محمد الوشيحي



ثوروا ولا تتريخموا

عندما سألني صحافي في لقاء أجراه معي: «من هو محمد الوشيحي؟»، قلت: «رجل وُلِدَ وفي فمه ملعقة من (لا)»، وسؤال آخر: «ما الذي تريده من الكتابة»؟، الإجابة: «أمورا لا حصر لها، أولها إرضاء غروري القاتل، وأوسطها زيادة دخلي، وآخرها وأهمها تسويق (لا) بين الناس».

الـ»لا» هي الكلمة الأجمل في بدايات الحديث والتفاوض، الـ»لا» هي التي ميزت رجالاً عن رجال، ونساء عن نساء، وشعوباً عن شعوب. بحسب عدد اللاءات وموقعها وتوقيتها تتفوق دول وتشمخ، وتهان دول أخرى وتخزى، وكلما أيقن الحكام أن الشعوب تستطيع أن تقول «لا» تراجعوا أربع خطوات إلى الخلف، وقيل بل ست، واختلف الرواة… تلفت يمينك ويسارك وستشاهد شعوباً يمر أبناء حكامها من هناك حالهم من حال بقية الناس، وفي الجهة الأخرى (بضم الألف، كما يقول السيناريست الجميل بلال فضل) سترى شعوباً تتسابق على تقبيل أكتاف وأيادي أبناء الحكام وأحفادهم. هي الـ»لا» -حفظها الله- ولا شيء آخر غيرها، زادت عند الشعوب الأولى فانحنى الحكام، وتلاشت إلى أن انقرضت عند الشعوب الثانية فتغطرس الحكام وأبناؤهم وخدمهم من الدرجة الأولى.

وأحد أعظم عظماء الكرة الأرضية هو «الثور الجالس»، وهو الهندي الأحمر الذي وحد قبائل الهنود الحمر وقاد جيوشهم ضد البيض الأميركان، ولولا خيانة قبيلة «أباتشي» الحقيرة التي وضعت له المخدر في الأكل أثناء الاجتماع وسلمته بعد ذلك إلى القائد الأميركي الأبيض لتغيرت خريطة الأرض، ولن يغفر لها التاريخ بكاءها وقصائد الندم والمديح في هذا العظيم… هذا «الثور الجالس» عاش في مجتمع يحني رأسه للقادة وينفذ أوامرهم، على خطأ كانوا أم على حق، لا يهم، المهم أن تحني رأسك وتنفذ ما يطلب منك. ولأنه حر ولأن «أمه جابت ولد» ثار على الأوضاع وقال «لا» بأعلى صوته، فغضب المجتمع ونبذه، فلجأ إلى الجبال وهو في الثامنة عشرة من عمره، وأطال الجلوس على قممها والتفكر في حاله وحال أقاربه الهنود وهذا المستعمر الأبيض المتوحش القادم من هناك، ودارت به الأيام إلى أن اقتنع الناس بدهائه وشجاعته وحبه لهم، فاخترع لون علم يحمله هو وتسير خلفه القبائل بأعلامها، لكل قبيلة علم، على أن العلم «الجامع» أهم من الأعلام المنفردة… وبالخيانة، كما ذكرت، قبض على البطل وأعدم قبل أن يتجاوز الثلاثين من عمره.

والـ»لا» لا تعني – بالضرورة – الرفض المطلق والانقلاب، بل رفض تجاوزات المتجاوزين، ورفض تسليم القرار و»العقل بما حمل» إلى الآخرين… وأتذكر محتوى مقالة لا أتذكر اسم كاتبها، لكن حقوق طبعها محفوظة له، يقول فيها إن هناك نظرية تدعى «نظرية الاستبقار»، وإن العلماء اكتشفوا أن البقرة التي تعزل عن بقية القطيع يقل الحليب في ضرعها، وينشف دمها، وتتغير تصرفاتها وترتاب في كل شيء وأي شيء، وبمجرد إعادتها إلى القطيع تعود إلى «بقارتها» السنعة، وتدر الحليب أكثر، وتجري الدماء في عروقها مجدداً! هي البقرة فاحذروها يا أولي الألباب، هي البقرة لا تجرؤ على مخالفة القطيع.

