وجدت أنه من (الخلق البحريني الأصيل) أن ألبي دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في أمر ما! وحتى من دون أن أعلم ما هو (الأمر الـ «ما»)، فإن تفكيري لم يخرج بعيدا عن حقيقة الموضوع، وهو المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع. كان الداعي، وهو رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع، ولعل هذه السجايا هي ما شجعتني على قبول الدعوة.
على أية حال، لم يمض طويل من الوقت، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصا) بالتحدث واحدا تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصبا) عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.
هل يحتاج الأمر إلى تفصيل أكثر؟… أبدا، فالقضية واضحة، لكن دوري في الكلام بدأ بالإشارة إلى أنه لا الجمعيات السياسية والدينية، ولا المواطن البحريني يرفضون التجنيس القانوني الذي نظمته (الدولة) من خلال قانون الجنسية، إن اللغط الدائر على التجنيس والمجنسين في البلد، هو بسبب تجاوز القوانين، ومنح الجنسية البحرينية (ذات الثمن الغالي جدا) بعشوائية، ثم يا جماعة، إن مجموعة من الحوادث العنيفة، كحوادث مدينة حمد وعسكر والمحرق والرفاع، هي التي شحنت الكثير من المواطنين ضد كل مجنس، سواء كان طيبا أم خبيثا، وهذا أمر ليس من السهل إزالته من نفوس الناس.
الطامة الكبرى وقعت حينما جاء إلى المجلس (المعقود في إحدى مقاهي مدينة حمد) أحد (المجنسين) متأخرا، ليلتقط طرف حديث أحد أبناء جلدته من دون أن يعلم بوجود (صحافي) بينهم على رغم نظرات العيون والغمز واللمز التي توجهت إليه من أصحابه إذ قال: «لولانا ما ينام البحرينيون ليلهم بسبب أفعال الرافضة وتخريبهم وتحريقهم… احنا جايين ندافع عن هالبلد وولاءنا لقيادتها… مين غيرنا يتعرض للخطر في هالقرى… مين… البحرينيين ما يقدروا».
طيب يا جماعة، إذا أضفنا كلام هذا الأخ، إلى قائمة من المشاكل الاجتماعية التي تسبب فيها المجنسون، التي لا يمكن مواراتها بالكثير من الصمت والسكوت، على اعتبار أن هؤلاء جزء من المجتمع لا محالة، وهو أمر يخضع لوجهات نظر غير متفقة في جميعها.. وأضفنا عليها أيضا بعض المصطلحات الدخيلة على المجتمع البحريني، سنقف في نهاية المطاف عند نتيجة واحدة… «لا للتجنيس العشوائي»!
مصادفة، أبلغني أحد الزملاء بأن هناك موضوعا مثار جدل في أحد المنتديات الشهيرة، تحت عنوان: «أين أخلاقكم يا أهل البحرين؟»… والموضوع، بدأ صريحا بشكوى أحد المجنسين من المعاملة السيئة التي يلقاها في عمله بإحدى شركات الطيران، وبعد قليل من التفاعل الإيجابي تارة، والسلبي تارة مع الموضوع، انطلق الأخ (فارس الظلام) يصول ويجول في إهانة البحرينيين بكلام وعبارات غاية في «الخسة»… ولأنه شخصية مجهولة، واسمه مستعار، فلا يمكن التعويل على ما يكتب… فلربما كان هناك شخص آخر تقمص تلك الشخصية، لكن أن تتكرر بعض الكلمات في ردوده من قبيل: «احتلال الرافضة… احنا حماة البحرين… البحرينيين ما يقدروا…»، وقائمة من الشتائم والسباب والكلام البذيء الذي جعل حتى من تضامن معه ينقلب ضده… كل ذلك يعطي إشارة إلى أن ما يحدث من صدامات في المجتمع بسبب التجنيس… بسيطة تارة، وعنيفة تارات أخرى، ستدخل منعطفات أخطر إن لم تبادر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني إلى وضع القضية على طاولة البحث الحقيقي المتجرد من افتراض سوء النوايا…
طبعا، ليس هذا الملف (ملف التجنيس العشوائي) هو وحده الملف المهم… هناك الكثير من الملفات، إلا أن كل ملفاتنا المهمة في جانب، وكلمة (الحوار) في جانب آخر بعيد، لا أدري شخصيا إلى أين ولت وضاعت!
لكن ليس من الصحيح أن يرفع الغالبية شعار مصلحة الوطن، والامتثال لتوجيهات القيادة، وتغليب الوحدة الوطنية، في آن واحد… ثم يهدأ الجميع… وينام الجميع… ويغفل الجميع… في آن واحد!