بعد مرور شهر تقريبا على الغزو والاحتلال الصدامي الحقير، قام طاقم تلفزيون الكويت في الرياض، الذي كانت تخصص له ساعتا بث تقريبا من وقت القنوات الخليجية الرسمية الأخرى، وكوني مصرفيا سابقا، طُلب إجراء مقابلة معي تتعلق بوضع عملة الكويت الوطنية، وآثار الغزو والاحتلال عليها، وعن الطريقة المثلى التي يجب أن يتصرف إزاءها المواطن داخل الكويت وخارجها بالنسبة الى الدينار، سواء من ناحية الاحتفاظ به، أو استبداله بعملة أخرى. هذا ما فهمت أنه مطلوب مني التصريح أو التحدث به مع المخرج أو المنسق الذي اتصل بي لترتيب اللقاء.
وفي يوم الموعد حضر طاقم التصوير ومقدم البرنامج الى حرم السفارة الكويتية في منطقة السفارات التي كانت لجنة إعاشة المواطنين لاتزال تلتقي فيه أحيانا، قبل انتقالها الى ملعب «الملز» الشهير، وكان موعد المقابلة الرابعة بعد الظهر، وهو وقت مناسب، أو هكذا اعتقدنا في حينه، حيث تخلو السفارة من المراجعين والموظفين كافة، وتغلق المكاتب ويسود الهدوء المكان.
بعد نصف ساعة من القيام بإجراءات التصوير الفنية، وقبل المباشرة بإجراء اللقاء، اقترب مني مقدم البرامج، وكان وجها معروفا في حينه، وأسرّ لي ببضع كلمات كانت كافية لوضع ابتسامة «آسرة» على وجهي، وطمأنته، بهزات متتالية من رأسي، بأن الوضع «تحت السيطرة»، وما قاله كان غير متوقع، حيث اعترف بأنه لا يفقه شيئا في أمور المال والاقتصاد، وأن عليَّ مساعدته في ورطته، عن طريق صياغة الأسئلة المناسبة له ليسألني بها!
تركت موقع التصوير وأخذت أتجول في ردهات وممرات السفارة بحثا عن أوراق بيضاء لكي أدون عليها الأسئلة وأقدمها للمقدم الهمام، لكن أبواب المكاتب كانت جميعها مغلقة بسبب الأوضاع الأمنية التي كانت سائدة حينها. كما لم يكن لدى الأمن أي أوراق أو حتى قصاصات بيضاء صغيرة، وهنا شعرت بأن هزات رأسي ومحاولتي طمأنة المقدم لم تكن صائبة. وفجأة تذكرت دفتر التلفونات الذي أحمله، حيث إن بعضا من أوراقه كانت تخلو من أي أسماء، وهكذا قمت بإزالة بضع وريقات منه التي تحمل الحروف Q و L و U ودونت عليها بضعة أسئلة وأعطيتها للمذيع إياه ليقوم بإجراء واحدة من أكثر المقابلات غرابة في حياتي، حيث كنت فيها السائل والمجيب في الوقت نفسه.
أحمد الصراف