سامي النصف

10 أسباب تنفي نظرية الانتحار

كما استعجلوا في الإدانة مما أساء لسمعة الفقيد استعجلوا مرة اخرى في قفزهم لأسباب الفاجعة والقول انها «انتحار» رغم انه لم تمض إلا سويعات قليلة على الوفاة وحتى قبل ان تنتهي عملية التشريح الكاملة لتظهر على سبيل المثال ما اذا كانت هناك بقايا بارود في يد الفقيد وهو ما يحدث فيما لو كان هو من استخدم المسدس ام غير ذلك.

وتحويل جريمة قتل خافية الى انتحار ظاهر هو احدى أكثر وسائل إخفاء الجرائم شيوعا في العالم، وإذا كنا في عالمنا العربي لا نتقن كيفية تدبير ذلك الأمر حتى ان بعض المسؤولين العرب قد ثبت «انتحارهم» بأربع او خمس رصاصات، فإن محترفي الجريمة المنظمة قادرون على القيام بذلك العمل بشكل يخفي تماما معالم الجريمة.

في مقابل نظرية الانتحار أعطي 10 أسباب تفند وترفض تلك الفرضية ومنها: (1) ان القضية التي اتهم بها الفقيد لم تصدر بها أحكام إدانة كما ان اغلب أحكامها في العادة هي عبارة عن تعويضات واسترداد أموال (2) حتى لو صدرت أحكام إدانة من المحاكم الأميركية فمعروف ان الدول ومنها الكويت لا تسلم رعاياها لدول أخرى اضافة لما هو معروف من قدرة المحامين الأميركيين الفائقة على الدفاع والوصول للتسويات والتعويضات خارج المحكمة وهذا بافتراض السيناريو الأسوأ اي ان هناك أخطاء قد حدثت.

(3) الاكتئاب الذي يؤدي الى الانتحار هو الاكتئاب الذي يستمر لأشهر وسنوات طويلة وقد أتى في لقاء لـ «العربية» مع احد أصدقاء الفقيد انه كان منشرح الصدر بعد أداء صلاة العشاء في الليلة السابقة، كما كذب أخوه ما قيل على لسانه من ان الفقيد كان مكتئبا في أيامه الأخيرة (4) اعتاد المنتحرون ان يكتبوا رسالة وداع أخيرة يشرحون فيها أسباب انتحارهم ولم يجد احد رسالة انتحار لدى الفقيد.

(5) الذي ينوي الانتحار لا يخسر أمواله بتوكيل محام للدفاع عنه في المحاكم الأميركية كما أتى في رسالته المتفائلة التي نشرت في الصحف قبل يوم من انتحاره المزعوم (6) أتى في شهادة الخادمة انه أحضر سندويتشات في ذلك الصباح فهل يهتم حقا من ينوي الانتحار بأن يسد جوعه قبل رحيله؟!

(7) كذلك تواترت أنباء عن اتصاله بمقر عمله للاعتذار عن الحضور بسبب اجتماعات سيعقدها مع آخرين خارج العمل فما حاجة من ينوي الانتحار للاعتذار عن الذهاب للعمل؟! (8) كان الفقيد متدينا ومن ثم يملك الوازع الديني الذي يمنعه من قتل النفس خاصة ان القضية لا تستحق التضحية بالذات لأجلها.

(9) اشترى الفقيد مسدسا للمرة الاولى في حياته قبل شهرين من الحادثة ولا يخرج سبب الشراء عن احتمالين أولهما الرغبة في الانتحار وهو ما يتنافى مع ما اخبرني به ابني الذي شاهده وتحدث معه على إحدى الرحلات وتحديدا بتاريخ 21/6 وكان يرتدي الكمام طوال الوقت خوفا على حياته، ولو كانت لديه نية لقتل نفسه لسعد كثيرا بالتقاط ڤيروس الإنفلونزا القاتل لا محاولة تفاديه ومن ثم يصبح الاحتمال الثاني للشراء هو خوفه على حياته من أطراف خارجية أخرى.

(10) الانتحار عبر طلقة خلف الأذن اليمنى هو الوضع الأمثل لانتحار العسكريين من محترفي حمل الأسلحة في الدول المتقدمة، فكيف عرف الفقيد ذلك الموضع في وقت ينجو فيه 10% من محاولي الانتحار بالمسدس بسبب جهلهم بالطريقة الصحيحة للقيام به؟

آخر محطة:

مع رفضنا القاطع لنظرية الانتحار نورد نص الفتوى رقم 13395 الصادرة بتاريخ 31/5/2004 من اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله، ومن ضمنها «من أقدم على قتل نفسه فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر ولكن يجوز ان يترحم عليه وأن يدعى له كما يجوز تعزية أهله وأقاربه لأنه لم يكفر بقتل نفسه».

