كم تمنيت، كما تمنى الكثير من المواطنين، أن تحظى المبادرات الشبابية الأهلية الهادفة إلى استقطاب الشباب وتوعيتهم ورفع مستوى الإدراك لديهم وتأهيلهم للمشاركة في الحياة العامة بفعالية، وخصوصا فيما يتعلق بنبذ العنف واحترام الرأي الآخر والتوجه نحو العمل المطلبي السلمي… أقول كم تمنيت لو تحظى مثل تلك المبادرات بدعم الأجهزة الحكومية على اختلافها، بل وتبادر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة ومعهد التنمية السياسية والأندية والمراكز الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني عموما لاحتضان مثل هذه المبادرات، ومساندتها للقيام بتحقيق أهدافها.
وقد يقول قائل إنه لا توجد أصلا مثل تلك المبادرات، وهذا غير صحيح! قد تكون مبادرة (مركز شباب بلا عنف)، هي واحدة من المبادرات التي يلزم منحها التركيز الإعلامي والدعم من مختلف الجهات، ولعل من اللافت أن هذه المبادرة، وإن كان البعض يختلف معها في التأسيس والتوجهات، تسعى لمعالجة مظاهر العنف بين الشباب بأساليب حضارية مقبولة في أي مجتمع من المجتمعات التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وشبابيا كما هو الحال بالنسبة للمجتمع البحريني… إن من بين العبارات الجميلة التي تستخدمها المبادرة كرسالة إعلامية: «الخصم الضعيف هو الذي يستخدم العنف مقابل اللاعنف»، ولا شك في أن هناك صورا متنوعة من العنف المرفوض ذي النتائج السلبية في عمومه يشهدها الشارع البحريني، وقد أحسن مؤسسو المركز في تحديد احتياجات الشريحة الشبابية من خلال تدريب الشباب على مبادئ حقوق الإنسان وطرق وضع استراتيجيات اللاعنف للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولهذا كان التوجه الأول لدى المركز هو تدريب الشباب على وضع استراتيجيات العمل اللاعنفي.
ومن بين الرسائل التي يسعى المركز إلى نشرها على ما يبدو، هي أن الاعتقاد بأن العنف يؤدي إلى تحقيق أهدافه بسرعة، وأن اللاعنف يأخذ وقتا أطول هو اعتقاد خاطئ!
وفي المقابل، تبدو المهمة صعبة أمام هذا النوع من المبادرات وخصوصا أن مشاهد عنيفة كثيرة تتكرر بين الفينة والأخرى، على رغم أنها انخفضت بدرجة كبيرة خلال الفترة الماضية، ليست معروفة المصدر، وكيف يمكن الوصول إلى شريحة مجهولة تفتعل الممارسات العنيفة؟ وفي حال الوصول إليها، هل ستتجاوب مع توجهات المركز في نشر استراتيجية العمل السلمي اللاعنفي؟ أم أن المشكلة تكمن في اختلاط الحابل بالنابل، وإصرار الأطراف المجهولة ذات اللثام على استمرار تنفيذ بعض الأنشطة العنيفة التي لا طائل من ورائها إلا إحداث الاضطراب في أمن القرى تحديدا، وإضعاف التحركات السلمية المرخصة والمشروعة للمطالبة بالحقوق وإيصال الصوت إلى المسئولين، وسواء استجابت الدولة أم لم تستجب… وصل الصوت أم لم يصل، فإن الطابع الوطني المخلص في المطالبة هو الذي يعكس التوجهات الحقيقية للمطالبين، ولهذا يلزم الإشادة بخطوة المركز في تنفيذ دورات في مجال حقوق الإنسان في خمس قرى شملت شباب القرى المجاورة أيضا.
إن التصفيق والتشجيع والدعم والإشادة يجب أن تتوجه إلى مثل هذا الدور الشبابي، لا إلى إحراق الإطارات في مداخل القرى والشوارع الرئيسية وتقصد بعض المنازل كما يفعل بعض المجهولين للإضرار بخلق الله، ثم انتظار الإشادة في مواقع إلكترونية مختبئة وراء أسماء مستعارة للتصفيق بحرارة من أجل إحراق إطار أو رسم صورة أو كتابة شعار من جهة، وشن هجوم على أهالي القرى في مواقع أخرى مناهضة من جهة أخرى في حرب صورية قوامها الأشباح، في الوقت الذي تغيب فيه الفعاليات السلمية الجماهيرية، عدا بعض الإعتصامات المطالبة ببعض الخدمات.
وبعد، حتى لو اعتبرنا أن هناك فئة من شباب القرى لا تؤمن إلا بالعنف، وقبلنا أيضا برفض الشباب أنفسهم لهذه الاتهامات الموجهة لهم، وأن هناك عناصرا مجهولة هي التي تفتعل هذه الممارسات، أليس الوقت مناسبا لتكثيف التلاقي مع شباب القرى والنظر في احتياجاتهم؟ وخصوصا أن المعسكر الصيفي الذي تنفذه وزارة الداخلية يضم عددا كبيرا من شباب القرى، ويعتبر فرصة مهمة لتقديم مبادرات وبرامج أخرى بمشاركة الجمعيات السياسية والأندية والمراكز الشبابية لتطويق العنف وتشجيع العمل السياسي المطلبي السلمي الذي يلزم أيضا التجاوب من جانب الدولة من دون شك