سامي النصف

قبل الحديث عن الدائرة الواحدة

واضح ان مقدمي مقترح الدائرة الواحدة ليسوا اكثر فهما وقدرة وذكاء وحكمة من «جميع» حكماء وخبراء الديموقراطيات الاخرى التي تؤمن بأن الممارسة الديموقراطية الصحيحة لا تتأتى من دمج جميع الشرائح السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية بدائرة واحدة تسيطر عليها المجاميع الاكثر عددا والاشد تنظيما ـ ايا كانت ـ حاصدة جميع الكراسي النيابية تاركة 49% من الشعب بها هو اقرب لمصير السود في جنوب افريقيا او اليهود في المانيا النازية.

ان لدينا تباينات شديدة في الممارسة السياسية في الدوائر الخمس تمنع في الوقت الحالي دمجها، فالدائرة الاولى كما اتى في الملف الاحصائي للباحث الاخصائي الزميل صالح السعيدي تحتوي على 60% سنة و40% شيعة، ومع ذلك فاز 7 من الشيعة مما يدل على التسامح الكبير فيها، كما يمثل الحضر 75% من الدائرة والقبائل 25%، ومع ذلك لم تجر فرعيات حضرية لابعاد ابناء القبائل الكرام، ففاز منهم عدة نواب، كما فاز بالمركز الاول سيدة مما يدل على ان الممارسة الديموقراطية في الدائرة الاولى تقترب من الممارسات الديموقراطية في ارقى الدول المتقدمة.

والامر كذلك في الدائرة الثانية التي يبلغ الحضر فيها 78% والقبائل 22% والسنة 86% والشيعة 14%، وتظهر الدائرة تسامحها ورقي ممارستها بعدم وجود فرعيات للاكثرية فيها تبعد الآخرين فيفوز ابناء القبائل الكرام والشيعة والنساء، ومرة اخرى تتطابق الممارسة السياسية في الدائرة مع اكثر الممارسات رقيا في العالم.

الدائرة الثالثة تحتوي على 87.5% حضرا و12.5% قبائل و86% سنة و14% شيعة، ومع ذلك تخرج الدائرة نواب قبائل وشيعة ونائبتين، ومرة ثالثة تثبت الدوائر الصغيرة التي ستذوب حال التحول لنظام الدائرة الواحدة رقيها وتسامحها، والواجب ان نشهد مثل تلك الممارسة في الدوائر الاخرى «قبل» الحديث عن الدمج لا بعده.

وتحوز اكبر قبائل الدائرة الرابعة 17% من اصوات الناخبين (17 الفا)، وثاني اكبر القبائل 13% (13 الفا)، وتحصد القبيلتان الكريمتان اللتان يبلغ مجموعهما 30% من الاصوات بسبب الفرعيات 90% من الكراسي الخضراء، ولا يظهر في الافق اي امل بفوز النساء او القبائل والفخوذ الصغيرة او الحضر او الشيعة لا بسبب عدم الكفاءة بل بسبب الانتماء العرقي رغم انهم يمثلون 70% او سبعين الفا من الناخبين.

ويفوز عادة مرشحو القبيلتين الكبيرتين في الدائرة الخامسة وهي الاكثر بالفرعيات كما تظهر الاحصاءات بأصوات تقارب 15 الف صوت للائحة الفائزة مما مجموعه 110 آلاف، اي اقل من 14%، دون اعتبار مرة اخرى للنساء او الشرائح الاخرى في الدائرة، كما ان فوز تحالف الاقليات الاخير بـ 3 مقاعد لا يقل سلبا عن مخرج فرعيات القبائل الكبيرة كونه يعتمد بالمطلق على رابطة العرق والدم لا على الكفاءة والقدرة والطرح السياسي كما هو الحال في الدوائر الثلاث الاولى، مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص امام الجميع.

آخر محطة:
1 ـ يجب ان تتشابه الممارسة السياسية الصحيحة في جميع الدوائر لا البعض منها قبل الحديث عن الدائرة الواحدة، والا فستطغى الممارسة السالبة وتنتقل الفرعيات من بعض الدوائر الى جميعها ضمن الدائرة الواحدة.

2 ـ ستحتّم الكلفة المالية الضخمة للترشح ضمن الدائرة الواحدة الا ينزل للانتخابات الا الاثرياء او المدعومون بالمال السياسي الداخلي او «الخارجي» وهنا مكمن الخطورة.

3 ـ مصير الشعوب والاوطان لا يجوز ان يصبح عرضة لـ «خفيّة» اصحاب نظرية «خلونا نجرب وبعدين نشوف».

4 ـ العزل المتوقع ضمن مشروع الدائرة الواحدة لشرائح كبيرة ومؤثرة من المجتمع الكويتي سيجعلها تطالب ـ وليس السلطة ـ بوقف العملية الديموقراطية للابد.

5 ـ اذا صعب او استحال وقف الفرعيات على مستوى دائرة لا يزيد عددها عن 100 الف، فماذا سيحدث عندما تتفشى الفرعيات ضمن الدائرة الواحدة ذات المليون مواطن؟!

6 ـ اذا كانت جائزة 4 او 10 كراسي خضراء قد تسببت في الممارسات الخاطئة والتصدي لرجال الامن وضرب الوحدة الوطنية، فماذا سيحدث عندما تكون الجائزة 50 كرسيا اخضر لامعا؟ وماذا سيعمل من يفوز بها تجاه المطالبات الشعبية المدغدغة وميزانية الدولة؟

7 ـ من يتكلم عن النسبية ضمن القائمة الواحدة في الدائرة الواحدة عليه ان يرى ماذا فعل ذلك النظام بالعراق المنكوب.

8 ـ لا أستبعد دون مبالغة ان يصل التناحر على الجائزة الكبرى الممثلة بـ 50 كرسيا اخضر ضمن الدائرة الواحدة الى حدود الحرب الاهلية.

9 ـ لم يقصد من المقال الا الخير للجميع عبر تعزيز الوحدة الوطنية والارتقاء بالعملية الديموقراطية والقضاء على التفرقة والفئوية.

احمد الصراف

تذاكي الأحزاب الدينية

ذكرت في مقال نشر قبل سنوات ان معارضة الاحزاب الدينية لمنح المرأة حقوقها السياسية لم تنطلق اصلا من الصفاء الديني أو الانسجام مع النص، بل ان رفضهم كان ينبع من نوايا خبيثة، فبالرغم من علمهم التام وثقتهم الكبيرة بمقدرتهم على التحكم في اصوات المرأة وتجييرها لمصلحتهم في أي انتخابات برلمانية، بسبب المجاميع الكبيرة التي كانت تقف في صفوفهم في الانتخابات الطلابية وفي جمعيات النفع العام والمجتمع المدني، فإنهم كانوا أيضا على ثقة بأن هذا الولاء «النسائي» لن يطول كثيرا، وان المرأة متى ما خرجت من تحت عباءة فكرهم وتنسمت رياح الحرية، وعرفت ما يمثله صوتها وحقها السياسي من قوة، فإن ولاءها للفكر المتخلف لن يطول كثيرا. ولهذا استماتت القوى الدينية بكل اطيافها في منعها من حقوقها، ولكن لم يكن من الممكن وقف عجلة التاريخ من الدوران الى الابد! وما ان حصلت المرأة على حقوقها كاملة حتى رأى الجميع وصولية المنتمين للاحزاب الدينية، وكيف غيروا استراتيجياتهم بالكامل، واصبحوا يتذللون للمرأة ويحاولون كسب ودها لنيل صوتها بشتى الطرق. ولو قام احد بمراجعة سريعة لندوات مرشحي الاحزاب الدينية وما قالوه في المرأة ومكانتها وحقوقها لوجد الحجم الكبير لذلك الانقلاب في فكر هذه الاحزاب الوصولية ومواقفها التي لم تستطع وقف حتمية ما حدث!
ان وصول المرأة الى البرلمان بعد نيل حقوقها لا يعني انتهاء المعركة وقبول الطرف الآخر المتخلف بالهزيمة، فلا شك ان النائبات سيواجهن مصاعب كبيرة في وظائفهن الرقابية والتشريعية القادمة، وبالذات من زملائهن الرجال! فغالبية هؤلاء رضعوا كراهية المرأة والحط من قدرها منذ الطفولة، وكل ما يقولونه الآن ويدّعونه من مناصرة لها ولحقوقها لا ينم عن شعور صادق، فهم لم يولوها قط كثير اهتمام في حياتهم، ولكنها اصبحت فجأة محط انظارهم وملء سمعهم وبصرهم، سياسيا، بعد ان اصبحت صوتا انتخابيا مؤثرا، خصوصا مع زيادة اهمية دورها وتأثيرها وثقافتها السياسية.
ولو قامت «سكرتارية» نائبات المجلس بمراجعة وجرد الكم الكبير من التصريحات والوعود التي بذلها هؤلاء النواب بجزالة، عندما كانوا مرشحين، لوجدت فيها الكثير مما يصلح الاستعانة به واستخدامه كأداة في كسب هؤلاء النواب لمصلحة قضايا المرأة. هذا على افتراض صدق نواياهم، خصوصا ان العديد من هؤلاء سبق ان صرحوا بانهم سيسعون لتحسين معيشة المرأة ورفع مستواها وازالة ما لحق بها من ظلم جراء القوانين التي اقروها بأنفسهم، وأنهم سيعملون على انصافها بتعديل كافة التشريعات التي تعنى بشؤونها، والعمل على منح ابناء الكويتية المتزوجة بغير كويتي الحق في الحصول على الجنسية، وتسهيل قوانين الاسكان، ومساواة المرأة بالرجل في الاجر والعمل، ورفع نسبة مشاركتها في المناصب القيادية، وفتح كافة مجالات العمل لها! ولكن لو قمنا بمراجعة مشاريع القوانين التي تقدم بها اي من هؤلاء النواب «الكرام في وعودهم الشفوية» لما وجدنا أيا منهم اهتم بهذا الامر اكثر من غيره، ولو أننا نتوقع من البعض منهم الكثير الآن. وعلى النائبات في المجلس تذكير هؤلاء النواب بوعودهم الانتخابية التي قطعوها للناخبات في مخيماتهم الانتخابية.

أحمد الصراف