محمد الوشيحي


 السّلَف الغربي … والتأمينات

«السّلَف الغربي»… والتأمينات

السلف في الكويت سلفان اثنان، واختلافهما ليس فكرياً بل اقتصادي ومناطقي، كما ذكرت سابقا، فالسلف الشرقي، أي سلف الضاحية والشويخ والشامية وغرفة التجارة لا يستهلك الدين عمّال على بطال كما يفعل السلف الغربي، سلف الفروانية والجهراء وتيماء والصليبية، الذي يعتمد على «ثقافة» العجائز وكبار السن الأميين. وكلاهما يجد لبضاعته «شرّاية».

السلف الشرقي، سلف المال والأعمال، يضع الدين في تجوري محفوظ في السرداب، ولا يستخدمه إلا عند الضرورة، صفقة أو مشروع استقرار أو عقد بي أو تي – أو عقد «باء ألف تاء» كما في اللغة الفصحى التي يستخدمها السلف كأداة جريمة – أما عند الضرورة القصوى فسيستخدم الدين المودع في حساباته في سويسرا، إذا كانت الصفقة عليها القيمة، مشروع لوجيستي أو صفقة مع الجيش الأميركي أو عقد نفطي أو ما شابه… هم تجاوزوا حكاية المرأة السفور وصوتها العورة وتنورتها، هذه الأمور تركوها للسلف الغربي الذي لا يمتلك رصيدا من الدين إلا ما في محفظته المهترئة.

ولذلك لا تحتاج فتاوى السلف الغربي إلا إلى ضماد من المستوصف ومَرْهم بسبعمئة وخمسين فلسا من الصيدلية المناوبة تضعه على الخدش ولزّاق جروح و»غدا شرّك»، لكن الموت الحمر هو في فتاوى السلف الثقيل، السلف الشرقي، قرصته والفقر، فتوى واحدة وستهتز البورصة وتقع على وجهها وتنزف دماً من خشمها، أما إذا أصدر «كتيّب فتاوى» فستجتمع أوبك لمناقشة الأمر.

والصورة هذه ذكرتني بموقف حدث مع أحد الوزراء رواه لي مدير مكتبه، يقول صاحبنا: جاء أحد النواب المتدينين البسطاء، من جماعة التنورة حرام والتدخين مكروه، إلى مكتب الوزير ليتوسط لموظف كي يسافر في «مهمة رسمية» يستفيد منها الموظف نحو ألف وخمسمئة دينار، وهو مبلغ له وزنه عند الموظف ذاك، وبعد خروج النائب والموظف دخل نائب متدين «حوت» مع أحد ملاك الشركات واجتمعا بالوزير لمناقشة مشروع ثقيل! بالضبط هذا هو حال السلف الشرقي والسلف الغربي.

وقبل أيام، خرج إلينا السلف الغربي من ديوانيته الصفيح بحثا عن لقمة يسد بها رمقه، فحرّم التصويت للنساء، فصفق له الأمّيون بأيديهم، بينما صفقت له الديرة بيدها وخدها. هذا السلف لم يصدر فتوى عن التأخير في بناء مستشفى جابر والهرولة لعقد صفقات مليارية لوزارة الدفاع، ولم يصدر فتوى عن استهتار الحكومة بالبيئة التي تلوثت أكثر من تلوث عقول البعض، ولا فتوى عن عدد العاطلين عن العمل في بلد تكفل بتوظيف الأشقاء أبناء الكرة الأرضية… السلف الغربي لا تهمه الأمور هذه كلها فلن يصفق له أحد ولن ينتبه له أحد لو أفتى فيها، ثم إنه أصلا لا يفهم مثل هذه الأمور، فابن تيمية لم يتطرق إلى موضوع مستشفى جابر، والله العظيم.