احمد الصراف

صالح النصر الله والكويتي الحقيقي

في جلسة أكثر من جميلة في منزل «ص.ر.»، عاشق الطرب الشرقي والغربي الكلاسيكي، صدح سالم العماري، صاحب الصوت النادر، بقصيدة للشاعر المرحوم صالح النصر الله التي يقول فيها:
يا كويت بالمرة علي لا تعتبين
لاني بمنك ولا نتي يا كويت مني
ماني ولدك اللي بالأول تخبرين
لانتي بأمي اللي عليه تحني
من يوم فضلت علينا البعيدين
صرتي عذاري بان منك التجني
عيالك طردتينا وحنا المودين
وخذتي عيال غيرنا بالتبني
ناس ارغدوا وأثروا وهم مستريحين ولي اشتقوا ما حصلوا إلا الهبني
يوم السفر والغوص وبيوتك الطين روحي اسألي الهيرات يا كويت عني
تعطيك عنا العلم وتخبرك زين
وتذكر لك أيام لنا قد مضني
بين السفر والغوص راحت لنا سنين
يشتان منها القلب ويهبلني
تقطع غبيب تدهر كالبراكين
عقل الذليل يكون فيها يجني
ونصارع أمواج البحر مستميتين
أبدا فلا نرتاح أو نرجهني
كله لعينك بس أبغيك ترضين
ندعي العمار الغالية يرخصني
يوم صفا جنبك وزرعك غدا زين والخضر هلا والعجاف ادبرني
حنا غدينا من جباك محرومين
واللاش بارضك دالهن ومتهمني
ما ينفعك يا كويت بالعسر واللين
إلا عيالك وخذي العلم مني
هم عزوتك وهما غناتك عن الدين وهما الذرى لين الليالي اظلمني
وللا الغريب لو جاد وياك الحين
عليه ما يبرح يدور التجني
يبدي البشاشة ويظهر العطف واللين ومن تحت ثوبه خنجر لك يسني
بس ينطرك تبغين تطيحين
حتى يغرسه وخذي العلم مني
****
وأثناء إلقاء الفنان العماري للقصيدة، التي سبق أن استمعت لها، أخذت أجول بنظري في وجوه الحضور، فوجدتهم من خلفيات ومشارب وأصول وثقافات ومذاهب وانتماءات عائلية وقبلية متباينة، ومع هذا كان الجميع تقريبا يهز رأسه موافقا أو معاتبا أو تبدو عليه علامات الحسرة والألم، ربما لشعور البعض أنه المعني بالأمر أكثر من غيره، والطرف الذي يتكلم الشاعر بلسانه، وأنه يمثل الأصل، والآخرون فروع، وأنه المغبون وغيره الرابح، وأن أهله هم الأولون، وغيرهم طارئون، من الذين نهبوا وأثروا من غير جهد ولا تعب! ولكن قلة ربما كانت تعرف أن هذه هي طبيعة الأمور، والكويت لا تختلف عن غيرها. فعندما يجف الضرع سيترك الجميع الأرض، وما عليها ولن يبقى إلا من لا حيلة له! فمن سبق وهجر مسقط رأسه ووطنه قبل خمسين أو مائة سنة، وأتى الى الكويت لم يفعل ذلك من منطلق الحب لها ولترابها، ولا هياما بما تخبئه هيراتها من دانات ثمينة، بل قدم إليها لسوء أحوال وطنه الأصلي وبحثا عن معيشة أفضل، وأحفاد أحفاد هؤلاء سيفعلون الشيء ذاته، طال الزمن أم قصر، إن تغيرت ظروف الحياة هنا! فالكويت ليست استثناء، ويكفي النظر إلى أصول شعوب استراليا والأميركتين ونيوزيلندا وعشرات المدن والمناطق الأخرى، لنعرف ما يعنيه ذلك، وأن الكويت للجميع ولا فضل لطرف على آخر، ولا لمن جاء قبل غيره، حتى ولو كان بقرن، فهكذا تبنى الأوطان ويتكون الولاء لها!
***
ملاحظة: يمكن عن طريق الرابط التالي الاستماع للقصيدة بصوت الشاعر
http://www.youtube.com/watch?v=5bu4RRHkqME 

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

(اتصل… خل نسمع صوتك)

 

قبيل صدور الزميلة «العهد» بمدة قصيرة، وكان ذلك في العام 2003، التقيت بفقيدنا المرحوم حمد بن رجب، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته في مجلس والده الوزير منصور بن رجب، نسأل الله لوالده ولذويه ولجميع محبيه الصبر والسلوان على هذا المصاب المحزن الذي لا اعتراض على أمر الله سبحانه وتعالى فيه… أقول، التقيت بالمرحوم في مجلسهم الكائن بمنطقة جدعلي، وكان المرحوم وقتها طالبا بالجامعة، وكان المرحوم يتحدث حول إصرار أحد أساتذته على أن يخضع لفترة تدريب عملي بإحدى الصحف، والحال، أنه على وشك إدارة صحيفة أسبوعية ستصدر بعد حين، وأنه من الممكن أن يسمح له – أي الأستاذ – بأن يقدم تقارير التدريب من صحيفته، لكن الأستاذ كان مصرا على موقفه! وتقبل المرحوم الأمر لكنه أصر على أن يقدم تقارير تدريب حول دوره في تأسيس صحيفة، وفي المقابل، لم يمانع أستاذه من أن يكون له ما أراد.

