انقلبت حياة ذلك الشاب رأسا على عقب منذ اليوم الأول الذي توجه فيه إلى أحد ممارسي السحر والشعوذة والدجل تحت عنوان «الرقية الشرعية»، فأصبح في صراع دائم مع نفسه إلى الدرجة التي بلغت من الخطورة ما أثر على استقرار أسرته الصغيرة، فقد ترك عمله الحكومي بسبب ما ألمّ به من تشتت فكري واضطراب نفسي، ليعمل يوما في بيع السمك، ويوما في المعادن والمخلفات من الحديد و «السكراب»، ويوما يطلب رزقه من البيع في الأسواق الشعبية المتنقلة.
وكلما مر يوم جديد، تضاعفت معاناته ومعاناة أسرته وأقربائه وأصدقائه والسبب في ذلك، تلك الأفكار والخزعبلات التي ملأ بها ذلك المشعوذ رأسه ووجدانه، فأصبح كل إخفاق أو عدم توفيق في حياته مردّه للجن، وكل خطوة يخطوها فلا تنجح يربطها بالسحر، وكلما وقعت مشكلة في حياته، أرجعها الى أن هناك مَن عمل له «عملا» ليؤذيه ويؤذي أسرته… أما التفكير العقلاني، فلم يعد له مكان في حياته.
هذا الشاب، في ظني، ليس وحده! فهناك الكثير من الناس، من فقدوا الثقة في الله سبحانه وتعالى، ورهنوا أنفسهم للأفكار الشيطانية ومس الجن وتأثير الحسد، حتى تحولت حياة بعضهم الى جحيم… ففي كل ليلة، يحاصرهم الخوف والقلق من تأثير الجن والعفاريت، وأصبحت قيود السحر والحسد تلازمهم أينما كانوا، على رغم الأموال التي صرفت لتذهب إلى جيب مشعوذ هنا، أو دجال هناك، وتصبح الحال أشد صعوبة، حينما يكون العلاج في الحصول على رأس أفعى، أو ناب ثعلب لتكتمل الرقية، ويصبح الحجاب الذي يحمي ذلك الإنسان من أذى الجن والعفاريت، مكتملا مع توفير ما طلبه الدجال، وهي في الغالب مطالب تعجيزية.
في مجتمعنا، لا يزال الكثير من الناس يتوجهون إلى ضاربي الودع وخبراء فك السحر وإزالة الحسد، ومن بينهم فئات متعلمة، لكن ما يجمعهم هو أمر واحد، لا يفرق بين متعلم وأمي، ألا وهو اليأس وسيطرة النظرة السوداوية للحياة على عقولهم وقلوبهم، حتى أن قنوات فضائية خصصت كل عملها لاستضافة أولئك الذين يقرأون الطالع ويفكون السحر ويكشفون سر البلاء على الهواء مباشرة، ولا ضير في أن ينصح أولئك (الدجالون)رجلا أو امرأة بقراءة سورة البقرة 117 مرة لمدة ثلاثة أيام في غرفة لا يحجبها سقف!
والأغرب من ذلك، أنك ربما تسمع من أحد معارفك أنه حاول الاتصال عشرات المرات، لكنه لم يظفر بالفرصة الذهبية للتحدث مع الدجال أو الدجالة طالبا منهم العون فيما ألمّ به من بلاء مقيم لشدة انشغال الخطوط الهاتفية.
هي في الحقيقة تجارة رابحة، تدر على أصحابها أهل الدجل الكثير من المال، لكن المعضلة تكمن في بعض الناس من يدركون حرمة التوجه إلى أولئك المشعوذين شرعا، ومع ذلك، يتركون أهل العلم، ويتجاهلون تعاليم الدين الحنيف في تكوين شخصية الإنسان المسلم المؤمن بالقضاء والقدر، والذي يضع ثقته كاملة في الله سبحانه وتعالى، ثم يدمرون أنفسهم بأنواع من الطلاسم والأحجبة والخزعبلات، بعضها يربط حول الذراع، وبعضها الآخر يربط على الفخذ، وبهذا، فإنهم يتسلحون بالأحجبة ويسلمون أمر حمايتهم لها، متناسين أن من يتوكل على الله فهو حسبه.
الكثير من الأسر تعيش اضطرابا مؤسفا بسبب هذه الممارسات، ولعلنا نعبر عن أملنا في ألا يهمل علماء الدين في نشاطهم الوعظي والإرشادي توجيه الناس وتكثيف تحذيرهم من هذه الأمور، ثم من الأهمية بمكان أن يكون للمعلمين والمعلمات دور في إزالة هذه الأفكار من عقول الكثير من الطلبة، وفي ظني، أنه من المهم التركيز إعلاميا على مثل هذه القضايا، وهي وإن كانت مجهولة لكنها منتشرة بين الكثيرين من دمر الدجالون حياتهم