سامي النصف

خطاب الألفية

خطاب حسن النوايا الذي ألقاه الرئيس باراك اوباما في قاهرة المعز احتوى على كلمات ومعان لم يسمع بمثلها العالمان العربي والاسلامي منذ الف عام اي مع بدء الحملات الصليبية في 18 نوفمبر 1095 والتي قسمت حوض البحر المتوسط الى دول مسيحية في الشمال واسلامية في الجنوب وقد تمر الف عام اخرى قبل ان نسمع بمثل هذا الخطاب التاريخي الفريد والذي اصبحنا في ختامه كمسلمين ومسيحيين ويهود وعرب واميركيين واسرائيليين وايرانيين شركاء في حل مشاكل المنطقة المزمنة والمستعصية بدلا من القاء اللائمة على بعضنا بعضا.

وقد كان مستغربا ان تأتي ردود الفعل السالبة والمتشنجة بعد دقائق قليلة من انتهاء الخطاب، ولم يكن مستغربا على الاطلاق ان يتشابه الى حد التطابق خطاب المتطرفين والمتشددين من اسرائيليين وفلسطينيين وايرانيين واميركيين الذين تصدوا له مما يؤكد ان ملة التشدد والتطرف واحدة، ولم يكن مفهوما ان يطالب ممثلو منظمة حماس بأن يظهر اوباما للعالم حسن نواياه عبر الافعال لا الاقوال متناسين مطالبته بوقف الاستيطان واعترافه بالدولة الفلسطينية اضافة الى اغلاقه لمعتقل غوانتانامو وقرار سحب قواته من العراق وبدء حواره مع ايران وزيارته للسعودية والقاء خطابه من جامعة القاهرة.

لقد كانت المصلحة الفلسطينية تقتضي من قيادة حماس ان تتروى في رد فعلها الغاضب وان تقوم بالتصالح مع رجال السلطة والتشاور معهم حول المسار الامثل والطريق الافضل لاستغلال تلك البادرة التاريخية والاستفادة منها مستحضرين حقيقة ان القضية الفلسطينية هي قضية «الفرص الضائعة» ومستذكرين بادرة الحكومة البريطانية عام 1937 لحل الاشكال الفلسطيني عبر لجنة بيل الملكية التي اعطت العرب 90% من الارض ووعدا بدولة فلسطينية مستقلة فلم تجد من ممثل الممانعة آنذاك المفتي امين الحسيني الا الرفض المبكر ثم البكاء اللاحق على اللبن بعد سكبه.

وعلى العرب جميعا ان يوحدوا الصفوف في مرحلة ما بعد الخطاب التاريخي للخروج بتحية مماثلة او احسن منها للولايات المتحدة وقيادتها التاريخية توازيا مع التوقف الفوري عن الخطاب الغوغائي والتحريض المعتاد واستبداله بورقة عمل وخارطة طريق واضحة المعالم وخطاب عربي عقلاني متفق عليه «يعطي بقدر ما يأخذ» ولا يتعامل مع الآخر بمنطق كاذب يصورنا وكأننا منتصرون يملون شروطهم على طرف مهزوم.

آخر محطة:
1 – اختيار مصر لا اندونيسيا لالقاء الخطاب هو تقدير لمصر ولقيادتها التاريخية.

2 – يحسب لوزير الثقافة المصري د.فاروق حسني عمليات التجديد والعناية التي اختص بها آثار مصر ومنها مسجد السلطان حسن الذي اظهر العمارة الاسلامية بأجمل صورها.

3 – لدي يقين بأن 95% من المصريين و99% من العرب الزائرين للقاهرة لم يقوموا بزيارة ذلك المسجد الرائع.

