اقتلني ولا تطلب مني الحديث في ندوة، بل لا تَدْعُني إلى حضور الندوة من الأساس، فأنا أكره الندوات وأكره حاملها وكاتبها وبائعها وشاريها والذي يمر في شارعها. وهذا إقرار مني واعتراف بعدم صلاحيتي للندوات، فأنا رجل يعشق الورقة والقلم وتقديم البرامج، أما غير ذلك فربّنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا.
وعندما أقول «غير ذلك» فأنا أعني كل ما هو «غير ذلك» بالفعل، وبمعنى الكلمة. فأنا مهندس لا أفهم الهندسة، بل إن علاقتي بالهندسة مثل علاقة النائب عادل الصرعاوي بنائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد الفهد، كره وحقد عميق، من طرف واحد. والصرعاوي كانت له جماهيرية عظمى في قلوب أبناء الدائرتين الرابعة والخامسة، لكنه سقط من أعينهم وقلوبهم غير محسوف عليه، بعدما صار همه الوحيد تعقّب الفهد مثل ظله، فتضاءل حجمه إلى أن اختفى خلف نقطة. لكنه الآن والحمد لله بدأ يتشافى ويتعافى من مرض أحمد الفهد، وها هو يتقدم باقتراح لدراسة ظاهرة الكتابة على الجدران.
المهم أنني لا أحب الندوات ولا أحب من يحبها، وفي هذه الأيام انتشرت الندوات، اللهم يا كافي، انتشار السرطان في جسم المريض. فالشعب الكويتي الأبيّ كله يؤسس تجمعات، والتجمعات تعقد الندوات، والندوات كئيبة، مملة رتيبة، لا فائدة منها ولا عائدة. ومع ذلك تتكاثر. أمر غريب. هل نعشق النكد إلى هذه الدرجة؟ أم أن الفراغ وغياب «الدولة» هما السبب؟ يجوز هذا وذاك.
الأمر الغريب الآخر هو رغبة الشعب كله في الكتابة في الصحف، وكأن ما لدينا لا يكفينا، فجريدة مثل الزميلة «الوطن» يكتب فيها نحو مئة كاتب، منهم النظامي ومنهم الميليشياوي، أي الذي يكتب في فترات متقطعة. وآخر المنضمين إليها هو نائبنا المفضال سيد القلاف، الذي يرتدي لباساً خاصاً لم أره على أي معمم سواه، ركّزوا على بشته، وحاولوا أن تجدوا له مثيلاً بين المعممين، الأحياء منهم والميتين، ثم ركزوا على ماركة قميصه، وستجدون علامة «فيرساتشي» تظهر بوضوح، وهذا دليل على أن الرجل يواكب العصر. لكن السؤال الذي لم يواكب إجابة عندي هو: أليس أتباع القلاف هم من قادوا مسيرة احتجاجية ضد جريدة «الوطن» قبل سنوات، ورموا الصناديق أمام مبنى الجريدة انتصاراً له؟ طيب ما الذي تغيّر في الأمر كي يكتب القلاف فيها عموده الصحافي؟ لا أدري.
أقول إن الشعب الكويتي كله يريد أن يتحول إلى كتّاب أعمدة صحافية، ولا أدري من الذي سيقرأ حينئذٍ. يا رحمة الرحمن.
كما امتلأت الديرة بالندوات، ستمتلئ بكتاب المقالات فترة من الزمن، ثم تختفي الندوات وينقرض كتّاب المقالات وتتلاشى بعض الصحف.