قد تنتابك حال من الضحك الهستيري إلى درجة البكاء وأنت تستمع إلى معاناة موظف أو موظفة وقعا تحت نيران «المسئول» وقصفه المستمر، بسبب «وشاية» نقلها إليه أحد الموظفين أو الموظفات من «ناقلي الكلام والفتانين كما نقول بالعامية»، ومن دون تَثبُّت من صحة النقل أو عدمه، فتنتفخ أوداج المسئول ويستشيط غضبا ويجعل الموظف المتهم هدفا لتشفية الغليل فيحرمه من الترقية، ويضيق عليه الخناق، وقد يكتب التقرير تلو التقرير عن سوء أداء الموظف.
ولن تستغرب حين تسمع أن بعض المسئولين يوظفون إمكانات بعض موظفيهم لا من أجل المزيد من الإنتاج وتطوير العمل، ولكن من أجل المراقبة والترصد ونقل الكلام، حتى أننا أصبحنا نسمع كثيرا مصطلح «مخابرات المدير»، وهم مجموعة من الموظفين والموظفات يبدأون يوم عملهم بحمد الله والثناء عليه وقراءة بعض الأذكار والأدعية الصباحية المأثورة، ويرجون من الله الخير الكثير والرزق الحلال، ثم يتوجهون على بركة الله، لتشغيل آذانهم جيدا، فيصغون حتى للمكالمات الهاتفية لزملائهم، وينقلون ما صح وما لم يصح، للسيد المدير، ويا ويله يا سواد ليله ذلك الموظف أو تلك الموظفة من «لا تشتهيهم مخابرات المدير ولا يواطنونهم في عيشة».
قبل عدة سنوات، وقبل أن ينتشر استخدام البريد الإلكتروني، كتبت تحقيقا صحافيا كان عنوانه «الرسائل الصفراء»، وتلك الرسائل كانت عبارة عن وشاية تصل إلى مكاتب بعض المسئولين من مصادر مجهولة، وفي مضامينها الكثير الكثير ما يندى له الجبين، فمن اتهام لمسئول ما بالطائفية، إلى تشويه سمعة موظف أو موظفة، إلى كشف عمليات سرقة واختلاسات ومن بين تلك الرسائل، هناك الكثير من محاولات الإطاحة بموظف أو موظفة عبر معلومات هي في غالبها مكذوبة، ولكن، الغريب في الأمر، أن بعض الجهات، حكومية وخاصة، من انتشرت فيها الرسائل الصفراء، كانت تحقق بشراسة مع الموظف أو الموظفة (المقصود) في الرسالة مجهولة المصدر، وكأن كل ما ورد فيها صحيح، ويلزم على من أنكر أن يأتي بالبيِّنة! يعني أن المتهم هو الذي يتوجب عليه تقديم البيِّنة، وليس المدعي قطعا لأنه… مجهول!
بعد انتشار البريد الإلكتروني، أصبح من السهل إرسال عدد لا متناهٍ من الرسائل الصفراء، أو الوشاية بأسلوبها التقني الجديد، من خلال مرسل مجهول أيضا، يستخدم ما طاب له من الأسماء المستعارة، ومع ذلك، وقع الكثير من الموظفين والموظفات في دائرة التحقيق والاتهام، وكان لزاما عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ويقدموا الأدلة والبراهين والبيِّنات، ولا ندري هنا، هل المضحك هنا هو عقل المسئول الذي صدَّقَ وآمَنَ، أم ذلك الموظف الذي وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه وهو في سبحانيته؟
هذه الممارسات لا تزال قائمة في بعض أماكن العمل، وستستمر قطعا، لكن، من ينصف الموظف أو الموظفة من الظلم؟ نعلم جيدا أن من يتوكل على الله فهو حسبه، وستظهر الحقيقة وينتصر المظلوم ولو بعد حين، إلا أن الغريب في الأمر، كيف يُصدِّق مسئول في منصب قيادي، يحمل أعلى الشهادات والخبرات مثل هذه الممارسات الخبيثة السيئة؟ وكيف يرضى أحد المديرين على نفسه، أن يُنكِّل بموظف أو موظفة لمجرد استماع وشاية أو تسلُّم بريد الكتروني من مصدر مجهول؟ ولماذا يخشى مسئول ما من جمع الناقل والمنقول عنه وجها لوجه لتظهر الحقيقة؟
والسؤال الأخير: «هل أنت أيها الموظف المحترم من المقربين من مخابرات المدير أم لا؟ إذا كانت الإجابة بـ «لا»، فاستخدم شريطا لاصقا تضعه على فمك بداية الدوام ولا تنزعه إلا على مائدة الغداء مع عائلتك بعد عودتك من العمل… أبرك لك»