ونشاهد اليوم في الكويت، قبل أيام من التصويت في الانتخابات، سيادة نظرية الاستبقار، وطغيان الأعلام المنفردة على العلم الأكبر… أنت ابن قبيلة؟ إذاً ستصوت لقبيلتك، أص ولا كلمة، شيعي؟ ستصوت لطائفتك، ولصاحب العمامة ذاك كي لا يشتكيك إلى جدته فاطمة الزهراء يوم القيامة، يا ويلك ويا سواد ليلك، سلّمنا عقلك وصوتك وروح «تقضّى من الجمعية»، سني؟ ستصوت للسنة لأنهم سنة فقط، ولأن الشيعة خارجون على القانون، أو الملة، حضري؟ ستصوت للحضر، فقط لأنهم حضر، ولأن أمك حذرتك من القبائل والشيعة، ولا يجوز الخروج على كلام ماما! تباً لك ولشواربك الجميلة يا رخمة… آسف، لا يجوز الشتم… أحسنت صنعا يا البقرة.

ياااه، ما أجمل وجوه البقر وهي تصطف للتصويت بلا قرار، وجوه ترهقها قترة… وأشهد أن الله ميّز الرجال بعضهم عن بعض، فخلق «الثور الجالس» وخلق «البقرة الواقفة في الطابور لتصوت لعلمها الصغير كما أملي عليها»، وتعود بعد ذلك (أي البقرة) وتجلس في الديوانية تتحدث عن الرجولة والكرامة… هاهاها. 

سامي النصف

للانتخابات الكويتية وجه آخر!

في البدء العزاء الحار إلى أسرة آل الصباح الكرام ولوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد في وفاة المرحومة حرمه، للفقيدة الرحمة والمغفرة، ولأهلها وذويها الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

نقرأ ونسمع عن أرقام ونتائج انتخاباتنا التشريعية منذ عام 1938 حتى عامنا هذا، ونقرأ بالتوازي معها أخبار إنشاء الحركات والتجمعات السياسية وموقفها من القضايا المختلفة، وهي تدوين صادق لما يجري فوق الطاولة السياسية الكويتية الا ان احدا لا يسجل قط «اسرار وخفايا» ما يجري في الخفاء وتحت الطاولة من صفقات وتحالفات وخيانات ضمن تلك السيرة كحال الدول الأخرى.

هذه الأيام نسمع ويسمع غيرنا الكثير من خفايا اللعبة السياسية المحلية ودور المال السياسي الرئيسي في تشكيل كثير من المواقف السياسية وخاصة «البطولية» منها والتي اذا ما عرف السبب فيها بطل العجب وانكشف حال بعض المرشحين ممن اصبح دورهم لا يزيد عن دور «حصالة» أموال، فلكل موقف ثمن ولكل مقام مقال مدفوع.

فمن ضمن حقائق الانتخابات الكويتية المؤسفة والمسكوت عنها، والتي تسبب فيها عدم وجود آليات محاسبة لمن يصل بطرق غير مشروعة للكراسي الخضراء، انها أصبحت مصدر رزق واثراء فاحش لبعض المرشحين، فهناك من يدفع لزيد كي يضعف فرص منافسه في المناصب والمراكز، وهناك من يدفع لعمرو للقيام بهجوم مضاد، والاثنان من المرشحين ما هما إلا أحجار على رقعة الشطرنج السياسية الكويتية.

وهناك ضمن اللعبة من يستفيد من الدعم المالي لأصحاب المصالح والصفقات مع الوزارات الحكومية وحال وصول تلك الاحجار الفائزة تبدأ عملية «رد الجميل» والهجوم والضغط على هذا المسؤول أو ذاك واتهامه بكل الموبقات وحتى استجوابه لإرغامه على تمرير الصفقات والمعاملات ويتم ذلك كله تحت رداء الوطنية والمصلحة العامة التي تذرف دموع التماسيح أنهارا عليها.

والحقيقة انه لو انكشف للناس ما يخفى من اسرار وخفايا العملية السياسية الكويتية الحاضرة والماضية لتغيرت نظرة كثير من الناس اليها ولعلم كثير من المستغفلين والبسطاء ان هالة القدسية والملائكية التي يحاول البعض إضفاءها على ديموقراطيتنا تخفي تحتها كثيرا من الشياطين والفاسدين والمتلاعبين ممن يحرّمون نقدها ويتهجمون على من يريد اصلاح مسارها للافضل كي لا يفقدوا مناجم الذهب التي يجلسون عليها، ولا عزاء بعد ذلك للأغبياء.