احمد الصراف

علمانية برنارد ستازي*

يقول برنارد ستازي ان العلمانية تعني التسامح أولا**، كما تعني الانفتاح على الآخر، وحرية الاعتقاد والتعددية، وتسمح العلمانية لنا بالعيش معا في احترام متبادل لاختلافاتنا، سواء كنا مؤمنين مسلمين، كاثوليكيين، يهودا، بروتستانت او بوذيين او من غير معتقد، ولا يعني ذلك ان العلمانية من غير محظورات او ضوابط.
وكما فتحت الكنيسة الكاثوليكية، وقبلها بكثير الكنائس الاخرى، قلبها وعقلها للعلمانية، فإن على المسلمين ان يفهموا، وبسرعة، ان هذه العلمانية تفتح لهم ذراعيها مرحبة.
ويعتقد ستازي بأن ارتداء الحجاب له عدة معان وتفسيرات، ولكنه، بشكل موضوعي، يدل على انصياع المرأة لقوانين الرجل، وان قانون حظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس الفرنسية الذي صدر قبل 5 سنوات يلاقي نجاحا كبيرا، ولكن البعض يعتقد انه فرض ضد المسلمين بالذات، وهذا يجعلهم يشعرون بأنهم مستهدفون، وهو امر قد يتيح الفرصة للمتطرفين لزيادة تعصبهم، كما يمكن ان يؤدي الى زيادة عدد المدارس الاسلامية في فرنسا، وسيكون ذلك امرا مؤسفا ومغايرا للنتائج المرجوة.
نورد ذلك في ضوء المعاملة السيئة، التي تزداد سوءا، والتي يلقاها غير المسلمين في مجتمعاتنا، خصوصا المسيحيين، واوضاع مصر ولبنان وسوريا وايران واخيراً غزة والعراق خير مثال!! فأتباع الديانات من غير المسلمين، حتى المسلمين من غير اتباع مذهب الاغلبية، هم في هجرة مستمرة منذ اكثر من 30 عاما، وبتشجيع واضح من الحركات والاحزاب الاسلامية المتطرفة، وقد خسر الكثير من الدول العربية والاسلامية كمًّا هائلاً من الكفاءات التي فضلت الهجرة لأوروبا واميركا واستراليا. هذا ويساهم، اضافة الى خطورته في تفريغ المجتمعات من الكفاءات النادرة، في زيادة تعصب وتطرف المجتمعات التي هاجروا منها لاعتقادها بعد ان أصبحت نسيجا واحدا من لون احادي منفر بأنها على حق والآخرون على ضــلال.
ان جمال اي مجتمع ورقيه يكمنان في الانسجام بين أعراقه وثقافاته، فهذا هو التحدي الحضاري، وليس التفرد والوحدانية والانزواء!
***
* هامش:
(*) شخصية سياسية فرنسية ورئيس اللجنة المستقلة لتطبيق مبدأ العلمانية في فرنسا.
(**) لا توجد ترجمة لـ Tolerance في «العربية» غير «تسامح»، والتي لا توفي المعنى حقه.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

جماعة المدمن المجهول… ابقوا معنا!

 

لا يعرف الكثير من المواطنين والمقيمين الشيء الكثير عن جماعة المدمن المجهول، لكنهم مجموعة من المتطوعين من الشباب والشابات، ومن بينهم متطوعون أيضا من الأطباء والباحثين الاجتماعيين، يعملون من أجل مساعدة المدمنين على المخدرات والعقاقير والمهدئات لمواجهة واقعهم بجرأة وبإرادة للتوقف عن الإدمان، وهي مهمة صعبة للغاية.

