احمد الصراف

جمعياتنا وتمويل الإرهاب 2/2

ورد في نبأ لـ«رويترز» قبل أسابيع أن منظمة القاعدة الارهابية بدأت تشكو من قلة مواردها المالية، اما بسبب الركود الاقتصادي العالمي الذي أصاب دولا وشركات وأفرادا كثيرين كانوا من ممولي المنظمة، أو بسبب اشتداد الرقابة الدولية، والمحلية، على الأموال الداعمة للارهاب، والتي لا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل. وقد قامت وزارة الشؤون في الكويت باتباع مجموعة من السياسات التي لو طبقت بشكل دقيق لسدت الكثير من الثقوب في نظام مراقبة الجمعيات المسماة بالخيرية، ومنها القرار الذي صدر اخيرا والمتعلق بتحديد المساجد التي يسمح فيها بجمع التبرعات خلال الفترة المقبلة. كما طلبت الوزارة من الجمعيات الخيرية الامتناع عن الجمع النقدي والتركيز على الاستقطاع المصرفي، وهذا سيمكن مراقبيها مستقبلا من معرفة ما يدخل في حسابات هذه الجمعيات وما يخرج منها، ولو أن الوزارة عاجزة حاليا عن القيام بهذا الدور الذي يتطلب نجاحه توفر خبرات محاسبية معينة، وقبل ذلك قرار سياسي!
كما وضعت «الشؤون» خطة عمل جمع التبرعات في رمضان المقبل، وسيتم التشديد أثناءها على ضرورة استخدام الرولات والايصالات التي تحمل أختام الوزارة (القبس 11/6) ونحن سنستبق الأحداث لنؤكد أن مخالفات عدة ستتركب، وستعجز الوزارة عن فعل شيء ازائها، وسيتكرر الأمر ذاته في أكثر من دولة خليجية!! والسبب كما ذكرنا في أول المقال يتعلق بجفاف مصادر تمويل الارهاب، الأمر الذي سيدفع خلاياها في الداخل لاتباع كل وسيلة ممكنة، اضافة الى صعوبة مقاومة المغريات والفوائد المؤكدة من التبرعات النقدية التي تشكل مصدرا عظيما لثراء القائمين عليها!!
وفي السياق نفسه، صرحت «الشؤون» (القبس 24/6) بأنها بدأت بتطبيق أولى مراحل مشروع توطين العمل الخيري في البلاد، وذلك بانشاء مركز لتأهيل المدمنين، أو «التائبين» (وهي تسمية غير مناسبة أبدا)، وذلك بتمويل من الأموال المكدسة لدى الجمعيات الخيرية!! ومجرد التفكير في انشاء مثل هذا المركز المهم، يعني أن البلاد كانت بأمس الحاجة لمثله منذ سنوات طويلة، ومع هذا كانت أموال الجمعيات تذهب للخارج لتصب في جيب فلان وعلتان أو لدعم أنشطة مشبوهة من دون حسيب او رقيب. هذا، اذا لم يسرقها محاسب حاذق أو يستولي عليها مجلس ادارة أكثر حذاقة!! وهنا نتمنى، ونحن على ثقة بأن هذا لن يتحقق، ابعاد الجمعيات المسماة بالخيرية عن مهمة ادارة هذه المراكز العلاجية المتخصصة، فكونها الممولة لها لا يعني أنها تمتلك الخبرة الطبية والفنية لادارتها!!
ومن المتوقع كذلك خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار آخر بانشاء «صندوق توطين العمل الخيري». ومن قراءة مسودة المشروع (القبس 12/7) نرى أن أهم بنوده تكمن في الادارة، حيث ستقتصر على كبار موظفي وزارة الشؤون، ومناصب هؤلاء لا يمكن ضمان عدم سيطرة الاحزاب الدينية والجمعيات الخيرية عليها من خلال تعيين المنتمين لها فيها، ويحتاج الأمر بالتالي لمشاركة أطراف من المجتمع المدني، هذا اذا رأى المشروع النور أصلا!!.
ان جميع هذه القرارات والاجراءات فعالة وجيدة، متى ما توفرت النية الصادقة، وهذه بحد ذاتها لا تكفي ان لم تكن مدعومة بحزمة من العقوبات المشددة في حال التلاعب بأموال مثل هذه المؤسسات أو الأنشطة غير المحددة الهدف بشكل كامل، فما هو عمل خيري بالنسبة لي قد لا يكون كذلك مع الآخرين.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

فتنة مروجي الطائفية

 

يرى الباحث أحمد صدقي الدجاني في كتابة «التطرف في الإسلام» أن من أهم أسباب تغذية التطرف الديني في البلاد العربية، يعود إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في عقدين من السنين، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية التي تعرضت لموجات متتالية من المد والجزر، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية وإعلامية.

لكن الباحث يركز على أن هناك سببا رئيسيا مهما يفعل فعله في تغذية التطرف في البلاد العربية والإسلامية، ويمثل فعلا مؤثرا داخليا…وهو ماتعانيه غالبية أنظمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية من افتقار للشورى والديمقراطية على رغم مضي عدة عقود من السنين على إقامة نموذج الدولة الحديثة فيها؛ وتتفاعل في تكوين هذا السبب عوامل داخلية وخارجية، وهو يؤدي إلى إصابة الحكومات والشعوب على السواء بمرض «الحرمان»الذي تحدث عنه محمد كامل حسين في كتابه «الوادي المقدس»، كما يؤدي إلى إصابة الدول التي تعاني منه بمرض «نقص المناعة الأمنية»، فيظهر فيها «العنف المؤسسي»مقترنا بعجز مطبق عن الحوار مع جيل الشباب وعن إفساح المجال له كي يعبر عن نفسه ويخدم بلاده.

وهكذا يقع كثير من الشباب ضحية هذا العنف المؤسسي، فتنمو في أوساطهم ظاهرة التطرف الديني، ومن الملاحظ أن هذا العنف المؤسسي يشتد مع تعثر هذه الأنظمة في تحقيق أهدافها المعلنة في التنمية الاقتصادية والتعددية السياسية، تماما كما يقوى مع وقوعها في أسر التبعية والديون بفعل سياسات دول الهيمنة العالمية.

هناك بضع صور لانتشار ظاهرة التطرف بين الشباب، وخصوصا في منطقة الخليج العربي والدول الإسلامية، مع تنامي ظاهرة تأجيج العداء بين «السنة والشيعة» سببها زمرة من مشايخ «الفتنة»من الطائفتين، وعلى رغم قلتهم، لكنهم يصرون بقوة على تدمير المجتمع تحت شعار الدفاع عن الدين الإسلامي وحمايته، وهم إنما يدركون في قرارة أنفسهم أنهم يلحقون الضرر بالمجتمع الإسلامي أكثر من تحقيق مصلحته، وقد أشرت في أحد الأعمدة الى أن الكاتب الجزائري باهي صالح، حصر الأسباب في تنامي الظاهرة في (فتنة) مروجي الطائفية من بعض من يطلق عليهم (علماء)، وغياب الدور الحقيقي للعلماء العاملين، فباهي صالح يشدد على أن مشايخ الحمق و الهبل يدقّون طبول حرب وشيكة بين الشّيعة و السّنة، يصبّون الزّيت و البنزين على النّار بتصريحاتهم العامّة و من ورائهم يتحرّكون بالرّموت كنترول، مندفعون بلا وعي و لا عقل، إرادتهم توجّهها العاطفة الدّينيّة الجيّاشة، لا همّة لهم إلاّ في القتل و الإفساد و الأذى، عقولهم صادرها علماء دينهم فلم يعد لهم عليها سلطان، وبعزيمة تشحذها وتقوّيها الرّغبة في إحياء فريضة الجهاد و نيل إحدى الحسنيين…إمّا النّصر أو الاستشهاد…يتواجه الفريقان على ساحات الوغى في بلدانهم و أوطانهم.

والآن، لو نظرنا على مدى عقد من الزمان، إلى مبادرات أو إطروحات صدرت من علماء دين ومثقفين عرب ومسلمين للتصدي لظاهرة العنف والتطرف، لن نجدها قادرة على مواجهة سيل كبير من المبادرات المضادة التي تشجع التطرف والتعصب الأعمى، ولعلنا في هذا السياق، نعبر أن أمنيات في أن يتولى العلماء من الطائفتين الكريمتين والخطباء في بلادنا، مسئولية نشر ثقافة الاعتدال والوسطية، وأن تحيي وزارة العدل والشئون الإسلامية أفكارها التي طرحتها في هذا المسار لتصبح ملموسة على أرض الواقع.. فحتى الآن، لا نرى لها ضوءا…ولا ندري ما هو السبب في ذلك؟