محمد الوشيحي

الشعب الكاتب


اقتلني ولا تطلب مني الحديث في ندوة، بل لا تَدْعُني إلى حضور الندوة من الأساس، فأنا أكره الندوات وأكره حاملها وكاتبها وبائعها وشاريها والذي يمر في شارعها. وهذا إقرار مني واعتراف بعدم صلاحيتي للندوات، فأنا رجل يعشق الورقة والقلم وتقديم البرامج، أما غير ذلك فربّنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا.

وعندما أقول «غير ذلك» فأنا أعني كل ما هو «غير ذلك» بالفعل، وبمعنى الكلمة. فأنا مهندس لا أفهم الهندسة، بل إن علاقتي بالهندسة مثل علاقة النائب عادل الصرعاوي بنائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد الفهد، كره وحقد عميق، من طرف واحد. والصرعاوي كانت له جماهيرية عظمى في قلوب أبناء الدائرتين الرابعة والخامسة، لكنه سقط من أعينهم وقلوبهم غير محسوف عليه، بعدما صار همه الوحيد تعقّب الفهد مثل ظله، فتضاءل حجمه إلى أن اختفى خلف نقطة. لكنه الآن والحمد لله بدأ يتشافى ويتعافى من مرض أحمد الفهد، وها هو يتقدم باقتراح لدراسة ظاهرة الكتابة على الجدران.

المهم أنني لا أحب الندوات ولا أحب من يحبها، وفي هذه الأيام انتشرت الندوات، اللهم يا كافي، انتشار السرطان في جسم المريض. فالشعب الكويتي الأبيّ كله يؤسس تجمعات، والتجمعات تعقد الندوات، والندوات كئيبة، مملة رتيبة، لا فائدة منها ولا عائدة. ومع ذلك تتكاثر. أمر غريب. هل نعشق النكد إلى هذه الدرجة؟ أم أن الفراغ وغياب «الدولة» هما السبب؟ يجوز هذا وذاك.

الأمر الغريب الآخر هو رغبة الشعب كله في الكتابة في الصحف، وكأن ما لدينا لا يكفينا، فجريدة مثل الزميلة «الوطن» يكتب فيها نحو مئة كاتب، منهم النظامي ومنهم الميليشياوي، أي الذي يكتب في فترات متقطعة. وآخر المنضمين إليها هو نائبنا المفضال سيد القلاف، الذي يرتدي لباساً خاصاً لم أره على أي معمم سواه، ركّزوا على بشته، وحاولوا أن تجدوا له مثيلاً بين المعممين، الأحياء منهم والميتين، ثم ركزوا على ماركة قميصه، وستجدون علامة «فيرساتشي» تظهر بوضوح، وهذا دليل على أن الرجل يواكب العصر. لكن السؤال الذي لم يواكب إجابة عندي هو: أليس أتباع القلاف هم من قادوا مسيرة احتجاجية ضد جريدة «الوطن» قبل سنوات، ورموا الصناديق أمام مبنى الجريدة انتصاراً له؟ طيب ما الذي تغيّر في الأمر كي يكتب القلاف فيها عموده الصحافي؟ لا أدري.

أقول إن الشعب الكويتي كله يريد أن يتحول إلى كتّاب أعمدة صحافية، ولا أدري من الذي سيقرأ حينئذٍ. يا رحمة الرحمن.

كما امتلأت الديرة بالندوات، ستمتلئ بكتاب المقالات فترة من الزمن، ثم تختفي الندوات وينقرض كتّاب المقالات وتتلاشى بعض الصحف. 

