اليوم: 5 مايو، 2009
الدائرة الواحدة ومرشحو «مع الخيل يا شقرا»
الفارق الحقيقي بين الديكتاتورية والديموقراطية هو الايمان بـ «الحوار» فالدستور وصناديق الانتخاب والبرلمان كانت موجودة حتى لدى صدام وهتلر وستالين، بعض مرشحينا لا يقبلون ان يختلف معهم احد، فرأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب، لذا ما ان روَّجوا في الماضي للتحول لخيار الدوائر الخمس حتى قمعوا اي حوار صحي حول ذلك الخيار لمعرفة صحته من خطئه واتهموا مخالفيهم في الرأي بكل الموبقات حتى وصل الامر للتشكيك في وطنيتهم وذممهم.
تحولنا بعد تلك الحملة «الهتلرية» للدوائر الخمس ونزل الجيش وقوى الامن للانتخابات للمرة الاولى في تاريخنا وابتُعد عن العمل السياسي طبقا للحقائق الجديدة من روجوا لذلك الخيار المر وعاد القمعيون والهتلريون لتسويق مشروع الدمار الاكبر المسمى خيار الدائرة الواحدة دون السماح بأي حوار حوله وقد تبعهم كالعادة المرشحون من اصحاب الامية والمراهقة السياسية.
وفي دراسة قامت بها الامم المتحدة عام 98 وترأس فريقها د.بطرس غالي توصلت اللجنة لتعاريف محددة لـ «الديموقراطية» منها انه لا يجوز للدول ان تسمي نفسها بدول ديموقراطية لمجرد ان الاغلبية تحكم فيها عن طريق صناديق الاقتراع فأحد اعمدة الديموقراطية التي لا غنى للدول عنها حسب الدراسة هو التأكد من وجود نظام يضمن تمثيل الاقليات والشرائح المجتمعية والسياسية والاقتصادية والدينية المختلفة في الحاضر والمستقبل.
وشرط كهذا يتحقق عبر خيارات ثلاثة اولها نظام الكوتا وهو ما يرفضه «المتمسكون» بالدستور بحجة انه خارجه ومحرم تعديله وتغييره، الثاني هو نظام المجلسين حيث ينتخب الاول اما الثاني فيعين بشكل كامل او جزئي ومرة اخرى يرفض ذلك النظام المعمول به في الاغلبية المطلقة من الديموقراطيات الاخرى بحجة عدم شرعيته الدستورية، والخيار الثالث هو عبر تخصيص دوائر صغيرة للشرائح تتباين اعدادها مع الدوائر الاخرى وهو الامر الذي كان قائما في نظام الدوائر الـ 25 المرشحة للزيادة مستقبلا لـ 30 وحتى 50 دائرة لضمان تمثيل الجميع.
ان الديموقراطية الكويتية تمثل مليون مواطن بينما تمثل الديموقراطيات الاخرى في العالم ما يقارب 6.8 مليارات نسمة من أميركان واوروبيين وأفارقة وآسيويين.. إلخ، فهل جميع تلك الديموقراطيات التي تعتمد دون استثناء على مبدأ زيادة عدد الدوائر لا تقليصها على خطأ وبعض مرشحينا الذين ثبت خطؤهم مئات المرات على صواب؟! الجواب واضح وبسيط.
آخر محطة:
يردد البعض ان اختيار مرشحين اثنين فقط ضمن الدائرة الواحدة هو الكفيل بالقضاء على القبلية والطائفية والفئوية.. إلخ، ونسوا انهم سوّقوا لنفس «المنطق» ابان التحول لنظام الدوائر الخمس واختيار 4 مرشحين بدلا من عشرة، وانظروا بعيونكم وقبلها بعقولكم الى اين اوصلونا، خيار الدائرة الواحدة الفريد هو المحاق الاكبر الذي ينوي بعض المرشحين ختم حياتهم السياسية به رغم عدم دستوريته.. وعجبي!
