كان ذلك قبل 40 عاما، عندما حضر إلى البنك، حيث كنت أعمل رئيسا لقسم صغير، أحد عملاء البنك المهمين وعضو في مجلس الأمة، وسلمني بطاقة دعوة لحضور حفل زفافه!! كنت وقتها، وما زلت، لا أميل الى حضور حفلات الزواج التقليدية، فاعتذرت شاكرا، ولكنه ألح، وتحدث مع يعقوب الجوعان، وكان مدعوا أيضا، ليقنعني بالحضور، فطلب مني ـ وكان بمنزلة مديري ـ الاستجابة للطلب، وتمثيل البنك!!
ذهبت عصر يوم الدعوة الى منطقة سلوى، إلى بيت كبير و«مخسبك الشكل»، وفوجئت بأنني أول المهنئين، وكان «النائب العريس» في استقبالي أمام الديوان واصطحبني إلى الداخل. لم يمر وقت طويل حتى وصل وزير الشؤون وقتها، وتبعه وزير التجارة، ونائبان آخران. وهنا حاولت، بحكم السن والمكانة الاجتماعية، والأدب طبعا، إعطاء مجلسي بجانب العريس لأحدهما، ولكن النائب المعرس شَدَّ على يدي طالباً مني البقاء مكاني، وهنا بادر وزير الشؤون بسؤال العريس عما إذا كان الزواج هو الأول للنائب، وما ان أجاب هذا بأنه الثالث حتى قام الوزير فجأة وخرج مودعا لا يلوي على شيء، وكان باديا عليه عدم الرضا، فكونه وزيرا للشؤون الاجتماعية لم يسمح له بالاستمرار في زواج ثالث، حتى ولو كان العريس قويا. وانتهزت الفرصة فلحقت بالوزير وشكرته لإنقاذي من تلك الجلسة والزواج الثقيل على النفس!!
ذلك الرجل الكبير لم يكن سوى المرحوم خالد المضف، النائب والوزير السابق، الذي توفي قبل أيام، والذي كانت له الكثير من المواقف المشرفة، والذي خرج من النيابة والوزارة كما دخلهما… نظيفا عفيفا!!
ما أحوجنا في هذه الأيام لانتخاب من يماثله خلقا وعزة نفس وجمال موقف، فهل سنوفق في ذلك هذه المرة، التي اعتبرها الفرصة الأخيرة لإصلاح الوضع المتردي؟
* * *
• ملاحظة: تعتبر طائفة الصابئة المندائيين الأقدم من سكان العراق.
وعلى الرغم من ذلك ومن حقيقة كونهم الأكثر مسلمة وأمانة، لكن ذلك لم يمنع وقوع مئات الاعتداءات عليهم بحيث تقلص عددهم بالقتل والهجرة من مئات الآلاف إلى آلاف قليلة، ومع هذا لم تصدر أي من المراجع السنية العليا، ولا الشيعية العليا، أي فتاوى أو حتى تصريحات تشجب ما يتعرضون له من ظلم وتهجير، وكأنهم موافقون على ما يحدث لهم!!
أحمد الصراف
habibi [email protected]