***

عليّ عشاء في مطعم بحري للعبقري الذي فكّر في صياغة الاعلان التلفزيوني لرئيس البرلمان الأسبق أحمد السعدون. بالفعل هذا هو الذكاء وهذه هي القدرة على القراءة الصحيحة، روح يا سيدي الله يسعدك كما أسعدتنا وأدهشتنا بهذا الاعلان المهيب لهذا الشامخ المهيب. 

سامي النصف

نساء أكثر لفساد أقل

أتى في الأثر ان سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) رأى ضوء سراج في بعض البيوت وسمع حديثا عرف منه ان في الداخل قوما يشربون الخمر، فتسوّر السطح ونزل عليهم من الدرج ومعه الدرة فقال له أحدهم يا أمير المؤمنين ان أخطأنا في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال تعالى: (ولا تجسسوا) وأنت تجسست، وقال تعالى: (وائتوا البيوت من أبوابها) وأنت أتيت من السطح، وقال تعالى: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) وأنت دخلت وما سلّمت، فهب هذه بتلك.

هذا المبدأ والمفهوم الإسلامي الرائع والمنصف القائم على ألا يجوز الفصل بين اي اتهام وطريقة الحصول على الدليل فيه، حيث لا تبرر الغاية الوسيلة، قد سبقنا أميركا والعالم المتمدن فيه حيث اصبحوا لا يعتدون هذه الايام بأي اتهام لا يتم الحصول على الدليل فيه بطريقة شرعية وقانونية.

هذا المبدأ الإسلامي الذي أصبح دوليا يجب ان يطبق حرفيا على الاتهام الموجه للدكتورة اسيل العوضي فهل تم الحصول على ما سمي بالإثباتات بطريقة مشروعة؟ وما كان أسهل على الدكتورة الفاضلة ان تقوم بما قام به غيرها فتنكره خاصة أنه لا دليل على الدعوى إلا «أصوات مشوشة» و«أشرطة ممنتجة»، وهل نتصور بالمقابل ما سيتمخض عنه تسجيل ما يقوله منتقدوها في جلساتهم الخاصة حول مجتمعهم ومنافسيهم؟! ان القبول بالتسجيل الصوتي «الممنتج» امر لا تأخذ به أي محكمة في العالم، فكيف يمكن القبول به كوسيلة للإعدام السياسي لدكتورة جامعية ومرشحة بارزة، ثم أين ستتوقف عملية القبول بتلك الوسائل غير المشروعة والدعايات السوداء المغرضة؟!

ومع كثرة أخطاء وحتى فساد بعض نواب المجالس السابقة خلقت حالة ذهنية موجبة لدى الناخب والناخبة الكويتيين فيما يخص التوجه هذه المرة لانتخاب النساء كوسيلة لدرء المفاسد وللبحث عن أداء أفضل للمجلس التشريعي المقبل لما عرف عن النساء بشكل عام من ممارسة أقل للفساد والتأزيم، وجهد اكبر في الدراسات وتقديم المقترحات.

وعليه فإن الحملة القائمة ضد د.أسيل العوضي لن يتوقف تأثيرها على المرشحة ذاتها بل يقصد منها العودة للحالة الذهنية السابقة التي لا تود ان تصل النساء للبرلمان الكويتي، وعليه سيصل تأثير الحملة لبقية المرشحات الفاضلات أمثال د.معصومة المبارك ود.فاطمة العبدلي ود.سلوى الجسار ود.رولا دشتي والمحامية ذكرى الرشيدي، وأعتقد ان الواجب يستدعي من الأغلبية مواجهة تلك الحملة المغرضة برفع شعار «نساء أكثر لفساد أقل»، فقد مللنا من العودة لنفس المسار السابق.

آخر محطة:
الأحصنة السوداء في هذه الانتخابات هي أصوات النساء في الدوائر الثلاث الأولى وأصوات الأقليات في الدائرتين الرابعة والخامسة، حيث ان كيفية تصويت هاتين المجموعتين ستقرر وجه الانتخابات الكويتية لسنوات قادمة.