لا استثناء ولو واحداً!
لو أخذنا كمثال ما يتكرر ارتكابه من أخطاء قاتلة في وزارات كالمواصلات او الداخلية او الكهرباء او الشؤون، المرة تلو الاخرى، من دون ان يبدو في الافق انها لن تتكرر، لوجدنا ان سبب ذلك يكمن في غياب مبدأ المحاسبة او الــ Accountability في الحياة السياسية او الادارية في الكويت، وربما في غيرها من بلداننا المتأخرة. وقد وصل التسيب الى درجة أن مرتكب الجرم او المسؤول عنه لا يبادر حتى الى الاستقالة أو الاعتراف بالخطأ أو المسؤولية، بل يبقى ساكتا بانتظار قرار ممن هو أعلى منه، والذي ربما سيشاركه السكوت عن الخطأ لكي لا تطاله المسؤولية ايضاً، أو يقوم بتجميد مرتكب الجرم أو حتى الحاقه بديوان الوزارة ليأتي من بعده آخر يعيده الى منصبه نفسه أو الى ما هو أعلى! وهكذا نرى ان الغياب شبه التام لمبدأ المحاسبة وتحديد المسؤولية عن الفعل او الجرم، شبه غائب عن حياتنا في المنزل والعمل والوظيفة، وبالتالي تكرر تقاعس وزراء المواصلات والكهرباء سنة بعد أخرى في تحصيل مئات ملايين الدنانير من المستفيدين من خدمات وزاراتيهم، وأكاد أجزم بأن مجلس الوزراء لم يفكر يوما في مساءلة أي وزير عن هذه الأخطاء الفادحة، والأمر ذاته ينطبق على مشاكل محولات وتمديدات ومحطات توليد الكهرباء الخربة التي تم التعاقد عليها طوال 20 عاماً الاخيرة على الاقل، ومئات ملايين الدنانير التي تقاعس الوزراء انفسهم، منذ التحرير وحتى اليوم، في تحصيلها من المواطنين والشركات، من دون سبب مقبول! كل هذا دفع الجميع تقريبا الى ارتكاب أي أمر وقول أي شيء لشعورهم بأن لا محاسبة ولا ملاحقة ولا متابعة، الا في أضيق الحدود، ومتى ما اشتهت الحكومة!
ولو قرأنا نصوص الخطب التي ألقيت في آخر مؤتمر عن الاعجاز العلمي في القرآن، الذي عقد في الكويت قبل 30 شهرا، لوجدنا أن جميع الادعاءات المتعلقة بالتوصل الى أدوية «اسلامية» لأمراض الوباء الكبدي والايدز وسرطان الرئة والسكري، وغيرها من الأمراض المستعصية لم يتحقق شيء منها بعد مرور كل هذا الوقت، علما بأن واحدا ممن «بشرونا» بالتوصل الى بعض تلك الاكتشافات كان وزيرا في الحكومة الكويتية وقتها!
ولو كان ذلك الوزير، أو أي من أولئك المدعين، على دراية بوجود نظام يحاسبهم على أقوالهم لما تجرأ اي منهم على فتح فمه! وغياب مبدأ المحاسبة يعتبر سببا رئيسيا في تخلفنا وتفوق الغرب الرهيب والمفزع علينا في كل مجال دون استثناء، ولو شبه واحد!
* * *
ملاحظة: عقد السيد فيصل الزامل، الذي يشغل مجموعة من المناصب، ومنها رئيس اللجنة الاقتصادية في اللجنة الاستشارية العليا لأسلمة القوانين، مؤتمرا في 26/3/2008، أعلن فيه عن إقامة «اللجنة» ندوة حول القيم والأخلاق المنظمة للمؤسسات الاقتصادية في الكويت. وبعد مرور أكثر من 13 شهرا على الندوة لانزال بانتظار نتائجها!
أحمد الصراف
habibi [email protected]