تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بين الفترة والاخرى بقفل باب منح اذونات عمل للكافة، مع استثناء بعض التخصصات المهمة والنادرة لأهميتها القصوى. ويتضمن هذا الكشف المهن الطبية والهندسية العالية وكبار المصرفيين واساتذة الجامعة والخبراء و.. رعاة الإبل! وقد تم تضمين كشف الاستثناءات فئة الرعاة لأهميتهم «الاستراتيجية» في توفير «الامن الغذائي» للوطن. وقد حدث ذلك «الاقحام» بتواطؤ حكومي نيابي «نبيل»، هادفا، من جهة، الى ان يكسب النواب أصوات أصحاب الإبل والماشية في أي استجوابات قادمة، ومن جهة ثانية، الى شراء ولاء البقية عن طريق اثرائهم ودفعهم للضغط على ممثليهم في البرلمان للوقوف مع الحكومة والتصويت لمصلحتها في الاستجوابات وعند التصويت على تمرير القوانين. وتنفرد حكومة الكويت بآلية الضغط النيابية الفريدة هذه بين كل ديموقراطيات العالم!
وقد يتساءل طرف ما عن ماهية عمل طريقة الضغط العجيبة هذه. والجواب سهل، وحاصله ان اصحاب الابل هؤلاء يحق لهم الحصول على عدد كبير من اذونات عمل الرعاة، الذين هم من البنغال والهنود بالذات، وقبض مبالغ نقدية تتراوح بين 500 و600 دينار سنويا منهم، وتركهم بلا عمل في الشارع، وهذه احسن واسهل واضمن وسيلة اثراء «حلال بلال» عرفتها البشرية!
والعجيب ان الحكومة تعرف أن هناك استغلالا للبشر ومتاجرة بقوتهم ولا تفعل شيئا لوقف هذا التعسف. ونواب المجلس، والملتحون منهم بالذات، على علم بهذا النوع من المتاجرة بالبشر ولا يحركون إصبعا لثقتهم بعدم مخالفته للشرع. وجمعية حقوق الانسان، بالرغم من دورها الكبير في ميادين اخرى، تعرف مشكلة هؤلاء ولا تستطيع فعل شيء من اجلهم. ومع هذا لا نستحي ان نقول بأن تقرير وزارة الخارجية الاميركية كان مجحفا بحق الكويت!
لقد دخل البلاد ما لا يقل عن 50 الف عامل بهذا النوع من الفيزا، ودفع هؤلاء لمن جلبهم من اصحاب النفوذ اكثر من مائة مليون دينار على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وتكلفت الدولة ما يقارب ذلك من اموال على ترتيبات دخولهم البلاد وتبصيمهم وفتح ملفات امنية وصحية لهم وعلاج المرضى منهم وملاحقة المجرمين بينهم، وما اكثرهم، خصوصا ان غالبيتهم بلا مال ولا عمل، ومن ثم سجنهم والصرف عليهم، وبعدها ترحيلهم لأوطانهم على حساب الدولة! نكتب ذلك وآلية جلب وحلب هؤلاء البؤساء جارية، والحكومة لا تزال مصرة على براءتها من تهمة الاتجار بالبشر!
وبهذه المناسبة نشيد بالقرار الأخير لوزارة الشؤون المتعلق بـ«دراسة فكرة» رفع فئة الرعاة من كشف التخصصات النادرة! وسنعيش رجبا وراء آخر لنرى عجبا فوق عجب!
أحمد الصراف
habibi [email protected]