احمد الصراف

الوزير والزواج الثقيل

كان ذلك قبل 40 عاما، عندما حضر إلى البنك، حيث كنت أعمل رئيسا لقسم صغير، أحد عملاء البنك المهمين وعضو في مجلس الأمة، وسلمني بطاقة دعوة لحضور حفل زفافه!! كنت وقتها، وما زلت، لا أميل الى حضور حفلات الزواج التقليدية، فاعتذرت شاكرا، ولكنه ألح، وتحدث مع يعقوب الجوعان، وكان مدعوا أيضا، ليقنعني بالحضور، فطلب مني ـ وكان بمنزلة مديري ـ الاستجابة للطلب، وتمثيل البنك!!
ذهبت عصر يوم الدعوة الى منطقة سلوى، إلى بيت كبير و«مخسبك الشكل»، وفوجئت بأنني أول المهنئين، وكان «النائب العريس» في استقبالي أمام الديوان واصطحبني إلى الداخل. لم يمر وقت طويل حتى وصل وزير الشؤون وقتها، وتبعه وزير التجارة، ونائبان آخران. وهنا حاولت، بحكم السن والمكانة الاجتماعية، والأدب طبعا، إعطاء مجلسي بجانب العريس لأحدهما، ولكن النائب المعرس شَدَّ على يدي طالباً مني البقاء مكاني، وهنا بادر وزير الشؤون بسؤال العريس عما إذا كان الزواج هو الأول للنائب، وما ان أجاب هذا بأنه الثالث حتى قام الوزير فجأة وخرج مودعا لا يلوي على شيء، وكان باديا عليه عدم الرضا، فكونه وزيرا للشؤون الاجتماعية لم يسمح له بالاستمرار في زواج ثالث، حتى ولو كان العريس قويا. وانتهزت الفرصة فلحقت بالوزير وشكرته لإنقاذي من تلك الجلسة والزواج الثقيل على النفس!!
ذلك الرجل الكبير لم يكن سوى المرحوم خالد المضف، النائب والوزير السابق، الذي توفي قبل أيام، والذي كانت له الكثير من المواقف المشرفة، والذي خرج من النيابة والوزارة كما دخلهما… نظيفا عفيفا!!
ما أحوجنا في هذه الأيام لانتخاب من يماثله خلقا وعزة نفس وجمال موقف، فهل سنوفق في ذلك هذه المرة، التي اعتبرها الفرصة الأخيرة لإصلاح الوضع المتردي؟
* * *
• ملاحظة: تعتبر طائفة الصابئة المندائيين الأقدم من سكان العراق.
وعلى الرغم من ذلك ومن حقيقة كونهم الأكثر مسلمة وأمانة، لكن ذلك لم يمنع وقوع مئات الاعتداءات عليهم بحيث تقلص عددهم بالقتل والهجرة من مئات الآلاف إلى آلاف قليلة، ومع هذا لم تصدر أي من المراجع السنية العليا، ولا الشيعية العليا، أي فتاوى أو حتى تصريحات تشجب ما يتعرضون له من ظلم وتهجير، وكأنهم موافقون على ما يحدث لهم!!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

سعيد محمد سعيد

الضرب بيد من حديد… بين ترديد وتفنيد وتحديد!

 

لست من الناس الذين يؤيدون استخدام عبارة (الضرب بيد من حديد)… لا في أوقات الشدة ولا في أوقات الرخاء في أي مجتمع كان! وخصوصا في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي هي في الغالب، ومن خلال أداء حكوماتها، تتجاوز قوانينها وأعرافها وأخلاقياتها، وتعمد إلى تغييب العدالة الاجتماعية، وتشجع على ممارسات الفساد، ثم تأتي لترفع شعار الضرب بيد من حديد كلما ألمت بها ملمة!

