محمد الوشيحي

البيك… كان هناك

البعض استغرب عزوف الناس عن التصويت في انتخابات المجلس البلدي، وعزا ذلك إلى أن الانتخابات جرت في يوم عمل لا يوم عطلة، أو إلى الحر الشديد، أو أو أو، لكن السبب الحقيقي هو أن عضو المجلس البلدي اليوم أصبح على باب الكريم، صلاحياته مثل صلاحيات جدتي وضحة رحمها الله، التعامل مع السدو، والسوالف، ثم النوم المبكر.

لكن جدتي كانت تستر جسدها ملابس مازلت أتذكر ألوانها الزاهية، أخضر منقط بأحمر، بينما المجلس البلدي يمشي سلط ملط، ربي كما خلقتني، وهو يمر بجانب الناس فيتصدقون عليه بما تجود به أنفسهم ليسد رمقه، وأنت وإحسانك، والحسنة بعشرة أمثالها، وقليل دائم خير من كثير منقطع.

والمجلس البلدي عزيز قوم ذل، كان ابن ذوات وابن عز ونغنغة، يقضي الصيف في باريس، ويراقص الشقراوات في زيوريخ في الخريف، ويمتطي أحدث السيارات، وكان يمشي في الأسواق وخلفه الخدم والحشم، وكانت كلمته تخفض وترفع، وتعطي وتمنع، وتضر وتنفع، إلى أن جاء هادم اللذات أحمد بيك باقر، وتولى وزارة البلدية، ومن يومها حلت الكوارث، وامتلأت عينا المجلس البلدي بالدموع، ومات والداه فأضحى يتيماً لا حول له ولا قوة، وأما اليتيم فلا تقهر.

وأحمد بيك باقر بوجهه البريء الذي يوحي إليك أن اسمه سقط سهواً من معركة قادسية عمر، وبابتسامته الصفراء الجميلة، الضاربة على الرمادي، تكفيه جلسة واحدة معك لا تتجاوز أربع عشرة دقيقة، وستكتشف بعد خروجه من منزلك أنك تعاني ألماً في الجانب الأيمن من بطنك، وستفحص بالأشعة، وسيخبرك الدكتور أنك فقدت كليتك اليمنى، وأن جزءاً من الطحال مقطوع، وأن القفص الصدري لايزال مفتوحاً، هاه شرايك نسكّره لك؟

البيك باقر يستطيع بفتوى واحدة أن يفلّشك ويبيعك قطع غيار، أما إذا استخدم فتويين اثنتين فيا حرام مما سيجري لك أو عليك، لطفك يا لطيف، ستأتيه بنفسك حاملاً كليتيك وكلى أهلك وستقدمها إليه وأنت تعتذر عن القصور: سامحنا، الجود من الموجود… والتفليش اختصاص البيك، لا يجاريه فيه أكبر درعاوي في الصناعية. وهو دخل البرلمان بصندوق عدة صغير ليس فيه إلا 'درنفيس مربع وزرّادية'، ومنذ التحرير إلى اليوم ترأس من اللجان والملفات ما لا حصر له ولا خصر، وأهمها ملف تقصي حقائق الغزو وملف قروض المواطنين، وكلها أعمل فيها درنفيسه ثم باعها قطع غيار.

ولسوء حظ المجلس البلدي، مر البيك من هناك، واستخدم معه خطة الفتويين، طقة واحدة، وعينك ما تشوف إلا النور، جُرّد البلدي من أمواله وصلاحياته وهدومه، وتُرك عرياناً أباً عن جد، وأمسى كما يشاهده الناس الآن، أقرع من كل شيء، لا يمتلك ثمن سيجارته.

والمطلوب الآن ليس التصويت لأعضاء المجلس البلدي، لا، المطلوب وبسرعة مسح دموع المجلس البلدي أولاً، وإعادة ملابسه ثانياً، وإيداعه في دار رعاية الأيتام، إلى أن يسترد عافيته وأمواله، وما عدا ذلك ملحوق عليه… والله يجازيك يا بيك.