آخر محطة: من مساوئ نظام الدوائر الخمس الكثيرة انها زادت من كلفة الحملات الانتخابية بسبب كبر الدوائر ومن ثم احوجت بعض المرشحين للمال السياسي، وانتظروا حتى نصل للدائرة الواحدة الموعودة كي ننشئ معها سوق نخاسة لبيع ضمائر المرشحين، فمن سيستطيع تحمل كلفة حملة انتخابية من أقصى شمال الكويت الى أقصى جنوبها؟! ولا عزاء للأذكياء إن وجدوا.

احمد الصراف

أسوأهن.. أفضل من أحسنهم

ما يميز «القبس»، ضمن أشياء كثيرة أخرى، افتتاحياتها الرصينة والعميقة المضمون. وقد ورد في افتتاحية الأربعاء الماضي، أن لا جديد في مجلس الأمة المقبل من دون امرأة تمثل أغلبية الشعب الكويتي، وأن اكثر فئات المجتمع الكويتي تخلفا في وعيها السياسي والاجتماعي، قد بدأت تقر بهذا الواقع، وتقصر اعتراضاتها على المرأة، ودورها على قضايا شكلية وسطحية! وهذا صحيح، فكيف يمكن لمجتمع متخلف أن ينهض وأكثر من نصفه معطل، ويأتي فوق هذا فرد ملتحٍ ومتشدد في الرأي ليقول ان التصويت للمرشحات في الانتخابات المقبلة لمجلس الأمة لا يجوز شرعا؟! وان كل من يصوت لهن يدخل في دائرة الإثم!
كيف يمكن أن نقبل أن منطق هؤلاء يجيز لهم قبول تصويت النساء السافرات، أو المتبرجات، بنظرهم، ولا يقبلون أن تعطى أصوات هؤلاء لبنات جنسهن الأكثر علما بقضاياهن ومشاكلهن وخلجات نفوسهن.. المعذبة؟!
ماذا فعلت الحركة السلفية، وأختها غير الشقيقة، حركة الإخوان المسلمين، للدفاع عن حقوق المرأة، زوجة أو أرملة أو أما أو أختا أو ابنة؟! لا شيء طبعا. وهل تجرأ أحدهم، أو حتى فكر في إزالة الضيم والظلم اللذين لحقا ويلحقان بعشرات الآلاف منهن في قضايا الزواج غير المتكافئ والطلاق والنفقة والسكن، وما يقع عليهن من اعتداءات جسدية وجنسية، سواء من الأزواج او الاخوة والآباء والأقارب؟! الجواب: لا طبعا!
قد تكون للحركة الوطنية ــ أو ما تسمى مجازا الليبرالية ــ مثالبها الكبيرة، ولكن لم يعرف عنها يوما أنها وقفت ضد حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والعائلية. كما كان الوطنيون والليبراليون دائمي الانتصار لحقوق المرأة في جميع المحافل، والإصرار على الوقوف إلى جانبها واحترام كيانها وشخصيتها!
فيا نساء الكويت ورجالها، الانتخابات على الأبواب، ادفعوا بالتغيير، وأحسنوا الاختيار، وابتعدوا، ما استطعتم عن مرشحي الأحزاب الدينية. فقد نالنا منهم ما يكفي طوال أكثر من ثلاثين عاما، ولنحدث التغيير بإدخال سيدات في البرلمان!
صوتوا لرولا دشتي وأسيل العوضي، وبقية المرشحات، فأسوأهن، إن وجدت، أفضل من أحسنهم، إن وجد!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

سعيد محمد سعيد

عن أي «أمن اجتماعي في البحرين»… نتحدث؟

 

لو أردنا البحث عن مبادرات حقيقية وفاعلة، أو دراسات ميدانية محلية متعمقة، سواء من جانب علماء الدين أو الناشطين السياسيين أو مؤسسات المجتمع المدني أو من قبل الباحثين، أو حتى من جانب الدولة ذاتها، فيما يتعلق بتعزيز الأمن الاجتماعي في البحرين، فلن نخرج من إطار الشعارات والخطب ومقالات الصحف، وهو أمر من الأمور المؤسفة، التي جعلت الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد محصورا في الصدام والتناحر الطائفي بكل أبعاده السيئة، لكنه (متمترس) خلف شعارات الحفاظ على النسيج والسلم الاجتماعي.

