اليوم: 26 يوليو، 2009
رمي المثقفين والمفكرين في القمامة!
إذا كانت الفائدة الوحيدة للتاريخ هي عدم تكرار الأخطاء، وهي بديهية بسيطة لم نستوعبها حتى اليوم لذا بقينا في حلقة مفرغة من إعادة الأخطاء، فإن الفائدة الوحيدة بالمقابل لوجود المثقفين والمفكرين والأذكياء في الأمم هي الاستماع لآرائهم والأخذ بتوصياتهم ووضعها موضع التنفيذ بدلا من الضرب بها ـ كعادتنا ـ عرض الحائط.
فالأمم المتقدمة يرسم سياستها ويحرك جيوشها وناقلات طائراتها ـ للعلم ـ المفكرون والمنظرون وتبقى تلك السياسات قائمة ومفعلة حتى تستبدل بأفكار جديدة يمثلها منظرو ومفكرو الحزب المنافس او أحيانا مفكرون جدد من نفس الحزب، وفي جميع الأحوال هناك الاستماع الدائم لما يقوله أصحاب الثقافة والفكر وهذا سر تفوقهم وتقدمهم وقلة الزلل في أعمالهم.
في بلداننا العربية الوضع أقرب دائما لإدارة «البقالة»، اي لا مكان للتفكير والتنظير والثقافة والعمل الاستراتيجي طويل المدى بل تشرق الشمس كل صباح ليتم رش الماء امام المحل و«اصبحنا واصبح الملك لله» وهل من مشاكل تواجهنا هذا الصباح؟ وبعد ان يمضي اليوم بأكمله في حل تلك المعضلات الآنية واليومية يتم إغلاق المحل ليلا انتظارا لصباح يوم جديد لا يختلف إطلاقا عن سابقه.
والحقيقة التي لا تقبل الشك او الجدل اننا في الكويت نحتقر المفكرين والمثقفين ونفخر بمخالفة ومعارضة ومناكفة وتسفيه ما يقولونه ليترك الأمر بعد ذلك للجهال وأنصاف المتعلمين ممن لا يحاسبهم أحد على أخطائهم أو على تسببهم في الإشكالات المتواصلة التي نعيشها والتي جاوزت مشاكل الهند والصين معا.
آخر محطة:
(1) في ظل تلك النظرة الاستعلائية والدونية لمفكري ومثقفي البلد يطرح تساؤل محق وهو لماذا لا يرمى هؤلاء في أقرب صناديق قمامة حالهم حال أي أغراض لا يحتاج اليها الناس؟!
(2) انتهيت للتو من قراءة التقرير الذي رفعه الديبلوماسي والمثقف اللبناني شارل مالك في 5/8/1949 لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية حول ما يجب على لبنان والعرب عمله فيما يخص العلاقة بالمعسكرين الشرقي والغربي واسرائيل، ولو عمل بجــــزء من توصياته لتفادت المنطقة جميع الحروب والمشاكل ولقاربت في تقدمها وثرائها الدول الاوروبيــــة والشرق آسيوية ولكن على من تقرأ مزاميــــرك يا… شارل!
(3) رحّلت الإمارات عطلة الإسراء والمعراج ليوم الأحد ورحلناها نحن ليوم الخميس فاستفادوا هم من بقاء علاقتهم مع العالم 4 أيام ونحن 3 أيام فقط ولا شيء يهم.
القيم والدستور
اتصل بي طالب نقابي في كلية مهنية عالية الأهمية، وطلب مني مساعدة «جمعيته الطلابية» في الحصول على دعم مادي لحملتهم الانتخابية، وأنهم ينتمون الى تجمع مضاد للتجمعات التابعة لأحزاب السلف والإخوان، وإن قائمتهم غير طائفية ولا قبلية، ومساعدتنا ستسهم في احتفاظهم باستقلاليتهم.
رحبت بالفكرة وقمت بالاتصال بعدد ممن توسمت فيهم الخير من أصحاب الوكالات التجارية التي تتعلق أنشطتهم بنشاط طلبة تلك الكلية، وطلبت منهم الاتصال مباشرة بطلبة اللائحة الانتخابية في حال رغبتهم في المساهمة بأي دفعات نقدية أو إعلانات، ونويت شخصيا المساهمة في دعم حملتهم.
