقم الذي ذكره د. محمد الشرهان الرئيس الدائم لجمعية إعانة المرضى، («القبس» 22-6) من أن 300 دينار تكفي لدى جمعيتهم في تقديم العلاج للمصاب بالسرطان أو الوباء الكبدي، أو غير ذلك من الأمراض المستعصية (!).
وتضامناً منا مع اللجنة، فقد قمنا اليوم بإيداع مبلغ يعادل عشرة آلاف دولار بحساب مبرة رقية عبدالوهاب القطامي للأعمال الخيرية، ومرضى السرطان، في البنك الوطني حساب رقم 0800491250101 ونتمنى على القراء الكرام التبرع لها في أي فرع تابع للبنك الوطني أو الخليج من خلال حساب رقم 05074772 أو أي من فروع بيت التمويل من خلال الحساب رقم 011010607529 وكل عام وأنتم بخير.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

بين «الداخلية» و«البحرينية لحقوق الإنسان»

 

إذا قدر للجهود المشتركة بين كل من وزارة الداخلية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أن تنجح في مسار تحسين أوضاع السجون والنزلاء بها، فإنه سيكون لزاما على كلا الجهتين، الداخلية والجمعية، أن يتعاونا مستقبلا من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات على صعيد ملف حقوق الإنسان، والقضاء على الممارسات التي لا تتوافق اطلاقا مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولا تتماشى مع تطلعات مؤسسات المجتمع المدني، وهي تطلعات شدد على أهميتها وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في أكثر من مناسبة.

لو عدنا الى المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عصر يوم الخميس الماضي، فإننا سنجد بين طياته الكثير من الأمور الإيجابية التي جاءت متناسقة مع تحرك الجمعية من جهة، ومع رغبة وزارة الداخلية في التعاون مع الجمعيات الحقوقية للتباحث حول المشكلات القائمة بموضوعية وبروح وطنية.

لقد احتوى التقرير على العديد من الفقرات الصريحة التي تعكس إيمان الجهتين في وضع اليد عليها وحلها، ففي الجزء المتعلق بالمعاملة أثناء القبض والتوقيف، على سبيل المثال لا الحصر، ذكرت تسع نزيلات أنه تمت معاملتهن بشكل جيد، بينما وصفت ثلاث نزيلات المعاملة أثناء القبض بالسيئة، وذكرت واحدة منهن أنها أخذت بالقوة أثناء القبض، وأفادت نزيلتان بأنهن تعرضن للإهانات المتمثلة في الصراخ والكلمات البذيئة، بينما ذكرت واحدة أنه تم التحقيق معها من العاشرة صباحا إلى السابعة مساء وتعرضت للشتائم ولم يسمح لها بالذهاب إلى الحمام، كما ذكرت نزيلة واحدة أنها تعرضت للضرب بخرطوم المياه وتعاقب على ضربها حسب روايتها ستة رجال ولكنها لم تعرف هوياتهم، وذكرت واحدة أنها تعرضت للتهديد. مثل هذه المعلومات الصريحة، لا يمكن أن تقبل بها أي دولة عربية تدعي الديمقراطية بل ولا يمكن أن تسمح بها أبدا وربما أصرت على اخفائها، لكن بالتعاون بين الداخلية والجمعية، تم التوصل الى مثل هذه الممارسات التي تتنافى مع القانون، وهذه لفتة تحسب للبحرين. الخطوة المقبلة، كما أعلها الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي، هي أن الجمعية عازمة على زيارة سجن (الأحداث)، ولا شك في أن هذا التوجه مهم، ويمكن القول أن وجود قنوات للتواصل بين الجمعية ووزارة الداخلية يعد عملا مهما للقضاء على التجاوزات، ولهذا ثمن الدرازي تجاوب الوزير مع تقرير حقوق الانسان الذي يعتبر التقرير التقرير الثاني للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لرصد واقع السجون في مملكة البحرين، وهناك تطلع مشترك، حسبما وعد به الوزير، وهو أن تتحقق جميع الملاحظات التي وردت في التقرير قبل الزيارة المقبلة.

في هذه العجالة، نود الإشادة بجهود الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان على جهدها المخلص، ونتمنى أن يستمر هذا التواصل مع وزارة الداخلية لمحاسبة أي طرف تثبت عليه التجاوزات، فطاولة الحوار والتباحث، هي أفضل وسيلة للتوصل الى الحلول المشتركة والعملية، بعيدا عن الشعارات والإتهامات، ويبدو أن في الأفق الكثير الإنجاز باستمرار التعاون بين الوزارة والجمعية، وهذا ما يأمله كل مواطن بلا ريب