تعال معي، يرحم الله خالتك، نتناقش في السياسة، نتصارع حول الاقتصاد، نتخانق على الرياضة، ونعمل أي شيء يخطر في بالك، وتعال نتبادل التهم بذممنا المالية، فأنت تسرق ميزانية الدولة، كما أظن، وأنا أكتب ما يمليه عليّ خصومك من أصحاب الملايين المتضررين من سياساتك فأقبض آلاف الدنانير، كما تظن أنت. تعال «أفقع لك عين وتفقع لي عين»، لكن لنبتعد، دخيل أمك، عن البركان الطائفي الذي سيحرقنا بحممه مع إشراقة شمس الغد، ويدفعنا إلى تكديس الأسلحة في منازلنا استعداداً لقتال الشوارع.
يا أخي أنت تعرف أننا شعب غلبان ومسكين وعلى قد حاله فكرياً، وتعرف أننا لانزال نؤمن بأن الجني يتلبّس الإنسان، ولن يخرجه إلا «شيخ دين» يضربه بالعصا ويقول له اخرج من أصبع القدم الصغيرة، فيرفض الجني الحقير ويصر على أن يخرج من العين ليفقأها، فيغضب شيخ الدين ويصرخ في وجهه: «بل ستخرج يا فاسق يا عاصي من أصبع القدم»، فيذعن الجني وينفّذ أوامر الشيخ…
أنت تعلم أننا – نحن السنّة الغلابة – لنا طريقتنا في إخراج الجني، وللشيعة الغلابة طريقتهم في إخراج الجني، ولزوجة البواب المصري كذلك طريقتها في إخراج الجني، إذ تذهب إلى «حفلة زار»، لأن الجني المصري يؤمن بالطرب، وإذا لم تعزف له وتضرب الدفوف فلن يخرج. وهؤلاء الجن الأغبياء لا يتلبّسون علماء وكالة ناسا الفضائية، ولا محافظ البنك الفدرالي الأميركي، ولا علماء الصناعة اليابانيين، هم فقط يتلبّسون البسطاء الفقراء من المسلمين! جنّ لا يعرفون مصلحتهم.
يا عمي، أنت تعرف أننا شعب مسكين، شوف النساء وهن يتكدسن في سرداب «الشيخ» ليقرأ عليهن، وأمعن النظر في مستواهن الثقافي، وستكتشف الكارثة. ستكتشف أنّ من تربّى وترعرع من الأطفال في أحضان النسوة أولئك سيسهل انقياده لخزعبلات الطائفية.
حرام عليك ورب البيت ما تفعله بنا، نحن الشعب، الذي لو علمَ كم يدخل خزانة دولته من مليارات الدولارات نتيجة بيع النفط، ثم قارنها بما يحصل عليه من خدمات، واكتشف إلى جيب مَن تتحول كل هذه الثروة، لأدرك أنه «ضايع… الضحى من النهار»، لكنك تلهيه عن حقوقه بالخزعبلات، وتدخله في متاهات الطائفية.
حرام، وأكبر حرام، أن الحكومة كلما شعرت بأنها في «زنقة» أخرجت سلاح الطائفية من الخزانة وراحت تمسح عنه الغبار و»تزيّته» وشرعت تطلق رصاصاته على الشعب المتجمهر للمطالبة بحقوقه، فإذا به يترك التجمهر ويهرول إلى هناك، كلّ في صفه، السني هنا والشيعي هناك.
تابعوا ما يحدث الآن بين مشعوذي السنة والشيعة، وتابعوا تصرفات الحكومة… وآخ لو كان هناك شيخ يعطينا من الزيت المقري عليه لعلاج «السذاجة»، أو لو أن شيخاً يُخرج «الغُلب» من الأصبع الصغيرة لهذا الشعب الملبوس.