***

النائب الشكَّاء علي الراشد قال في لقاء صحافي أمس – رداً على مقالي عنه – إنني كاتب يتقاضى أجراً، وهو بذلك يريد أن يوحي من طرف خفي أنني أكتب ما يُملى عليّ ولو خالف ذلك قناعتي نظير الأجر الذي أتلقاه، بينما هو يعمل في المحاماة إضافة إلى عضويته في البرلمان، و لا أدري هل الأتعاب التي يتقاضاها من موكليه تدفعه إلى تغيير مبادئه؟، ثم إنه يعلم كغيره أن خطّي السياسي 'على حطة ايده'، لم يمسه سوء مهما تغير مكان زاويتي الصحافية، في حين أنّ خطه السياسي مثل المركب الشراعي، وإن لم يصدق فليسأل أقرب المقربين.  

احمد الصراف

رائحة نفط

ليس بين النواب الخمسين من يعرف القطاع النفطي وقضاياه حق المعرفة مثل النائب خالد السلطان، فخبرته مع مختلف الانشطة البترولية، منذ تاريخ اول شركة كبيرة قام بتأسيسها للعمل في مجال الخدمات النفطية قبل اربعين عاما تقريبا، وحتى ارتباطاته وعقوده وعمله الواسع الانتشار مع مختلف الجهات البترولية في الدولة، تجعله بحقٍّ الخبير البرلماني الاول، والاكثر تأهيلا لمعالجة اوضاع القطاع البترولي المتردية وتحسين القليل الجيد منها، كما ان معرفته تلك تجعله المتحدث الاكثر دقة وصلاحية لمناقشة القضايا النفطية، ولكنه اختار -في هذا المجلس، وعضويته في المجالس السابقة- عدم التصدي لوزارة النفط، او مصافيها او محطات تكريرها، لتعلّق مصالحه بتلك الانشطة.
فبقاء الاوضاع النفطية -من مراكز تجميع ومكامن ومصافٍ ومخازن وخزانات وانابيب نفطية وصيانة مصانع التكرير- على ما هي عليه من تردٍ وخراب، هو في مصلحة اطراف كثيرة تعمل مع الشركات النفطية، ولكن جميع هؤلاء لا يلامون على سكوتهم، فليس مطلوبا منهم اطلاق اي اشارات تحذير او لفت نظر للحكومة عن اي تقصير او خراب، فهذه المهمة هي من صميم واجبات ادارات المؤسسات والشركات النفطية الحكومية، اضافة الى الجهات الرقابية والمحاسبية في الدولة. وهنا يأتي تضارب المصلحة بين الدور المطلوب من النائب القيام به كمراقب للعمل الحكومي وكمشرع، وبين مقاولاته واعماله ومصالحه التجارية مع الجهات المطلوب منه مراقبتها، ولكن لمجرد ان السيد السلطان كان امينا عاما لحركة سلفية «مطهرة» وكونه شديد الخشوع والتدين والزهد في مباهج الحياة، فقد كان متوقعا منه موقف اكثر نكرانا للذات واكثر مسؤولية تجاه هذه القضايا الحيوية والشديدة الاهمية، والا يترك مصالحه التجارية تطغى على مصلحة وطنه، وان يعترف بأنه لم يحاول يوما وضع كل خبراته «النفطية» العريضة والعميقة بتصرف المجلس. وربما يعتقد البعض ان سؤاله الاخير لوزير الطاقة، والشديد التشعب، والذي تأخر لاكثر من 20 سنة، يمكن ان يجيب عن تساؤلاتي، ولكني أشتمّ من السؤال امورا كثيرة اخرى اتركها لحكمة القارئ وذكائه!
* * *
• ملاحظة:
ذكر الصديق عيسى العيسى انه ارسل نص خبر، نشر في جريدة الوول ستريت الأميركية، في بداية تسعينات القرن الماضي، عن قيام الحكومة السويدية بخصخصة بورصتها وجعلها شركة مساهمة لتصبح بعد فترة قصيرة الافضل في العالم اجمع، مما اهلها لبيع خبراتها لدول كثيرة.
ويقول انه ارسل الخبر لاربعة وزراء تجارة، وبعد مرور 15 عاما قررت بورصة الكويت التعاقد مع البورصة السويدية لتطوير نظامها. ويقول العيسى انه يتمنى ان ينتهي الاتفاق على خير، لكنه، حسب خبرته وتجاربه، يشك في ذلك!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

سعيد محمد سعيد

حين يعشق المسئول…»الوشاية»!