بتصفحي ل «دستور القائمة» الطلابية وقع نظري على المادة الأولى منه والتي تقول: «القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان قائمتنا، وهي ما نستند اليه كأساس متين وأرض صلبة ومصدر رئيسي لا يهتز لاتخاذ القرار»!.. أما المادة الثانية من الدستور فتقول: «الـتأكيد على التمسك بدستور الدولة والإلزام بصيانته» (ربما وقع هنا خطأ مطبعي!).
وقد قمت بمراجعة النظم الأساسية والقواعد واللوائح التنظيمية لخمس نقابات وجمعيات أسست في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فلم أجد في أي منها ما يفيد أن القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان أي تجمع أو نقابة! كما لم ينص في أي منها على الاستناد الى القيم الإسلامية كأساس متين واعتبارها «أرضا صلبة ومصدرا رئيسيا لا يهتز لاتخاذ القرار»(!)
نقول هذا ليس من منطق رفض لأي من هذه القيم الدينية، أيا كانت، بل لأن من المفترض أن هذا المجتمع آمن بها، عندما لم تكن توجد على الأرض سياسة ونقابة ومجلس أمة وانتخابات، ومارس تلك القيم بسلاسة ومن دون تعقيد، ومن دون اهتزازات أو أرضيات صلبة، أو رخوة وغير ذلك من تعبيرات لا معنى لها. وان قبول طلبة كلية مهنية عالية القيمة والأهمية ـ لمثل هذه الجمل غير محددة المعنى، أو التي يمكن أن تحتمل معاني متضادة، ومصدر خلاف كبير بين أطرافه ـ يعني أن المجتمع برمته قد تمت أدلجته دينيا بشكل أصبح فيها إقحام مثل هذه النصوص المبهمة أمرا عاديا، لا بل ومرحبا به بشكل كبير، كما أنه يدل على أن خطر «الدروشة» أصبح مسيطرا على أعز معاقل العقلانية والعلمانية، ككليات الهندسة والطب، وخلق بين طلبتها ـ ولأي جماعة أو طائفة أو تجمع انتموا ـ بؤرا دينية تتنافس فيها القوائم على مرتكزات دينية شديدة الإبهام، وسيؤدي الى تمسك كل طرف بها إلى فرضها على البقية، ولو قسرا.
وهذا بحد ذاته كافٍ لاستمرار الصراع بينها.. ربما إلى الأبد وتجذره أكثر وأكثر!
***
ملاحظة: أعلمنا الصديق والفلكي المعروف عادل السعدون، قبل أسبوعين، بالمعلومة التالية، التي لم يتسنّ لنا نشرها بسبب السفر، ورغبتنا في البعد عن القيل والقال وكتابة المقال:
«في ليلة 20/10/1940 عبرت سماء الكويت عدة طائرات إيطالية وألقت قنابلها على منشآت أرامكو في الظهران، وبعض القنابل على البحرين، وكانت الخسائر طفيفة، وتم إجلاء زوجات الأميركيين وأطفالهم وإعادتهم الى الولايات المتحدة»!
وهذا أبلغ توضيح على مقالينا عن سر مشروع «طائرة الخليج الفارسي المقاتلة»!
أحمد الصراف
شباب ضد العنف
كم تمنيت، كما تمنى الكثير من المواطنين، أن تحظى المبادرات الشبابية الأهلية الهادفة إلى استقطاب الشباب وتوعيتهم ورفع مستوى الإدراك لديهم وتأهيلهم للمشاركة في الحياة العامة بفعالية، وخصوصا فيما يتعلق بنبذ العنف واحترام الرأي الآخر والتوجه نحو العمل المطلبي السلمي… أقول كم تمنيت لو تحظى مثل تلك المبادرات بدعم الأجهزة الحكومية على اختلافها، بل وتبادر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة ومعهد التنمية السياسية والأندية والمراكز الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني عموما لاحتضان مثل هذه المبادرات، ومساندتها للقيام بتحقيق أهدافها.