في تلك الأثناء، لم يتردد أحد الأخوة في أن يدلو بدلوه ليقول إن المرحوم لا يمتلك الخبرة الكافية ولا الدراية ولا القدرة على التعامل مع المهنة كصحافي مبتدئ، فكيف به يدير صحيفة وهي تحتاج إلى الكثير من الخبرة والتمرس وهو أمر لا يقوى عليه إلا من عصرته المهنة عصرا حتى فهم دهاليزها وتمكن من بعض مفاتيحها، بيد أن المرحوم كان يتمتع بميزة فريدة لا يمكن توافرها في الكثير من العاملين في المهنة من الشباب، ألا وهي سعة الصدر، فكان يقابل مثل هذا القول برده: «نعم، ولكنني امتلك القابلية للتعلم واكتساب المزيد من المهارات والمعارف في المهنة… اليوم، أنا أعرف القليل القليل، وغدا، سأبذل قصارى جهدي لأثبت وجودي، وهذا الأمر ليس محالا».

كانت الإنتقادات التي تتوالى على المرحوم كثيرة، حتى في حال حضوره بعض المناسبات التي يدعى إليها كحفلات الزواج أو مجالس التعزية، أو تلك اللقاءات التي تعقد هنا وهناك، فالبعض من القراء، كان يوجه انتقادات لاذعة مشحونة بالمواقف المتشنجة، وكان البعض الآخر يطرح وجهة نظره باحترام وهدوء وفي كلتا الحالتين، كان المرحوم يتقبل الانتقادات، حتى اللاذع منها والمصحوب بالعبارات الاستفزازية، بصدر رحب، حريصا على ألا ينتهي النقاش مع الطرف الآخر إلا بما يحفظ حسن العلاقة بين الطرفين، وتقديم الشكر على الملاحظات والآراء، بل ويطلب من الطرف الآخر ألا يتردد في الاتصال به في حال وجود المزيد من الملاحظات والنقد الموضوعي معترفا بأن هذا الأمر ينفعه أكثر من أن يضره أو أن يجعله مقيدا بخيبة الأمل.

سألني ذات مرة: «ما هو أكثر تحد يمكن أن يواجهنا كصحيفة أسبوعية؟»، فقلت له «إن الصحيفة الأسبوعية لا يمكن أن تنافس زميلاتها اليوميات والأسبوعيات، إلا حين يكون لها القدرة على الانفراد والتميز، وأن تتمكن من استقطاب القراء إليها من خلال تعويدهم على أن هذه الصحيفة الأسبوعية، لديها الكثير مما لا يمكن أن يحصلوا عليه في الصحف المنافسة، وهذا أمر صعب للغاية، ولا سيما في مجتمع صغير من ناحية المساحة الجغرافية، ومن ناحية صعوبة (تخزين) خبر انفرادي أو ملف خاص»، لكن المرحوم كان متفائلا لناحية إمكانية تقديم مادة مميزة، في ظل كل الصعوبات الموضوعة في الاعتبار، ولعله تميز بالفعل في إصدار ملحق متميز في موسم عاشوراء، علاوة على فتح ملف تاريخ مناطق وقرى البحرين، والحوارات السياسية في أعلام ومعالم، مضاف إليها الجهد المهني المتميز في صفحات «المجلس الوطني».

كانت الساعة تشير الى الثالثة و45 دقيقة من عصر يوم الثلثاء 28 يوليو/ حزيران عندما هاتفني محافظ المحافظة الشمالية جعفر بن رجب عم المرحوم، وحوّل المكالمة إلى المرحوم لأتحدث معه مكالمة لم تخلو من المناكفات المهنية الأخوية التي اعتدت عليها مع المرحوم الذي لم يمل من تهنئتي بالفوز بجائزة الصحافة العربية معتبرا إياها بأنها وسام للصحافة البحرينية، وختمها بالقول: «اتصل خل نسمع صوتك»… سبحان الله، لم أكن – قطعا – أدري أن هذه المكالمة ستكون الأخيرة… فما هي إلا سويعات، حتى اتصل بي الزميل ياسر محسن معظما الأجر في وفاة المرحوم (حمد) الذي كنت أتحدث معه على أمل التواصل، لكن أمر الله سبحانه وتعالى، الذي لا اعتراض عليه، وإرادته جل وعلا، فوق كل اعتبار… ولم تنقضِ تلك الليلة الحزينة، حتى توالت المكالمات لتبشر بقدوم مولودة المرحوم (ريم)… فلله الحمد من قبل ومن بعد، ورحم الله أخانا العزيز حمد بن رجب وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان