«أقسم بالله لو أن الوزير اعترف بخطئه في قضية الإعلانات لوقفت ضد طرح الثقة». «لا تحولوا قضية المفقود حسين الفضالة إلى قضية سياسية، فهي قضية إنسانية بحتة». الاقتباس الأول لأقدم نواب المجلس النائب الفاضل أحمد السعدون في جلسة استجواب الوزير جابر الخالد… والثاني، للنائب الفاضل علي الراشد في ساحة الإرادة. لمن يقرأ أو يستمع إلى التصريحين بتجرد وموضوعية لا يدرك سوى أمر واحد، فالتصريح الأول، وأكرر بتجرد، لا يعني إلا أن قضية الإعلانات بالنسبة للسعدون ليست قضية مال عام بقدر ما هي اعتراف بالخطأ من الوزير لا أكثر ولا أقل، أي أن السعدون لم يهتم بالملايين الخمسة المهدرة. وحينما يواجَه مؤيدو السعدون بهذا التصريح يقابلونه بألف مبرر للمعاني المبطنة في التصريح، وهو أمر لا بأس به أبداً، وغير مرفوض. أما بالنسبة للتصريح الآخر للنائب علي الراشد فإنه، وبتجرد أيضاً، لا يعني سوى أمر واحد، وهو أن قضية المفقود حسين الفضالة هي قضية إنسانية بحتة تعنى بروح إنسان وقلق ذويه من فقدانه ولا داعي أبداً أن يتم تسييسها واستغلالها لتهديد وزير أو حكومة بأكلمها. إلا أن البعض يفسرها على أنها ارتماء من النائب علي الراشد في حضن الحكومة، وإنسلاخ من الراشد عن مبادئه التي بدأ بها مسيرته مع الانتخابات البرلمانية. أنا هنا لا أدافع عن النائب الفاضل علي الراشد ولا أهاجم النائب القدير أحمد السعدون، بقدر ما أشير إلى وضع بائس للأسف بات يقسّم النواب والشخصيات العامة وفق الأهواء لمجرد عدم إعجابنا بهؤلاء الأشخاص أو استيائنا من بعض المواقف. النائب أحمد السعدون يشكل ضلعاً من مثلث «التكتل الشعبي» المكون منه ومسلم البرّاك والعضو الجديد خالد الطاحوس، مع العلم أن النائب خالد الطاحوس هو أحد المنتخبين للمجلس عن طريق الانتخابات الفرعية المجرَّمة قانوناً، إلا أن هذا لم يثنِ النائب السعدون من الاستمرار في هذا التكتل والعمل جنباً إلى جنب مع الطاحوس، وعلى الرغم من هذا الأمر، فإن السعدون مازال يعتبر للأغلبية العظمى مدافعاً عن القانون ومحارباً لمخالفيه. في حين أن النائب علي الراشد، الذي أقر بأن أداءه أصبح أكثر هدوءاً وأقل شراسة في العامين الأخيرين تحديداً، إلا أنه في نظر الكثيرين بات انبطاحياً متخاذلاً حكومياً أكثر من الحكومة نفسها. لا يعنيني تصنيف الناس للنائبين وقرب البعض وبعد البعض الآخر، ولكن جلّ ما يؤلمني هو أن مسطرة التقييم لدينا تختلف باختلاف الشخوص، وهو ما يجعلنا نتقلص ونتقهقر شيئاً فشيئاً بحكم عزلنا ونبذنا للناس لمجرد اختلاف المواقف، وبعد ذلك ننادي بالديمقراطية وفن الاختلاف والحوار. – خارج نطاق التغطية: اتصال من زميل عزيز «يشره» فيه على معلومة توظيف أبناء قبيلة واحدة في مكتب الوزير بوزارة الكهرباء، وقد نفى هذا الزميل ما ذكرته، وبعد التحقق تأكد لي ما ذكره الزميل العزيز من أنه لا يوجد توظيف رسمي لأبناء القبيلة دون الآخرين، ولكن عدد موظفي المكتب مازال كبيراً، لذا فأنا أعتذر على المعلومة الخاطئة ومازلت متحفظاً على الأعداد الكبيرة في مكاتب الوزراء.
اليوم: 13 يوليو، 2009
جذور الحرب الأهلية الكويتية (2)
ان ترك الخلافات ضمن المجتمعات الآمنة تكبر وتستفحل، ينتهي بأن تصبح اطرافها لا تطيق رؤية الآخر، لذا ما ان تقع حادثة بسيطة حتى تصبح اقرب لعود كبريت يرمى على حقل بارود، فيتفجر بركان الاحقاد الخافي وتشهد الشعوب المبتلاة حقبة جنون حقيقية تحفل بأحداث قتل وابادة وقطع رؤوس هي في العادة الاشنع في التاريخ الانساني.
وقد لاحظ علماء الاجتماع السياسي ان جميع القيم الانسانية تضعف وتقل قبيل او اثناء اشتعال الحروب الاهلية، فلا احترام للدول او لمؤسساتها الوطنية او للكبير او للجار، بل ان اول ما يقوم به الجار في تلك الحروب هو نحر عائلة جاره المنتمي للجماعة الاخرى كما تبدأ عمليات التهجير القسري والقصف العشوائي والتفجير الانتحاري بالتجمعات البشرية المنتمية للآخر الذي يجب ان يموت بشكل جماعي كي يحيا الطرف الأول.
وبعد سنوات من الجنون والقتل والحروب القائمة على الكراهية، تبدأ مقولات الانقسام والتشطير مثل: مادمنا لم نستطع تهجيرهم او القضاء عليهم جميعا فلماذا نشاطرهم الوطن؟ ولماذا لا ننشئ دولة جديدة تضمّنا نحن فقط على اراضينا تقوم على مبادئ الاصلاح والعدل والمساواة والرقي والتي توفر الثراء لجميع ابنائنا فـ «الآخر» دائما هو المسؤول عن الفساد والسرقة وتعطيل عجلة التنمية.. الخ؟
وضمن ثقافات الحروب الاهلية وتفعيل ايديولوجيا الكراهية والحقد، الاستحضار الخاطئ للتاريخ بهدف اعادة تشكيل عقول التابعين والمنضوين الذين يشبههم احد المختصين بأن عقولهم تضحي كالدار التي اغلقت ابوابها ونوافذها في وجه ما يقوله الآخر وفتحت كوة في سقفها لتتلقى فقط ما يقوله مسؤولوها الذين لو قالوا ان الشمس تشرق من الغرب لصدقهم الاتباع.
وللاعلام دور مؤثر في تلك الحروب الدامية الضارية بدءا من شعراء القبائل في عصور الجاهلية العربية او ممثلي المسارح المتنقلة في عهود حروب البروتستانت والكاثوليك ابان العصور الوسطى بأوروبا، او ما يأتي من الاذاعات ومحطات التلفزة «المؤدلجة» في الحروب الاهلية الحديثة، ويتساوى حامل الدكتوراه والامي في تصديق كل ما يأتي من وسائل الاعلام تلك دون مناقشة، فالحق كل الحق هو ما تقوله وسائل اعلام جماعتنا، والباطل كل الباطل هو ما تقوله وسائل الاعلام المعادية التابعة للشركاء في الوطن.
يتبقى ـ وهذا المهم ـ : اننا لا نعني بالمقال اننا على شفا حرب اهلية في الكويت، والعياذ بالله، الا ان علينا في المقابل ان نوقف على الفور عمليات تحريض بعضنا على بعض والتي تمتلئ بها الصحف ومنتديات الانترنت، وان نجرم عمليات نشر «ثقافة الكراهية» ضمن المجتمع الواحد وان نخلق عمليات انفراج واسعة في البلد، حيث قل ان ترى حضرا في دواوين ابناء القبائل والعكس بالطبع صحيح، ولا شك ان الحديث المتكرر عن التجنيس وازدواجية الجنسية مضر ولا يقل عنه ضررا الاستمرار في الانتخابات الفرعية المجرّمة التي يعلم الآخر انها تهدف الى اقصائه، والحديث ذو شجون، وحفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه.
آخر محطة:
احد اخطاء اخوتنا العراقيين التي يجب ان نستفيد منها انهم لم يفعّلوا دور تنظيمات المجتمع المدني التي تضم دون تفرقة كل الوان الطيف الاجتماعي والسياسي العراقي. التخندقات القائمة هي اقرب للشرر الذي ان تجاهلناه كبر واحرق، وان «لحّقنا عليه» صغيرا سهل معالجته، ولم يفد النعامة قط اخفاؤها لرأسها في الحفرة.
مسملو القرن 21
لأتباع الديانات السماوية دور كبير في إراقة دماء الغير وبعضهم بعضا، ولكن ما شاهده العالم في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي، من أحداث دموية التي كان للمسلمين نصيب فيها، أمر لا يمكن تصديقه، ويدل على ان الخلل العقلي الذي أصاب كثيرين منا، مسلمين وغير ذلك، يحتاج إلى التصدي له بعلاج طويل الأمد.
نكتب ذلك من واقعة تعرض سيدة مصرية مهاجرة للطعن بسكين حتى الموت في قاعة محكمة في إحدى المدن الألمانية على يد متعصب ألماني ذكر أنه سبق ان اعتدى عليها في حديقة عامة، مما دفعها إلى رفع شكوى بحقه، الأمر الذي اثاره فطعنها وزوجها في قاعة المحكمة، وكانت وقتها أما وحاملاً في شهرها الثالث! وهنا نرى أنها كانت ضحية تعصب أعمى، وهو أمر لا يمكن قبوله تحت أي ذريعة، ولكن هذا التعصب الأعمى يغض النظر عنه، ويمارس على نطاق واسع في كامل عالمنا الإسلامي، مع استثناءات قليلة هنا وهناك. فما شهدته كثير من المدن الأندونيسية من قتل وتشريد لسكان الجزر والمدن من غير المسلمين لايزال محفورا في الذاكرة. كما ان تداعيات تفجيرات بالي وفنادق جاكرتا التي أودت بحياة المئات من الأندونيسيين، مواطنين وأجانب، لاتزال حية في الأذهان. كما جرى ما يماثلها على يد مجموعة أبو سياف في أدغال الفلبين وقراها.
ولا ينسى العالم ما تعرضت له، ولاتزال تتعرض، دور عبادة ومساجد الشيعة والسنة في باكستان على أيدي بعضهم بعضا من قتل وتفجير شبه أسبوعي، والذي رسخ التفرقة بين الطرفين ربما إلى الأبد، كما جرت أحداث مماثلة وربما اكثر دموية بين طائفتي العراق الرئيسيتين ومن اتباع الطائفتين ضد مواطنيهم الآخرين من صابئة وكرد، وبالذات المسيحيين الذين لم يسلموا من شر الطرفين، قتلا وطردا وتشريدا وتهديدا وابتزازا.
أما في اليمن، فحدث ولا حرج، فحرب الحكومة والحوثيين ستنافس حرب داحس والغبراء شهرة وطولا، وجذور القاعدة التي نبتت هناك في البدء ستأخذ وقتا لكي تقطع، وتحرق!
كما نرى الفجور في الكراهية وسفك الدماء في حروب فريقي النزاع الفلسطيني – الفلسطيني، وما سقط في حروبهم من ضحايا يكاد يتجاوز عدد من مات على أيديهم من عدوهم، أو من قتل عدوهم منهم طوال 60 عاما!
ولا ننسى تفجيرات طابا وشرم الشيخ في مصر، وما يتعرض له الأقباط فيها من قتل ومضايقة وحرمان. أما أحداث أفغانستان وحكم طالبان الهمجي، الذي لايزال من بيننا من يحن ويتوق ويشتاق إلى حكمهم، فقد كانوا قمة في الوحشية والتعصب ضد الآخر، بشرا وحجرا وحضارة.
ويبدو ان الصومال سائر على خطى ابناء عمومته من الأفغان، ولا ننسى في هذه العجالة السودان وبطش مسلميه العرب بمسلميه من أهالي دارفور وضواحيها.
كما من العيب نسيان الجرائم الدينية التي اقترفت في الكويت والسعودية وقطر وبقية دول المجموعة العربية والإسلامية، والتي يبدو ان لا نهاية لها، لأننا لم نصل إلى مرحلة الإحساس بما تشكله كل هذه الاعتداءات من خطر علينا جميعا، ومع كل هذا كان لدى كثيرين منا الوقت والمال لصرفه على ندوة «علمية» أقيمت في اسطنبول لمناقشة رؤية الإسلام لقضايا البيئة، وتقديم خطة «إسلامية» لحل مشاكلها، وشارك في وضع الحلول 150 متخصصا، وعلى رأسهم عالم البيئة الشهير الإخونجي يوسف القرضاوي!
ولا تسلم لي لا على الباذنجان ولا على البامية.
أحمد الصراف