محمد الوشيحي


يا خدا

معلش، من يغضبه القول إن «الإنسان الإيراني أكرم وأفهم وأنقى وأرقى وأصدق وأحق بالحياة من الإنسان العربي»، فليغادر أرض المقالة حالاً، وعلى وجه السرعة، فالقادم من الكلام أشد وأنكى وأنيل بستين نيلة مما تظنون. ومن يبحث عن قصائد المديح في العرق العربي، كي يمغّط يديه ويسند ظهره إلى الحائط ويوزع ابتسامات الزهو على المارة، فلينفذ بجلده.

هو الإيراني، الأكثر قدرة على التحمل، والأطول نفساً. وفي الحرب العراقية الإيرانية، كاد صدام يبكي بعدما توهم أن الحرب أنهت ركعتها الأخيرة من صلاة العشاء، وقرأت التحيات، لكنه فوجئ بصوت من إيران: «أقم الصلاة، تو الناس يحفظنا ويحفظك الله»! فلطم أبوعدي لطماً يليق به، واغرورقت عيناه بالدموع، واحرورقت رئتاه بالشموع، ومضى يلهث ويلعن الساعة التي تحرش فيها بقوم لا تنقطع أنفاسهم.

وبالمقارنة، الإيراني شعلة من النشاط، والعربي شعلة من الشياط والهياط. الإيراني خلية نحل، والعربي خلية قمل. الإيراني كما التركي، رجله على الأرض وأنفه يعوق الطائرات، وهو أبداً لا يقبّل الأيادي والأكتاف، ولا يكتب الأغاني الوطنية للزعماء، بل للوطن وحده، معلش يعني.

لكن آآآخ عليك يا إيراني يا بطل، الحلو ما بيكملش، فما يكاد يشاهد عمامة من هناك حتى يحني رأسه ويسلّم عقله عند البوابة ويستلم بدلا منه كوبوناً، على أن يسترد عقله يوم القيامة، إن شاء الله! ثم يسلّم بعد ذلك المال والحال والعيال وكل ما يطلب منه.

والإيراني بطبيعته روحاني، ويصدق كل ما يقال له عن الغيب، حتى لو كان خزعبلات بأجنحة مطاطية تمنع التسرب، وأحمدي نجاد وجماعته يعرفون السالفة وما فيها، لذا قال نجاد عند بدء ولايته الأولى: «جئت لأمهد الطريق لظهور المهدي المنتظر»، والمهدي المنتظر يؤمن به السنة والشيعة (عد إلى حكاية جهيمان واحتلاله الحرم، وتذكر حكاية مقتدى الصدر عندما زار الكويت وقال: «إن الأميركان احتلوا العراق ليس من أجل النفط ولا لأي سبب آخر، بل ليمنعوا ظهور المهدي»! أي كلام في السابعة مساء بتوقيت غرينتش).

وكما أن الماء يُفقِد بعض المعادن خصائصها، كذلك الخزعبلات تفقد الإيراني خصائصه النادرة كلها، يا خسارة… انظر إلى نجاد عندما ذكر أنه تحدث في هيئة الأمم المتحدة محاطا بهالة ضوئية، دلالة على البركة، وراح السذج من القرويين يصيحون بانبهار: «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد».

وبالخزعبلات والشعوذة وتفسير الأحلام تساقطت الجثث في إيران، فمات المسرح، ومات الفن التشكيلي، وحملت صناعة السينما أولادها وهربت ومعها الرواية والابتكار وكل ذي علاقة بالحداثة، وهذه أشياء لا يمكن أن تنهض الدول من دونها، وارجع إلى عظمة أميركا واربطها بعظمة فنّها، فالفن الحقيقي عمود خيمة النهضة، لأنه يخاطب العقول. وفي إيران خلت الساحة أمام رواية واحدة ممجوجة، سيطرت على الأجواء، رواية «معركة الجمل»، وراح المؤلفون الدراويش يلتّون فيها ويعجنون، وينثرون الملح عليها كي لا تفسد لطول مدة التخزين، وتوقفت إيران عند الجمل، أو بالأصح، تراجعت إليه، وراحت ترسم علاقاتها مع الدول على خطى الجمل، وسعت إلى زعزعة أمن جيرانها على ضوء الجمل، وزادت في عهد نجاد مراكز مخابرات وامبراطوريات مالية تشتري الولاءات، ووو، وأمسى البسطاء يصلون على محمد وآله ويستجدونهم قوت يومهم وهم يقرأون رواية معركة الجمل، وبكت إيران وتهاوت.

لكن إيرانيي اليوم، أو إيرانيي الغد، الشباب، حكّوا جباههم (خاصية حك الجبهة للتفكير تثير غضب العمامة، إذ لا بد من إزاحة العمامة كي يسهل حك الجبهة)، فأدرك الشباب الملعوب، وكشفوا غطاء الحلة فعرفوا الطبخة، فقرروا استعادة الشموخ الإيراني الذي سقط من شاهق، وها هم يستخدمون المدونات الإلكترونية، وهم من أفضل المدونين في العالم، وأضحت الموبايلات وكاميراتها فضائيات تنقل الأخبار إلى الخارج، بعدما طردت العمائم وسائل الاعلام العالمية كي لا تنقل عنفها وغضبها، لكنها (أي العمائم) تدرك أن الشباب الإيرانيين ليسوا عرباً إذا ارتفعت العصا وحدوا ربهم ثلاثاً وهتفوا بصوت واحد: «امباااااع».