هذه الجماعة، التي تنتشر في الكثير من دول العالم ومنها دول الخليج العربي، يجب أن تبقى في المجتمع، ويلزم وجودها أن تحظى بالدعم المعنوي على الأقل، فحسب نظام الجماعة، فإنها لا تقبل الهبات والتبرعات المالية بل ويجب أن يبقى أعضاؤها مجهولين، لكن عملهم وأهدافهم الإنسانية والخيرية الحضارية هي التي يجب أن تظهر. في شهر يونيو/ حزيران من كل عام، وهو الشهر الذي يحتضن اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في يوم السادس والعشرين منه، تنشط البرامج والفعاليات الموجهة للمجتمع، ولفئة الشباب والمراهقين تحديدا لزيادة التوعية بمخاطر المخدرات من جانب وزارات الداخلية والصحة والجمعيات الشبابية والأندية والمراكز والصناديق الخيرية، وإذا قلنا إن جماعة المدمن المجهول هي جماعة مجهولة اسما ووصفا، لكن لابد من أن يكون لها حضور في هذه الفعاليات فلعلهم الأقرب الى تجارب الشباب الذين وقعوا في الإدمان، وتعرضت حياتهم الأسرية والاجتماعية للتدمير، لكنهم نجوا بفضل من الله سبحانه وتعالى وبفضل جهود هذه الجماعة، وإن كانت صغيرة من ناحية العدد والإمكانات. يقول أحد الشباب: «كانت تجربتي مع الإدمان مريرة للغاية… إن مجرد تذكر بضع مواقف وحوادث وظروف مررت بها كفيل بأن يهزَّ كياني هزّا، لكنني أيضا أتذكر ذلك اليوم الذي توجهت فيه بمساعدة أحد أقاربي الى مستشفى معروف لحضور اجتماع لجماعة أو زمالة المدمن المجهول، وعلى رغم صعوبة ظرفي وإدماني، لكنني وجدت أن فرصتي في النجاة والتحرر من الإدمان مواتية، وهكذا قويت عزيمتي واشتدت إرادتي لمواجهة ما أنا فيه من بلاء، وهذا ما يجعلني أحمل زمالة المدمن المجهول والجهات التي تسعى لمكافحة الإدمان الى حضور أقوى في المجتمع مع وجود أعداد كبيرة من المدمنين، شبابا ومراهقين، فهؤلاء في حاجة ماسة الى (النجاة) من الإدمان». قراءة ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع البحريني تأخذ أكثر من صيغة، لكنها تتطلب اعترافا بضرورة تشديد العقوبات على تجارها ومروجيها والتصدي لهم مهما كانت مواقعهم ودرجة نفوذهم وقوتهم، فهم ليسوا إلا تجار (موت) يريدون تدمير عماد الأمة وهم الشباب، ولعلني أتذكر ما طرحه الباحث التربوي البحريني نادر الملاح من سلاح التوعية، لا يزال ضعيفا في مواجهة سلاح (التجار)! فمن المعروف أن أحد أهم الأساليب المتبعة لمواجهة هذه الظاهرة، هو التوعية والتثقيف، فعلى صعيد التوعية لا نسمع إلا عن ندوة هنا أو هناك، أو كتيبات في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، أما في بقية أيام العام يغيب دور الجهاز الإعلامي، فنجده متفرغا لبرامج «الفيديو كليب»، أو الأفلام الماجنة. والأمر ذاته ينسحب أيضا على مؤسسات المجتمع المدني، إذ إن التوعية من جانبها تكاد أن تكون شبه مفقودة، في الوقت الذي بوسعك أن ترى أن الجمعيات السياسية وغير السياسية تستعرض عضلاتها في المضمار السياسي، وكذلك رجال الدين أيضا، وقس على ذلك بقية قطاعات المجتمع، وخصوصا الصحافة – فللأسف – عند اللجوء إليها لنشر موضوع اجتماعي، أو لتسليط الضوء على مشكلة اجتماعية، تبقى المقالات في آخر الصف – هذا إذا نُشرت – وأنا أتحدث هنا عن صحافتنا المحلية من دون استثناء.

أما العامل الآخر – كما يرى الباحث الملاح – فهو العامل الأسري، فالإحصاءات تشير إلى الكثير من حالات التفكك الأسري في المجتمع البحريني وخصوصا في السنوات الأخيرة، لدرجة أن إحدى الدراسات المحلية تشير إلى أن حالات الطلاق في المملكة بلغت ثلث حالات الزواج، أي بنسبة 1 من 3، ومن البديهي جدا أن تكون لهذا التفكك الأسري عواقب وخيمة تدفع باتجاه الانحرافات السلوكية بأنواعها كافة.

كل تلك النقاط جديرة بالاهتمام ونحن نتعامل مع مشكلة اجتماعية خطيرة، وليست مسئوليتها ملقاة على عاتق جماعة المدمن المجهول ولا على الباحثين فحسب… فهل سنرى قريبا استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات تضع في اعتبارها خطورة هذه الظاهرة بكل أبعادها؟