كنا، وبكل فخر، من أوائل من هاجم ظاهرة عمرو خالد، ووصفها بالفقاعة. كما كنا من أوائل من أدينوا، أدبيا، بسبب موقفنا منه، ولم يزدنا ذلك إلا إيمانا بصحة موقفنا. وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهبنا إليه، فقد انفجرت الفقاعة وتبين خلوها، وأن الظاهرة لم تكن إلا سرابا جذب الكثير له، ولكن من السذج والبسطاء وغالبيتهم من عديمي الفهم والمعرفة، الذين أعجبوا بالظاهرة التي انتهت، ليس فقط بسبب تفجرها من قوة نفخ الذات، بل أيضا بسبب ما تحقق للرجل من ثراء مادي واجتماعي أغناه عن العمل بقية حياته.
في تحقيق نشر قبل فترة في مجلة فورشن التي تهتم بثروات المشاهير، تبين منه أن الداعية عمرو خالد أصبح من كبار أصحاب الدخول العالية من بيع حق بث برامجه التلفزيونية التي لا تزال القنوات الدينية تشتريها لملء ساعات بثها المملة والطويلة. كما أصبح الرجل مؤسسة بحد ذاتها بحراسات أمن وسكرتارية ومكاتب دولية وإقليمية، وكل ذلك من بيع كلام «لا يودي ولا يجيب» كما يقال باللهجة المصرية. وأصبح ضرره أكثر من نفعه، هذا إذا كان له نفع لأحد غيره في يوم ما، ولكن من الإنصاف أن نشهد للرجل بأنه أول من اكتشف خواء رأس هذه الأمة المدعوة بـ«العربية الإسلامية» وكرهها للقراءة والمعرفة، ومن هنا اكتشف طريقة حشو الفراغات في العقل العربي، وما أكثرها، برهيب الكلام وصيحات التعجب وتساؤلات الوهم، معتمدا على تمام جهل مستمعيه وعدم قدرتهم على مجاراته في الكلام، أو مساءلته عما يدعيه من قصص الجنة والنار التي لم يسمع بها أحد غيره من قبل، ولا يعلم أحد، غيره، شيئا عنها.
والمسيء في الأمر أن ظاهرة عمرو خالد سبقتها ظواهر مشابهة أخرى من غير نجاح كبير، وتبعتها مقلدة ظواهر أخرى كالجندي و«الكندي» والمصري وجدي غنيم وغيرهم الكثير. كما يوجد ما يشابه هؤلاء لدى طوائف الشيعة من بائعي الكلام ومروجي الحزن ومدري الدموع، ولكن يبقى عدد هؤلاء وأهميتهم متواضعين على المستوى الإقليمي بسبب موسمية عملهم من جهة، وتمسكهم بالرداء الديني الذي لا نراه على أكتاف ورأس غالبية الدعاة الجدد من أمثال خالد وغنيم، مما يعطي هؤلاء الأخيرين مساحة تحرك عالمية أكبر. وقد قرأت جزءا من سيرة حياة الداعية المصري وجدي غنيم، الذي طلبت منه السلطات في البحرين مغادرتها ومنعته من العودة اليها، فوجدت تشابها بين غوغائيته وطريقة طرحه مع الداعية محمد الفالي، الذي منعته السلطات الكويتية من العودة الى الكويت. ولا أعرف كيف اتفق الاثنان على أسلوب الإثارة نفسه وتجييش مشاعر المستمعين لهم من دون اعتبار لمنطق أو عقل.
نعم، لقد أُثري الكثيرون من الدين، ولا يمكن وقف هذا الاستغلال بغير توعية المجتمعات، ولكن كيف يمكن أن يتم ذاته على ندرة ما يكتب في مجال التوعية المهم هذا، فما نقوم به لا يعدو أن يكون حبة رمل في محيط من الجهل الذي يلفنا والآخرين بعباءته الكثيفة.
أحمد الصراف