احمد الصراف

عندما يسقط الدكتاتور

عندما سقط حكم شاه إيران غير مأسوف عليه قبل 30 عاما، وتسلم آية الله الخميني حكم البلاد، كنت الوحيد، في محيطي الواسع، الذي وقف معارضا حكمه، ومحذرا من سيطرة رجال الدين على مقاليد دولة «مهمة وحيوية» مثل ايران، مع كل تخلفها! وقد عارضني واختلف معي كثيرون، كما اختلف معي غيرهم قبل فترة قصيرة من موقفي من السيد حسن نصر الله، لاعتقادي الراسخ بأن رجل الدين، والمسلم بالذات، آخر من يصلح للسياسة. المهم ان الامام الخميني لم يخيب ظني، فبعد خمسة اشهر من الثورة «المباركة» تراجعت حقوق الاقليات والمرأة في ايران الى الحضيض، وساهمت سياسة تصدير الثورة التي تبناها، وأعلنها في القضاء على ما تبقى من عقل في رأس صدام، ودفعه إلى محاولة «التغدي» بنظام الخميني، قبل قيام هذا بــ«التعشي» بنظامه!
وهكذا عاشت المنطقة برمتها في جحيم على مدى 8 سنوات، فقد خلالها مئات الآلاف أرواحهم، واصيب الملايين بجروح وندوب نفسية وجسدية دائمة، وخلفت الحرب ملايين المقعدين والأرامل والأيتام في البلدين، وفوق ذلك ضاعت مئات مليارات الدولارات في شوارع المدن، أو دفنت تحت رمال الصحراء الحارة. وعندما حانت فرصة الخميني لكسب الحرب، ولو معنويا، عندما نجحت قواته في اخراج العراقيين من أرضه، وأعطي فرصة فرض شروطه على العراق وبقية دول المنطقة، إلا انه، كرجل دين مسكون بالشك من الآخر، وبعدم ادراكه لما تعنيه السياسة من فن الممكن، وبسبب ايمانه بالمظلومية، وبإرث تاريخي لا يسمح بقبول التسوية وحلول الوسط، فقد رفض الخميني كل محاولات التهدئة والصلح وأصر على السير في خيار الحرب الى النهاية، وانتهى الأمر به الى الاضطرار لتجرع كأس السم، على حد قوله، والقبول بالصلح مع عدوه الشخصي صدام حسين! ولولا تلك الحرب العبثية وما خلفته من دمار وخسارة مالية ضخمة للعراق (كون صدام لم يعبأ يوما بالخسائر البشرية) لربما لم يفكر ذلك المعتوه في غزو الكويت.. على الأقل بكل تلك الفجائية والفجاجة والحقد.
ان النظام الديني الذي وضعه آية الله الخميني، والذي لايزال ساريا في ايران، هو الذي أزاح آية الله منتظري، الخليفة المتوقع، وجعله رهين محبسه، وهو الذي حدد اقامة آية الله شريعتمداري، أكبر رجال دين عصره، وفرض التعتيم عليه، الى أن مات، وهو الذي قتل وشرد وسجن جميع أبناء الثورة وقادتها الحقيقيين من أمثال بازركان وبني صدر وإبراهيم يزدي والمئات غيرهم، وهو الذي فرض رجل دين مغموراً متواضع المعرفة الدينية، مرشدا وقائدا أعلى للجمهورية من بعده، وبسلطات لا يحلم بها أي دكتاتور في جمهورية موز أو دولة افريقية متخلفة، فالغطاء الديني، الذي يرسم هالة كبيرة من العظمة على رأس المرشد، أقوى من جيوش دول عدة!
ما حدث في ايران اخيرا، ونأمل ألاَّ يتغير الأمر قبل نشر هذا المقال، هو بحكم الزلزال. فاحتمال وقوع انقلاب عسكري في ايران، أمر مستبعد بسبب تعدد مراكز القوى وتشابكها، ولكن الشعب الذي أسقط الشاه في الشارع قبل 30 عاما، وفي ظاهرة تاريخية لم تتكرر منذ الثورة الفرنسية، بإمكانه أن يفعل الأمر ذاته، لتغيير النظام بصورة سلمية، لتعود ايران دولة صديقة وجارة عزيزة، كما كانت في السابق.
•••
ملاحظة: على الرغم من كل ارتباطاتي، لكنني لم أقم بزيارة ايران خلال 40 عاما تقريبا الا مرة واحدة، وكان ذلك خلال فترة الاحتلال الصدامي للكويت، وكانت لبضعة أيام فقط ولغرض تجاري بحت!

أحمد الصراف
habibi [email protected]