عن «أي أمن اجتماعي في البحرين نتحدث؟»… قد يكون من السهل القول إنه الأمن الذي يحفظ كيان الدولة وكيان مواطنيها، فتصبح على الدولة مسئوليتها الكبرى في توفير كل الحقوق لكل مواطن، وتصبح مسئولية المواطن الكبرى هي القيام بواجباته تجاه بلاده، لكننا إن تجردنا من الخيالات وتوغلنا في تحليل الواقع، سنجد، مع شديد الأسف، أن مسئولية الأمن الاجتماعي، لا تحظى بالقدر المطلوب لترسيخها سواء من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والوطنية والدينية، إلا فيما ندر بحيث لا يتعدى كونه خطابا هامشيا غير ذي أثر.

لقد أصبح موضوع الأمن الاجتماعي من الموضوعات الجديرة بالدراسة في عالم تتنازعه التيارات الايديولوجية المختلفة، وتهيمن عليه سياسة القطب الواحد التي تحاول فرض قوانينها وثقافتها، ما أفرز اتجاها متطرفا قد يكون إحدى أدوات العولمة أو أداة مناهضة لها لكنها غير قادرة على تلمس طريقها فجاء مسلكها لا إنسانيا، وفشلت تقارير التنمية البشرية التي حاولت تسليط الضوء على حجم المشكلة وأخطارها في التأثير على مجرى السياسات الدولية الخاضعة للغة السوق والمصلحية على حساب أمن الأفراد والشعوب.

في دراستها بعنوان: «الأمن الاجتماعي والعولمة» تطرح الباحثة العربية فائزة الباشا، وهي استاذة جامعية بكلية القانون في جامعة الفاتح بالجماهيرية الليبية، محورا مهما تؤكد فيه أنه، وعلى رغم أهمية الموضوع وارتباطه الوثيق بحياتنا، فإنه لم ينل القدر الكافي من الدراسة بصورة مستقلة فيما عدا الناحية الأمنية المتعلقة بترسيخ أنظمة الحكم أو بواجبات أفراد السلطة العامة في مجال مكافحة الجرائم أو التدخل العسكري، من دون الاهتمام بالناحية الأشمل التي ظلت غير منظورة؛ إلا من قبل بعض الباحثين من نجحوا في التأكيد على أنه لا وجود لمجتمع سليم من دون الفرد السليم، وهو ما عبر عنه تقرير التنمية البشرية للعام 1999 تحت مسمى تهديدات جديدة للأمن البشرى بالقول: «إن انكماش الزمان والمكان يؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة للأمن البشري، فالعالم السريع التغيير ينطوي على مخاطر كثيرة لحدوث اختلالات مفاجئة في أنماط الحياة اليومية؛ في فرص العمل وفى سبل الرزق وفي الصحة والسلامة الشخصية وفي تماسك المجتمعات اجتماعيا وثقافيا، فوسائل الاتصال السريعة التي جاءت بها التكنولوجيا المتطورة، تؤدي أيضا إلى سرعة انتقال تهديدات الأمن البشري حول العالم التي منها انهيار الأسواق المالية، وانتشار الأمراض الوبائية، والجريمة العالمية وما إلى ذلك ما يؤثر على استقرار أي مجتمع من المجتمعات». (انتهى الاقتباس).

لو اعتبرنا مسئولية الحفاظ على الأمن الاجتماعي هي مسئولية الدولة لوحدها لما نجح الأمر، ولو اعتبرنا أنه مسئولية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والرموز السياسية فقط لما نجح الأمر أيضا، لكن هناك حاجة أولا للاعتراف بأن الأمن الاجتماعي مهمل من مختلف الأطراف، وأن تبعاته ومؤثراته السلبية في المجتمع البحريني تظهر في أكثر من صورة وصيغة، وكل ذلك يثير تساؤلا: «كيف نعالج قضية الأمن الاجتماعي في مجتمعنا؟».

للحديث صلة