يبالغ من يقول إن مدينة المحرق العامرة، لا يمكن أن تكون «هي المحرق» من دون المقاهي الشعبية، أو لا يمكن أن تكون أسواق المحرق هي التي تعرفها المحرق ويعرفها أهل البحرين من دون اللقاءات والجلسات التي تحتضنها تلك المقاهي الشعبية يوميا وفي مختلف الأوقات وخصوصا في المساء، أصلا، حالها في ذلك حال المنامة العاصمة.
نعم، حين يقال إن المحرق لا تكون هي تلك المدينة العامرة إلا بمقاهيها الشعبية، ففي ذلك تجاهل لموروث تاريخي وحضاري كبير من الأصالة والمحافظة والمعاصرة في آن واحد، لكن لا يمكن مسح الصورة التراثية لمقاهي مدينة المحرق التي ربما نشأت في أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي وفصلها عن حاضر المحرق اليوم، بل شهدت الكثير من المقاهي التراثية القديمة خلال السنوات العشر الماضية تجديدا كتراث ومظهر شعبي وأماكن للترويح واللقاءات بين الأهالي من مختلف مناطق وأحياء المدينة.
خلال الأيام الماضية، أثارث قضية إغلاق أحد المقاهي ردود فعل متفاوتة، فهناك فريق يرى أن القرار صائب لما فيه حماية للصغار والناشئة من مخاطر الشيشة، وكذلك إنهاء معاناة الإزعاج التي يتعرض لها القاطنون بالقرب من تلك المقاهي، في حين يرى فريق آخر أن تطبيق اللوائح القانونية المنظمة وحماية الناشئة والصغار لا يجب أن يتحول إلى شكل من أشكال الحجر على الحريات الشخصية، وحرمان الناس من أماكن الترويح، والمقاهي الشعبية أولها، وخصوصا أن شريحة كبيرة من أهالي المحرق، بل ومن كبار شخصياتها ورجالاتها، يلتقون ببعضهم البعض في المقاهي التي اعتادوا على ارتيادها منذ سنين.
من المؤسف حقا، أن تتحول قضية (المقهى) التي بلغت مبلغا من النقاش إلى حد صدور توجيهات عليا تقضي بتأجيل تنفيذ الحكم القضائي إلى حين الوصول إلى حلول توافقية بين أصحاب الدعوى وأصحاب المقهى ومرتاديه بعد المناشدات… من المؤسف أن تتحول إلى حال من الخلاف، وإن كانت محدودة، فالمحرق وأهلها مشهود لهم بالانفتاح، وفي ذات الوقت، المحافظة على العادات والتقاليد دون إسفاف، ولأن النسيج الاجتماعي متنوع ومتناغم، فإن لكل شريحة حقها في ممارسة حياتها بالشكل الذي يناسبها، على أنه من اللازم تركيز الاهتمام على إيجاد المزيد من المشروعات الترفيهية والسياحية، سواء من قبل النواب أو من قبل المجلس البلدي أو من جانب بلدية المحرق.
قبل قضية هذا المقهى، ومنذ فترة زمنية ليست ببعيدة، كانت العيون مركزة على مقهى (بو خلف) وهو مقهى تاريخي يعود تأسيسه إلى مطلع القرن الماضي وليس من الهين إغلاقه! وهو الذي مثّل ولا يزال يمثّل جزءا من حياة الكثير من أهل المحرق، ومع بروز قضية مقهى (المرواس)، تجدد الحديث عن وجود توجه لحرمان أهل المحرق من صورة تراثية ارتبطوا بها كثيرا، وهنا، لا يعترض الكثير من مرتادي المقاهي الشعبية على ضبط المخالفات، لكن الاعتراض يرتكز على تقليص مساحات الترويح شيئا فشيئا في ظل محدودية الخيارات الأخرى… فلا شواطئ مناسبة، ولا متنزهات ومراكز ترفيهية للأطفال والعائلات تفي بالغرض، اللهم إلا القليل القليل منها.
وبعد، من غير اللائق اعتبار أهل المحرق الذين يرفضون إغلاق المقاهي الشعبية أنهم (أباليس) أو غرباء أو ما شابه من تسميات وأوصاف نشبت بدرجة مثيرة للاستغراب حتى في بعض المواقع الإلكترونية، وتحولت إلى ساحة لتبادل الاتهامات والهجوم على بعض الشخصيات من نواب وبلديين ومثقفين وغيرهم، والحال ذاته، لا يمكن اعتبار من يطالب بضبط المخالفات في المقاهي على أنه من المد الساعي للحجر على حريات الناس! لكن، من الصعب على ما يبدو اقتلاع المقاهي الشعبية من الحياة اليومية للكثير من أهالي المحرق… هكذا يبدو، فلا تجعلوها قضية مصيرية يا جماعة يتناحر بسببها الناس… واتركوا لهم خياراتهم.