فعلاً، آخر ما نحتاج إليه في اللحظات هذه هو إلقاء التُّهم من علٍ على المسؤولين، أو رشق الحكومة بصفات التخاذل والتقصير في «كارثة العيون»، وكأننا بذلك نريد أن نبرِّئ ذممنا.
دعونا من كل هذا الآن، ولنركز على حالات المُصابين، وكيفية تعامل الحكومة معها، ولنفكر في طريقة تخفف -أقول تخفف- بعضَ ألم ذوي الضحايا، ولا أدري كيف، لكن لنفكر في «كيف».
وعزاؤنا، إن كان ثمة عزاء، هو أن دماء ضحايا «العيون» رفعت إصبعها في وجوهنا وخاطبتنا بجدية المتألّم: «دعوا كل ما في أيديكم من توافِه، وابنوا مستشفياتكم تحسُّباً لكارثة مثل هذه أو أكبر، لا قدَّر الله». فهل نحقق طلب الضحايا أم نبقى سادرين في غيّنا نتهم كل من صرخ في وجه الحكومة مطالباً بالمستشفيات بأنه «مؤزِّم»؟ ألا لعنة الله على المتخاذلين.
لاحقاً لا الآن، سنتحدث عن تلفزيون الدولة، وعن دور وزير الإعلام ووكيله، وسنتحدث عن الدولة المتهالكة، وعن المسؤولين الذين اعتقدوا واهمين أن فصول السنة كلها ربيع.
عبدالله العتيبي ومظلومية القبائل
حكاية استقالة الزميل عبدالله العتيبي من جريدة «الجريدة»، ليست مؤلمة بقدر ما هي غريبة.
ولمن لم يبلغه الخبر أقول: تقدم الزميل العتيبي باستقالته مبرراً ذلك بأن «الجريدة» تخاذلت في تغطية كارثة العيون لدواعٍ عنصرية!! (أول مرة في حياتي الكتابية أستخدم علامتَي تعجب معاً)… ما هذا يا زميل يا جميل؟!
بلغني الخبر فقررت الاتصال بإدارة التحرير لأتبيّن ما وراء الستارة، وحرت، هل أتصل برئيس التحرير الزميل خالد هلال «المطيري»، أم بمساعد مدير التحرير الزميل سعود «العنزي»، أم بمسؤول الصفحة الأخيرة الزميل ناصر «العتيبي»، وهو الرئيس المباشر الذي يتبع له الزميل المستقيل عبدالله العتيبي، أم أتصل بمستشار الجريدة، وأحد أبرز أعضاء مجلس قيادة ثورتها الزميل المبدع حسين «العتيبي»؟
حقيقة حرت، فكيف اتّهم أبناء القبائل بأنهم ضد القبائل؟ ما ترهم… وآه كم أهلكتنا المظلوميات الكاذبة.
المؤلم أكثر، هو أنك يا زميلنا عبدالله، تعرف رئيس التحرير منذ نحو عشر سنوات، كان طوال المدة تلك رئيسك، وتعرف الزميل ناصر العتيبي أكثر منّا نحن، وتعرف الزميلين سعود العنزي وحسين العتيبي عن قرب، وتعرف طبائعهم و»وقفتهم» مع زملائهم، وهم يعرفونك ويقدّرونك تقديراً يليق بالزمالة والصداقة والمهنية، وأنت مهني لا شكّ في ذلك ولا عكّ، لكن تصرفك الأخير لا يُقدِم عليه أمثالك، ثم تعال نتفاهم بهدوء…
أنت تعرف أن ثماني صحف جديدة لم تنشر خبر الكارثة على طبعاتها الورقية، واستعاضت عن ذلك بطبعاتها الإلكترونية، ليس استهانة بدماء الضحايا بالتأكيد، بل لسبب تعرفه أنت أكثر من الآخرين، وهو أن الصحف هذه لا تمتلك مطابع خاصة بها، يسهل معها التحكم في موعد الطباعة، تأخيراً أو تبكيراً، وتعلم أن خبر الكارثة جاء متأخراً، أي بعد أن دارت المطابع بفترة طويلة، بل إن جزءاً من الأعداد كان في طريقه إلى السوق ونقاط البيع! وأجبني من فضلك: هل الزميلة جريدة «عالم اليوم»، على سبيل المثال، ضد القبائل؟
نعم، نعلم أنها كانت لحظات غضب بسبب الكارثة، ونعلم أنك -حسب قولك- لست مَنْ نشر الخبر، وكلنا نصدقك، فأنت صدوق بشهادة الجميع، ونعلم أن أحداً ما قد سرّب الاستقالة، لكن السؤال الأهم: لماذا الاستقالة من الأساس؟ والسؤال الموجه إلى الزميل رئيس التحرير: لماذا قبِلت الاستقالة على الفور وأنت تعلم أنها كانت نتيجة لحظات غضب كارثي؟
على أي حال، «لم يسبق السيف العذل»، فلايزال العذل في الصدارة، ولايزال «الحُرُّ يفهم بالإشارة»، والزميل عبدالله لا غنى لنا عنه، و«الجريدة» هي سقفنا الذي نستظل به من حرقة الشمس وغرقة المطر.