إيران اكتشفت مكان خزانة الملابس أخيراً، فاتجهت إليها لتستبدل العمامة بالبنطلون، فانتظروها… يا خُدا. 

احمد الصراف

هل سيقف العالم معنا ثانية؟

نشرت مجلة تايم الأميركية الشهيرة مقالا، في 24 ديسمبر 1990، في ذروة معاناة الكويت وشعبها من الاحتلال الصدامي، ورد فيه أن قلة كانت تعرف شيئا ما عن الكويت، لولا التعهد الذي صدر وقتها عن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، بضرورة تحريرها من احتلال صدام! وإن الكويت اشتهرت بغطرسة وتكبر شعبها وحكوماتها، وأنها كانت دولة غير ديموقراطية، وقت وقوع العدوان عليها. ولم يكن أحد ليهتم بأمرها ومعاناتها من الاحتلال، بسبب ضآلة حجمها ومثالب حكوماتها، لولا ثروتها النفطية الكامنة تحت رمال صحرائها!.. ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ وهل ستتغير الكويت إلى شيء أفضل بعد تحريرها؟ تجيب المجلة بالقول إن الكويتيين يميلون إلى الإيمان بأن الأوضاع في الكويت ستتغير حتما إلى الأفضل بعد التحرير، وهذا أيضا ما تتمناه أغلبية نصف المليون جندي، الذين قدموا من بلدانهم لتحريرها من حكم صدام. ولكن مع قيام هذا الأخير بإطلاق سراح رهائنه من مواطني الدول الأوروبية وأميركا، فإن العالم اصبح يتساءل: هل من المجدي حقا موت أي جندي في سبيل تحرير الكويت؟
* * *
ومع اقتراب الذكرى السنوية للاحتلال والتحرير فإننا، وبعد عشرين عاما، نعيد طرح السؤال نفسه مع تغيير الصيغة للحاضر ونقول: هل استحق تحرير الكويت حقا كل ما بذل في سبيله من أرواح ودماء ومصابين وثروات طائلة؟
لاشك في أن الأغلبية الساحقة من شعوب الأمم الحرة تؤمن بأن الأمر كان يستحق حقا كل تلك التضحيات والتكاليف البشرية والمادية الهائلة، ولكن هل «العالم الحر» على استعداد للوقوف معنا مرة أخرى، ان تعرضت مصالحنا وأمننا الحيوي للخطر؟ لاشك في ان الإجابة ستكون نعم كبيرة أخرى، ولكنها ستكون مشروطة هذه المرة باستمرار بقاء الحياة الديموقراطية في الكويت من دون انقطاع! فقيادات دول العالم ستفكر كثيرا قبل ان تتدخل لتخليص أمة ما من حكم دكتاتوري لتسلمها إلى حكم يشبهه، ولو كان منه وفيه. وبالتالي يصبح المقياس الديموقراطي، وحكم الشعب لنفسه، من خلال حكومة دستورية، هو المحك الذي يمكن من خلاله الإجابة عن مدى أحقيتنا بما بذله العالم الحر من أرواح وأموال في سبيل تحريرنا، وما سيكرر فعله، حال تعرضنا لأي خطر خارجي.
نكتب ذلك على ضوء كل ذلك الضجيج الذي أثاره، وسيثيره مستقبلا، بعض أعضاء البرلمان في العراق وسياسييه وصحافته عن الكويت، واستقلالها وحدودها وكرامتها، وضرورة قيامها بإسقاط مطالباتها على العراق، وإعادة النظر فيما تم توقيعه من اتفاقيات حدود وأمن معها. فهذه التصريحات وما يماثلها، أو يزيد عليها تطرفا، الآن أو مستقبلا، لن تعني شيئا طالما بقي الدستور الحصن الذي يستظل به الجميع، والذي يعني أن العالم الحر سيقف معنا مهما كانت درجة المخاطر والضغوط التي قد نتعرض لها. ومن المجدي هنا تخيل وضعنا النفسي والمالي والاقتصادي والسياسي في هذه الأيام بالذات، لو كانت الكويت تعيش في ظل حكم غير ديموقراطي ومن دون برلمان! فمن الذي كان سيقف معنا ماديا وماليا وعسكريا؟ لا أحد بالطبع. ومن هنا نعتقد أن الضمان الوحيد لبقائنا مستقلين وكرماء في وطننا يكمن في بقاء ديموقراطيتنا من دون مس!
* * *
• ملاحظة: تصريح السيد محمد المهري، مع حفظ بقية ألقابه، عن مواقف بعض سياسيي العراق من الكويت، بأنه «يضمن شخصيا»، وطنية الحكومة العراقية الحالية، وحسن نواياها، وعدم عدوانيتها تجاه الكويت، ذكرني برد كابتن طائرة مدنية مملوءة بالركاب، عندما طلب منه مسؤول برج المراقبة عدم الهبوط بسبب سوء الأحوال الجوية، فرد عليه قائلا: «ما تئلأش، أنا حنزل على مسؤوليتي الشخصية»!

أحمد الصراف
habibi [email protected]