البعض استغرب عزوف الناس عن التصويت في انتخابات المجلس البلدي، وعزا ذلك إلى أن الانتخابات جرت في يوم عمل لا يوم عطلة، أو إلى الحر الشديد، أو أو أو، لكن السبب الحقيقي هو أن عضو المجلس البلدي اليوم أصبح على باب الكريم، صلاحياته مثل صلاحيات جدتي وضحة رحمها الله، التعامل مع السدو، والسوالف، ثم النوم المبكر.
لكن جدتي كانت تستر جسدها ملابس مازلت أتذكر ألوانها الزاهية، أخضر منقط بأحمر، بينما المجلس البلدي يمشي سلط ملط، ربي كما خلقتني، وهو يمر بجانب الناس فيتصدقون عليه بما تجود به أنفسهم ليسد رمقه، وأنت وإحسانك، والحسنة بعشرة أمثالها، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
والمجلس البلدي عزيز قوم ذل، كان ابن ذوات وابن عز ونغنغة، يقضي الصيف في باريس، ويراقص الشقراوات في زيوريخ في الخريف، ويمتطي أحدث السيارات، وكان يمشي في الأسواق وخلفه الخدم والحشم، وكانت كلمته تخفض وترفع، وتعطي وتمنع، وتضر وتنفع، إلى أن جاء هادم اللذات أحمد بيك باقر، وتولى وزارة البلدية، ومن يومها حلت الكوارث، وامتلأت عينا المجلس البلدي بالدموع، ومات والداه فأضحى يتيماً لا حول له ولا قوة، وأما اليتيم فلا تقهر.
وأحمد بيك باقر بوجهه البريء الذي يوحي إليك أن اسمه سقط سهواً من معركة قادسية عمر، وبابتسامته الصفراء الجميلة، الضاربة على الرمادي، تكفيه جلسة واحدة معك لا تتجاوز أربع عشرة دقيقة، وستكتشف بعد خروجه من منزلك أنك تعاني ألماً في الجانب الأيمن من بطنك، وستفحص بالأشعة، وسيخبرك الدكتور أنك فقدت كليتك اليمنى، وأن جزءاً من الطحال مقطوع، وأن القفص الصدري لايزال مفتوحاً، هاه شرايك نسكّره لك؟
البيك باقر يستطيع بفتوى واحدة أن يفلّشك ويبيعك قطع غيار، أما إذا استخدم فتويين اثنتين فيا حرام مما سيجري لك أو عليك، لطفك يا لطيف، ستأتيه بنفسك حاملاً كليتيك وكلى أهلك وستقدمها إليه وأنت تعتذر عن القصور: سامحنا، الجود من الموجود… والتفليش اختصاص البيك، لا يجاريه فيه أكبر درعاوي في الصناعية. وهو دخل البرلمان بصندوق عدة صغير ليس فيه إلا 'درنفيس مربع وزرّادية'، ومنذ التحرير إلى اليوم ترأس من اللجان والملفات ما لا حصر له ولا خصر، وأهمها ملف تقصي حقائق الغزو وملف قروض المواطنين، وكلها أعمل فيها درنفيسه ثم باعها قطع غيار.
ولسوء حظ المجلس البلدي، مر البيك من هناك، واستخدم معه خطة الفتويين، طقة واحدة، وعينك ما تشوف إلا النور، جُرّد البلدي من أمواله وصلاحياته وهدومه، وتُرك عرياناً أباً عن جد، وأمسى كما يشاهده الناس الآن، أقرع من كل شيء، لا يمتلك ثمن سيجارته.
والمطلوب الآن ليس التصويت لأعضاء المجلس البلدي، لا، المطلوب وبسرعة مسح دموع المجلس البلدي أولاً، وإعادة ملابسه ثانياً، وإيداعه في دار رعاية الأيتام، إلى أن يسترد عافيته وأمواله، وما عدا ذلك ملحوق عليه… والله يجازيك يا بيك.
***
النائب الشكَّاء علي الراشد قال في لقاء صحافي أمس – رداً على مقالي عنه – إنني كاتب يتقاضى أجراً، وهو بذلك يريد أن يوحي من طرف خفي أنني أكتب ما يُملى عليّ ولو خالف ذلك قناعتي نظير الأجر الذي أتلقاه، بينما هو يعمل في المحاماة إضافة إلى عضويته في البرلمان، و لا أدري هل الأتعاب التي يتقاضاها من موكليه تدفعه إلى تغيير مبادئه؟، ثم إنه يعلم كغيره أن خطّي السياسي 'على حطة ايده'، لم يمسه سوء مهما تغير مكان زاويتي الصحافية، في حين أنّ خطه السياسي مثل المركب الشراعي، وإن لم يصدق فليسأل أقرب المقربين.