وقد يقول قائل إنه لا توجد أصلا مثل تلك المبادرات، وهذا غير صحيح! قد تكون مبادرة (مركز شباب بلا عنف)، هي واحدة من المبادرات التي يلزم منحها التركيز الإعلامي والدعم من مختلف الجهات، ولعل من اللافت أن هذه المبادرة، وإن كان البعض يختلف معها في التأسيس والتوجهات، تسعى لمعالجة مظاهر العنف بين الشباب بأساليب حضارية مقبولة في أي مجتمع من المجتمعات التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وشبابيا كما هو الحال بالنسبة للمجتمع البحريني… إن من بين العبارات الجميلة التي تستخدمها المبادرة كرسالة إعلامية: «الخصم الضعيف هو الذي يستخدم العنف مقابل اللاعنف»، ولا شك في أن هناك صورا متنوعة من العنف المرفوض ذي النتائج السلبية في عمومه يشهدها الشارع البحريني، وقد أحسن مؤسسو المركز في تحديد احتياجات الشريحة الشبابية من خلال تدريب الشباب على مبادئ حقوق الإنسان وطرق وضع استراتيجيات اللاعنف للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولهذا كان التوجه الأول لدى المركز هو تدريب الشباب على وضع استراتيجيات العمل اللاعنفي.
ومن بين الرسائل التي يسعى المركز إلى نشرها على ما يبدو، هي أن الاعتقاد بأن العنف يؤدي إلى تحقيق أهدافه بسرعة، وأن اللاعنف يأخذ وقتا أطول هو اعتقاد خاطئ!
وفي المقابل، تبدو المهمة صعبة أمام هذا النوع من المبادرات وخصوصا أن مشاهد عنيفة كثيرة تتكرر بين الفينة والأخرى، على رغم أنها انخفضت بدرجة كبيرة خلال الفترة الماضية، ليست معروفة المصدر، وكيف يمكن الوصول إلى شريحة مجهولة تفتعل الممارسات العنيفة؟ وفي حال الوصول إليها، هل ستتجاوب مع توجهات المركز في نشر استراتيجية العمل السلمي اللاعنفي؟ أم أن المشكلة تكمن في اختلاط الحابل بالنابل، وإصرار الأطراف المجهولة ذات اللثام على استمرار تنفيذ بعض الأنشطة العنيفة التي لا طائل من ورائها إلا إحداث الاضطراب في أمن القرى تحديدا، وإضعاف التحركات السلمية المرخصة والمشروعة للمطالبة بالحقوق وإيصال الصوت إلى المسئولين، وسواء استجابت الدولة أم لم تستجب… وصل الصوت أم لم يصل، فإن الطابع الوطني المخلص في المطالبة هو الذي يعكس التوجهات الحقيقية للمطالبين، ولهذا يلزم الإشادة بخطوة المركز في تنفيذ دورات في مجال حقوق الإنسان في خمس قرى شملت شباب القرى المجاورة أيضا.
إن التصفيق والتشجيع والدعم والإشادة يجب أن تتوجه إلى مثل هذا الدور الشبابي، لا إلى إحراق الإطارات في مداخل القرى والشوارع الرئيسية وتقصد بعض المنازل كما يفعل بعض المجهولين للإضرار بخلق الله، ثم انتظار الإشادة في مواقع إلكترونية مختبئة وراء أسماء مستعارة للتصفيق بحرارة من أجل إحراق إطار أو رسم صورة أو كتابة شعار من جهة، وشن هجوم على أهالي القرى في مواقع أخرى مناهضة من جهة أخرى في حرب صورية قوامها الأشباح، في الوقت الذي تغيب فيه الفعاليات السلمية الجماهيرية، عدا بعض الإعتصامات المطالبة ببعض الخدمات.
وبعد، حتى لو اعتبرنا أن هناك فئة من شباب القرى لا تؤمن إلا بالعنف، وقبلنا أيضا برفض الشباب أنفسهم لهذه الاتهامات الموجهة لهم، وأن هناك عناصرا مجهولة هي التي تفتعل هذه الممارسات، أليس الوقت مناسبا لتكثيف التلاقي مع شباب القرى والنظر في احتياجاتهم؟ وخصوصا أن المعسكر الصيفي الذي تنفذه وزارة الداخلية يضم عددا كبيرا من شباب القرى، ويعتبر فرصة مهمة لتقديم مبادرات وبرامج أخرى بمشاركة الجمعيات السياسية والأندية والمراكز الشبابية لتطويق العنف وتشجيع العمل السياسي المطلبي السلمي الذي يلزم أيضا التجاوب من جانب الدولة من دون شك