لست من الناس الذين يؤيدون استخدام عبارة (الضرب بيد من حديد)… لا في أوقات الشدة ولا في أوقات الرخاء في أي مجتمع كان! وخصوصا في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي هي في الغالب، ومن خلال أداء حكوماتها، تتجاوز قوانينها وأعرافها وأخلاقياتها، وتعمد إلى تغييب العدالة الاجتماعية، وتشجع على ممارسات الفساد، ثم تأتي لترفع شعار الضرب بيد من حديد كلما ألمت بها ملمة!
في ثلاث دول عربية (جمهورية النظام)، تصاعدت لهجة الأنظمة الحاكمة باستخدام عبارة (الضرب بيد من حديد) بعد أن تفاقم تجاوز السلطات (ذاتها) للقوانين التي من المفترض أن تكون هي أول من يحترمها، ورأت في رفع ذلك الشعار تهديدا مشروعا توجهه إلى الداعين لتقديم الخيار الديمقراطي ودولة المؤسسات والقانون، من دون اعتراف شجاع منها بأن عدد من أقطابها الكبار، هم أول من يجب أن (يضربوا بيد من حديد بسبب عبثهم باستقرار الجمهورية وعبثهم بقوانينها وعبثهم بحقوق البلاد والعباد)، فكان أن برز عدد من المفكرين والمثقفين والسياسيين في تلك الجمهوريات العربية، بصيغة أو بأخرى، ليطالبوا باستخدام (الضرب بيد القانون ثم القانون ثم القانون)، الذي ينصف المظلوم ويعاقب الظالم.
البديل عن هذه العبارة الشائعة الصيت، بل هو (الأصيل) وليس البديل، إن أردنا الدقة، هو ترسيخ قوة (القانون) وتعزيزه، وتقوية دولة القانون والعدالة الاجتماعية التي يتساوى في محيطها كبار القوم وصغارهم، ولا شك في أننا في البحرين، وعلى رغم كل القضايا والملفات المهمة والمعقدة، وتداعيات بعض الظواهر وأبعادها الخطرة، نحتاج إلى هذا الترسيخ المكفول دستوريا، ففي المادة الثامنة عشرة من دستور مملكة البحرين ما نصه: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، فتطبيق هذا النص بروحه وجوهره، من دون شائبة من شوائب التمييز والمحسوبية والقفز على القوانين بمزاجية، سيفضي في نتيجته الحتمية إلى أن يد القانون ستضرب بقوة على كل من تسوّل له نفسه العبث بمكتسبات البلاد ومقدراتها وأمنها واستقرارها ووحدة شعبها.
أمن البلاد وسلمها الاجتماعي ليس خيارا حكوميا فقط، بل هو أيضا خيار شعبي مؤسس على تقديم المصلحة الوطنية العامة من دون غيرها من مصالح فئوية أو شخصية، وهو أيضا نابع من المواطنة الصالحة، بثنائية الحقوق والواجبات، وهنا، حينما تلوح ممارسات تهدد استقرار البلاد، من أي طرف كان، فإن تطبيق القانون على المتورطين، لا يجب أن يخضع للتهاون والمزاج.
التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني، يجب أن يكون تعاملا عادلا… فحين يتم ضبط عدد من المخربين الذين ينوون زعزعة الأمن والنيل من استقرار البلاد، سواء من خلال افتعال العنف اللامبرر وتعريض الممتلكات وأرواح الأبرياء للخطر، واشعال الحرائق وتدمير المرافق، فتصدر البيانات الشديدة الداعية للضرب بيد من حديد، وتنشط البرامج الإعلامية لكشف المخططات و(الفضائح)، فالأمر ذاته يجب أن ينطبق على كل فرد أو خلية تنوي بالبلاد شرا من خلال مخططاتها القذرة وسلاحها الخطير واتصالاتها المشبوهة، أيا كانت جهة الدعم، وأيا كان الانتماء المذهبي، مع الاعتبار طبعا لسرية التحقيقات والتحريات وترصد المعلومات وجمعها بدقة، واحترام دور الأجهزة الأمنية في عملها، ومع الاعتبار أيضا للحقوق المدنية.
لا مساومة على أمن البحرين، ولا على شرعية الحكم الخليفي فيها، ولا على حقوق الناس في المطالبة وفق ما كفله الدستور وميثاق العمل الوطني، ولا مكان لقمع الحريات وحرمان المواطن من التعبير، والتضييق على الحراك السياسي والنقابي والاجتماعي، لكن الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني أمر مرفوض، ولابد أن ينال من يثبت تورطه وتنكشف نواياه الخبيثة في تدمير بلادنا شر فضيحة وأشد عقوبة.