 

قد تنتابك حال من الضحك الهستيري إلى درجة البكاء وأنت تستمع إلى معاناة موظف أو موظفة وقعا تحت نيران «المسئول» وقصفه المستمر، بسبب «وشاية» نقلها إليه أحد الموظفين أو الموظفات من «ناقلي الكلام والفتانين كما نقول بالعامية»، ومن دون تَثبُّت من صحة النقل أو عدمه، فتنتفخ أوداج المسئول ويستشيط غضبا ويجعل الموظف المتهم هدفا لتشفية الغليل فيحرمه من الترقية، ويضيق عليه الخناق، وقد يكتب التقرير تلو التقرير عن سوء أداء الموظف.

ولن تستغرب حين تسمع أن بعض المسئولين يوظفون إمكانات بعض موظفيهم لا من أجل المزيد من الإنتاج وتطوير العمل، ولكن من أجل المراقبة والترصد ونقل الكلام، حتى أننا أصبحنا نسمع كثيرا مصطلح «مخابرات المدير»، وهم مجموعة من الموظفين والموظفات يبدأون يوم عملهم بحمد الله والثناء عليه وقراءة بعض الأذكار والأدعية الصباحية المأثورة، ويرجون من الله الخير الكثير والرزق الحلال، ثم يتوجهون على بركة الله، لتشغيل آذانهم جيدا، فيصغون حتى للمكالمات الهاتفية لزملائهم، وينقلون ما صح وما لم يصح، للسيد المدير، ويا ويله يا سواد ليله ذلك الموظف أو تلك الموظفة من «لا تشتهيهم مخابرات المدير ولا يواطنونهم في عيشة».

قبل عدة سنوات، وقبل أن ينتشر استخدام البريد الإلكتروني، كتبت تحقيقا صحافيا كان عنوانه «الرسائل الصفراء»، وتلك الرسائل كانت عبارة عن وشاية تصل إلى مكاتب بعض المسئولين من مصادر مجهولة، وفي مضامينها الكثير الكثير ما يندى له الجبين، فمن اتهام لمسئول ما بالطائفية، إلى تشويه سمعة موظف أو موظفة، إلى كشف عمليات سرقة واختلاسات ومن بين تلك الرسائل، هناك الكثير من محاولات الإطاحة بموظف أو موظفة عبر معلومات هي في غالبها مكذوبة، ولكن، الغريب في الأمر، أن بعض الجهات، حكومية وخاصة، من انتشرت فيها الرسائل الصفراء، كانت تحقق بشراسة مع الموظف أو الموظفة (المقصود) في الرسالة مجهولة المصدر، وكأن كل ما ورد فيها صحيح، ويلزم على من أنكر أن يأتي بالبيِّنة! يعني أن المتهم هو الذي يتوجب عليه تقديم البيِّنة، وليس المدعي قطعا لأنه… مجهول!

بعد انتشار البريد الإلكتروني، أصبح من السهل إرسال عدد لا متناهٍ من الرسائل الصفراء، أو الوشاية بأسلوبها التقني الجديد، من خلال مرسل مجهول أيضا، يستخدم ما طاب له من الأسماء المستعارة، ومع ذلك، وقع الكثير من الموظفين والموظفات في دائرة التحقيق والاتهام، وكان لزاما عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ويقدموا الأدلة والبراهين والبيِّنات، ولا ندري هنا، هل المضحك هنا هو عقل المسئول الذي صدَّقَ وآمَنَ، أم ذلك الموظف الذي وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه وهو في سبحانيته؟

هذه الممارسات لا تزال قائمة في بعض أماكن العمل، وستستمر قطعا، لكن، من ينصف الموظف أو الموظفة من الظلم؟ نعلم جيدا أن من يتوكل على الله فهو حسبه، وستظهر الحقيقة وينتصر المظلوم ولو بعد حين، إلا أن الغريب في الأمر، كيف يُصدِّق مسئول في منصب قيادي، يحمل أعلى الشهادات والخبرات مثل هذه الممارسات الخبيثة السيئة؟ وكيف يرضى أحد المديرين على نفسه، أن يُنكِّل بموظف أو موظفة لمجرد استماع وشاية أو تسلُّم بريد الكتروني من مصدر مجهول؟ ولماذا يخشى مسئول ما من جمع الناقل والمنقول عنه وجها لوجه لتظهر الحقيقة؟

والسؤال الأخير: «هل أنت أيها الموظف المحترم من المقربين من مخابرات المدير أم لا؟ إذا كانت الإجابة بـ «لا»، فاستخدم شريطا لاصقا تضعه على فمك بداية الدوام ولا تنزعه إلا على مائدة الغداء مع عائلتك بعد عودتك من العمل… أبرك لك»