قمنا بكل ما نملك من جهد وحجة، وما استطعنا المساهمة بجمعه من مال، قمنا بما هو مطلوب منا لإيصال نائبات للبرلمان، ولا نقول ذلك من باب المنة، بل لتشجيع غيرنا مستقبلا للقيام بالشيء نفسه، وغني عن القول أن عملنا هذا تم من غير غاية أو مطلب شخصي، بل لما أملاه الواجب علينا. ومن هذا المنطلق نشعر بأن من واجبنا كذلك أن نطلب منهن جميعا التحلي بروح الفريق الواحد، والعمل على إثراء تجربتهن وإنجاح دورهن في البرلمان القادم، فغالبية «زملائهن» الجدد، وغيرهم من قوى التخلف في المجتمع، لن يكتفوا بتمني الفشل لهن، بل سيسعون لتحقيق ذلك بشتى الطرق.
إن من أولى أولويات النائبات الجديدات إعادة النظر بصورة جذرية في النظرة الذكورية المتدنية لمكانة المرأة في المجتمع. وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير إعادة النظر في الأنظمة والقوانين البالية التي نزعت الروح من مكتسبات المرأة المدنية. فنظام التقاعد المبكر وإطالة أمد إجازات الولادة والرضاعة لم يهدف مشرعوها من ورائها تحقيق الرخاء والسعادة للأم بقدر رغبتهم في إبعادها عن ميدان العمل، وتفريغ دورها من معانيه السامية، ومنعها من أن تكون مستقلة ماديا وقوامة على أسرتها، بعيدا عن سلطة الزوج أو الأب! كما أن منع الموظفة من العمل بعد ساعات محددة لم يهدف لرخائها بقدر ما هدف لإعادتها إلى بيتها ومطبخها ول«بمبر» أولادها، وحالة الخنوع والذلة التي كانت عليها، ومنعها من منافسة الرجل ومجاراته في عمله من خلال إشعارها بالضعف والهوان وقلة الحيلة.
إن سلوى ومعصومة ورولا وأسيل غير ملزمات بالاستعانة بالخبراء القانونيين لوضع القوانين التي تصب في مصلحة المرأة والأسرة، في ما يتعلق بالمسكن والجنسية للأبناء، والطلاق والنفقة والزواج، وحق الحضانة، فقد سبقتنا دول عربية وإسلامية عديدة في إصدار القوانين المنصفة لحق المرأة، والتي يمكن الاستعانة بها، وربما تكون قوانين تونس وماليزيا وتركيا الأفضل في هذا المجال!
هذا هو الدور الأسمى للنائبات الجديدات، فعن طريق رفع شأن المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع، وإزالة الضيم الذي أنزله المشرعون بها، طوال نصف قرن من الزمن، يمكن أن نضمن خلق أجيال جديدة من النساء باستطاعتها محاربة كل آفات التخلف. فالمرأة أمّاً، ابنة، أختاً أو زوجة، إن أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق، ولا يمكن أن يتم هذا الإعداد دون إعادة حقوقها كاملة لها، ومعاملتها بكرامة من خلال قوانين عادلة تساويها بالرجل، وتمكنها من أخذ حقوقها كاملة بأسهل الطرق وأسرعها.
كما أن نجاح المرأة في عملها البرلماني سيشجع ليس فقط ذكرى الرشيدي لتعيد التجربة، بل والعشرات من محيطها لدخول المعترك السياسي، كما سيشجع نجاحهن رجال القبائل لأن يقفوا مع نسائهم ويشدوا من أزرهن ليكسروا حلقة الانتخابات الفرعية الجهنمية! فالمرأة المنتمية إلى قبيلة ما ليست أقل تربية وتعليما من غيرها، ولا يمكن الاستمرار في حبس كل هذه الكفاءات الكبيرة من سيدات هذه المجتمعات بين جدران أربعة بحجة العادات والتقاليد، فقد عرفت هؤلاء دورهن وقوتهن الانتخابية الرهيبة، ولا يمكن إعادة المارد إلى قمقمه بعد لفه بعباءة سوداء كئيبة!
أحمد الصراف
habibi [email protected]