كنت في لندن أواخر صيف 1969 عندما فاجأنا نبأ قيام ضابط مغمور وبدرجة عسكرية متواضعة بانقلاب الفاتح من سبتمبر في ليبيا الذي انتهى بخلع الملك ادريس السنوسي عن عرشه ونفيه للخارج واعلان ليبيا جمهورية(!!) وقد التصق ذلك التاريخ بذهني لان في اليوم ذاته، ومع فارق الوقت والشخصية، أقدمت مارلين مونرو، فاتنة السينما الأميركية وشاغلة شباب وكهول ذلك الزمن الجميل، على الانتحار. وبسبب يفاعتي، او بالاحرى مراهقتي، كان خبر انتحارها اكثر اهمية من خبر الانقلاب!
مرت اربعون سنة عجاف، ولا يزال الناس يلوكون سيرة تلك الممثلة الجميلة وزيجاتها وغرامياتها مع الرئيس جون كنيدي وغيره، ولا يزال العقيد برتبته العسكرية نفسها، بعد ان اصبح ملك ملوك افريقيا، وزعيما غير منازع على ليبيا. وبهذه المناسبة بثت على اليوتيوب أخيرا خطبة عصماء للعقيد اعلن فيها عن البدء بـ«ثورة ثقافية ليبية تعليمية» من خلال «تحطيم» نظام التعليم الكلاسيكي القديم المكون من روضة وابتدائي واعدادي وثانوي وجامعي واستبداله بنظام آخر لا يعتمد على اي نظام واساسه الحرية في التعلم لمن يشاء، والتعليم على من تتوافر فيه خصائص او لديه خبرات تعليمية ما في الحساب او الرسم مثلا ليقوموا بتعليم غيرهم ما يعرفوه فتصبح عند هؤلاء شهادة يستطيعون العمل من خلالها! فلا مدارس ولا دوام مدرسي ولا صفوف ولا امتحانات، بل حرية تامة في التعليم قائمة على رغبة من يريد التعلم بأن يتعلم على «كيفه»!
وضرب العقيد مثلا بابن سينا وجابر بن حيان، الذي اخترع الجبر (!!) والعلماء الذين «اخترعوا» الكهرباء (!!) بأنهم جميعا لم يتلقوا تعليما كلاسيكيا ولم يقدموا امتحانات، بل تعلموا في بيوتهم. فإذا كانوا قد نبغوا وافادوا البشرية من غير روضة ولا ابتدائي ولا اعدادي ولا ثانوي فما حاجة ليبيا بمثل هذا النظام؟
ونعتقد نحن، ومن دون تواضع، أن تطبيق هذا النظام التعليمي الجديد في ليبيا الذي يتطلب من ابن الخامسة او التاسعة معرفة مصلحته والتبرع بالذهاب طوعا لمن يعلمه ما يشتهي ويرغب، نعتقد أن هذا النظام سينقل ليبيا الشديدة التخلف -كبقية انظمتنا العربية- لرحاب المعرفة بوحدانية القيادة اولا والاكتفاء بعدم المناقشة، والتحلي بالصبر على الشدائد، وهذا -لا شك- سيجعلها اكثر تخلفا خلال عشر سنوات لا غير.
لمزيد من المتعة والتدريب على الحلم وكظم الغيظ والصبر على المكاره والعفو عند المقدرة، يمكن الاستماع للخطاب على الرابط التالي، مع ضرورة ملاحظة تصرف الجمهور والحماسة المفتعلة لبعضه وعدم اكتراث بعضه الآخر بما يقال، حتى من قبل كبار الضيوف في الصف الاول. كما يلاحظ انشغال السيدات خلال الخطاب العظيم بالاحاديث الجانبية، فما الذي يمكن توقعه من خطابات تلقى عليهم منذ 40 عاما، ولا تزال مستمرة:
http://www.facebook.com/home.php?ref=home#/video.php?v=1100655590696&ref=mf
أحمد الصراف