لو أردنا البحث عن مبادرات حقيقية وفاعلة، أو دراسات ميدانية محلية متعمقة، سواء من جانب علماء الدين أو الناشطين السياسيين أو مؤسسات المجتمع المدني أو من قبل الباحثين، أو حتى من جانب الدولة ذاتها، فيما يتعلق بتعزيز الأمن الاجتماعي في البحرين، فلن نخرج من إطار الشعارات والخطب ومقالات الصحف، وهو أمر من الأمور المؤسفة، التي جعلت الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد محصورا في الصدام والتناحر الطائفي بكل أبعاده السيئة، لكنه (متمترس) خلف شعارات الحفاظ على النسيج والسلم الاجتماعي.
عن «أي أمن اجتماعي في البحرين نتحدث؟»… قد يكون من السهل القول إنه الأمن الذي يحفظ كيان الدولة وكيان مواطنيها، فتصبح على الدولة مسئوليتها الكبرى في توفير كل الحقوق لكل مواطن، وتصبح مسئولية المواطن الكبرى هي القيام بواجباته تجاه بلاده، لكننا إن تجردنا من الخيالات وتوغلنا في تحليل الواقع، سنجد، مع شديد الأسف، أن مسئولية الأمن الاجتماعي، لا تحظى بالقدر المطلوب لترسيخها سواء من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والوطنية والدينية، إلا فيما ندر بحيث لا يتعدى كونه خطابا هامشيا غير ذي أثر.
لقد أصبح موضوع الأمن الاجتماعي من الموضوعات الجديرة بالدراسة في عالم تتنازعه التيارات الايديولوجية المختلفة، وتهيمن عليه سياسة القطب الواحد التي تحاول فرض قوانينها وثقافتها، ما أفرز اتجاها متطرفا قد يكون إحدى أدوات العولمة أو أداة مناهضة لها لكنها غير قادرة على تلمس طريقها فجاء مسلكها لا إنسانيا، وفشلت تقارير التنمية البشرية التي حاولت تسليط الضوء على حجم المشكلة وأخطارها في التأثير على مجرى السياسات الدولية الخاضعة للغة السوق والمصلحية على حساب أمن الأفراد والشعوب.
في دراستها بعنوان: «الأمن الاجتماعي والعولمة» تطرح الباحثة العربية فائزة الباشا، وهي استاذة جامعية بكلية القانون في جامعة الفاتح بالجماهيرية الليبية، محورا مهما تؤكد فيه أنه، وعلى رغم أهمية الموضوع وارتباطه الوثيق بحياتنا، فإنه لم ينل القدر الكافي من الدراسة بصورة مستقلة فيما عدا الناحية الأمنية المتعلقة بترسيخ أنظمة الحكم أو بواجبات أفراد السلطة العامة في مجال مكافحة الجرائم أو التدخل العسكري، من دون الاهتمام بالناحية الأشمل التي ظلت غير منظورة؛ إلا من قبل بعض الباحثين من نجحوا في التأكيد على أنه لا وجود لمجتمع سليم من دون الفرد السليم، وهو ما عبر عنه تقرير التنمية البشرية للعام 1999 تحت مسمى تهديدات جديدة للأمن البشرى بالقول: «إن انكماش الزمان والمكان يؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة للأمن البشري، فالعالم السريع التغيير ينطوي على مخاطر كثيرة لحدوث اختلالات مفاجئة في أنماط الحياة اليومية؛ في فرص العمل وفى سبل الرزق وفي الصحة والسلامة الشخصية وفي تماسك المجتمعات اجتماعيا وثقافيا، فوسائل الاتصال السريعة التي جاءت بها التكنولوجيا المتطورة، تؤدي أيضا إلى سرعة انتقال تهديدات الأمن البشري حول العالم التي منها انهيار الأسواق المالية، وانتشار الأمراض الوبائية، والجريمة العالمية وما إلى ذلك ما يؤثر على استقرار أي مجتمع من المجتمعات». (انتهى الاقتباس).
لو اعتبرنا مسئولية الحفاظ على الأمن الاجتماعي هي مسئولية الدولة لوحدها لما نجح الأمر، ولو اعتبرنا أنه مسئولية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والرموز السياسية فقط لما نجح الأمر أيضا، لكن هناك حاجة أولا للاعتراف بأن الأمن الاجتماعي مهمل من مختلف الأطراف، وأن تبعاته ومؤثراته السلبية في المجتمع البحريني تظهر في أكثر من صورة وصيغة، وكل ذلك يثير تساؤلا: «كيف نعالج قضية الأمن الاجتماعي في مجتمعنا؟».
للحديث صلة