في ثلاث دول عربية (جمهورية النظام)، تصاعدت لهجة الأنظمة الحاكمة باستخدام عبارة (الضرب بيد من حديد) بعد أن تفاقم تجاوز السلطات (ذاتها) للقوانين التي من المفترض أن تكون هي أول من يحترمها، ورأت في رفع ذلك الشعار تهديدا مشروعا توجهه إلى الداعين لتقديم الخيار الديمقراطي ودولة المؤسسات والقانون، من دون اعتراف شجاع منها بأن عدد من أقطابها الكبار، هم أول من يجب أن (يضربوا بيد من حديد بسبب عبثهم باستقرار الجمهورية وعبثهم بقوانينها وعبثهم بحقوق البلاد والعباد)، فكان أن برز عدد من المفكرين والمثقفين والسياسيين في تلك الجمهوريات العربية، بصيغة أو بأخرى، ليطالبوا باستخدام (الضرب بيد القانون ثم القانون ثم القانون)، الذي ينصف المظلوم ويعاقب الظالم.

البديل عن هذه العبارة الشائعة الصيت، بل هو (الأصيل) وليس البديل، إن أردنا الدقة، هو ترسيخ قوة (القانون) وتعزيزه، وتقوية دولة القانون والعدالة الاجتماعية التي يتساوى في محيطها كبار القوم وصغارهم، ولا شك في أننا في البحرين، وعلى رغم كل القضايا والملفات المهمة والمعقدة، وتداعيات بعض الظواهر وأبعادها الخطرة، نحتاج إلى هذا الترسيخ المكفول دستوريا، ففي المادة الثامنة عشرة من دستور مملكة البحرين ما نصه: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، فتطبيق هذا النص بروحه وجوهره، من دون شائبة من شوائب التمييز والمحسوبية والقفز على القوانين بمزاجية، سيفضي في نتيجته الحتمية إلى أن يد القانون ستضرب بقوة على كل من تسوّل له نفسه العبث بمكتسبات البلاد ومقدراتها وأمنها واستقرارها ووحدة شعبها.

أمن البلاد وسلمها الاجتماعي ليس خيارا حكوميا فقط، بل هو أيضا خيار شعبي مؤسس على تقديم المصلحة الوطنية العامة من دون غيرها من مصالح فئوية أو شخصية، وهو أيضا نابع من المواطنة الصالحة، بثنائية الحقوق والواجبات، وهنا، حينما تلوح ممارسات تهدد استقرار البلاد، من أي طرف كان، فإن تطبيق القانون على المتورطين، لا يجب أن يخضع للتهاون والمزاج.

التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني، يجب أن يكون تعاملا عادلا… فحين يتم ضبط عدد من المخربين الذين ينوون زعزعة الأمن والنيل من استقرار البلاد، سواء من خلال افتعال العنف اللامبرر وتعريض الممتلكات وأرواح الأبرياء للخطر، واشعال الحرائق وتدمير المرافق، فتصدر البيانات الشديدة الداعية للضرب بيد من حديد، وتنشط البرامج الإعلامية لكشف المخططات و(الفضائح)، فالأمر ذاته يجب أن ينطبق على كل فرد أو خلية تنوي بالبلاد شرا من خلال مخططاتها القذرة وسلاحها الخطير واتصالاتها المشبوهة، أيا كانت جهة الدعم، وأيا كان الانتماء المذهبي، مع الاعتبار طبعا لسرية التحقيقات والتحريات وترصد المعلومات وجمعها بدقة، واحترام دور الأجهزة الأمنية في عملها، ومع الاعتبار أيضا للحقوق المدنية.

لا مساومة على أمن البحرين، ولا على شرعية الحكم الخليفي فيها، ولا على حقوق الناس في المطالبة وفق ما كفله الدستور وميثاق العمل الوطني، ولا مكان لقمع الحريات وحرمان المواطن من التعبير، والتضييق على الحراك السياسي والنقابي والاجتماعي، لكن الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني أمر مرفوض، ولابد أن ينال من يثبت تورطه وتنكشف نواياه الخبيثة في تدمير بلادنا شر فضيحة وأشد عقوبة.